بعد فوزه بجائزة «بوليتزر».. دانييل غيلبرت يواصل رواية القصص والتحقيقات

قال إن هناك الكثير من الصخب.. لكن ذلك لا يعني أنني أفضل صحافي

TT

نمت إلى مسامع هذا الصحافي المشاكس، الذي لم يمض على تخرجه في الجامعة سوى بضع سنوات قليلة، معلومة من أحد القراء بأن آلافا من مالكي الأراضي التي يستخرج منها الغاز الطبيعي حرموا من الحصول على ملايين الدولارات من عوائد الملكية.

على مدى شهور حاول دانييل غيلبرت، المحرر في صحيفة «بريستول هيرالد كورير» كشف الظلم الواقع على مالكي هذه الأراضي، مسترشدا بمصادر مثل جامي هول العامل السابق في منشأة للطاقة، والذي يمتلك 40 فدانا من الغابات والذي اكتشف أنه مستحق لـ200000 دولار كعوائد ملكية نظير استخراج الغاز الطبيعي منها.

تحقيقات غيلبرت مكنته من الفوز بأرفع جائزة في الصحافة الأميركية، جائزة «بوليتزر» للخدمات العامة. ونتيجة لتحقيقاته اضطرت ولاية فيرجينيا إلى إقرار قانون يسهل حصول أصحاب الأراضي على عوائد الملكية.

أحدثت مقالات غيلبرت في هذه المنطقة الريفية، حيث تندر الوظائف وارتفعت معدلات اللجوء إلى كوبونات الطعام إلى ما يقرب من الثلث خلال السنوات الثلاث الماضية، حالة من التفاؤل. لكن في هذا الوقت من الكساد الاقتصادي حتى الأخبار الجيدة يمكن أن تكون سرابا. ميدالية بوليتزر الذهبية كانت في السابق السبيل إلى الحصول على وظيفة أفضل لكن غيلبرت تحدث عن ترك مهنة الصحافة وقال إنه يفكر في التوجه إلى التدريس في كلية الحقوق أو الانضمام إلى وزارة الخارجية.

ويبدي هال الذي يدين بـ20000 دولار شكوكه بشأن الحصول على دولار واحد من الغاز الموجود تحت الأرض التي دفن فيها أجداده. وقال: «من الصعب أن تكون إيجابيا حتى ترى شيئا - بعض المال».

بعد المعلومة الأولية التي تلقاها، انتقد غيلبرت، 28 عاما، الذي نشأ في مقاطعة برينس ويليام كاونتي، بيروقراطية ولاية فيرجينيا، كما انتقد عرقلة الحكومة له خلال سعيه للبحث عن السر وراء استمرار حجز الأموال في حساب تابع للولاية.

ذكر غيلبرت قصة هال في واحدة من السلسلة التي قدمتها «هيرالد كورير» والتي تكونت من ثمانية أجزاء صدرت في ديسمبر (كانون الأول)، والتي شكلت عبئا ماليا وزمنيا على صحيفة تعاني، كالكثير من الصحف في البلاد التي تراجع توزيعها نتيجة للتغير التكنولوجي السريع.

وقد أبرزت قصة هال المأساة التي يعيشونها إلى بؤرة الضوء، لكن في البداية كان هال قلقا، ويروي ما حدث بالقول: «لم أكن أعرف ما إذا كان دانيال في صف الشركات أم في جانبنا. لم أكن أرغب منه أن يصورنا كمجموعة من الريفيين السذج لم يكونوا على علم بما يجري، لأننا كنا بالفعل نعلم ما يجري».

يمثل هال بالنسبة لغيلبرت، نكبة المنطقة المثيرة للسخرية، حيث أفرادها يعيشون عيشة دنيا في الوقت الذي يملكون فيه أراضي تحوي موارد هائلة من الثروات الطبيعية».

انطلاقا من غرفة تحريره الصغيرة في «بريستول»، طاف غيلبرت في الكثير من مناجم الفحم في المقاطعات المحيطة - ديكنسون وروسل وتازيويل ووايز وبوكانان - حيث ارتبط الاقتصاد في هذه المناطق مع القرن التاسع عشر بحظوظ تقلبات الفحم. وقد أدى الكساد إلى استشراء البطالة وواصل الدخل في هذه المناطق هبوطه إلى ما دون المعدل الوطني.

ويقول فرانك كيلغوري، المحامي مقاطعة وايز كاونتي: «تاريخيا، أصبحت ثقافتنا مترهلة، والجميع يتوقع بأن ينفرط العقد. وعلى الرغم من فوز الصحيفة بجائزة (بوليتزر) وإمكانية الحصول على الأموال من حساب الولاية ومنحه لمالكي الأراضي، فإن ذلك لن يشكل فارقا كبيرا بالنسبة لاقتصاد يقوم على مناجم الفحم».

في بداية تحقيقه، كتب غيلبرت، الذي كان قد قدم للتو من صحيفة «بوتوماك نيوز» في برينس ويليام حيث عمل كصحافي لمدة عامين: «آلاف من الأفراد يدينون الحكومة بما لا يقل عن 24.5 مليون دولار عن عوائد الملكية لاستخراج الغاز من أراضيهم. وبدأ في حضور اجتماعات مجلس فيرجينيا للنفط والغاز وكانت أسئلته لمسؤولي الولاية حول العوائد غالبا ما تقابل بـ(لا تعليق)».

