الإعلام البديل يلقي بظلاله على الإعلام التقليدي الباكستاني

90 مليون مستخدم للجوال قادرون على الوصول للإنترنت الرخيص بتقنية «جي بي آر إس»

وجهات نظر مختلفة حول كفاءة الإعلام البديل مقارنة بالإعلام التقليدي في باكستان (أ.ب)
TT

يمر المشهد الإعلامي الباكستاني بتغيرات جذرية بدأت إرهاصاتها مع ظهور وسائل الإعلام البديلة من المدونات والمواقع الإلكترونية المنتديات، حيث شهدت تحول الأفراد القادرون على الوصول إلى خدمة الإنترنت إلى قضاء المزيد من الوقت في استخدام مواقع «فيس بوك» و«تويتر» أكثر من مشاهدة التلفزيون أو قراءة الصحف.

ويقول فيصل كاباديا، خبير الإعلام والمؤلف المقيم في كراتشي: «هناك ما يقرب من 90 مليون مستخدم للهواتف الجوالة في باكستان وجميعهم قادرون على الوصول إلى الإنترنت الرخيص عبر تقنية (جي بي آر إس) فتجعلهم متعلقين على الدوام بهواتفهم الجوالة. وباتت لكل جماعة مهنية في المجتمع الباكستاني من الأطباء والمهندسين والتجار والصحافيين منتدياتها الخاصة التي تمكنهم من تبادل المعلومات، حتى إن نشاط التدوين بدأ في تشكيل مجموعات سبرانية سياسية جديدة».

وتلقى المعلومات ووجهات النظر والصور التي تُنشر في وسائل الإعلام البديلة رواجا بين مرتاديها لكونها أكثر جاذبية وتشويقا. ويعتقد خبراء الإعلام أن وسائل الإعلام البديلة تشهد ازدهارا في باكستان لأنها لا تخضع لأي رقابة. ويقول محمد حنيف، المؤلف ذائع الصيت ومدير التحرير في «بي بي سي أوردو سرفيس» إن «وسائل الإعلام البديلة قد تبدو فوضوية في بعض الأحيان لأنها تسير على عكس وسائل الإعلام التقليدية، ولا تخضع لسيطرة أحد». لكن حجم وسائل الإعلام البديلة يعتبر صغيرا مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية، وأحيانا يتسبب محتواها في إثارة الجدل في المجتمع الباكستاني، مما يجبر وسائل الإعلام التقليدية على الحذو حذوها.

ولعل المثال الأبرز على عمق تأثير هذه المواقع، شريط الفيديو الذي بُثّ خلال الأسبوع الأول من أبريل (نيسان) 2009 عبر مدون مجهول على أحد الموقع غير الشهيرة يُظهِر مشاهد لجلد فتاة صغيرة على يد جماعة طالبان الباكستانية في وداي سوات.

استُقبل شريط الفيديو الذي أذيع للمرة الأولى على الموقع، والذي يوصف الآن بأنه جزء من الإعلام البديل في باكستان، كقذيفة موجهة تلقاء وسائل الإعلام التقليدية الباكستانية. وخلال ساعات من إذاعة شريط الفيديو أُعلنَ عنه كخبر عاجل على القنوات التلفزيونية في باكستان. وأفردت الصحف الباكستانية صفحات خاصة لمناقشة كل ملامح الفيديو.

يُظهِر الشريط ثلاثة رجال في منتصف العقد الرابع من العمر يرتدون ملابس شبيهة بمقاتلي طالبان ذوي لحى طويلة ويضربون فتاة صغيرة غُطّي وجهها بالحجاب.

كانت الفتاة على مدى الشريط الذي استغرق دقيقتين ونصف تصرخ طلبا للمساعدة وأحد الرجال الثلاثة يقوم بجَلدها على ظهرها فيما يمسك الرجلان الآخران يديها ورجليها بإحكام.

انتشر الفيديو في البلاد بسرعة النار في الهشيم عبر رسائل «إم إم إس». بدا الفيديو ملتقَطا من قِبل هاتف جوال ويصور تجمُّع عدد كبير من أهالي سوات وهم يقفون صامتين يتابعون تلك الدراما المثيرة للرعب.

دفعت الحادثة المؤسسات الصحافية والإخبارية الباكستانية إلى مسح المدونات على مدار الساعة سعيا وراء المزيد من المعلومات المثيرة المنشورة على المواقع والتي - بحسب رئيس تحرير الأخبار في إحدى القنوات التلفزيونية - توضع في حال توفرها في سياق النشرات التي تصدر على مدار الساعة.

