مبيعات الصحف المغربية تتراجع.. وأكثرها انتشارا تعتمد على عمود رئيس التحرير

«هيئة التحقق من الانتشار»: أرقام الصحف الحزبية هوت كثيرا.. والمستقلة تتصدر

TT

واصلت مبيعات الصحف اليومية في المغرب انحدارها، بينما حافظت الصحف الأكثر مبيعا على مواقعها، وسط تراجع أرقام الصحف اليومية الصادرة باللغة الفرنسية.

وتباينت تفسيرات أسباب التراجع، ففي الوقت الذي عزا ناشر ورئيس تحرير صحيفة «المساء» التي تتصدر مبيعات الصحف في المغرب، أسباب التراجع إلى رداءة أحول الطقس التي حالت دون وصول الصحف إلى عدد من المدن، وتراجع مبيعات الصحف في الليل، التي تشكل 50 في المائة من مبيعات أي صحيفة مغربية بسبب أحول الطقس، يرى رئيس تحرير صحيفة «التجديد» الحزبية أن المقارنة غير واردة بين الصحف الحزبية والمستقلة، لأن الأخيرة تعتمد على الإثارة، بينما الحزبية أكثر التزاما، وتؤدي ضريبة محدودية قرائها نتيجة ذلك.

وتصدر في المغرب حاليا 21 صحيفة يومية باللغتين العربية والفرنسية، موزعة على صحف مستقلة وحزبية، في حين يجري الإعداد لإصدار صحيفة يومية مستقلة جديدة من الدار البيضاء في يونيو (حزيران) المقبل.

وأفاد التقرير السنوي لـ«هيئة التحقق من الانتشار» (أو جيه دي) أن جميع الصحف اليومية المغربية انخفضت مبيعاتها، في حين حافظت صحيفة «المساء» المستقلة، على المرتبة الأولى من حيث المبيعات بمعدل يومي يصل إلى قرابة 1200 نسخة. ويحظى العمود اليومي الذي يكتبه ناشر الصحيفة ورئيس تحريرها، رشيد نيني، بإقبال كبير من طرف القراء. وتعتمد الصحيفة على عمود نيني، الذي عادة ما يكيل انتقادات لاذعة لمختلف الشخصيات المغربية، بما في ذلك لمسؤولين كبار بأسلوب ساخر لا تنقصه الجرأة.

تجدر الإشارة إلى أن الصحف اليومية، 7 منها مستقلة تصدر بالعربية، و7 حزبية، و7 تصدر بالفرنسية. أما بالنسبة لترتيب الصحف من حيث المبيعات، فتأتي «المساء» في المرتبة الأولى بنحو 101122 نسخة، تليها «الصباح» وهي مستقلة بنحو 72868 نسخة، ثم «الأحداث المغربية» 15589 نسخة، وكانت هذه الصحيفة تحتل المرتبة الأولى قبل سنوات لكنها تراجعت باستمرار ويقول مسؤولوها إن سبب التراجع يعود بالدرجة الأولى إلى حملات متصلة شنتها ضدهم تيارات أصولية.

وجاءت «أخبار اليوم المغربية» بعد صحيفة «الأحداث المغربية» بمعدل توزيع يومي يصل إلى 9996 نسخة، و«أخبار اليوم المغربية» وهي صحيفة عوضت صحيفة «أخبار اليوم» التي كانت قد أغلقت في وقت سابق، بسبب نشرها كاريكاتيرا قاد إلى محاكمة ناشرها ورئيس تحريرها توفيق بوعشرين، وخالد كدار رسام الكاريكاتير.

وجاءت بعد «أخبار اليوم المغربية» صحيفة «العلم» الناطقة باسم حزب الاستقلال، التي تعد أعرق صحيفة في المغرب، حيث صدرت عام 1944، ومعدل توزيعها اليومي 9936 نسخة. ثم «الاتحاد الاشتراكي» التي يصدرها حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» ومعدل مبيعاتها يوميا 8717 نسخة، ثم «النهار المغربية» المستقلة ومعدل مبيعاتها 6953 نسخة، تليها «التجديد» المتحدثة باسم حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي المعارض، ومعدل مبيعاتها 2903 نسخ، ثم صحيفة «الحركة» الناطقة باسم حزب «الحركة الشعبية» بمعدل مبيعات يصل إلى 1002 نسخة، ثم «المنعطف» الناطقة باسم حزب جبهة القوى الديمقراطية، ومعدل مبيعاتها يوميا 942 نسخة.

