الأزمة المالية تجبر المؤسسات الإخبارية على تقليص عدد الصحافيين المرافقين للرئيس الأميركي

الرحلات الرئاسية كلفت القطاع الصحافي 18 مليون دولار العام الماضي

الرئيس الأميركي باراك أوباما في الطائرة الرئاسية مع مجموعة من الصحافيين خلال إحدى رحلاته (رويترز)
TT

عثرت وسائل الإعلام الإخبارية على مجال تغطية جديد يمكنها تقليل ما تنفقه عليه: إنه رئيس الولايات المتحدة.

وبعد أن كان من المسلم به، على مدى عشرات الأعوام، أن تمتلئ طائرة خاصة بطواقم صحافية لتصحب الرئيس في رحلاته، وضعت قيود كبيرة على الرحلات الجوية في القطاع الصحافي خلال الأشهر الأخيرة، إذ تقوم المؤسسات الإخبارية بتقليص النفقات في سعي حثيث للمحافظة على قدرتها الربحية.

ونتيجة لهذا الاتجاه، تراجع عدد الصحافيين الذين يصحبون الرئيس الأميركي باراك أوباما ومساعديه، وأدى ذلك إلى تراجع عدد المصادر الإخبارية في وقت يهتم فيه الأميركيون بدرجة أكبر بسياسات البيت الأبيض ومسؤوليه.

ويقول إدوين تشين، مراسل «بلومبرغ نيوز» الأول لدى البيت الأبيض ورئيس رابطة مراسلي البيت الأبيض: «يمثل التمويل السبب الوحيد الذي يقف وراء ذلك»، وقال إن هذه التخفيضات تدق ناقوس الخطر.

وقد وصلت التخفيضات في الميزانية، التي تقوم بها المؤسسات الإخبارية، إلى تغطية البيت الأبيض، التي كانت تعد عادة المهمة الأولى لمكاتب المؤسسات الإخبارية في واشنطن. وتعد هذه الإشارة الأخيرة على تخفيض النفقات. ويأتي ذلك بعد مرور أعوام على قيام الكثير من الصحف الإقليمية بوقف إرسال صحافيين لمتابعة أخبار البيت الأبيض. وتشعر الشبكات الكبرى بوجود ضغوط كبيرة عليها. ويقول كريستوفر إسهام رئيس مكتب «سي بي إس نيوز» في واشنطن: «أبحث كل يوم عن وسائل لتقليل (النفقات) هنا أو هناك».

وعندما يزور الرئيس أوباما سان فرانسيسكو يومي الثلاثاء والأربعاء من أجل جمع تبرعات وجولة بشركة منصات شمسية، لن تصحبه طائرة خاصة للصحافيين. وهناك مخاوف متنامية داخل الطواقم الصحافية من أن يفضي ذلك إلى تقارير أقل حول الرئيس تأتي من مصادر تقل يوما بعد آخر. وربما يبقى المواطنون يسمعون ويرون الرئيس باستمرار، ولكن مع مقدار أقل من الحقائق التي تصاحب ذلك.

ويقول فرانك سيسنو، وهو مراسل سابق لدى البيت الأبيض ورئيس مكتب «سي إن إن» في واشنطن: «ربما لم يفكر أحد في ذلك من قبل». ويضيف سيسنو، وهو حاليا مدير مدرسة الإعلام والشؤون العامة داخل جامعة جورج واشنطن، إن الخصومات تأتي بالتوازي مع «تراجع الشبكات الكبرى والصحف».

ويقول إسهام ومسؤولون تنفيذيون آخرون داخل مؤسسات إخبارية إنهم لا يزالون ملتزمين بتغطية أخبار البيت الأبيض، ولكنهم يبحثون عن وسائل جديدة وأقل كلفة من أجل القيام بذلك. ويقول مارك ويتكر، رئيس مكتب «إن بي سي نيوز» في واشنطن: «ما زلنا نغطي أخبار الرئيس بالمسؤولية والشمول اللذين نتحلى بهما دوما، وعلينا فقط البحث عن الوسيلة المثلى للقيام بذلك من الناحية اللوجيستية والمالية».

وقد كلّفت الرحلات الرئاسية القطاع الصحافي 18 مليون دولار خلال العام الماضي، حسب ما قالته رابطة المراسلين. ويقول ديفيد ويستين، رئيس «إيه بي سي نيوز»: «الأسعار مرتفعة للغاية». ويمكن أن يبلغ قيمة المقعد على الطائرة الخاصة 2000 دولار في الرحلات المحلية، فيما يبلغ عشرات الآلاف من الدولارات في الرحلات الخارجية. ويبدو أن «إيه بي سي» تراقب التكاليف في الوقت الذي تعيد تشكيل الشعبة الإخبارية، حيث خفضت 25 في المائة من العاملين بها في ربيع العام الحالي.

وتصوّت المنابر الإخبارية حول ما إذا كانت ستستأجر طائرة خاصة، ولكن ليس من السهل الوصول إلى إجماع: وتحظى الشبكات التلفزيونية الكبرى - «إيه بي سي» و«سي بي إس» و«سي إن إن» و«فوكس نيوز» و«إن بي سي» - بخمسة أصوات من بين سبعة أصوات. (ويقوم تشين بالإدلاء بالصوتين الآخرين نيابة عن المراسلين الآخرين). وإذا قررت الشبكات عدم السفر مجتمعين، يكون على المراسلين من كافة المؤسسات القيام بترتيبات أخرى.