ويقول خبراء الإعلام الباكستانيون إن شريط الفيديو كان مثالا على محاولة الإعلام البديل التأثير على الأجندة الإخبارية للمؤسسات الإخبارية التقليدية، فيضيف حنيف: «تؤثر المدونات والإعلام البديل على المؤسسات الإخبارية التقليدية، وجَلد الفتاة في سوات المثال الأبرز على ذلك». كانت المؤسسات الإخبارية الرئيسة في باكستان تخصص، قبل عام، قسما للمدونات، بيد أن تلك المدونات الموجودة على مواقع تلك الصحف لم تكن تتمتع بالجرأة الكافية التي نجدها في المدونات غير الشهيرة نتيجة للرقابة المفروضة على المؤسسات الإعلامية الكبرى.

ويقول خبراء الإعلام إن الإعلام البديل يؤثر على وسائل الإعلام التقليدية في أكثر من ناحية، فغرف تحرير الأخبار - كما يقول محمد حنيف - تحاول التحقق من الأخبار التي ترد إليها من خلال البحث على الإنترنت، لذا فهم بهذه الطريقة يحصلون على العون من الإعلام البديل.

بيد أن جرأة المدونات الباكستانية والأدوات الأخرى لوسائل الإعلام البديل ساعدتها في تبوؤ مكان الصدارة في المجتمع الباكستاني.

فقبل عام ونصف على سبيل المثال حظرت الحكومة تبادل رسائل «إس إم إس» المناوئة لها، لأن الحكومة ضاقت ذرعا بطوفان الرسائل السياسة الساخرة منها بين الشعب.

كانت هناك نكات سياسية بالغة الإهانة، وأخرى تحث الجماهير على التحرك ضد الحكومة، وأخرى تنتقد كبار المسؤولين في الدولة، في الرسائل النصية التي جرى تبادُلها على أجهزة الهاتف الجوال.

وعلى الرغم من قوانين حظر الرسائل النصية المسيئة إلى الحكومة فإن الحملة تواصلت، بل إن الحملة على المدونات السياسية التي تظهر على مواقع غير شهيرة ازدادت شراسة.

وبرز عدد من الكتاب السياسيين على الساحة الإعلامية الباكستانية الذين ينشرون مواد سياسية بالغة التطرف بصورة يومية. ويقول الخبير الإعلامي: «تلك المدونات لا تستثني أحدا، ومن ثم لا يستثنون الحكومة أو الشخصيات الإعلامية الرئيسة في البلاد».

ويقول محمد حنيف إنه عادة في الإعلام الباكستاني لا تقوم المؤسسات الإعلامية الباكستانية بتقديم أخبار أو تعليقات بعضها حول بعض، لكن المدونين والإعلام البديل كسروا هذا التقليد.

إحدى المدونات التي تسمى «باكستان ميديا» تتيح لمستخدميها كل أشكال التدوين وهي متخصصة في حمل التدوين المحتوي على فضائح مالية وسياسية أخرى تخص رموز الإعلام في الدولة.

وتعتقد الشخصيات البارزة في مجال الإعلام الباكستاني أن هذه المدونة تصدر عن الحكومة للضغط على الصحافيين المنتقدين لسياساتها.

ومن الشائع الدخول على هذه المدونات والمواقع غير المعروفة لدعم طالبان أو المجموعات الدينية المتطرفة. هذه المدونات، التي تدعم طالبان، دائما ما تكون مستهدفة من قِبل قوات الأمن التي تشن حربا ضد هذه المجموعات المتطرفة. لكن غالبية محتوى هذه المدونات يدعم مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون في الدولة، بحسب آصف فاروقي الإعلامي البارز المقيم في إسلام آباد.

هل الإعلام البديل يمتلك المقومات الكفيلة بالتفوق على الإعلام التقليدي؟ يرى محمد حنيف أنه غير قادر على ذلك، فلا يُتوقع أن يتمكن الإعلام البديل من التفوق على الإعلام التقليدي، لأن نسبة التعليم في باكستان لا تزال منخفضة جدا ونسبة قليلة من الشعب الباكستاني قادرة على الوصول إلى الإنترنت. لكن خبراء الإعلام من أمثال فيصل كباديا لديهم وجهة نظر مختلفة حول هذه القضية: «على وسائل الإعلام التقليدي أن تتكيف مع البيئة المتغيرة قبل أن تواجه حقيقة تحوُّل الأفراد إلى وسائل الإعلام البديل التي تقدم المحتوى الإخباري بصورة مجانية، هي نفس المحتوى الإخباري الذي يباع».