معركة كسر عظم بين «وول ستريت جورنال» و«نيويورك تايمز»

الأولى استعانت بخبرات صحافية من «الصن».. والثانية تراهن عن علاقتها بالمعلنين

TT

قد تكون تلك آخر حرب كبرى لصحيفة أميركية، وينوي روبرت ميردوخ الذي تخصص في خطف القراء والمعلنين من الصحف المنافسة، الفوز بها. ويحاول ميردوخ الآن الفوز في التحدي الذي تقف فيه صحيفته «وول ستريت جورنال» أمام «نيويورك تايمز»، حيث دشنت «وول ستريت جورنال» يوم الاثنين الماضي قسما خاصا بالأخبار المحلية لمدينة نيويورك سعيا وراء القراء والمعلنين من «التايمز».

وعلى الرغم من اقتصار الملحق الجديد على مدينة نيويورك وحدها فإن الخسائر التي ستحلق بـ«التايمز» يمكن أن تمتد إلى الولايات المتحدة ككل. لكن كلتا الصحيفتين تتنافسان معا ومع الصحف الأخرى مثل «يو إس إيه توداي» والصحف الإقليمية اليومية من أجل الفوز بالقراء.

ومن خلال الخفض الكبير في أسعار الإعلانات في ملحق «نيويورك» لمنافسة «التايمز» سيترك هجوم ميردوخ لكلتا الصحيفتين القليل من الموارد من أجل خطط التوسع الأخرى. ويقول دين ستاركمان، المراسل السابق في «وول ستريت جورنال»، الذي يكتب لـ«كولومبيا جورنالزيم رفيو»: «(التايمز) لديها الكثير من القراء المؤيدين لها وسيكون من العسير استقطابهم. وأنا أؤيد غالبية المتشككين الذين يعتقدون أن ذلك يمكن أن يؤدي في النهاية إلى دمار كلتا الصحيفتين».

وتخطط شركة «بريغدورف غودمان»، التي تبيع السلع الفاخرة، والتي كانت أحد أبرز المعلنين في «التايمز»، إلى التحول للإعلان في الملحق الجديد لـ«وول ستريت جورنال»، فتقول غينغر ريدر المتحدثة باسمه: «سنجرب ونرى، ولم يتضح بعد ما إذا كانت (بريغدورف) ستقوم بخفض إعلاناتها في (التايمز) من عدمه».

ويشير رئيس والمدير العام لـ«التايمز» إلى أن الكثير من المعلنين أكدوا له أن إعلاناتهم في القسم الجديد لـ«الجورنال» لن تأتي على حساب إعلاناتهم في «التايمز»، لكنه رفض الإفصاح عن أسماء المعلنين وقال: «لن ندخل في حرب تسعير».

وأشارت «نيوز كورب» إلى أن ميردوخ (79 عاما) كان صريحا بشأن هدفه في استغلال المقومات الإعلامية في تحدي ما اعتبره مؤسسات إعلامية أميركية منحازة تجاه اليسار، حيث انتقد ميردوخ صحيفة «نيويورك تايمز» بعنف في كلمة له أمام أصحاب الشركات العقارية في نيويورك الشهر الماضي، قائلا: «أعتقد أن صحفا يومية في نيويورك توقفت عن تغطية أخبار المدينة بالصورة التي كانت تقوم بها من قبل سعيا للحصول على جوائز صحافية وسمعة وطنية».

وردت جانيت روبنسون المديرة المساعدة في «التايمز» يوم الخميس الماضي، خلال اجتماعها مع المحللين الماليين، على ذلك بالقول: «عندما تكون قائد المسيرة سيسير الجميع على خطاك». وقالت إن «التايمز» لا تزال بخير مع المعلنين. وأضافت: «نحن ندرك بالتأكيد أهمية القراء من النساء، وهم يدركون أن قراء (التايمز) يفوقون قراء (وول ستريت جورنال)».

ملاحقة «التايمز» هي معركة ميردوخ منذ تمكنت «نيوز كورب» من شراء «وول ستريت» والشركة التي تصدرها «داو جونز وشركاؤه» مقابل 5 مليارات دولار. ومنذ ذلك الحين حاول ميردوخ توسيع شعبية الصحيفة عبر إعادة تجديد صفحة الغلاف. وخلال العام الماضي فاق توزيع الصحيفة توزيع صحيفة «يو إس إيه توداي» في نسبة التوزيع لصحيفة على مستوى الولايات المتحدة.

وتقدم «وول ستريت جورنال» الجديدة صورا ملونة في الأماكن التي جرى العرف على وضع صور بالأبيض والأسود بها، والمزيد من التغطية للموضوعات خارج عالم المال والأعمال. في واحدة من الطبعات الأخيرة نشرت صورا لثورة البركان في آيسلندا في أعلى الصفحة.

ولكي تملأ القسم الخاص بالأخبار المحلية لمدينة نيويورك، قامت «جورنال» بتعيين الكثير من الصحافيين السابقين في صحيفة «ذا نيويورك صن»، التي كانت تحمل وجهة نظر محافظة، والتي قضت أيضا ستة أعوام في محاولة منافسة «نيويورك تايمز» عبر التغطية المحلية الجريئة قبل أن تغلق أبوابها في عام 2008.

