غموض يحيط بمستقبل التصوير الفوتوغرافي

3 عوامل تسببت في خلق أزمة للمصورين المحترفين

غموض يحيط بمصير آلاف المصورين الفوتوغرافيين (نيويورك تايمز)
TT

عندما التحق مات إيك بأكاديمية التصوير الصحافي في عام 2004، كانت أعمال المجلات والصحف قد بدأت تتراجع بالفعل.

ولكن إيك كان يلتقط الصور الفوتوغرافية منذ أن كان طفلا، وخلال فترة دراسته الجامعية وبعدما تزوج وأنجب طفلا اتجه للعمل كمصور. يقول إيك «كان عليّ أن أبدأ بتوفير ما نحتاج إليه من المال على الفور». ومنذ تخرجه في عام 2008، كلفت بعض المجلات إيك (23 عاما) بمهام هنا أو هناك، لكنه يضيف «إن الشعور السائد بيننا الآن، أو على الأقل بين أقراني هو أن تلك المهنة لم تعد دائمة». فقد كان يقدم للمجلات الإعلانات والمشروعات الفنية، وكان يعتمد على طرق مختلفة لكسب عيشه.. فيقول «كان هناك طريق واضح قبل ذلك لكنه لم يعد كذلك».

وهناك أيضا دي شارون برويت (40 عاما)، الأم لستة أطفال التي تعتمد على دخل زوجها من الجيش، وكان تنقله المستمر يجعل من الصعب عليها أن تحصل على عمل بدوام كامل. وبعد أن قضت برويت عطلة في هاواي في عام 2006، رفعت بعض الصور - التي تم التقاطها بكاميرا «كوداك» الرقمية التي تباع بسعر 99 دولارا - على موقع «فليكر». ومنذ ذلك الوقت، ومن خلال الصور التي نشرتها على «فليكر»، تعاقدت برويت مع شركة «غيتي إميدجيز» المتخصصة في إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية للصور الفوتوغرافية، والتي أصبحت تعطيها دخلا شهريا، عندما يمنح الناشرون والمعلنون ترخيصا لصورها. ويكون المبلغ كافيا في بعض الأحيان لاصطحاب العائلة لتناول العشاء في الخارج أو لدفع قسط الرهن العقاري.. تقول «في الوقت الراهن، يعد الحصول على أي قدر إضافي من المال أمرا طيبا».

ويعد كل من إيك وبرويت نموذجا واضحا لحجم التغير الذي شهده عالم التصوير الفوتوغرافي خلال العقد الأخير، حيث تزايدت فرص الهواة، الذين يسعدهم أن يحصلوا على قدر قليل من المال مقابل التقاط صور للأطفال أو الغروب، في كسب المال عبر الصور الفوتوغرافية، لكنهم في الوقت نفسه تسببوا في خفض سعر الصور التي يلتقطها المحترفون وقلصوا فرصهم في العمل. كما تأذى المحترفون أيضا جراء قيام المجلات والصحف بتقليص عدد الصفحات أو إغلاق بعضها كلية.. فتقول هولي ستيوارت هافس، المحررة بمجلة «فوتو ديستريكت نيوز»: «لا يوجد سوى عدد قليل من المصورين المحترفين الذين لم يتضرروا في الوقت الراهن». وهو ما خلق نوعا من أزمات الهوية لدى المصورين المحترفين. فقبل تسعة أعوام، وعندما كانت ليفيا كورونا قد تخرجت لتوها في كلية الفنون، تعاقدت مع بعض المجلات لالتقاط بعض الصور لها؛ مثل مجلات «ترافيل»، «ليشر»، و«تايم». لكن بعد ذلك، كما تقول كورونا: «تزامنت ثلاثة عوامل معا».

