الرجل الثاني في «نيوز كوربوريشن» يبني إمبراطوريته الخاصة

تشرنين يعكف على بناء شركة طموحة تمزج بين المحتويات التقليدية

بيتر إيه. تشرنين («نيويورك تايمز»)
TT

منذ رحيل بيتر إيه. تشرنين عن «نيوز كوربوريشن»، حيث كان يتولى منصب المسؤول الثاني في مرتبة القيادة بعد روبرت مردوخ، ثارت علامات الاستفهام داخل الحقل الإعلامي حول ما سيقوم به في المرحلة التالية.

بدلا من الانضمام إلى مؤسسة إعلامية كبرى أخرى، يمر تشرنين حاليا بالمراحل الأولى لبناء مؤسسة خاصة به، حيث يعكف على بناء شركة طموحة تمزج بين المحتويات التقليدية، مثل الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، وتقنيات شديدة التطور تعتمد على شبكة الإنترنت والسبل الرقمية الأخرى لتقدم مواد ترفيهية، حسبما ورد في تقرير لمايكل سيبلي، مراسل «نيويورك تايمز».

وربما تعمل خطط تشرنين بمثابة اختبار لما إذا كان من الممكن بناء شركات ضخمة (على غرار تلك التي بنيت على أيدي أقطاب أمثال باري ديلر وديفيد غيفين في تسعينات القرن الماضي) اليوم في إطار العالم الإعلامي الناشئ حديثا الذي يمكن أن تتميز الهواتف الجوالة في إطاره بقدر من الأهمية مكافئ لما تتميز به كابلات التضميم والكابلات متحدة المحور.

منذ رحيله عن «نيوز كوربوريشن» يونيو (حزيران) الماضي، لم يتحدث تشرنين كثيرا عن خططه. كما رفض عقد مقابلة معه من أجل هذا المقال.

إلا أن الكثير من الأشخاص المطلعين على خطط تشرنين تحدثوا إلى الصحيفة بهذا الشأن شريطة عدم الكشف عن هويتهم لتجنب الدخول في صدامات مع تشرنين وآخرين، وعرضوا صورة عامة لخطته المؤلفة من محورين. تتضمن الخطة بناء شركة إنتاج ذات طابع تقليدي باسم «تشرنين إنترتيمنت» بهدف إنتاج أفلام ومسلسلات تلفزيونية، وشركة أخرى تضم الكثير من الشباب من خريجي كليات التجارة والذين ستتمثل مهمتهم في البحث عن فرص الاستثمار بمجال التقنيات الجديدة وداخل الدول النامية وعلى الصعيد الإعلامي التقليدي الذي يعج بشركات متعثرة.

في تلك الأثناء، كشف تشرنين بعض اللمحات القليلة عن خططه خلال اجتماع غير عادي، الثلاثاء، بينه وبين قطب آخر بمجال الإعلام، بريان إل. روبرتس، الرئيس التنفيذي لـ«كومكاست». وتجاذب الرجلان أطراف الحديث أثناء مأدبة إفطار أقيمت في إطار «كيبل شو»، وهو تجمع سنوي للعاملين بصناعة قنوات الكيبل التلفزيونية. وبذلك التقى أحد أهم الشخصيات على الصعيد الإعلامي التقليدي مع واحد من العناصر الجديدة بالمجال الإعلامي المستقبلي.

جدير بالذكر أن «كومكاست» في طريقها لشراء «إن بي سي يونيفرسال» بمجرد إجازة الجهات التنظيمية للصفقة التي تصل قيمتها إلى 30 مليار دولار.

من جانبه، سأل تشرنين روبرتس حول كيفية التعامل مع مسألة السيطرة التحريرية اليومية على مثل هذه المؤسسة الإخبارية الهائلة، وتساءل قائلا: «هل تقول إنك لن تتدخل قط؟».

في المقابل، بهت وجه روبرتس قليلا لدى طرح السؤال، والذي تضمن موقفا افتراضيا يقدم خلاله كيث أولبرمان، المحاور بقناة «إم إس إن بي سي»، على مهاجمة اثنين من أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري في ذات وقت إنهاء الحصول على الموافقات. واكتفى بالرد: «دعنا نحظى بهذه المحادثة بعد ستة أشهر أو 12 شهرا من الآن».

الملاحظ أن خطط تشرنين خلقت قدرا هائلا من التكهنات على صعيد صناعة الإعلام بقدر ما أثاره سعي «كومكاست» لشراء 51 في المائة من قنوات «إن بي سي» و«يونيفرسال ستوديوز» من «جنرال إلكتريك» و«فيفندي». ولبعض الوقت، بدا أن الجانبين يمتزجان، فعلى سبيل المثال تولى تشرنين العام الماضي منصب مستشار روبرتس، وهو صديق له تشارك معه في ملكية مطعم «فينيارد»، في إطار المفاوضات التي أثمرت صفقة «إن بي سي يونيفرسال».

ودارت أحاديث داخل هوليوود حول أن تشرنين ربما يتولى إدارة الاستوديو بالنظر إلى خبرته في مجال الإشراف على «فوكس برودكاستنغ» التابعة لـ«نيوز كوربوريشن». إلا أنه مع إنجاز الصفقة، انسحب تشرنين ووجه تركيزه مجددا إلى شركته الجديدة.