ولم يشمل تقرير «هيئة التحقق من الانتشار» على أرقام مبيعات «الجريدة الأولى» وهي مستقلة، و«الصحراء المغربية»، وهي مستقلة تصدرها مجموعة «ماروك سوار القريبة» من القصر الملكي، و«بيان اليوم» التي يصدرها حزب التقدم والاشتراكية، و«رسالة الأمة» التي يصدرها حزب الاتحاد الدستوري المعارض.

أما الصحف الصادرة باللغة الفرنسية، فتأتي صحيفة «لوماتان» في المرتبة الأولى حيث يصل المعدل اليومي لمبيعاتها 23805 نسخ، وهي الصحيفة الرئيسية التي تصدر عن مجموعة «ماروك سوار». ثم «لوبينيون» التي يصدرها حزب الاستقلال ويبلغ معدل توزيعها اليومي 17653 نسخة، ثم «ليكونوميست» وهي اليومية الوحيدة المتخصصة في الاقتصاد 19805 نسخ، ثم تليها «أوجوردوي لو ماروك» وهي مستقلة بمعدل مبيعات 5937 نسخة، ثم صحيفة «لوسوار» المستقلة بنحو 4480 نسخة، تأتي بعد ذلك «البيان» التي يصدرها حزب التقدم والاشتراكية بمعدل مبيعات 2329 نسخة، ثم «ليبراسيون» التي يصدرها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بمعدل مبيعات 2098 نسخة.

وجاء ترتيب الأسبوعيات بالعربية طبقا للتقرير على النحو التالي: «نيشان» التي تصدر بالعامية وهي مستقلة، بمعدل توزيع 20267 نسخة، ثم «الأيام» وهي مستقلة وتوزع 20055 نسخة، ثم «الوطن الآن» مستقلة كذلك بمعدل 4329 نسخة.

وتتصدر مبيعات المجلات الفرنسية، مجلة «تيل كيل» بمعدل توزيع أسبوعي 22480 نسخة، ثم «نوفيل تريبون» بمعدل 12702 نسخة أسبوعيا، و«ماروك إيبدو» بمعدل 10227 نسخة أسبوعيا. في حين تأتي على رأس المجلات النسائية «للا فاطمة» الشهرية بمعدل مبيعات يصل إلى 38114 نسخة، ثم «نساء من المغرب» الشهرية 29711 نسخة، ثم «نجمة» وهي شهرية أيضا 25638 نسخة.

وأهم خلاصات تقرير «هيئة التحقق من الانتشار» يتمثل في تراجع مبيعات الصحف الحزبية بشكل لافت، متأثرة بالزيادة المضطردة في عدد الصحف المستقلة التي يقودها جيل من شباب الصحافيين المغاربة، حيث كانت بعض الصحف الحزبية تبيع في فترات مضت أزيد من مائة ألف نسخة يوميا حين كانت تعارض النظام، لكنها تراجعت كثيرا بعد انتقالها إلى صفوف الأغلبية الحكومية. لكن على الرغم من هذا التراجع، فإن الحديث المتواتر داخل الأوساط السياسية والإعلامية المغربية حول اندثار الصحافة الحزبية أمر مستبعد، لأنها لا تعوّل على المبيعات بقدر ما تعتمد على الدعم المالي الحزبي والحكومي، حيث تقدم وزارة الاتصال (الإعلام) دعما سنويا لجميع الصحف المستقلة والحزبية، إذا فاقت سنوات صدورها أزيد من سنتين، وأصبحت الوزارة تشترط تقديم تقرير من «هيئة التحقق من الانتشار» ضمن ملف طلب الدعم المالي. إلى ذلك، فإن معظم المعلنين في المغرب، لا يأبهون كثيرا بمعدل توزيع الصحف، إذ إن الإعلانات تمنح للصحف لاعتبارات متباينة، يدخل فيها في بعض الأحيان حتى الخط التحريري للصحيفة.