وتتمثل تلك العوامل في الأزمة التي واجهت صناعة الإعلان، وتزايد شعبية وسهولة التصوير الرقمي، بالإضافة إلى التغيرات التي شهدتها سوق قواعد بيانات الصور الفوتوغرافية، حيث إن الصفحات بالمجلات أو الصحف تتقلص أو تتزايد بناء على عدد الصفحات الإعلانية التي تشتمل عليها المجلة. وكان عدد الصفحات الإعلانية بالمجلات في عام 2000، وفقا للإحصاء الذي أجراه «مكتب معلومات الناشرين»، يبلغ 286932 صفحة، بينما وصل ذلك العدد في عام 2009 إلى 169218، أي أنها انخفضت بنسبة 41 في المائة، مما يعني تقلص المساحة المخصصة لنشر الصور. من جهته، يقول بيل شابريو المحرر بموقع «Life.com» والذي كان يتزعم تجديد الموقع قبل أن تغلقه مؤسسة «تايم» في عام 2007 «إن تكلفة الصفحات مرتفعة للغاية، وبالتالي فإن المهمة أصبحت أكثر صعوبة بالنسبة للأعمال الإبداعية».

وينطبق ذلك على المطبوعات التي تمكنت من النجاة؛ حيث أغلقت 428 مجلة في عام 2009 وحده، وفقا لقاعدة البيانات الخاصة بالنشر في موقع «MediaFinder.com» بما في ذلك المجلات التي كانت تنشر دائما صورا أصلية مثل «غورميه»، «بورتوفوليو»، ناشيونال جيوغرافيك أديفنشر».

ونظرا لأن ميزانية المجلات - التي كانت في وقت من الأوقات تزدري قواعد بيانات الصور الفوتوغرافية؛ لأنها ليست أعمالا أصلية لمصورين محترفين بل هي مجرد صور مأخوذة من قواعد بيانات معدة مسبقا - قد تقلصت، أعادت المجلات النظر إلى تلك الصور. فيقول جوناثان كلاين، الرئيس التنفيذي لموقع «غيتي إميدجيز»، والذي ساهم في تأسيس تلك الوكالة في عام 1995 «في البداية كان ينظر إلى صور قواعد البيانات الإلكترونية باعتبارها أردأ أنواع صناعة التصوير الفوتوغرافي. ولم يكن أي مصور أو محرر مبدع يلجأ إلى تلك الصور سابقة الإعداد لأنها ليست أعمالا إبداعية، فهم لم يطلبوا تصويرها كما أنها ليست من إبداعهم».

لكن من جهة أخرى، جعل الإنترنت عثور المحررين على الصور المأخوذة من قواعد البيانات بترخيصها أمرا أكثر سهولة؛ فأصبح بإمكانهم القيام بذلك في ثوان معدودة، وبمجرد النقر على فأرة الحاسوب، بدلا من إهدار سبعة أسابيع في إرسال أفلام الصور الفوتوغرافية وتلقيها. بالإضافة إلى أن التصوير الرقمي كان قد بدأ يزدهر. فتقول كيث مارلو، المصورة التي تعمل لدى «سبين ورولينغ ستون»: «كان الأمر يتعلق بقدرتك على استخدام الكاميرا. فإذا ارتكبت خطأ فإنك لا تستطيع التراجع عنه». ولكن أي مصور يستطيع الآن أن يرى على الفور إذا ما كانت الصورة التي التقطها جيدة أم لا، وإذا ما كانت الإضاءة أو أي عامل آخر من العوامل الفنية يحتاج إلى الضبط.

وهو ما يعني تزايد القدرة على التقاط عدد لا حصر له من الصور الجميلة، وهو ما أسهم في التغييرات التي طرأت على صناعة قواعد بيانات الصور الإلكترونية. فخلال الأعوام القليلة الماضية، كانت الوكالات المتخصصة في قواعد بيانات الصور الإلكترونية قد خلقت أو حصلت على ما يطلق عليه أقسام «المايكروستوك». وهم يتقاضون مبلغا يتراوح بين دولار ومائة دولار من الناشرين أو غيرهم لإعادة استخدام الصورة التي أضافها في أغلب الأحوال مصور هاو. وكان موقع «غيتي إميدجيز» قد عقد صفقة مع «فليكر» في عام 2008 يسمح بمقتضاها لمحرري الصور بـ«غيتي إميدجيز» بفحص صور العملاء وعقد اتفاقات لترخيص صور بعض المصورين المبتدئين. فيقول كلين «لم يعد من الممكن التمييز بين صور الهواة والمحترفين». ومع ذلك «فإن ما يمكن أن يدفعه العميل لقاء صور الهواة هو مجرد جزء ضئيل من سعر الصور التي يلتقطها محترفون».

