«رويترز» تطرح خدمة جديدة على الإنترنت شبيهة بـ«يوتيوب»

تقدم مقاطع فيديو من مراسليها و150 شريكا خاصة بالشؤون المالية

«رويترز» بدأت تقديم خدمة جديدة شبيهة بـ«يوتيوب» (أ.ف.ب)
TT

على مدار نصف الساعة خلال فترة ما بعد الظهيرة الثلاثاء الماضي، كانت «سي إن بي سي» أكثر القنوات التلفزيونية إثارة على الإطلاق تقريبا، حيث بدت بها إرين برونيت وجيم كريمر وهما يحاولان الحفاظ على رباطة جأشهما - وحرصا على الانسحاب بلطف وهدوء - بينما شرعت السوق في تهاوٍ سريع كما لو كانت دمية مصنوعة من خرق بالية تهوى على درج. وخلال هذه الفترة، بدت هذه القناة مذهلة.

لكن، هل يبقى الحال كذلك باقي الوقت عندما لا تعاني خلالها السوق أكبر انخفاض لها خلال يوم واحد من المضاربات؟ ليس تماما. حتى لو كنت من المهتمين بشدة بمجال المال والأعمال، ستبدو لك «سي إن بي سي» والقنوات المالية الأخرى أشبه بأوراق تزيين الجدران. الملاحظ أن المعنيين بهذا المجال غالبا ما تكون حياتهم أشبه بأعمدة رأسية ضيقة، فإذا كنت على سبيل المثال ممن يتابعون ويتاجرون في اليورانيوم، لن تظهر لك أحدث البيانات بشأنه عبر القنوات التلفزيونية.

لذا، تحاول شركة «تومسون رويترز» إحداث تغيير في الثقافة السائدة في القنوات التلفزيونية من خلال منتج جديد يحمل اسم «رويترز إنسايدر»، وهو موقع على شبكة الإنترنت يعرض خدمات مقاطع الفيديو بمقدوره تجميع فيض المعلومات الواردة من مراسلي الشركة و150 شريكا. من المقرر أن تبدأ هذه الخدمة عملها الثلاثاء وتعد أشبه بصورة من موقع «يوتيوب» معنية بالشؤون المالية، لكنها لا تتوافر سوى لمشتركي «رويترز» فحسب الذين يدفعون اشتراكا قد يصل إلى 2.000 دولار.

من خلال استغلال النافذة الرئيسية للخدمة وتدعى «تشانيل وان»، يمكن للمشتركين التنقل عبر الخدمة بناء على تقسيمات القطاعات أو التاريخ أو الأسواق أو المنطقة أو استخدام تطبيقات تصفية وترشيح لخلق قنوات خاصة بهم تحمل طابعا شخصيا.

جدير بالذكر أن شركة «تومسون رويترز» تكونت عام 2008 نتيجة صفقة اندماج خلقت كيانا عملاقا بميزانية تقدر بـ30 مليار دولار على صعيد المعلومات والأنباء المالية. وتضع الشركة من جانبها رهانا كبيرا على «رويترز إنسايدر» يبلغ قرابة 100 مليون دولار. وفي الوقت الذي تحقق منافستها الرئيسة «بلومبرغ» إنجازات على الصعيد الإعلامي الاستهلاكي بشرائها «بيزنس ويك»، تتحرك «تومسون رويترز» في الاتجاه المعاكس.

لماذا تحاول بيع إعلانات عبر شبكة تلفزيونية واسعة بينما يمكنك الحصول على مشتركين - مصارف استثمارية ومحللين وعناصر مساهمة في السوق - على استعداد لدفع أموال ضخمة للحصول على معلومات جمعها 2.800 مراسل من 200 مكتب بمختلف أرجاء العالم، ناهيك على الكثير من الاستخبارات التجارية الفنية الأخرى الواردة من مجموعة متناغمة من الشركاء؟

وتسلط هذه الجهود أيضا الضوء على المكانة التي تحتلها مقاطع الفيديو عبر شبكة الإنترنت في الوقت الراهن. في هذا السياق، أعرب ديفين وينيغ، الرئيس التنفيذي لشؤون السوق داخل «تومسون رويترز»، عن اعتقاده أن «التوجه الذي نشهده على صعيد المعلومات المهنية لا يختلف كثيرا عما نراه في وسائل الإعلام الاستهلاكية. الواضح أن الناس بدأوا يميلون إلى المعلومات المرئية، ويتوقعون الاطلاع على المعلومات على هذا النحو. إنهم يرغبون في مشاهدة مسؤول تنفيذي ومعاينة التعبيرات على وجه المحلل».

بطبيعة الحال، بات بمقدور أي فرد الدخول إلى شبكة الإنترنت والوصول إلى كثير من الأشخاص يتناولون قضايا مالية. إلا أن «رويترز إنسايدر» تتميز أيضا بعرض نصوص على نحو شبه فوري عبر تقنية التعرف على الصوت، ثم يأتي دور البشر بتنقيح بعض النصوص، مع إضافة روابط ومعلومات أخرى ذات صلة.

