تحولات في ملامح مراسلي البيت الأبيض

لم تعد مهمته تتطلب التنقل طوال الوقت حول قاعة المؤتمرات الصحافية والسفر من وقت لآخر

تشوك تود (رويترز)
TT

بدأ تشوك تود كتابة رسائل عبر موقع «تويتر» في السادسة صباحا، مشيرا إلى أن السباق الانتخابي الأكبر يوجد في ويست فيرجينيا، حيث من الممكن أن يخسر مرشح آخر ممن ينتمون إلى العاصمة في انتخابات تمهيدية. والآن، بعد مرور ثلاث ساعات تقريبا، حرص على الدخول إلى الموقع ثانية قبيل دقائق من ظهوره على الهواء مباشرة.

مرتديا قميصا أرزق اللون، عكف تود على النقر على أزرار حاسب آلي، حيث انتهى لتوه من تحديث معلومات طرحها عبر مدونته حول أرلين سبكتر، في الوقت الذي طلب فيه من أحد المنتجين إيجاد شريط مصور ملائم لبرنامجه الجديد «ديلي رنداون».

وقال: «مشاهدة إكينبري بالأمس كانت أشبه بمشاهدة شريط مصور لرهينة»، في إشارة إلى الأداء المتوتر الذي أبداه السفير الأميركي لدى أفغانستان، كارل إكينبري، عندما وجه تود ومراسلون آخرون أسئلة إليه داخل البيت الأبيض. وسأل المنتج مجددا: «هل يمكن أن نحصل على شريط إكينبري هنا؟ أعلم أن الوقت متأخر، آسف».

أطل تود برأسه فوق كتف زميلته، سافانا غوثري، وشرع في البحث عن الجمل الخاصة بالنص الافتتاحي لزيارة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي لواشنطن. وبعد لحظات، رفعت غوثري، التي كانت ترتدي قميصا أبيض وحذاء برقبة عالية تتجاوز الركبة، جهاز «بلاكبيري» الخاص بها عاليا كما لو أنها تعلن عن نصر كبير.

«لقد علمت ما نوع الحساء الذي ستقدمه وكالة الاستخبارات المركزية اليوم - إنه حساء الشودر باللحم المقدد!». وقالت غوثري هذه الكلمات بزهو كما لو أنها كشفت النقاب عن سر خطير من أسرار الدولة.

لم تعد مهمة تغطية أنباء البيت الأبيض تتطلب من المراسل التنقل طوال الوقت حول قاعة المؤتمرات الصحافية والسفر من وقت لآخر، وإنما تحولت إلى مهمة كبرى تستنفد قوى الصحافي وتتطلب منه التعامل بمهارة مع مختلف وسائل الاتصال والإعلام، والاهتمام بتغطية كل شيء، بداية من نمط الحساء الذي يقدم داخل البيت الأبيض - الملاحظ أن فقرة «سوب دو جور» في برنامج «ديلي رنداون» تحظى بشعبية غريبة - وصولا إلى تطورات وكواليس السياسة الخارجية.

يعد تود، 38 عاما، المراسل الرئيس لدى البيت الأبيض في محطة «إن بي سي»، كما يعمل مخرجا للبرامج السياسية بالمحطة ومذيع أخبار في «إم إس إن بي سي» ومدونا على «فيرست ريد» ومن الأصوات البارزة على «تويتر». ويتشارك هو وغوثري، 38 عاما أيضا، في الإيقاع الحماسي. عندما رشح الرئيس أوباما إلينا كاغان لتقلد منصب بالمحكمة العليا، تولت غوثري تقديم برنامج «توداي»، بينما ظهر تود في برنامج «مورننغ جو»، وظلا يتبادلان العمل وصولا إلى تقديم نشرة الأخبار المسائية.

وفي هذا الصدد، اعترفت غوثري بالقول: «لقد أصابنا الإنهاك. هناك أيام تمر نشعر بضغط بالغ».