وفي عام 2005، قامت «غيتي إميدجيز» بترخيص 1.4 مليون صورة للهواة. وخلال العام الماضي، قامت بترخيص 22 مليون صورة، وكما يقول كلاين فإن «نمو الشركة كان يعتمد على الصور التي يلتقطها الهواة»، وذلك لأن الهواة يشعرون بالسعادة لمجرد تقاضي أجر على صورهم. فيقول إيتش «إن الأشخاص الذين لا يكسبون عيشهم من التصوير ويمارسونه كهواية لا يشعرون بضرورة تقاضي سعر معقول».

ومع انخفاض أسعار الصور التي يلتقطها الهواة وانخفاض اعتماد المجلات على صور المحترفين، فإن بعض المواقع الإلكترونية مثل «Life.com»، و«BurnMagazine.org» قد أصبحت مركزا لصور المحترفين. فيقوم موقع «Life» بالتعاقد على مشروعين في الشهر؛ فمثلا أرسل مارلو إلى هايتي بعد الزلزال مباشرة، كما أرسل جيف فيزبا، المتخصص في الصور الترفيهية، لتغطية جولة وسائل الإعلام الأوروبية مع فريق عمل «أفاتار». ويبدو أن هناك جمهورا لصور المحترفين على هذه المواقع؛ حيث إن متوسط عدد الصور التي تصفحها كل زائر لـ«مايكل جاكسون: الذكرى» على موقع «Life» بلغ 41، فيما كان متوسط عدد الصور التي تصفحها الزائرون لـ«أوسكار 2010: أفضل الملابس» يبلغ 38 صورة.

ولكن بالطبع فإن سعر الصور التي يعرضونها على تلك المواقع أقل بكثير من سعر الصور التي تباع للمطبوعات، وفقا لما قاله شابريو من موقع «لايف»، وعلى الرغم من أن بعض المصورين المحترفين يتحمسون لفكرة العرض أكثر من عقد صفقة جيدة، فإنه من الصعب أن يتكسب المصورون من ذلك النوع من العرض فقط. وهو ما جعل بعض المصورين المحترفين يشعرون بالقلق لأنه في ظل تضاءل فرص حصولهم على دخل من التصوير، ستزداد الأزمة احتداما.

فتقول كاترين إيسمان رئيس برنامج «الدراسات العليا في التصوير الرقمي» بأكاديمية الفنون المرئية في نيويورك «أهم شيء يقوم به المصور الصحافي هو أنه يعرف كيف يحكي القصة، فهو يدرك أنه ليس هناك مجال لكي ينحاز أو يتخذ مواقف معينة. فيمكن أن يذهب المصور إلى مظاهرة أو احتجاج، ويكون بإمكانه أن يظهر أن عدد المتظاهرين يبلغ عشرة أو 1000 وهو ما يمكن أن يمثل فارقا هائلا. وذلك ما يجعلني لا أثق بالمصورين الهواة لأنني أدرك أهمية ذلك النوع من التواصل البصري».

هل يمكن أن يلتقط هاو صورة بنفس جودة المصور المحترف؟ بالطبع. هل يمكن أن يفعل ذلك بالطلب؟ هل يمكن أن يفعل ذلك مرة أخرى؟ هل يمكنه أن يفعل ذلك مرارا وتكرارا؟ هل يستطيع أن يفعل ذلك إذا لم يكن المشهد مثيرا بالنسبة له؟ لا يبدي الهواة مثل برويت اهتماما بذلك. فتقول برويت «لم أتبع أبدا أي قواعد للتصوير لأنني لا أعرف أيا منها - فأنا لم أذهب إلى مدرسة تصوير، ولم أحضر أي دورات تدريبية. فالناس العاديون لا يعرفون القواعد وبالتالي فهم يصورون ما يحلو لهم وهو ما يروق للآخرين أيضا».

* خدمة «نيويورك تايمز»