ومن الممكن أن تتحول هذه البيانات، إضافة إلى آليات البحث التي تسمح للمشاهدين بالاطلاع على اللحظة المحددة في مقطع فيديو التي يذكر خلالها معلومة محددة إلى جزء من نظام معلوماتي جديد يجري في إطاره تمرير الروابط والتشارك في مقاطع الفيديو ويشهد مولد نجوم على شبكة الإنترنت.

ليس من الضروري أن تكون حائزا على درجة الماجستير في إدارة الأعمال كي تدرك أن تيسير إمكانية البحث عن مقطع مصور على شبكة الإنترنت يحمل دلالات كبيرة. عبر الأدوات التي يوفرها الموقع الجديد، بمقدور مستخدمي «تومسون رويترز» استغلال أجهزة الحاسب الآلي والمساعد الرقمي الشخصي في قطع والتشارك في أجزاء من المعلومات المصورة التي تخص المنطقة التي ينتمون إليها من العالم. في جوانبها الاجتماعية، تعكس هذه الخدمة الدروس المستفادة من شبكة الإنترنت التي يجري توجيهها إلى مجتمع مغلق من المشتركين.

ومن المتوقع أن يأتي قرابة 15 في المائة من المحتوى الخاص بـ«رويترز إنسايدر» من الاستوديوهات الخاصة بالموقع، بينما يأتي الآخر من مصادر إعلام بارزة مثل «سي إن بي سي» و«سكاي» و«فوربس»، علاوة على محتويات من تقارير تحليلية صادرة عن «يو بي إس» و«روبيني غلوبال إكونوميكس» و«جيه بي مورغان».

كجزء من المبادرة، تشارك «رويترز» عددا من الأدوات اليسيرة والرائعة لإنتاج الفيديو المكتبي، حتى وإن كانت بعض اللقطات المصورة تبدو في حالة رديئة. في هذا السياق، قال مايك ستيبانوفيتش، رئيس التحرير الإداري لـ«رويترز إنسايدر»: «لن يعتاد الجميع هذا الأمر سريعا، فمن المتوقع أن يألف بعض شركائنا هذا الأمر على نحو أسرع من الآخرين».

يبدو الأمر رائعا، لكن ضمان كثافة وأهمية المعلومات بحاجة لبذل مزيد من الجهود. كما أن الجميع لا بد أن يعوا أن المقاطع المصورة التي تتوافر حسب الطلب لن تنفذ دوما الأوامر التي توجهها إليها. من جهته، أعلن موقع «تومسون رويترز» أنه سيجري التعامل مع المشكلات الفنية البسيطة حال ظهورها، وأنه يتوقع مع معاينة بعض شركائه للفوائد التسويقية المترتبة على مقاطع الفيديو التي عرضوها، أن تتزايد إسهاماتهم من حيث العمق ومستوى الجودة.

من جانبه، قال جيفري إس. تاباك، الرئيس التنفيذي لـ«ميلر تاباك آند كمباني»، وهي شركة مضاربة مؤسساتية: «عندما بدأنا، كان يجري إرسال الأبحاث عبر البريد السريع ولا تحصل عليها إلا بعد بضعة أيام. كان هذا هو الحال». وأضاف أن الشركة توجه قدرا كبيرا من الوقت والموارد إلى برامج الفيديو على «رويترز إنسايدر»، لأنه «يتعين علينا إيجاد سبل لنقل المعلومات إلى جيل جديد من المحللين».

أما وينيغ فتحلى بالصراحة بقوله إن «رويترز» ربما يكون متقدما بمجال الإنتاج والاستهلاك بتقديمه 3.000 «برنامجا» أسبوعيا «في الواقع، لا تعد هذه البرامج أطول بكثير عن الإعلانات المعروضة على القنوات التلفزيونية العادية». وأشار إلى أن هذا أمر جيد يتعين على الشركة تعزيزه مع اكتساب مقاطع الفيديو صورا متنوعة من المعلومات المعززة.

على القناة الإعلامية لـ«رويترز إنسايدر» صباح الجمعة، عثرت على مقطع مصور من «آي تي إن»، وهي شركة بريطانية تشارك «تومسون رويترز» في ملكيتها. وظهر بالمقطع حديث عن خطط ديفيد هاسلهوف للمشاركة في برنامج واقعي جديد وتناول محللي يعمل لدى «تومسون رويترز» حول «فيرجينيا ميديا»، ومقطع مصور حمل عنوان «مقطع أنباء السوق» تضمن معلومات حول عائدات «تايم وارنر» و«نيوز كوربوريشن».

بتوجيهها مثل هذا الرهان الضخم إلى مقاطع الفيديو، تعترف «تومسون رويترز» بأن النصوص التي جرى وضعها بحرفية - بغض النظر عن مدى أهميتها - لم تعد تفي بالغرض.

من خلال بناء موقع على الشبكة لا يعتمد على جهودها الناشئة بمجال الفيديو فحسب، وإنما أيضا على المحتويات المصورة التي يطرحها المستخدمون، تعمد الشركة إلى إعادة تعريف مفهوم الخبرة والأخبار ولغة المعلومات.

ويعد هذا النموذج المتطور للصحافة أشبه بسارية أنوار يحتشد حولها الكثيرون، ويجد الأفراد الذين كانوا يعرفون من قبل كجمهور صورتهم منعكسة على الشاشات.

* خدمة «نيويورك تايمز»