يعد «تشوكي تي»، مثلما يشتهر تود أحيانا، من الشخصيات المدمنة للسياسة وينتمي في الأصل إلى ميامي واعتاد إشباع ولعه بالشؤون السياسية من خلال عمله على مدار 15 عاما في «هوتلاين». لكنه يبدو في أكثر حالاته حماسا وانفعالا على شاشات التلفزيون عندما يتحدث عن انتخابات الكونغرس، ويبدي ذاكرة موسوعية تعج بالمعرفة السياسية.

وعن هذا، قالت غوثري: «إنها واحدة من الألغاز المرتبطة بتشوك تود. ودائما ما تراودني الدهشة حيالها».

كان تود قد ترك جامعة جورج واشنطن قبل التخرج، واستعان به الراحل تيم روسرت منذ ثلاث سنوات. كان من المقرر أن يجري تجريبه على الظهور أمام الكاميرات. وبالفعل، أثبت تود موهبته الطبيعية في هذا الصدد، لكنه حتى الآن يصف نفسه بأنه يميل دوما إلى استخدام قدر مفرط من الكلمات في التعبير واستخدام جمل اعتراضية لإضافة مزيد من التفصيلات.

وعن غوثري، التي تنتمي إلى مدينة توسون، قال: «إنها أفضل مني بمقدار عشرة أضعاف على الأقل ككاتبة للتلفزيون». يذكر أن غوثري سبق لها العمل لحساب «دبليو آر سي» في واشنطن و«كورت تي في» وعملت لبعض الوقت محامية في واشنطن قبل انضمامها إلى «إن بي سي». وأضاف تود: «إنني أتعلم منها منذ اليوم الأول لتقلدي هذه الوظيفة».

كانت تغطية شؤون البيت الأبيض حكرا على أمثال دان ريزر وتوم بروكو وسام دونالدسون وليزلي ستاهل. أما الآن، فقد أصبح من الممكن أن يتولى هذه المسؤولية شخص يعمل في الوقت ذاته مذيعا.

بلحيته المميزة وإشاراته المستمرة إلى عبارات تتعلق بثقافة البوب، لا يبدو تود ولا يتحدث على النحو المعتاد بين المراسلين التلفزيونيين التقليديين، الأمر الذي جعل الاستعانة به في برنامج «ميت ذي برس» مغامرة كبرى، وانتهى الحال بحصول ديفيد غريغوري على الوظيفة. حتى الآن، لا يزال تود يستخدم من وقت لآخر في حديثه عبارات عامية.

من جانبه، يبدو تود مدركا تماما للجوانب السلبية التي تنطوي على التميز بمظهر جذاب دون عمق حقيقي، لذا أكد على أهمية وجود نص مكتوب لضمان تناول النقاط المهمة. وأشار في هذا الصدد متحدثا عن نفسه وغوثري: «ليس منا من يرغب في الظهور بمظهر المذيع التقليدي الذي لا يطرح جديدا».

الواضح أنه يطلق لنفسه العنان بدرجة أكبر عندما يتحول الحديث إلى السياسة، ويبدو متألقا عندما ينتقل الحديث إلى ترشح حفيد جيمي كارتر للحصول على مقعد مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا، لكن شريكته لا تسمح للسياسة بالهيمنة على قضايا البرنامج. في هذا الإطار، أوضحت غوثري: «إن كلا منا يعمل بمثابة ضمير الآخر. ولا نرغب في أن نبعد الناس عنا».

الواضح أنهما يسيران على نهج جو سكاربورو وميكا بريززينسكي اللذين يعتمد برنامجهما على الجانب الشخصي بدرجة أكبر. ويحرص تود وغوثري على ممازحة الصحافيين، وتجنب الدخول في مشاحنات معهم.