اكتشف غيلبرت أن مالكي الأراضي لن يتمكنوا من الحصول على أموالهم من الحساب ما لم يتقدموا بدعوى قضائية يثبتون فيها حقهم في ملكية الغاز. واستخدم الصحافي قانون حرية المعلومات الذي أثمر عن الكثير من رسائل البريد الإلكتروني والبيانات المالية التي تشير إلى أن حساب الولاية الذي يتم الاحتفاظ فيه بالعوائد يخسر المال وأن بعض المسؤولين رفضوا القيام بمراجعة الحساب.

لكن لب القصة كان في القراءة في المنطقة التي كانت عوائد الملكية الغاز فيها قادرة على إحداث فوارق اقتصادية قوية. ويعتمد هال على شيكات البطالة الأسبوعية التي تبلغ قيمتها 255 دولارا والتي ستنتهي في يونيو (حزيران). وعندما ترك العمل في منشأة الطاقة في يناير (كانون الثاني) بسبب غبار الفحم، حاول أن يساعد زوجته التي تعمل مساعدة لمدرس وابنتهما البالغة من العمر 14 عاما.

الأربعون فدانا من الغابات التي ورثها هو وأقرباؤه عن جده الأكبر غنية بالغاز الطبيعي ويقدر بأن عوائد الملكية الخاصة به عن الأرض تصل إلى 213.854.18 دولار التي لم ير منها مليما واحدا. (علم هال يوم الأحد أن مديره السابق عرض إعادته مرة أخرى إلى عمله، حتى الآن على الأقل. وسيتوجه إليه يوم الاثنين).

قال هال إنه لم يكن عليه أن يدفع لمحامي لإثبات أحقيته في الغاز فقد كانوا يضخون الغاز من أرضه لسنوات ولم يحصل على إخطار شهري واحد بأنهم يضعون المال في حساب بنكي. فعندما يكون معك صك ملكية لشيء في الولايات المتحدة فهو يعني شيئا ما».

شق الاثنان طريقهما هابطين منحدرا مفروشا بالأشواك ليصلا إلى أرض مستوية تنتشر فيها شواهد القبور الرمادية. وقال هال هذه هي مقبرة عائلتي، وشهادة بالحياة القصيرة الصعبة التي عاشوها والتي دفن فيها ماري هال آند صن، 1874 - 1905، ولولا هال 1899 - 1932، وباري هال 1911 - 1948.

تود فوستر مدير تحرير «هيرالد كورير»، دعم تحقيقات غيلبرت كسبيل لإظهار قيمة الصحافة المتحفزة لمجتمع يعاني في وقت تحاول فيه الصحيفة، على الرغم من ربحيتها، اختصار المسارات الريفية اختصارا للوقود والاقتطاع من ميزانيتها نظرا لانخفاض التوزيع من 40000 في عام 2006 إلى 30000.

وقال فوستر: «تأتي مكالمات هاتفية من السكان طوال الوقت تطالبنا بالعودة إلى توزيع الصحيفة في المناطق التي يقطنون بها». وتحاول الصحيفة توفير مواردها من أجل مواصلة عملها الطموح. وكان آخر مشروعاتها الكبرى قسما خاصا مكونا من 24 صفحة والذي نشر يوم الأحد. وقال فوستر: «مناطق الفحم دائما ما تكون مقهورة. وهناك سبب لوجود مستوصفات طبية في مناطق منعزلة، وقد بلغ الإسراف في استعمال دواء أوكسككونتين وصل إلى معدلات وبائية. وصرنا واحدة من أكثر المناطق الغير صحية في البلاد».

التحقيقات المعقدة أحيانا ما يكون لها تأثير على النتائج وتفوز بالجوائز لكنها لا تميل إلى جذب جمهور ضخم. وقال فوستر إن تحقيقات عوائد الملكية الغاز شهدت قراءة كبيرة على الإنترنت.

ومنذ الفوز بجائزة «بوليتزر» لم يتلق أي عروض للعمل في واحدة من الصحف الكبرى. وقال: «هناك الكثير من الصخب في اللحظة الراهنة لكن أيا من ذلك لا يعني أنني أفضل صحافي. ولا يمكنني القول إن هذا يدفعني إلى مصاف النجوم».

بالعودة إلى غرفة تحرير الأخبار من أرض هال، فكر غيلبرت في شأن مستقبله في مهنة مضطربة، وقال إنني أتساءل إذا ما كنت صحافيا جديرا بالاستمرار في المهنة. لقد دخلت إلى مجال الصحافة وأنا أرغب في العمل كمراسل خارجي لكني لا أرى ذلك كمسار ممكن، ولا حتى بعد الحصول على البوليتزر. بعد نشر سلسلة عوائد الملكية الأراضي وضعت ريتشموند لوميكرز تشريعا يمكن أن يفرج عن العوائد الملكية لمستحقيها. وقد وقع حاكم الولاية روبرت ماكدونال القانون الجديد.

وقد اتصل غيلبرت باثنين من مشرعي الولاية للحصول على رد فعلهم لكنه لم يتلق ردودا منهم. وبعد نشر تحقيقه وقف غيلبرت في صالة تحرير الأخبار متحيرا من عدم الرد على مكالماته وقال: «إنا فائز بالبوليتزر. لماذا لم يردوا على مكالماتي؟».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»