الأخبار.. سلعة للبيع في الهند

عروض لرجال أعمال وسياسيين بالدفع للظهور إعلاميا

سوشما سواراج زعيمة حزب بهاراتيا جاناتا وصلها عرض بالحصول على تغطية إعلامية جيدة خلال الانتخابات العامة العام الماضي مقابل 10 ملايين روبية (إ.ب.أ)
TT

اقترب ممثلو صحيفة وطنية هندية بارزة من رجل أعمال معروف وعرضوا عليه صفقة: «أعطنا حصة في شركتك، وسوف نوفر لك مساحة إعلانية وتغطية إخبارية مرضية».

وقالت ناشرة إنها حصلت على عرض مشابه: «ادفعي لنا، وسوف نجري مقابلات مع مؤلفين تابعين لك ونكتب مقالات عنهم».

وتقول سوشما سواراج، الزعيمة البرلمانية لحزب بهاراتيا جاناتا، إنه جاءها عرض بالحصول على تغطية إعلامية جيدة خلال الانتخابات العامة العام الماضي مقابل 10 مليون روبية (220.000 دولار).

وكتبت قبل أسابيع قليلة عن التجارة بالحياة الثقافية والفكرية في الهند، ولا يوجد مثال أبرز يدلل على هذا الاتجاه من ظاهرة «المحتوى المدفوع» أو «الأخبار المدفوعة»، التي يجري خلالها بيع مساحة لمقالات داخل صحف ومجلات ووسائل إعلام إلكترونية من دون تعريف القراء ذلك.

وينتشر الكلام حول ممارسات مشبوهة، غير أخلاقية وربما غير قانونية، داخل وسائل الإعلام الهندية منذ عدة أعوام. وقد سُلّط مقدار أكبر من الضوء على هذه القضية منذ نحو عام، لا سيما منذ الانتخابات البرلمانية في عام 2009، عندما قيل إن بيع مساحات في وسائل الإعلام وصل إلى مستويات جديدة.

وقد أثيرت تساؤلات داخل البرلمان. وفي يوليو (تموز) الماضي، شكّل مجلس الصحافة الهندي، وهي هيئة رقابية داخل الهند، لجنة من رجلين للنظر في هذه المزاعم. وأكملت هذه اللجنة مسوَّدة تقرير الأسبوع الماضي من المقرر أن يُنشر علنا، ولكن أرجأ ذلك بعد معارضة قوية من أصحاب الوسائل الإعلامية.

ومع ذلك، فإن الكثير من الأشياء التي خلص إليها التقرير جرى تسريبها. وعلى الرغم من أن الناشرين اشتكوا من أن الأدلة المقدمة ضعيفة، يحدد التقرير عدد كبير من الدوريات يعتقد أنها باعت مساحة تحريرية، ويذكر العشرات من الحالات ظهرت فيه تلك الممارسات.

وقال لي بارانجوي غوها ثاكورتا (أحد مؤلفي التقرير) إن «من بين الأشياء المقلقة التي خلصنا إليها أن ممارسة المحتوى المدفوع اتخذت شكلا (مؤسسي)». وقال إن الأمر يتجاوز محررين وناشرين أفرادا. وأضاف: «ما بدأ كخطأ فردي أصبح مرضا ووباء مستشريا. ويجعل ذلك من هذه الممارسة الخاطئة أمرا مثيرا للمشكلات».

وتتخذ التجارة بوسائل الإعلام الكثير من الأشكال. ومعروف لبعض الوقت أن عددا قليلا من المجموعات الإعلامية الرائدة داخل الهند، ومن بينها «بينيت وكولمان وشركاه» ناشر «تايمز أوف إنديا» و«إكونوميك تايمز»، يقدم ما تصفه الشركة بأنه استراتيجيات تسويق «مبتكَرة» و«متكاملة» تلغي الخط التقليدي الفاصل بين الإعلان ومحتوى المقالات. وتسمح شعبة وسائل الإعلام على الإنترنت داخل «بينيت وكولمان» على سبيل المثال لأصحاب الإعلانات بوضع مقالات في صفحات معينة داخل الصحيفة دون الإشارة إلى أنها إعلانات.

ومن بين العروض القوية للشركة منتج يعرف باسم (Private Treaty) (اتفاق خاص)، يعرض على الشركات مساحة إعلانية محددة مقابل حصص أسهم داخل تلك الشركات. وحسب ما أفاد به موقع الاتفاقات السرية، تمتلك «بينيت وكولمان» حاليا حصص أسهم من هذا النوع داخل أكثر من 100 شركة.