كما ينحرف الاثنان عن النهج المعتاد في الكثير من برامج «إم إس إن بي سي» برفضهما تنظيم ما يصفانه بأنه مناظرات «زائفة». عن ذلك، قال تود: «لا نستضيف مطلقا ضيوفا ونعمد إلى تمييزهم طبقا لتياري اليمين واليسار». ويحرص تود وغوثري بشدة على تجنب تنظيم مثل هذه المواجهات الحزبية. وقالت غوثري: «إننا نحاول إعادة الأخبار الحقيقية إلى محطات الكيبل»، ثم سارعت بالنظر إلى خبير شؤون دعاية وسألته: «هل يجوز لي قول ذلك؟».

منذ انطلاق عمل البرنامج الذي تبدأ إذاعته في التاسعة صباحا في مطلع يناير (كانون الثاني)، اتسمت معدلات الإقبال على مشاهدته بالتواضع، رغم ارتفاعها بنسبة 15 في المائة خلال هذه الساعة عن الربع السابق من العام. وبلغ متوسط مشاهدي «ديلي رنداون» 362.000 مشاهد حتى الآن خلال هذا العام، مما يضعه في مرتبة متأخرة عن «أميركاز نيوزروم» الذي تعرضه قناة «فوكس» ويبلغ متوسط عدد مشاهديه 1.4 مليون، وبرنامج «نيوزروم» المعروض على «سي إن إن» ويصل متوسط عدد مشاهديه إلى 504.000 مشاهد.

ما بين واجباتهما كمذيعيْن ونشاطات البث المباشر التي يقومان بها على مدار اليوم، لا يتوافر أمام تود وغوثري كثير للاضطلاع بالنشاطات التقليدية التي يتولاها المراسلون الصحافيون. إلا أنهما أكدا أن هناك ما يعوضهما عن ذلك، حيث نوه تود بأنه «في بعض الأحيان، يتحدث إلينا البيت الأبيض بمعدل أكبر ونحصل على معلومات مهمة في وقت مبكر عن آخرين». وأضافت غوثري: «إن الأمر يختلف عن تقديم برنامج للطهي».

الملاحظ أن «ديلي رنداون» يوفر لهما أصلا قيما بالفعل. وأشار تود إلى أنه على مدار الشهور الستة الماضية أصبحت هناك قواعد أكثر صرامة فيما يخص أنباء البيت الأبيض التي تبث على «إن بي سي»، وذلك بعد فترة طويلة جرى خلالها التعامل مع كل ما يخص البيت الأبيض باعتباره أمرا جديرا بالظهور في النشرات الإخبارية. الآن، ربما يعرض برنامج «نايتلي نيوز» أنباء حول البيت الأبيض مرتين فقط أسبوعيا.

وشرح تود أنه «مثلما سئم أبناء البلاد من مثل هذه الأنباء، أصاب السأم كذلك العاملين في نيويورك»، في إشارة إلى المسؤولين التنفيذيين المعنيين بـ«30 روك».

من جهته، أشار تشيب ريد، مراسل «سي بي إس» لدى البيت الأبيض، إلى إنه عمل لدى «إن بي سي» و«إم إس إن بي سي» خلال فضيحة مونيكا لوينسكي. وأضاف: كنت أبدأ في «إيموس» في السادسة صباحا وأنتهي مع «غيرالدو» في العاشرة مساء. لكنه استطرد بأن تود بمقدوره التعامل مع مثل هذه الضغوط، مثلما تمكن هو لأن المرء «ينغمس فحسب في حالة مزاجية يفرز الجسم خلالها قدرا مفرطا من الأدرينالين».

في صباح الثلاثاء ذلك، شرع تود في التعليق على الأخبار على نحو تلقائي. بعد تقرير عن بقعة الزيت في الخليج، وصف تود الموقف بأنه «أشبه بحبكة لفيلم رديء. هذا أمر لا يصدقه عقل».

أما غوثري، فتقوم بدور المحاور الأكثر لطفا. عندما جرى الاتصال بالسيناتور أورين هاتش، ينزلق تود إلى نمط حديث أشبه بما هو سائد في الدوائر السياسية في واشنطن. ووجه تود سؤالا إلى هاتش حول ما إذا كان سيترشح لإعادة الانتخاب هذا العام «بالنظر إلى ما جرى لزميلك في أوتاه، هل يمكن أن تنجح؟» ولا يشرح تود للمشاهدين أنه يتحدث عن السيناتور روبرت بينيت الذي خسر في معركة إعادة الترشح قبل أيام خلال مؤتمر حزبي خاص بالحزب الجمهوري.