وسيقوم جون سيلي، نائب مدير التحرير الأسبق في «الصن» بقيادة قسم الأخبار المحلية الجديدة في «جورنال»، كما تم تعيين بيا كاتون محررة الشؤون الثقافية السابقة في «الصن» لتتولى مسؤولية قسم الفنون والترفية.

ويقول أحد المساهمين السابقين في «الصن»، وهو الذي تم التفاوض معه بشأن العمل في المحلق الجديد لـ«جورنال»، والذي طلب عدم ذكر اسمه لأن المفاوضات مع «جورنال» يفترض أن تكون سرية: «إنهم يستأجرون صحافيين ذوي خبرة سابقة للمنافسة مع (التايمز)».

يذكر أن روبرت ميردوخ واحد من الأفراد الذين تستهويهم هذه النوعية من المنافسات، ففي أعقاب شرائه صحيفة «التايمز» اللندنية عام 1981، حيث تمكنت «التايمز» من التفوق على صحيفة «الديلي تليغراف» في نسبة التوزيع عبر خفض أسعار الاشتراكات وطرح كوبونات دعاية وجوائز اليانصيب.

وقد حاول مالك «التليغراف» كونراد بلاك مقاومة ميردوخ، قبل أن تتم إدانة بلاك بالاحتيال وسرقة أموال شركته في عام 2007، وتمكنت «التليغراف» من الصمود. وفي بريد إلكتروني من السجن قال بلاك إنه إذا كان من الممكن استخلاص الدروس من تجربته فإن «التايمز» قادرة على المنافسة للتأقلم مع خفض أسعار الإعلانات والتكلفة الضخمة التي سيضخها ميردوخ في الملحق الجديد.

ونظرا لكونه مالك صحيفة «ذا نيويورك بوست» وافق ميردوخ على خفض أسعار أكشاك الصحف وخسارة عشرات الملايين من الدولارات خلال سعيه لتعزيز صحيفة «نيويورك ديلي نيوز». وفي عام 2004 كانت صحيفة «ذا بوست» تبيع 435000 نسخة في اليوم عدا يومي السبت والأحد مقارنة بـ714000 لصحيفة «ذا ديلي نيوز». وفي عام 2009 ارتفع معدل توزيع «ذا بوست» إلى 530000 فيما انخفض توزيع «ذا ديلي نيوز» إلى 570000، واتُّهم مساعدو ميردوخ باستخدام أساليب غير شريفة في خفض أسعار الإعلان أو الحملات الدعائية.

شركة «نيوز أميركا» التابعة لـ«نيوز كورب»، التي تقوم بطباعة القسائم وإعلانات متاجر البقالة ويقودها ناشر «نيويورك بوست» بول كارلوتشي، وافقت في يناير (كانون الثاني) على دفع 500 مليون دولار لتسوية النزاع القانوني مع منافستها شركة «فالاسيز كوميونيكاشنز»، التي اتهمت «نيوز أميركا» باستغلال نفوذها لتطلب من العملاء الإعلان حصريا في «نيوز أميركا»، وشبهت كارلوتشي برجل العصابات آل كابوني، الذي يضرب أعداءه بمضرب البيسبول في فيلم «الأطهار».

ولم تتح لـ«نيوز كورب» الحصول على تعليق كارلوتشي، بيد أن الشركة في بيان لها قالت إنها أنهت النزاع القانوني بسبب المخاطر التي يمكن أن تواجهها إذا ما وصل الأمر إلى هيئة المحلفين. وحتى الآن تتخذ المنافسة بين «الجورنال» و«التايمز» مسارا أقل درامية، فقد تنافست الصحيفتان خلال العام الماضي عبر إصدار ملاحق خاصة مخصصة للسكان المحليين في سان فرانسيسكو وشيكاغو. لكن هذه الملاحق الجديدة تصدر يوما أو يومين أسبوعيا. وقامت صحيفة «جورنال» بتغيير في مواردها لتمويل أقسامها الجديدة دون استئجار صحافيين جدد، فيما عمدت «نيويورك تايمز» إلى عقد شراكات مع وسائل الإعلام المحلية بدلا من إضافة المزيد من الصحافيين.

وعلى العكس من الخطوات السابقة قامت «ذا جورنال» بتعيين 35 صحافيا جديدا من أجل ملحق نيويورك الجديد، الذي سيصدر 10 صفحات يوميا. وسيتضمن الملحق الجديد صورا ملونة ومقالات للمعلنين الراغبين في الترويج لأنفسهم، وأشار أحد المطلعين على تمويلات «وول ستريت جورنال»، والذي طلب عدم نشر اسمه للحديث عن الشؤون المالية الداخلية للشركة، إلى أن الملحق الجديد سيحاكي «التايمز» في تغطيتها الواسعة لعدد كبير من القضايا، ومن بينها تحقيقات عن السياسات المحلية والثقافة والرياضة، وسيضخ ميردوخ ما يقرب من 30 مليون دولار في القسم الجديد خلال العامين القادمين. وردت «التايمز» بحملة إعلانية تتباهى فيها بأن عدد قرائها من العاملين في أسواق المال في نيويورك يبلغ ضعف «جورنال»، وذلك بحسب النتائج التي أعلنتها مؤسسة «سكاربورو».