وقال رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير صحيفة «المساء»، الأكثر مبيعا في المغرب، لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يمكن الحديث عن تراجع حقيقي في مبيعات صحيفته، بل هو مجرد تراجع طفيف ناتج بالأساس عن سوء أحوال الطقس المتمثل في الأمطار والفيضانات التي عرفها المغرب طوال الـ3 أشهر الماضية، والتي أدت إلى قطع الطرق، الأمر الذي تعذر معه توزيع الصحيفة في عدد من المناطق المغربية.

وأوضح نيني أن عادات القراء المغاربة هي شراء الصحف من الباعة الذين يعرضون الصحف على الرصيف، وبالتالي فالأمطار تحول دون أن يتمكن هؤلاء الباعة من عرض صحفهم. كما أن مبيعات الصحف في الليل تتراجع بشكل ملحوظ في الشتاء بسبب الأمطار وعودة الناس إلى بيوتهم باكرا. كل هذا لأن نظام الاشتراكات في الصحف غير معتمد من طرف القراء على نطاق واسع في المغرب.

وقال نيني إن شركة «الوسيط» التي توزع الصحيفة تعتزم اعتماد استراتيجية توزيع جديدة، سيتم على أثرها تحقيق «نقلة نوعية»، على حد قوله، مشيرا إلى أنه سيتم توزيع الصحيفة في مناطق لم تكن تصل إليها، وقال إنه في الأسبوع الحالي وصلت مبيعات المساء إلى 134 ألفا و929 نسخة، مما يعني أن الصحيفة عادت إلى مستواها السابق بعد تحسن أحوال الطقس.

وأوضح نيني أن تراجع مبيعات الصحف ظاهرة عالمية، وفي المغرب لا يمكن الحديث عن سبب واحد يفسر تراجع الصحف، بل لا بد من تناول كل صحيفة على حدة، مشيرا إلى أن بعض الصحف، دون أن يسميها، عرفت «تراجعا مهولا»، بسبب خطها التحريري، وقال إن الحكم عليها متروك للقارئ.

من جانبه قال حسن بويخف، رئيس تحرير صحيفة «التجديد»، لـ«الشرق الأوسط» إن مبيعات الصحف تراجعت بشكل عام في المغرب، وليس الصحف الحزبية فحسب، وعزا الأمر إلى تدني نسبة القراءة وضيق قاعدة القراء في المغرب مقارنة بجميع الدول العربية، موضحا أن المغربي لا ينفق إلا درهما في السنة كمعدل لشراء الكتب، وهو ما اعتبره «أمرا مخجلا».

وأضاف أن أسباب تراجع مبيعات الصحف تعود إلى ما هو تقني، وما هو مرتبط بسياسات شركات التوزيع، وأمور أخرى تتعلق بالقارئ نفسه، مثل تفشي الأمية وضعف قدرته الشرائية، إلى جانب أن الصحف لم تعد المصدر الرئيسي للأخبار، فهناك القنوات التلفزيونية والإنترنت.

وتساءل بويخف هل التراجع ظرفي يتعلق بالسنة الحالية أم هو مؤشر على منحدر تتجه إليه الصحافة المكتوبة في المغرب، مضيفا أنه لا يملك الإجابة عن سؤاله.

وأوضح بويخف بأنه لا يتفق مع الرأي القائل بأن مبيعات الصحف الحزبية ضعيفة مقارنة بالصحف المستقلة، أو غير الحزبية، لأن المقارنة بينهما غير واردة، فالصحف الحزبية تعاني، في رأيه، على مستوى جودة الورق، والقدرات المالية، كما أن الصحافة الحزبية أكثر التزاما بالضوابط الأخلاقية والقواعد المهنية مقارنة ببعض الصحف المستقلة، فالملاحظ، كما قال، هو أن «الصحافة الأخرى أغلبها ينهج أسلوب الإثارة التي تجتذب القراء، بينما الصحافة الحزبية تلتزم بخط تحريري معين، والضريبة التي تؤديها جراء ذلك هي أن قراءتها محدودة. وبسبب ذلك لا يمكن الحديث عن منافسة حقيقية بين الصحافة الحزبية والمستقلة، لأن الصحافة الحزبية، لها أجندة وتتوجه إلى شريحة معينة، بينما الصحف غير الحزبية تتوجه إلى شريحة أوسع».