في اليوم التالي، سافر تود جوا إلى نيويورك لتحليل أحدث استطلاعات الرأي السياسية التي أجرتها المحطة مع بريان ويليامز، وفي اليوم التالي حل محل كريس ماثيوز في برنامج «هاردبول». خلال الانتخابات التمهيدية التي جرت الثلاثاء، نجح تود في الضغط على فيل غريفين، رئيس «إم إس إن بي سي» كي يقوم بتغطية كاملة لها، وظل ينقل لقطات حية حتى الساعة الثانية عشرة والنصف صباحا، ثم ظهر في السابعة في برنامج «توداي»، ثم في «هاردبول» و«نايتلي نيوز». وفي حديث له مع ويليامز، قال تود: «إن الأميركيين يريدون مرشحين سواء ديمقراطيين أو جمهوريين، يساورهم غضب مكافئ لما في نفوس المواطنين حيال واشنطن».

واعترف تود بأن هذا الجدول المزدحم لا يترك له وقتا كافيا للتمتع بصحبة زوجته كريستيان، وهي مستشارة سابقة لدى الحزب الديمقراطي وتعمل حاليا لدى شركة «فيديكس»، وطفليهما البالغين من العمر 6 و3 سنوات.

المثير للدهشة أن تود يبدي صبرا قليلا حيال من ينتقدون المجال الذي يعكف على تأريخه. وعن ذلك، قال: «أكره الناس الذين يحطون من قدر السياسة. نعم أعترف بأن الصبغة السياسية طغت على كل شيء، لكن هذا الأمر ربما يكون إيجابيا». وأضاف أنه رغم أن السياسة تملك وجها قبيحا لا يمكن إنكار وجوده، فإنها تبقى في النهاية «معركة أفكار».

رغم الشهرة التي نالها في الفترة الأخيرة، لا يتمتع تود، مثلما الحال مع أقرانه، سوى بقدرة محدودة على الوصول إلى الرجل الذي يتولون تغطية أنبائه. وأعرب تود عن اعتقاده بأن «أوباما نفسه يعد شخصا لا يروق له التعامل مع الصحافة. بل لا يمكنك كصحافي إلقاء الأسئلة عليه بصوت مرتفع».

التقى تود أوباما للمرة الأولى عام 2002، عندما حضر سيناتور ولاية إلينوي آنذاك اجتماعا في «هوتلاين». وقد كون تود نظرية خاصة به لانتقاد أوباما لثقافة تغطية الصحافة للأنباء على مدار 24 ساعة خلال سبعة أيام أسبوعيا، حيث أعرب عن رأيه بأنه بمجرد انتخابه لعضوية مجلس الشيوخ عام 2004، «لم يعد بحاجة إلى إغراء الصحافة، حيث باتت الصحافة تلاحقه. إنه يرى أن جميع التجارب مع الصحافة تنطوي على اقتحام لخصوصيته... وعليه بات لديه نفور إزاءنا».

إلا أن هذا لا يعني أن تود يشكو، حيث أكد أن مسؤولي البيت الأبيض أبدوا قدرا كبيرا من الاستجابة لـ«من يتمتعون بصوت أكبر»، الأمر الذي يتضمن بالتأكيد مذيعي التلفزيون.

ورغم أن تود كان من كبار منتقدي «تويتر»، فإنه وغوثري بدلا سياساتهما حياله تماما. ويطرح تود عبر الموقع من وقت لآخر وجهات نظره الرياضية، خاصة فريق «يونيفرسيتي أوف ميامي هوريكينز» الذي يعشقه، وأصبح صديقا عبر شبكة الإنترنت مع العديد من المعلقين على مباريات كرة القدم.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»