عميل سابق لـ«كي جي بي» يشتري صحيفة «إندبندنت» البريطانية

بعد نجاح تجربته الأولى مع «إفنينغ ستاندرد» وارتفاع توزيعها إلى أكثر من 600 ألف نسخة يوميا

TT

عندما استحوذ ألكسندر ليبيديف وابنه يفجيني، على صحيفة «إفنينغ ستاندرد» التي تصدر داخل لندن قبل 14 شهرا، ركزت التغطية الإعلامية حينئذ على طبيعة عمل ألكسندر كعميل سابق لـ«كي جي بي» وعلى ذوق الرجلين في النساء الجميلات. وطرحت الكثير من التقارير الإخبارية تساؤلات حول الأثر الذي سيخلفانه على الصحف الكبرى داخل بريطانيا.

ويوم الخميس الماضي، عندما عقدا صفقة لشراء صحيفة بريطانية محترمة متعثرة، صحيفة «إندبندنت»، كان السؤال الذي ظهر: هل أصبحت عائلة ليبيديف مصدر أمل للمحافظة على الصحافة الجادة داخل بريطانيا؟

وقال ألكسندر ليبيديف (50 عاما)، خلال مقابلة أجريت معه عبر الهاتف من موسكو بينما كان في طريقه للاجتماع مع شريكه التجاري ميخائيل غورباتشوف، الزعيم السوفياتي السابق: «أعتقد أن ذلك كان جذابا بدرجة كبيرة بالنسبة لي. وآمل ألا يشوش علي أي شيء».

وتطرقت التقارير داخل بريطانيا التي تناولت صفقة صحيفة «إندبندنت» إلى ماضيه في العمل لدى «كي جي بي» وثروته الكبيرة (مليارا دولار بحسب مجلة «فوربس») وطموحاته السياسية. ولكن في هذه المرة، أرجعت الكثير من التقارير الفضل لعائلة ليبيديف في الحفاظ على بقاء صحيفتين يوميتين تخسران، ربما قضي عليهما من دون الملاك الجدد، وإلى عدم التدخل في التغطية الإخبارية في «ستاندرد».

ويقول تيم لوكورست، رئيس مركز الصحافة داخل جامعة كنت: «كانت هناك شكوك، ولكن لا توجد أدلة على أن ليبيديف يعتقد في شيء آخر غير تمويل الصحافة الحرة الجادة. إنه يتحدث بعاطفة شديدة عن ذلك، ويبدو أنه يقصد ما يقوله».

وفي أكتوبر (تشرين الأول)، أجرت عائلة ليبيديف تعديلات على صحيفة «إفنينغ ستاندرد»، التي تقدم خدماتها لمنطقة لندن، لتصبح صحيفة مجانية من دون التأثير على محتواها، ويأتي ذلك في الوقت الذي تميل فيه الصحف المجانية داخل بريطانيا إلى أن تكون عبارة عن موجز يبعث البهجة. كما أنها رفعت توزيعها بمعدل ثلاثة أمثال، إلى أكثر من 600 ألف نسخة. وبعد توقف إصدار صحيفتين يوميتين داخل لندن العام الماضي، تقول «ستاندرد» إنها حصلت على عوائد إعلانات أكبر كثيرا مما خسرته في مدفوعات القراء. ويقول يفجيني ليبيديف (29 عاما): «تحولنا من صحيفة تخسر نحو 500 ألف جنيه إسترليني أسبوعيا» أو 745 ألف دولار «إلى نصف ذلك حاليا أو أقل». وبحكم منصبه رئيس مجلس إدارة «ستاندرد» - وسوف يحمل نفس اللقب داخل صحيفة «إندبندنت» - فسوف يكون له دور أكبر من والده في عمل الصحيفة.

وثمة سؤال يطرح نفسه: هل تمكنت عائلة ليبيديف من الوصول إلى قالب جديد يناسب قطاع الصحافة الذي يواجه صعوبات كبيرة؟ وهل يمثل تهديدا إلى منافسيه؟

خلال الأشهر التي جرت فيها مفاوضات بشأن صحيفة «إندبندنت»، وهي من الصحف القومية داخل بريطانيا، كانت وسائل الإعلام الإخبارية تتساءل هل ستصبح الصحيفة مجانية أم سوف تقلل سعرها الذي يبلغ جنيها إسترلينيا واحدا. ويمكن أن يؤثر ذلك على الصحف القومية الأخرى الجادة، ولا سيما صحيفة «الغارديان»، التي يشبه نهجها التحريري (يسار الوسط) النهج التحريري الذي تتبعه صحيفة «إندبندنت».

