«تويتر» سلاح السياسيين الفرنسيين الجديد

يجيبون عبره عن السؤال الجوهري: ماذا تفعل الآن؟

أصبح «تويتر» وسيلة السياسيين الفرنسيين الجديدة للتواصل مع مطالب المواطنين («الشرق الأوسط»)
TT

بعد المدونات، و«الفيس بوك»، والدردشة، وتسجيلات الفيديو، ها هو «تويتر» آخر عنقود شبكات التواصل الاجتماعي يدخل عالم السياسة.

الظاهرة اكتسحت بقوة المشهد السياسي الفرنسي الذي يبدو وكأنه تأثر بالتجربة الناجحة للرئيس أوباما مع شبكات الاتصال الاجتماعية، حيث أصبح لكثير من الشخصيات السياسية الفرنسية اليوم حساب خاص بها على «تويتر»، تستعمله كمنصة جديدة لأغراض الاتصال والدعاية الانتخابية. مداخلات الساسة تحوي في أغلبها تعليقاتهم حول بعض القرارات والأحداث السياسية المهمة، إضافة إلى معلومات عن تنقلاتهم ولقاءاتهم في الصحافة والإعلام ومهامهم الرسمية، وأحيانا أخبار وطرائف متنوعة.

وكانت الانتخابات المحلية الأخيرة قد شهدت حضورا مكثفا لعدد من رجال السياسة على شبكات التواصل الاجتماعية، وجدلا كبيرا بين اليمين واليسار، كان «تويتر» مسرحا لها، حيث أظهرت دراسة نشرت على موقع «بارغاتروك» (pargatruk) أنه من بين الأربعة والثلاثين مرشحا الذين تقدموا للانتخابات كان ثلاثون منهم موجودين على «تويتر»، النصف الكبير منهم التحق به تحديدا لهذه المناسبة، وأن ثلاثة وثلاثين منهم (أي تقريبا كلهم) يملكون صفحة خاصة على «الفيس بوك».

ويرجع خبراء الإعلام والاتصال أسباب هذا الإقبال من جهة إلى سهولة استعمال هذه الأداة الجديدة، فـ«تويتر» يعمل بمبدأ الرسالة الإلكترونية (إس. إم. إس)، جمل صغيرة لا تتعدى 140 حرفا، ترسل من أي محمول وفي أي مكان لتصل مباشرة ودون أي وسيط إلى عدد كبير من مستعملي الشبكة. ومن جهة أخرى إلى شعبية هذه الوسيلة الحديثة التي تساهم في تقريب المسافة بين السياسيين وبين الناخبين وإظهارهم بمظهر الحكام العصريين الذين يركبون موجة الحداثة ويعلمون ناخبيهم بخطواتهم بكل شفافية ونزاهة، كما يمكن لـ«تويتر» أن يقرب السياسيين من الشباب، خصوصا أن هذه الشريحة معروفة تقليديا بقلة اهتمامها بالشأن السياسي.

هذه الطريقة قد تبدو مثالية لأي سياسي يريد أن يوصل صوته إلى الناخبين بسرعة وبأقل التكاليف، متجنبا الفخاخ التي قد ينصبها له بعض الإعلاميين. لكن ذالك ليس كافيا لكي يضمن كل سياسي دعاية جيدة، فالمهم ليس في استخدام هذه الوسائل بقدر ما هو في التحكم في استخدامها لتصل إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص. وقد تبين من خلال متابعة تدخلات السياسيين الفرنسيين أنهم لا يجيبون بنفس الحماس على السؤال الجوهري: ماذا تفعل الآن؟ (وات آر يو دوينغ ناو؟).

على رأس قائمة أبطال «تويتر» الوزيرة المنتدبة لتطوير الاقتصاد الرقمي نتالي كوسيسكو موغيزي، التي تعتبر أنشط أعضاء الحكومة على «تويتر»، بأكثر من 373 تحديثا و7377 مستخدما التحقوا بصفحتها، وهي تكتب بانتظام عن مهامها الوزارية ولقاءاتها الرسمية، لكنها تتطرق أيضا إلى تفاصيل عن حياتها اليومية، وأحوال الطقس، ونصائح لاختيار الكتب، والمطاعم، والأفلام، وتذهب أحيانا إلى غاية الرد على بعض رسائل المستخدمين. وكانت الوزيرة الشابة (35 عاما) قد أحدثت المفاجأة حين أعلنت حملها حصريا على «تويتر» في يناير (كانون الثاني) الماضي.

