رئيس تحرير «نيويوركر» يجعل إدارة المجلة تبدو سهلة

ديفيد رمنيك يستقل المترو في طريقه إلى عمله.. ويستبدل أكبر المطاعم بالذهاب إلى مقهى متوسط المستوى

ديفيد رمنيك رئيس تحرير «نيويوركر» (نيويورك تايمز)
TT

ليس ديفيد رمنيك، رئيس تحرير «نيويوركر»، هو الرجل الذي يترك الفرصة تضيع من يديه، فبعدما حضر جنازة جون أبديك في ماساتشوستس في فبراير (شباط) من العام الماضي، مر على كلية هارفارد للقانون للالتقاء ببعض أستاذة الرئيس أوباما. وعلى الرغم من التغطية الصحافية الموسعة التي تعرض لها الرئيس الرابع والأربعون، كان رمنيك يعتقد أنه لديه ما يضيفه.

وقال رمنيك، 51 عاما، في حوار أجري معه: «لقد ألفت ذلك الكتاب كي أكتشف إذا ما كنت سأتمكن من كتابته أم لا. ولكن هل سيكون الأمر مثيرا، أم أنه سيكون مجرد شخص مر على كلية القانون، ليس بالأمر المهم؟».

وقد استمر رمنيك في الكتابة مما أسفر عن كتابه السادس «الجسر»، المكون من 672 صفحة، والذي من المقرر أن يصدر يوم الثلاثاء، والذي يرصد فيه السيرة الذاتية لقصة حياة أوباما وهويته العرقية، وصلاته بالسياسة الكينية، ودراسته للقانون، وأطروحة الدكتوراه التي أعدتها أمه حول الحدادة الإندونيسية، بل وحتى النكات التي كان أوباما يتبادلها مع أصدقائه في مرحلة المراهقة.

وبالنسبة إلى رمنيك لم تكن المسألة إذا ما كان بإمكانه الانتهاء من الكتاب في ظل عمله بنيويورك - فقد كانت القهوة كفيلة بمعالجة ذلك - ولكنها كانت تتعلق بما إذا كان فضوله سوف يستمر أم لا. فيقول: «يجب أن تكون متحمسا إلى حد كبير، وهو ما لن يستمر بعد خمس دقائق».

وفي كتابه «الجسر»، كان رمنيك يبدو مهتما على نحو خاص بـ«تغير هيئة» أوباما، وكيف «يستطيع تغيير نمطه دون التخلي عن جذوره». وهي الخاصية التي ربما يتمتع بها رمنيك نفسه، فهو يقدم التقارير الإخبارية، ويؤلف، ويدير المجلة، وهو المزيج الذي يجمع بين مهارات اللاعب والمدرب في نفس الوقت. فعائلته، ومحرروه، ووكلاء الإعلانات، يشعرون دائما وكأنهم يحتلون قمة أولوياته، كما أنه استطاع تحقيق الأرباح لواحدة من أعرق دور النشر في العالم.

وفي الوقت نفسه، على غرار شخصية كتابه التي تتسم بالرزانة، يبذل رمنيك جهدا هائلا كي يبدو وكأنه لا يبذل جهدا على الإطلاق. فيقول مالكولم غلادويل، أحد المحررين بـ«نيويوركر»، وأحد قدامى زملائه في «واشنطن بوست»: «يحب أن يبدو وكأنه لم يبذل جهدا، فهو يتجول ويتحدث مع الناس ثم يختفي ويكتب آلاف الكلمات في 15 دقيقة. وذلك كله جزء مما يجعل الأمر يبدو بسيطا».

من الصعب أن تجعل إدارة أي مجلة حتى وإن كانت «نيويوركر» تبدو سهلة في الوقت الراهن، فخلال العام الماضي انخفض عدد الصفحات الإعلانية في المجلة بنسبة 24 صفحة، وهو أقل بقليل من متوسط الصناعة. ولكن رمنيك تمكن من اقتصاد جزء من ربح التشغيل (عدا مصروفات التأسيس) من خلال تخفيض التكلفة، كما كان يفعل لسنوات طويلة.

وكانت تلك التخفيضات تعني أن «نيويوركر» كانت إصدار «كونديه ناست» الوحيد الذي يتجنب تخفيضات الميزانية خلال العام الماضي، مما منح رمنيك لقب «الكلب المخلص لصاحبه» في الشركة.

من جهته قال إس اي نيوهاوس الابن، رئيس شركة «كونديه ناست»، الذي ينأى بنفسه عادة عن المشاركة في الموضوعات الصحافية، من خلال رسالة إلكترونية: «إن رمنيك هو الشخص الملائم لذلك المنصب، وأنا لم أندم قط على ذلك القرار».

