المسلسلات الدرامية عالية الجودة تجذب ملايين المشاهدين إلى قنوات الكابل

تعكس تغيرا في نموذج العمل.. والاعتماد على إنتاج بميزانية محدودة

TT

انتقلت مؤخرا جماهير التلفزيون التي تسعى لمشاهدة دراما مثيرة وعالية الجودة، من الشبكات التلفزيونية إلى المصدر مباشرة: قنوات الكابل..

حيث جذبت دراما «إف إكس» الجديدة «جاستيفايد»؛ مسلسل المطاردات البوليسية الذي يفرط في استخدام رموز الغرب الأميركي إلى حد أن حلقته الأولى اشتملت على أكثر من مشهدين لسحب المسدسات على الطريقة الأميركية، نحو 4.2 مليون مشاهد، كما حصلت على أكبر معدلات مشاهدة يحصل عليها العرض الأول لمسلسل درامي على القناة منذ ثمانية أعوام.

وفي الوقت نفسه، تغلبت الحلقة الأولى من الموسم الجديد لمسلسل «بريكينغ باد» - الذي أنتجته الشبكة الكابلية «إيه إم سي»، والذي يدور حول أستاذ كيمياء مصاب بالشلل يتحول إلى تاجر مخدرات - على أكثر مسلسلات الشبكة نجاحا «ماد مين» في الكثير من فئات المشاهدة، حيث حققت معدلات مشاهدة تجاوزت المليوني مشاهد، ووصل معدل المشاهدة إلى 3.3 مليون بعد الإعادة المباشرة للحلقة.

ويأتي نجاح كلا المسلسلين - في أعقاب عرض مسلسلات درامية ناجحة على الشبكات الكابلية مثل «يو إس إيه»، و«تي إن تي»، «وإيه بي سي فاميلي» - في الوقت نفسه الذي كانت فيه الشبكات تواجه صعوبة في العثور على مسلسلات تصل مدة الحلقة بها إلى ساعة ويمكن أن يستمر عرضها طوال الموسم خاصة خلال فترة عرض العاشرة مساء.

ويعكس الانتقال إلى المحطات الكابلية أيضا تغيرا في نموذج العمل الدرامي؛ حيث لم تعد تلك المحطات تعتمد على إنتاج 100 حلقة أو أكثر لبيعها لشبكات البث، بل إنها أصبحت تعتمد على إنتاج مسلسلات درامية بميزانية محدودة، وعلى الاشتراكات التي تدفعها شركات تقديم الخدمات الكابلية، وعلى تقليل عجز الميزانية، والأهم من ذلك على استثمارات الشبكات الدولية.

وبصفة عامة، ما زالت الشبكات تنتج عددا أكبر بكثير من الساعات العشر التي تنتجها القنوات الكابلية من المسلسلات الدرامية، (وحتى إذا ما أضفت القنوات مدفوعة الأجر مثل «إتش بي أو»، و«شوتايم»، و«ستارز» فلن تزيد الأرقام كثيرا).

ولكن هناك تغيرا كبيرا يحدث إن لم يكن تغيرا جذريا؛ فعلى سبيل المثال، أصبح استوديو «سوني بيكتشرز» الذي ينتج مسلسلي «جاستيفايد» و«بريكينغ باد» يقدم عددا أكبر من الساعات الدرامية للقنوات الكابلية أكثر من التي يقدمها للشبكات، وذلك رغم أن القنوات الكابلية تدفع أقل - ما يقارب المليون دولار في الحلقة - من مبلغ 1.5 مليون دولار الذي تدفعه الشبكات لترخيص المسلسلات.

ومن ثم يتم إنتاج المسلسلات الكابلية بتكلفة أقل؛ ما يقارب مليوني دولار للحلقة في المتوسط، بينما تتكلف المسلسلات التي تنتجها الشبكات في المتوسط 3 ملايين دولار أميركي.

وعن ذلك، يقول ستيف سترنبرغ، المحلل بالتلفزيون والذي يكتب حاليا مدونة خاصة تحمل عنوان تقرير سترنبرغ «أعتقد أن عدد المسلسلات الكابلية سوف يتزايد، وأن الفجوة بينها وبين شبكات البث سوف تتناقص إلى حد كبير».