ويقول يفجيني ليبيديف عن صحيفة «إندبندنت»: «ثمة شيء واحد نعرفه وهو أنه لا يمكننا تحقيق تقدم بالمحافظة على الشكل الحالي». ويذكر أن صحيفة «إندبندنت» خسرت 12.4 مليون جنيه إسترليني (نحو 18.5 مليون دولار) العام الماضي. ويضيف: «نحتاج إلى نوع من التغيير في القالب التجاري».

وتقول عائلة ليبيديف إنها لم تتخذ قرارات بخصوص أي استراتيجية جديدة. والمفاجئ أنهم قالوا إنهم يهتمون بالطريقة التي ستتأثر بها الصحف الأخرى. وقال ألكسندر ليبيديف: «إذا كنت تسعى إلى إنقاذ صحيفة جيدة، فلا يجب أن تسعى إلى تدمير الصحف الأخرى».

ويشكك الخبراء في احتمالية أن توزع صحيفة مجانا داخل بريطانيا من دون خسارة أموال كثيرة، لأن تكلفة التوزيع كبيرة جدا. ويقول روي غرينسلاد، وهو محرر سابق في عدد من الصحف البريطانية الكبرى ويكتب تعليقا إعلاميا لصحيفة «الغارديان» و«ستاندرد»: «لديه شبكة التوزيع داخل لندن، ولذا يمكن أن يحول توزيع إندبندنت داخل لندن وحدها مجانيا مع الاستمرار في الحصول على مقابل داخل الأماكن الأخرى». وأشار إلى أن الصحف الأخرى «تشعر بالقلق نوعا ما بشأن ما سيقوم به».

وبغض النظر عما سيقوم به، فسوف يمضي ألكسندر ليبيديف نحو تخفيض رقم غير مألوف. ويشار إلى أن ألكسندر بدأ قراءة الصحف البريطانية في الثمانينات، في إطار عمله لصالح «كي جي بي» الذي كان يقوم خلاله بتجميع معلومات استخباراتية حول الاقتصاد البريطاني. وأبقت عليه الوكالة يعمل داخل لندن لعدة أعوام.

وتحول إلى العمل التجاري بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينات، وأسس إمبراطورية شملت القطاع المصرفي وشركات الطيران والفنادق والتصنيع. ويقول إن خبراته التجارية، من خلال التعامل مع الفساد داخل روسيا وغيرها من الدول، عززت من اهتمامه بالصراحة والتحقيقات الصحافية.

وفي الوقت الذي كان فيه رجال الأعمال الروس يقومون بشراء الفرق الرياضية، قام ليبيديف مع غورباتشوف بالاستثمار في صحيفة «نوفايا غازيتا» المشهورة بالتحقيقات التي تنتقد الحكومة والمصالح التجارية القوية. (كما أنها مشهورة بصحافييها الأربع الذين قتلوا خلال العقد الماضي، ومن بينهم آنا بوليتكوفسكايا).

ولا يزال ألكسندر ليبيديف يعيش داخل موسكو، فيما يعيش ابنه داخل لندن.

وطرحت بعض وسائل الإعلام الإخبارية داخل بريطانيا تساؤلات حول استقلالية ألكسندر ليبيديف عن الكرملين مطلع العام الحالي، بعد أن وافقت شركة «أروفلوت»، المملوكة مبدئيا للدولة، على إعادة شراء حصته داخل الشركة.

وسعى ألكسندر ليبيديف أكثر من مرة إلى الحصول على منصب عام، وكان في البرلمان الروسي لأربعة أعوام، وهو ما قد ينظر إليه داخل الولايات المتحدة على أنه تضارب مصالح. وتنقل بين الأحزاب، ويتحدث مع غورباتشوف عن تشكيل حزب إصلاحي.

وبعد شرائه حصة نسبتها 74.1 في المائة داخل صحيفة «ستاندرد»، قامت الصحيفة باستعمال محرر جديد وهو جيوردي غريغ، بهدف إحياء الصحيفة مجددا. وقامت الصحيفة بحملة إعلانات وهاجمت مفهوم أن الصحيفة سلبية بصورة مبالغ فيها بشأن لندن.

وجعل غريغ واجهة الصحيفة أكثر جاذبية، حسب ما يقول لورنا تيلبيان، المحلل الإعلامي في بنك نوميس الاستثماري، ولكنه «لم يأت على الأخبار الجادة».

وداخل روسيا وبريطانيا، تروج عائلة ليبيديف لأن تنأى الصحف بنفسها عن أي فصيل سياسي أو تجاري، وفي عهدهما ابتعدت صحيفة «ستاندرد» عن موقفها السابق الموالي للمحافظين.

ويقول يفجيني ليبيديف إن التصور الخاص بصحيفة «إندبندنت» هو «أن تكون ذات أفكار كبيرة مع تجنب ثقافة شعبية المشاهير، فهناك مبالغة في الاهتمام بهذه الطبقة».

* خدمة «نيويورك تايمز»