وبصورة رسمية، لا تحصل الشركات على مساحة إعلانية وحسب، ولكن أكد رجل أعمال على الأقل أنه يمكن أن يتوقع تغطية إخبارية مرضية.

وعلى الأقل، يبدو واضحا أن «الاتفاقات السرية» تفضي إلى نوع خطير من تضارب المصالح، وهي النقطة التي ألقي عليها الضوء العام الماضي عندما كتبت هيئة الأوراق المالية والبورصة الهندية، التي تراقب سوق الأسهم الهندية، خطابا إلى رئيس مجلس الصحافة تعبّر فيه عن مخاوف من ممارسات داخل السوق.

وتمثل «الاتفاقات السرية» نموذجا لجعل العمل الإخباري سلعة. ولكن كان داخل الهند أخيرا اهتمام كبير بالمحتوى السياسي المدفوع. ومنذ نحو عام يوجد عدد متنامٍ من التقارير حول قيام سياسيين بالدفع لمؤسسات إعلامية مقابل قيامها بتغطية أخبارهم أو لتجنب القيود المفروضة على تمويل الحملات الانتخابية.

وقد أشار بي سيناث، محرر الشؤون الريفية داخل صحيفة «ذي هندو» الوطنية، إلى هذه الممارسات. وفي سلسلة من المقالات حول الانتخابات داخل ولاية ماهاراشترا العام الماضي، ذكر سيناث أسعارا محددة لأشكال مختلفة من المقالات، ووجد أنه مقابل 400.000 روبية، يمكن أن تنشر الصحف لمحة عن حياة مرشح بالإضافة إلى «أربعة أخبار من اختيارك». ومقابل 15 مليون روبية - عشرة أمثال المبلغ المسموح قانونا للمرشح بإنفاقه على الحملة الانتخابية لمجلس الولاية - يمكن للسياسيين شراء ملحق خاص.

وقد أدان تقرير مجلس الصحافة هذه الممارسات، وأشار إلى أن المحتوى السياسي المدفوع غير أخلاقي وغير قانوني. ويقول التقرير إن الدفع مقابل محتوى سياسي يتضمن ثلاث عمليات خداع، حسب ما قاله غوها ثاكورتا: أولا يخدع المواطنين والمستهلكين الذين لا يعرفون أن أيا من «الأخبار» التي يقرأونها عبارة عن إعلان. وثانيا يخالف قوانين الإنفاق خلال الحملات الانتخابية. وأخيرا تحصل الصحف على أموال من سياسيين بصورة تخالف قوانين الضرائب، حيث إن هذه العمليات تكون سرية.

وبصورة عامة، يقول التقرير إن المحتوى المدفوع «يقوّض من الديمقراطية الهندية»، ودعا الحكومة إلى حماية المؤسسات والقيم الديمقراطية الهندية. وبصورة واضحة، يوصي التقرير بإضافة شراء المحتوى إلى سلسلة من الأشياء، من بينها الفساد والتحريض على العنف الطائفي، تعرف بأنها «ممارسات انتخابية خاطئة» بموجب القانون الهندي.

ويقف وراء انتشار المحتوى المدفوع بعض عوامل ألقي الضوء عليها قبل أسابيع قليلة: اهتمام متزايد داخل الهند بالتجارة والأنشطة التجارية، واقتحام الأسواق في كل مناحي الحياة الخاصة والعامة.

وفي الكثير من النواحي، عادت هذه المنافسة بالنفع على وسائل الإعلام. وحسب ما أفادت به دراسة حديثة، من المتوقع أن ينمو سوق الصحافة الهندي بمعدل سنوي يبلغ 12.5 في المائة بين 2009 و2013، وهو ما يجعله نقطة مضيئة نادرة في القطاع الإعلامي عالميا.

ومع هذا النمو تأتي ضغوط جديدة أخرى. ويوجد في الهند نحو 70 ألف صحيفة مسجلة وأكثر من 450 قناة تلفزيونية. وقد يكون من غير المفاجئ أن بعض هؤلاء الناشرين يرغبون في تجربة قوالب عمل جديدة والبحث عن طريق مختصر لتحقيق الأرباح.

أمر غير مفاجئ، ولكن بالنسبة إلى البلد وإلى الحياة العامة والديمقراطية يمثل ذلك مصدر قلق كبيرا.

* خدمة «نيويورك تايمز»