وأضاف: «(تي إن تي)، (إف إكس)، (يو إس إيه)، (إيه إم سي)، (سايفاي)، (إيه بي سي) وغيرها انتقت بالفعل عددا من المسلسلات الدرامية التي سيتم بثها في الموسم القادم، كما تم تجديد معظم المسلسلات التي يتم بثها حاليا. وأعتقد أنه مع بداية الصيف ستتشبع تلك القنوات بالمسلسلات الكابلية التي تعرض للمرة الأولى أكثر من أي وقت ماضي، كما أننا سوف نرى المزيد في الخريف والربيع».

وكانت «إن بي سي» قد تعرضت لانتقادات حادة لتخليها عن المسلسلات الدرامية عندما رحلت مسلسل «جاي لينو» إلى ميعاد العاشرة مساء خلال الخريف الماضي، وهي تحاول الآن إحياء مسلسلات مثل «بيرانتهوود»، «لو أد أوردر: وحدة الضحايا الخاصة». وما زالت «إيه بي سي» مستمرة في إضافة قائمة طويلة من المسلسلات مثل «ذا فورجوتين»، «ذا ديب إند»، واللذين منيا بالفشل نظرا لعرضهما في ذلك الوقت.

وفي السنوات الماضية، لم تحظ أي شبكة بخلاف «سي بي إس» بنجاح حقيقي في المسلسلات التي يتم بثها في العاشرة مساء، حيث تبث الشبكة «ذا غود وايف»، «ذا منتاليست» (عادة ما تبث المحطات التابعة لشبكة «فوكس» البرامج الإخبارية في العاشرة مساء).

ومن جهته، قال جون لاندغراف، رئيس «إف إكس» التي تشتهر بإنتاجها مسلسلات ذات جودة عالية على الشبكات الكابلية نظرا لإنتاجها مسلسلات «ذا شيلد»، «ريسكيو مي»، «داميدج»: «ما حدث هو - باستثناء مسلسل (لوست) - أن الشبكات لا تنتج مسلسلات درامية للبث في العاشرة المساء».

ويعرف لاندغراف فترة بث العاشرة بأنها تتجاوز كونها فترة بث (مسلسل «لوست» الذي تبثه شبكة «إيه بي سي» يعرض في التاسعة مساء)، حيث إنها أقرب إلى نموذج للعمل: مسلسلات الشبكة التجريبية مثل «هيل ستريت بلوز»، «إس تي إيلسوير»، «إن واي بي دي بلو» والتي اعتادت الشبكات أن تبثها في العاشرة مساء.

فيقول لاندغراف مستشهدا بمسلسل «سي بي إس» الناجح «ذا منتاليست»، مسلسل التحقيقات في الجرائم، والذي تم نقله إلى العاشرة مساء خلال الموسم الحالي «إنهم الآن يضعون برامج ومسلسلات التاسعة مساء في فترة العاشرة مساء. فقد كانت فترة العاشرة مساء، وهي الفترة التي تعقب ذهاب الأولاد للنوم، هي الفترة التي تستطيع فيها الشبكات أن تجرب عرض المسلسلات التي تتناول تحليلا عميقا للشخصيات أو المسلسلات الأقوى بصفة عام. ولكن ذلك أصبح صعبا الآن. فقد أصبح من الأفضل بالنسبة لهم عرض المسلسلات التي يمكن مبادلة أي حلقة فيها بالأخرى».

وفي الماضي، لم يكن باستطاعة أحد، بخلاف الشبكات، إنتاج مسلسلات درامية عالية الجودة؛ فقد كانت معظم البرامج والمسلسلات التلفزيونية تحصل على مساعدات نظرا لعجز الميزانية الذي تحققه. ولكي تحقق أرباح، فإنها بحاجة إلى عدد كبير من الحلقات التي يمكن إعادة بيعها إلى محطات البث. وذلك حيث إن المسلسلات الكابلية لا تحقق نسبا مرتفعة من مبيعات السوق الثانوية.

ولكن معادلة نجاح الدراما الكابلية تغيرت، وكما يقول زاك فان أمبورغ، رئيس الإنتاج وتطوير البرامج لشركة «سوني بيكتشرز»، فإن العالم تغير كذلك.