يليها بونوا هامون، الناطق الرسمي باسم الحزب الاشتراكي الذي تحوي صفحته 617 تحديثا وأكثر من 3000 مستخدم مسجلين في صفحته. ينشر فيها البرلماني الأوروبي السابق تفاصيل عن تنقلاته الرسمية ومواعيد لقاءاته الصحافية في التلفزيون والإذاعة، ويعلق فيها على قرارات الحكومة ومواقفه الشخصية منها، وقد أصبحت صفحته معروفة غداة الانتخابات الأوروبية حين اتخذ منها منصة للتعبير عن أحواله المزاجية السيئة بعد هزيمة حزبه.

وقد تنبه السياسيون الفرنسيون إلى ضرورة استغلال وسائل التكنولوجيا الحديثة بعد فترة طويلة من الركود لم يعتمدوا فيه للاتصال إلا على القنوات الإعلامية التقليدية. علما بأن إقبال الفرنسيين على «تويتر» عامة لم يكن سريعا، وهو ما كشفت عنه أحدث دراسة لمعهد «إفوب» (أغسطس «آب» 2009) التي قيمت نسبة الذين يستعملونه في فرنسا بـ2 في المائة، أي نحو 640 ألف شخص، علما بأن عدد مستعملي الشبكة العنكبوتية في فرنسا يقدر اليوم بنحو 32 مليون شخص.

وقد كان رئيس الوزراء السابق آلان جوبي، ودومنيك ستروس المدير الحالي لصندوق النقد الدولي، أول من فتحا مدونة سنة 2004، كما كان لموقع مرشحة الرئاسيات السابقة سيغولان رويال صدى كبير في أثناء حملتها الانتخابية عام 2007.

وحاليا أقل من أربعين شخصية سياسية تدون في «تويتر»، منهم اثنا عشر وزيرا، لكن أغلبهم لا يشاركون فيه بصفة فعلية ومنتظمة، عدا ثلاثة وزراء، بل إن معظمهم يكتفون بإمداده بالمعلومات التي سبق ونشرت على مواقعهم الرسمية أو في مدوناتهم فقط دون أي تجديد أو محاولة للتميز.

فـ«تويتر» رئيس الوزراء فرانسوا فيون مثلا لا يحوي أي تحديث، وكذالك وزيرة الصحة روزلين باشلو ووزيرة البيئة شانتال جوانو. أما الرئيس نيكولا ساركوزي فرغم حضوره القوي على جميع الجبهات الإعلامية فإنه لا يملك ببساطة أي صفحة على «تويتر»، وقد علق مستشاره للاتصال مانويل لوفريي على ذلك بقوله: «إن الرئيس يريد أن يبقى صادقا لأنه يعلم جيدا أن مهامه الرسمية لن تترك له الوقت الكافي للمشاركة والتدخل بنفسه في (تويتر)»، ملمّحا إلى الشخصيات السياسية التي تتدخل في «تويتر» لكن بصفة غير شخصية، ومعظمهم يترك مهمة التدوين لأعوان ومستشارين.

ومع هذا فإن حضور رجال السياسة الفرنسيين على «تويتر» ضعيف مقارنة بنظرائهم الأميركيين الذين يخصّون «تويتر» بمكانة مهمة في استراتيجياتهم الإعلامية، حيث يفوق عدد نواب الكونغرس المسجلين في «تويتر» ستين عضوا، كما يتربع الرئيس أوباما على رأس الشخصيات الأكثر شعبية على «تويتر» بأكثر من مليوني شخص مسجل على صفحته، رغم أن هذه الأخيرة لا تحوي أكثر من 400 تحديث. وقد كان السباق الرئاسي الأخير قد طبع الأذهان لشدة اعتماد المعسكرين الديمقراطي والجمهوري على التواصل مع الناخبين بواسطة الشبكات الاجتماعية.

رجال السياسة البريطانيون يولون كذلك اهتماما بالغا باستعمال «تويتر»، حيث إن عددا هاما منهم فتح صفحة خاصة به على «تويتر»، ومعظمهم يملك أكثر من مائتي تحديث وثلاثمائة مستخدم متابع للصفحة.

الحكومة البريطانية نفسها طبعت دليلا من عشرين صفحة باتجاه إطاراتها حول «كيفية استعمال تويتر»، كما أن الأحزاب الثلاثة الكبرى تملك حسابا خاصا بها على تويتر، أكثرها شعبية تويتر حزب المحافظين بأكثر من 12 ألف مستخدم متابع للصفحة.