ونظرا للدمار المنتشر على الصعيد الإعلامي مع عرض استوديوهات إنتاج أفلام متعثرة مثل «إم جي إم» للبيع، واستمرار التداعيات السلبية لصفقات ضخمة مثل شراء «نيوز كوربوريشن» عام 2005 لـ«ماي سبيس» مقابل 580 مليون دولار بالنسبة للشركة الأم، فإن بناء أي مؤسسة كبرى جديدة على غرار ما يخطط له تشرنين سيتطلب رؤية وإصرارا.

في هذا الصدد، قال جوناثان إيه. ني، الذي شارك في تأليف «لعنة الأقطاب: ما الذي حل بالشركات الإعلامية العالمية الرائدة»: «إذا كنت ستدعم شخصا، عليك مساندة شخص يحظى بسجل يقوم على احترام المساهمين وقيمة المؤسسة. وقطعا هذا خيار أفضل من البدائل الأخرى، وهي التي يتوافر الكثير منها».

خلال لقائهما على مأدبة الإفطار، وجه تشرنين أسئلة متكررة إلى روبرتس حول كيف تنوي «كومكاست»، مؤسسة الكيبل العملاقة، التغلب على تحديات إدارة أكبر كيان معني بالمواد الإخبارية والترفيهية على مستوى البلاد.

وأجاب روبرتس: «لن نفرض الطابع المميز لـ«كومكاست» على «إن بي سي يونيفرسال». وتحدث عن توجيه موارد مالية إلى «إن بي سي يونيفرسال». وأوضح أمام حشد من هوليوود أنه «بالنسبة لمؤسسة في ضخامة «جنرال إلكتريك»، لا تشكل «إن بي سي يونيفرسال» لب نشاطاتها. لكن لا يمكن إطلاق القول ذاته على «كومكاست» في شكلها الجديد».

في المقابل، تجاهل تشرنين التساؤلات التي طرحت عليه حول خططه. واكتفى بالقول: «أنا هنا لنفي أي اعتقاد بأنني سأعمل محاورا ببرنامج ما».

الأسبوع الماضي، تلقى تشرنين أنباء طيبة عن الجانب التقليدي من نشاطه التجاري المتمثل في «تشرنين إنترتيمنت» المعتمدة بدورها على مكافأة مالية سخية حصل عليها لدى رحيله عن «نيوز كوربوريشن».

أما النبأ السار فهو إعلان «20 سنشري فوكس» استوديو، الخميس، عن أنها منحت الضوء الأخضر لانطلاق العمل في أول أفلام تشرنين «صعود القردة» (رايز أوف ذي إيبس). ويحمل الفيلم قصة مشابهة لفيلم «كوكب القرود» (بلانيت أوف إيبس) ومن المقرر أن يتولى إخراجه روبرت ويات، وهو وجه جديد نسبيا في هذا المجال، مع توافر مساعدة تقنية على غرار ما استعان به جيمس كاميرون في «أفاتار». ومن بين الأعمال التي اشتهر بها هذا المخرج فيلم «الهارب» (إسكيبست).

ويرمي هذا الفيلم، الذي جرى الإعداد له داخل «فوكس» لسنوات، إلى توفير الدفعة الأولى لجهود عقد اتفاق ينتج تشرنين في إطاره فيلمين سنويا على الأقل على مدار ست سنوات لدى الاستوديو.

وبالمثل، تعمل «فوكس» على تنظيم التزامات تضمن توفير وقت لعرض مسلسلات من إنتاج تشرنين. وعندما تعلن «فوكس» عن جدولها الاثنين القادم، من المتوقع أن يضم مسلسلا واحدا على الأقل من إنتاج تشرنين، ويحمل المسلسل اسم «تيرا نوفا» وتميز بميزانية ضخمة وينتمي لنوعية الخيال العلمي حول أسرة من المستقبل تنتقل إلى عصور ما قبل التاريخ. ومن المقرر أن يجري إنتاجه بالتشارك مع ستيفين سبيلبرغ وآرون كابلان، الوكيل التلفزيوني السابق لدى «ويليام موريس».

من ناحية أخرى، يعكف تشرنين من داخل مكتبه في سانتا مونيكا على اتخاذ الاستعدادات اللازمة لإطلاق «تشرنين غروب».

وتدور فكرة المجموعة برمتها على استغلال أموال آخرين على أساس كل مشروع على حدة. من بين الداعمين المحتملين لتشرنين جوناثان نيلسون الذي تشارك شركته، «بروفيدنس إكويتي بارتنرز»، في ملكية «إم جي إم»، التي ربما تعد واحدة من الاستوديوهات الضخمة المتعثرة الباحثة عن مشتر أو مصدر جديد لرأس المال.

منذ بضعة أسابيع، أثار تشرنين ومعاونوه الشباب الرعب بصناعة التقنيات مع ظهور تقارير حول تفكيرهم في إطلاق قناة لا يمكن استقبالها سوى عبر جهاز «إكسبو 360». وقد تحدثوا بالفعل إلى كونان أوبريان ليشارك ببرنامجه الجديد، لكنه قرر التوقيع لصالح «تي بي إس». لكن شيئا من هذا لم يتحقق بعد.

بعد أن تعرض لضغوط مكثفة على مدار الساعة تقريبا للكشف عن خططه، حاول روبرتس قلب الطاولة على تشرنين، الثلاثاء، عندما سأله كيف تمكن من إدارة شركة بضخامة «نيوز كوربوريشن» رغم بدايته المهنية المتواضعة في شركات ترفيه وإعلام أصغر حجما بكثير. وعلق تشرنين على هذا بقوله: «لقد كنت لطيفا في حديثي مع روبرتس».

* خدمة «نيويورك تايمز»