وأضاف «تمثل السوق العالمية مرحلة حاسمة لهذه المسلسلات. فقبل خمسة أعوام كانت المسلسلات التي تقدمها الشبكات التلفزيونية أكثر أهمية؛ فهم كانوا ينظرون إليها باعتبارها ذات جودة أعلى وتكلفة أكبر كذلك. ولكن الشبكات الكابلية دخلت المنافسة وكان أداؤها طيبا».

ومن جهة أخرى، جذب الانتقال إلى الشبكات الكابلية لاعبين آخرين مثل غلين كلوس («داميدجز» على «إف إكس») وبعض منتجي المسلسلات مثل فينس غليعام (الذي كان ينتج قبل ذلك «إكس فايلز»، والذي ينتج حاليا «بريكينغ باد») الذين جذبتهم المواسم الأطول، والتمتع بالمزيد من حرية الإبداع، بالإضافة إلى التوقعات التي تشير إلى أن الدراما الكابلية لديها موسم واحد على الأقل لتثبت فيه كفاءتها.

فقد جذب مسلسل «داميدجز» الذي تنتجه «سوني» نحو 1.4 مليون مشاهد في الحلقة، وهو معدل المشاهدة الذي يسمح بالكاد باستمرار المسلسل (رغم أن لاندغراف قال مازحا إن المسلسل حقق معدلات مشاهدة مرتفعة بين المشاهدين الذين يتجاوز معدل ذكائهم 140). ولكن «سوني» استطاعت بيع المسلسل إلى بلدان أخرى بما يتجاوز في الإجمالي مليوني دولار للحلقة. فيقول أمبورغ «لقد كان مسلسل (داميدجز) عملا نحب أن نقوم به. كما قال لاندغراف إنه من خلال الأرباح العالمية، والأرباح التي جلبتها مبيعات أقراص الـ«دي في دي» لمسلسل «داميدج» في موسمه الثالث، يستطيع المسلسل «الاستمرار لأربعة أو خمسة مواسم إضافية» (وهم يتفاوضون حاليا حول صفقة بشأن عرض الحلقات الجديدة لمسلسل «داميدجز» على قناة تعمل من خلال خدمة الأقمار الصناعية «دايريك تي في» قبل أن يتم عرضها على «إف أكس» وهي الصفقة التي ربما تفيد إلى حد كبير).

وبالإضافة إلى إعجابهم بالمسلسل، هناك عنصر الميزانية المنخفضة، فيقول جوان ألفانو نائب الرئيس التنفيذي للترفيه بـ«لايفتايم» إن المسلسلات الدرامية الناجحة مثل «أرمي وايفز»، و«دروب ديد ديفا»، يتم تصويرها في تشارلستون بكاليفورنيا الجنوبية وأتلانتا، للاستفادة من الضرائب المخفضة. ويضيف ألفانو «لقد بنينا موقع التصوير الرائع لمسلسل (ديفا) بربع التكلفة التي كنا سنضطر إلى دفعها في لوس أنجليس».

وتعتمد الشبكات الكابلية على مصدرين أساسيين للتمويل؛ الاشتراكات، والإعلانات. فيقول لاندغراف «إذا لم يكن الناس يدفعون اشتراكات للشبكات الكابلية فلن يصبح الأمر مشروعا تجاريا».

لكنه ما زال عملا تحده الحدود، فالمسلسلات الكابلية لا تبيع على نحو مباشر إلى الشبكات الكابلية الأخرى وبالتالي فإنها لن تحقق أرباحا تضاهي ما تحققه الشبكات. فعلى سبيل المثال، باعت شبكة «سي بي إس» حق إعادة عرض مسلسل «إن سي آي إس: لوس أنجليس» إلى شبكة «يو إس إيه» بعد بثه لأول مرة بسبعة أسابيع فقط. وكان الأجر الذي تقاضته مقابل ذلك يصل إلى مليوني دولار لكل حلقة من كل قناة. فيقول فإن أمبورغ «لا أعتقد أن القنوات الكابلية سوف تحقق أرباحا تصل إلى المليار دولار. فسوف نحقق أرباحا، ولكن هل سنحقق أرباح على غرار ما تحققه الشبكات؟ لا أعتقد ذلك».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»