وقد بدأ تقليل النفقات على الرحلات الصحافية الخاصة في نهاية إدارة جورج دبليو بوش، وزاد الأمر خلال الأشهر الـ16 الأول لأوباما في منصب الرئيس، ولا سيما خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وذلك حسب ما يقوله مسؤولون تنفيذيون داخل مؤسسات إخبارية.

وفي هذه الحالات - سواء داخل بافالو الشهر الجاري أو في براغ التي سافر إليها أوباما الشهر الماضي من أجل اتفاق هام حول الأسلحة النووية من دون طائرة للصحافيين - لم يكن هناك سوى صحافيين سافروا على الطائرة «آير فورس وان» ودوّنوا ملاحظات والتقطوا صورا لباقي الطواقم الصحافية. ويضطر الباقون إلى شراء تذاكر طائرات تجارية، مع أمل الوصول إلى الفعالية الرئاسية في الوقت المناسب. ويقرر البعض البقاء داخل واشنطن، وتقوم صالات التحرير بإيفاد صحافيين محليين، ومع ذلك من الصعب معرفة المرات التي يمكن أن يحدث ذلك فيها.

وبالنسبة للصحافيين، فإن عدم وجود طائرة خاصة يمثل «مشكلة كبيرة ويضيع وقتا كبيرا بعيدا عن التغطية الإخبارية»، حسب ما يقول مارك نولر، مراسل «سي بي إس راديو» لدى البيت الأبيض. ويقول نولر إنه لتغطية زيارة أوباما لمركز كينيدي للفضاء الشهر الماضي التي استغرقت ساعتين: «شغل ذلك وقتا طويلا على مدار ثلاثة أيام» لأنه اضطر إلى اللحاق برحلة جوية تجارية إلى فلوريدا قبل ذلك بيوم، واضطر إلى البقاء هناك حتى صباح اليوم الذي تلا إلقاء الخطاب. ومع ذلك، قام بتوفير مئات الدولارات لـ«سي بي إس»، حيث إن المقعد على طائرة خاصة إلى فلوريدا كان سيتكلف 2.400 دولار. ويقول نولر إنه يتفهم أن المنابر الإخبارية عليها «ضغوط كبيرة» من أجل تقليل النفقات.

ويؤثر سفر الرئيس بصورة مباشرة على الأرباح والخسائر داخل مكاتب واشنطن. وعندما ألغت الإدارة رحلة إلى إندونيسيا واستراليا في وسط النقاش حول مشروع الرعاية الصحية، واجهت المنابر الإخبارية رسوم إلغاء تبلغ 7.500 دولار للمقعد. ويقول سيسنو إن البعض ربما يعتبر إرسال تقرير من الرحلات ميزة، حيث يكون لكلمات الرئيس صدى واسع في وسائل الإعلام. ويشير إلى أنه بعدم السفر معه «تفقد المذاق، وتفقد السياق».

وقد أثار تقليل الرحلات الخاصة اهتمام البيت الأبيض، حيث نقل السكرتير الصحافي روبرت غيبس مخاوفه إلى تشين في اجتماع قريب. وعندما سئل عن المخاوف، قال نائب السكرتير الصحافي بيل بورتون: «يمكن أن تقول إنه عندما يسافر عدد أقل من الصحافيين، سيقل عدد من لديهم معرفة مباشرة وتغطية لأخبار للرئيس وسياساته».

وبالنسبة للطائرات الخاصة، يقول تشين: «لا أريد أن أقول إن ذلك يعني موتا سريعا، ولكنه بالتأكيد تراجع سريع، فعندما يقل عدد المؤسسات التي تسافر، ستزداد التكلفة بالنسبة للمؤسسات التي تسافر، ومع ارتفاع التكلفة، سيزداد عدد المسافرين». وتقوم المنابر الإخبارية بالدفع مقابل المقاعد على طائرات الصحافيين خلال الحملات الرئاسية، ولكن يقول مسؤولون تنفيذيون في الشبكات إنه من المبكر جدا تقدير ما سيحدث خلال الحملة الانتخابية لعام 2012.

ومن جانبه، يقول بعض رؤساء الشبكات الإخبارية إنه كانت هناك فسحة كبيرة في طلب طائرات خاصة للصحافيين في السابق. ولكن في الوقت الحالي يتم ذلك حسب كل حالة. وعلى سبيل المثال، تكون الطائرات الخاصة أكثر إلحاحا عندما يقف الرئيس في محطات عدة، حيث يكون من المستحيل تقريبا الاعتماد على الرحلات الجوية التجارية. ويقول ديفيد بورمان، رئيس مكتب «سي إن إن» في واشنطن: «نحاول استخدام المنطق السليم في الإنفاق». وسيؤدي المنطق السليم إلى وضع 11 عضوا من طواقم صحافية في حافلة لحضور خطاب يلقيه أوباما في جنوب فيرجينيا مطلع الشهر الجاري. ويقول تشين عن الحافلة إنه عندما عارضت الشبكات الإخبارية استئجار طائرة خاصة للرحلة «اقترحت ذلك بدافع الإحباط والسخرية». ولكن قالت الشبكات إنها فكرة ليست سيئة، حيث تبلغ تكلفة المقعد داخل الحافلة 200 دولار، وهو سعر يصعب منافسته.

* خدمة «نيويورك تايمز»