ويشغل رمنيك مكانه في 4 بميدان التايمز على نحو مختلف، فهو يستقل المترو كي يذهب إلى عمله وليس السيارة، كما لا يلجأ إلى الأبهة والتباهي اللذين يحيطان في العادة بمشاهير الصحافيين، بمن فيهم سلفه تينا براون. (كانت براون تتمتع بمكانة مرموقة حتى إنها ما زالت تنظر إلى رمنيك باعتباره مستجدا رغم أنه يرأس تحرير المجلة منذ 12 عاما، أي ضعف الفترة التي قضتها براون في رئاستها). كما أنه يتجنب الذهاب إلى كبرى المطاعم في المدينة، مفضلا «كويست»، وهو مقهى أميركي متوسط المستوى يقع إلى جوار منزله. فيقول غلادويل: «في آخر مرة كان يجب علي تناول العشاء معه كنت قد عقدت العزم على أن لا أذهب إلى (كويست). وكان علي أن ألجأ إلى مساعده».

جدير بالذكر أن رمنيك قد اكتسب حاسته الصحافية مبكرا، حيث نشأ في هيلسديل بنيوجيرسي، وكان يقرأ «صوت القرية»، فيما تشكل أسلوبه الإداري داخل صحيفة الـ«واشنطن بوست»، التي التحق للعمل بها بعد إنهائه دراسته الجامعية، حيث أصبح مراسلا لموسكو قبل الانتقال إلى «نيويوركر». وكان بن برادلي يرأس تحرير الـ«واشنطن» في ذلك الوقت، حيث كان يقوم بعمل جولة في المكان يوميا، ملقيا التحية على الصحافيين. فيقول رمنيك: «كنا ننظر في شبابنا إلى برادلي وكأنه عملاق وسط الأقزام».

وعلى غرار برادلي يقضي رمنيك يومه في التجول في الأنحاء، فتقول باميلا مافي ماكرثي، نائبة رئيس التحرير: «لديه هدف من التجول كل يوم والمرور على العاملين بالمؤسسة، فهو يحصل على قدر هائل من المعلومات من خلال تلك الجولات». وهو جزء من خاصية «تغير الهيئة». فيقول مايكل سبكتر، أحد المحررين والأصدقاء القدامى له: «لكي تصبح رئيس تحرير ناجحا يجب أن تتمتع ببعض صفات الإخصائي النفساني. ويتمتع رمنيك بالبراعة في إدراك مشاعر الكتاب المختلفين وبالتوصل إلى أفضل طريقة لإظهار أفضل ما فيهم. وبالنسبة لبعض الأشخاص، مثلي، يكون ذلك عبر الصراخ».

وعلى مستوى التحرير الصحافي، يقول هنري فندر، مدير التحرير، إن رمنيك يستطيع في العادة رصد «نقاط الضعف في التقارير» أو عندما يستعين أحد المحررين بـ«التاريخ المختصر» أو الأقوال المكررة بشأن موضوع ما. ولكن «إذا ما حقق مقال النجاح، يحب بعض رؤساء التحرير إبراز دورهم في كل شيء، ولكنه لا يفعل ذلك».

ويقول رمنيك إنه لا يحب أن يقف في طريق كتابه ومحرريه، فيقول: «لا أحب أن أعكر صفو تلك العلاقة الحساسة». كما أنه يواظب على إرسال بطاقات الشكر لكتابه. فيقول غلادويل: «يرسل إلينا بطاقات رقيقة للغاية»، وهو ما يجعلك تشعر «بأنك جزء من شيء مهم للغاية».

ويقول رمنيك: «علي أن أتذكر دائما أن الكتابة مهمة شاقة للغاية. وأتمنى أن أولي الاحترام الكافي لذلك».

ومن جهة أخرى فإن الشيء الوحيد الذي يكرهه، وفقا لفندر، المسؤول عن تحرير مقالات رمنيك، هو «المبالغة أو التكلف في الكتابة».

ومن الناحية المالية، يقول الناشرون إنه يساعد قدر استطاعته، فهو يتناول الغداء مع المعلنين، ويقيم الحفلات بمنزله للعملاء. ويراجع ميزانية المجلة، حيث يقوم بتخفيض الحصص المخصصة للسعاة، وسيارات الأجرة، والوجبات، والحفلات، ويقلل «مصروفات التخلص من الموضوعات» التي تدفعها المجلة مقابل الموضوعات التي لا تستخدمها، و«التي كانت باهظة في أثناء إدارة براون».