وتبيع «وول ستريت جورنال» مليوني نسخة يوميا على مستوى الولايات المتحدة، فيما تبيع «نيويورك تايمز» 900000 نسخة يوميا، لكن الأمر يأتي على النقيض في نيويورك، التي تتضمن المدينة وأجزاء من ولايات نيو جيرسي وكونيكتيكت وبنسلفانيا، حيث تبيع «التايمز» نحو 406000 نسخة يوميا، فيما تبيع جورنال 294000 يوميا في العام الذي انتهى في 30 سبتمبر (أيلول) بناء على الإحصاءات التي أجراها مكتب إحصاء التوزيع.

في المقابل لا يزال ميردوخ قادرا على إعادة صياغة سوق الإعلان المحلي عبر تقديم تخفيضات للإعلان في كل من «ذا جورنال» و«ذا بوست»، والقدرة على تقديم شراكات إعلانية مع المنابر الإعلانية الأخرى مثل محطة «فوكس» المحلية، فيما لا تملك «ذا تايمز» سوى ذاتها.

ووصفت روبرتا غارفينكل، التي تقود استراتيجية الإعلان المطبوع في شركة «تارغيت كاست» للإعلان في نيويورك، بالخطوة الذكية لأنها ستقدم للمعلنين طريقة أرخص في الوصول إلى أثرياء نيويورك بدلا من اللجوء إلى الدفع مقابل الإعلانات التي توزع على مستوى البلاد. فعلى سبيل المثال يتكلف الإعلان بالأبيض والأسود على صفحة كاملة في «وول ستريت جورنال» في الطبعة التي توزع على مستوى الولايات المتحدة 223000 دولار، فيما يتكلف الإعلان في الطبعة التي توزع في شرق الولايات المتحدة التي توزع على الولايات الممتدة من ألاباما إلى ماين 102000 دولار (لا يظهر كلا الرقمين وجود تخفيضات كبيرة)، فيما ستكون تكلفة الإعلان الذي سيوزع في سوق نيويورك فقط أقل. كما أن المواد المعدة لأحد المعلنين من قِبل «ذا جورنال» واطلعت عليها «أسوشييتد برس» تقدم صفحة كاملة في ملحق نيويورك التابع لـ«جورنال» إضافة إلى صفحة كاملة في صحيفة «ذا بوست» أقل من 20000 دولار، وتقول شركة «داو جونز» إن هذه الميزات الإعلانية تم منحها لعدد قليل من المعلنين.

في المقابل يتكلف الإعلان في الطبعة الإقليمية من «نيويورك تايمز» ما يقرب من 50000 دولار على الرغم من اختلاف السعر بحسب فئة المعلن.

المنافسة المحتدمة على أموال الإعلانات تأتي مع خسارة الصحف لقسم كبير من المعلنين لصالح الإعلان على الإنترنت، لكن الصحف لم تجنِ من مواقعها الإلكترونية نفس القدر من الأموال التي تحصل عليه من الصحف المطبوعة.

وكانت شركة «ذا تايمز» التي تضم الصحيفة الأشهر قد خسرت أكثر من 25 في المائة من عائدات إعلاناتها العام الماضي، وقد لا تتمكن من استعادته مرة أخرى. ولم تكشف «نيوز كورب» عن أرباح أو خسائر «وول ستريت جورنال» من الإعلانات، لكن هناك دلائل واضحة على أن الصحيفة كانت تعاني من اضطرابات مالية، فقد عمدت إلى خفض العمالة الموجودة بها العام الماضي.

ويشير الشخص المطلع على تمويلات الشركة إلى خسارة «جورنال» 80 مليون دولار في العام المالي الذي انتهى في 30 يونيو (حزيران) 2009، لكن إيميلي إدموندز المتحدثة باسم «ذا جورنال» لم تنفِ أو تؤكد هذه الأرقام.

بيد أن الأمر عندما يتطرق إلى قدرة أي المؤسستين على الصمود رغم تراجع الإعلانات يبدو ميردوخ الأقرب إلى ذلك، فمؤسسة «نيوز كورب» أكثر مرونة، وبعض الشركات التابعة لها مثل قناة «فوكس نيوز» والقنوات الكابلية الأخرى أضخم من شركة «تايمز». ويتوقع المحللون أن يحقق فيلم «أفاتار» لمؤسسة «نيوز كورب» ما يقرب من 400 مليون دولار من أرباح التشغيل، وفي المقابل حصلت شركة «تايمز» على أرباح تشغيل تبلغ 74 مليون دولار العام الماضي. كما يقول ستاركمان، الصحافي السابق في «جورنال»: «(التايمز) أشبه بسدادة الفلين، تطفو في محيط هادر».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»