وعندما كان على جيفري غولدبرغ قضاء الليل في نيويورك لكتابة أحد الموضوعات خلال الشهر الماضي، أصر رمنيك على أن يبيت بمنزله. فيقول غولدبرج، الذي يعمل حاليا كمراسل لـ«ذا أتلانتيك»: «السؤال هو: هل طلب مني المبيت عنده لأننا أصدقاء أم لأنه سيوفر بذلك النفقات؟ وقد تكون الإجابة هي للسببين معا». وقد ساهمت سياسة الاقتصاد أو التقشف تلك في حماية «نيويوركر» من تخفيضات الميزانية الإجبارية التي تصل إلى 25 في المائة، والتي تعرضت لها مجلات «كونديه ناست» الأخرى خلال العام الماضي. وتحت إدارة رمنيك ارتفع معدل التوزيع بنسبة 23 في المائة حتى وصل إلى ما يزيد عن المليون، رغم أنه ضاعف مؤخرا سعر الغلاف، ورغم أن مبيعات أكشاك التوزيع انخفضت مؤخرا (مقارنة بالنصف الأول من عام 1999، وهي أقدم البيانات المتاحة). كما أن معدل تجديد الاشتراكات يصل إلى 84.3 في المائة مقارنة بنحو 77.3 في المائة في أوائل عام 1999. وقد انخفض معدل التوزيع وتجديد الاشتراكات انخفاضا طفيفا من 2008 إلى 2009، حيث انخفض معدل توزيع الصناعة بأسرها. وقد هدأت الضجة التي كانت تثيرها المجلة من وقت إلى آخر، والتي كانت براون بارعة فيها - كان أحدث أعداد «نيويوركر» التي أثارت ضجة هو غلاف أحد أعداد 2008، الذي تصدرته عائلة أوباما وهم يتلامسون القبضات - وقد استبدلوا بها التحقيقات الصحافية مثل تحقيقات سيمور هرش حول العراق، وجين ماير حول التعذيب والإرهاب.

وعلى الرغم من أن هناك قراء، بلا شك، يفضلون غلو براون على توجهات رمنيك التي تشبه توجهات الصحف، فإنه له الفضل في الحفاظ على الهدوء داخل مبنى ومهنة يعجان بالتوتر.

فيقول فندر: «أعتقد أنه ينظر إلى مهنة رئيس التحرير باعتبارها المهنة التي تقتضي أن لا تكون مجنونا، فيما يجب على الكاتب دائما أن يكون مجنونا على نحو ما». إلا إذا كان الكاتب هو رمنيك، فخلال العام الذي قضاه في كتابه «الجسر» كان يستيقظ في 5:30 صباحا للكتابة، ويسهر لاستئناف الكتابة حتى منتصف الليل، ولكنه نادرا ما كان يناقش الكتاب في العمل. ووفقا لما قالته لنا إسثر فين، زوجته، في رسالة إلكترونية: «يستيقظ مبكرا للغاية، ويعاود العمل بعد تناول العشاء مع الأطفال، كما أنه لم يحصل على إجازة أو عطلة لأكثر من عام».

جدير بالذكر أن عددا وفيرا من الكتب المتعلقة بأوباما سوف تصدر خلال العام الجاري، كما تعمل دار نشر «كنوف» على الإسراع في نشر كتاب رمنيك. وستقوم دار النشر بطباعة 130 ألف نسخة في البداية، وهو ما يزيد على عدد كتب رمنيك السابقة، ويعادل تقريبا عدد نسخ كتاب «تغير اللعبة». وتتوقع «كنوف» أن يصبح كتاب رمنيك ضمن الكتب الأكثر مبيعا، وفقا لبول بوغاردس، المتحدث الرسمي باسم الناشر.

ولكن توقعات رمنيك بشأن الكتاب متواضعة، على الأقل على المستوى الفكري، فيقول: «أدرك الفارق بين العمل الصحافي والأكاديمي»، ذلك ما قاله رمنيك حول السيرة الذاتية. وأضاف: «فأنا صحافي ولست روبرت كارو. فلدي عمل يومي علي إنجازه، كما أن وقتي مشغول دائما، وإن كان مشغولا بطريقة ممتعة».

بعدما أنهى العشاء مع المحرر - في «كويست» بالطبع - تناول رمنيك فنجانا من القهوة محلى بملعقة سكر واحدة. وعلى الرغم من أن الساعة كانت قد تجاوزت العاشرة فإنه كان لا يزال لديه الكثير لإنجازه.

* خدمة «نيويورك تايمز»