توزيع «واشنطن بوست» عند أدنى مستوى له منذ 30 عاما

إجمالي قراء نسختها المطبوعة والإلكترونية بلغ الآن أعلى مستوى له على الإطلاق

هبوط حاد للتوزيع الورقي لصحيفة «واشنطن بوست» وارتفاع في عدد متصفحيها الكترونيا (أ.ف.ب)
TT

تكشف الأرقام التي نشرت حديثا عن حدوث تراجع حاد في معدلات توزيع «واشنطن بوست»، الأمر الذي أثار ردي فعل متوقعين من جانب القراء: ذعر وبهجة.

وتوضح الأرقام الجديدة أن الصحيفة ليست على شفا الاختفاء، وأنه رغم تقلص معدلات توزيعها، فإن إجمالي قراء نسختها المطبوعة والإلكترونية بلغ الآن أعلى مستوى له على الإطلاق.

وتوضح الأرقام أيضا أنه على مدار الشهور الـ6 المنتهية في 31 مارس (آذار)، تراجع معدل توزيع «واشنطن بوست» في أيام الأسبوع ما عدا أيام الأحد بنسبة 13.1 في المائة، بينما انحسر توزيع نسختها الصادرة أيام الآحاد بنسبة 8.2 في المائة عن الفترة ذاتها خلال العام الماضي.

بوجه عام، تبدو الأرقام أسوأ مما هي عليه بالفعل. وقد جاءت معدلات التوزيع للفترة المقارنة أعلى على نحو ظاهري غير حقيقي نظرا لأن «واشنطن بوست» باعت أكثر من مليون نسخة إضافية خلال فترة تنصيب الرئيس أوباما. وعند النظر إلى معدلات الاشتراكات في خدمة توصيل الصحيفة إلى المنازل، يتضح أن التراجع كان أكثر تواضعا، حيث بلغ 6.4 في المائة خلال أيام العمل ما عدا الأحد، و5.7 في المائة في أيام الآحاد.

ورغم ذلك، لا تزال الأرقام تتحرك في اتجاه طويل مثير للقلق، حيث يبلغ معدل التوزيع في أيام الأسبوع ما عدا الأحد نحو 578500 نسخة، أي أقل بكثير عن معدل الذروة الذي كان بلغه عام 1994 وبلغ قرابة 830000 نسخة. أما معدلات التوزيع في أيام الآحاد فتقترب من مستوى 800000، بينما بلغ مستوى الذروة لها أكثر من 1.1 مليون نسخة عام 1992. وبوجه عام، تقف معدلات توزيع نسخ الصحيفة اليومية ما عدا أيام الآحاد عند أدنى مستوى لها منذ نحو 30 عاما.

من ناحية أخرى، يساور الضيق الكثير من القراء حيال الزيادات الأخيرة في الأسعار في وقت يجري خفض أعداد العاملين في الصحيفة وتقليص محتواها بغية الحد من التكاليف. في يناير (كانون الثاني)، ارتفع سعر الاشتراك في خدمة توصيل الصحف إلى المنازل بمقدار 10 سنتات، ليصل إلى 59 سنتا يوميا. وفي الشهر السابق، ارتفعت أسعار بيع الصحيفة في أكشاك بيع الصحف من 50 إلى 75 سنتا بالنسبة للنسخ اليومية، ما عدا نسخة يوم الأحد، ومن 1.50 دولار إلى دولارين أيام الآحاد.

وكانت الزيادات في الأسعار ضرورية من أجل تعويض الانحسار المستمر في عائدات الإعلانات، وهي المشكلة الجوهرية التي تجابه الصحف. المعروف أن «واشنطن بوست» منيت بخسائر العام الماضي. ورغم تحقيقها أرباحا في الربع الرابع وتحسن المناخ الاقتصادي، تراجعت عوائد الإعلانات خلال الربع الأول بنسبة 8 في المائة عن الفترة ذاتها من العام السابق.

والتساؤل الذي يفرض نفسه الآن هو هل ستتمكن «واشنطن بوست» في نسختها المطبوعة من البقاء؟ بالتأكيد، وفيما يلي الأسباب:

لا يزال معدل اختراق السوق الذي تحققه الصحيفة، والذي يقدر بالنسبة المئوية للأسر التي تصل إليها، الأعلى بين الصحف داخل الحواضر الكبرى. وقدرت منظمة «سكاربورو للأبحاث» العام الماضي هذا المعدل بـ33 في المائة للنسخ اليومية، و44 في المائة لأيام الآحاد.

وأعلنت المنظمة أن واشنطن تعد أكثر أسواق البلاد وفرة في أعداد القراء ورقيهم من حيث مستوى التعليم، الأمر الذي تنجذب إليه جهات الإعلانات بالطبع. كما أنها ترتبط بسان فرانسيسكو التي تضم أعلى نسبة من جيل طفرة المواليد (بعد الحرب العالمية الثانية)، ولا يزال الكثير من أبناء المنطقة يفضلون النسخ المطبوعة عن تصفح النسخ الإلكترونية للصحف عبر شبكة الإنترنت.

على مدار سنوات، حرصت «واشنطن بوست» على الإبقاء على الأسعار منخفضة مع وقوع انخفاضات حادة في معدلات التوزيع بها. الملاحظ أنه في الصحف الصادرة في الحواضر، يمكن أن تشكل الإعلانات ما بين 70 في المائة و75 في المائة من العائدات، بينما يوفر توزيع النسخ النسبة المتبقية. ورغم الزيادات الأخيرة التي أقرت لتعويض تراجع عائدات الإعلانات، لا تزال تكلفة «واشنطن بوست» أدنى بكثير من منافسيها.

في هذا الصدد، قال غريغ جيه فيرنانديز، نائب رئيس شؤون معدلات التوزيع في الصحيفة: «هذه سوق رائعة بالنسبة لعاشقي قراءة الصحف. ولا تزال الصحيفة واحدة من أكثر الصحف المتميزة بأسعار معقولة على مستوى البلاد».

الواضح أن انحسار الجماهير لا يقتصر على الصحف، التي تميل للتركيز طويلا على محنتها. في الواقع، عانت غالبية وسائل الإعلام التقليدية من خسائر حادة. وبالنسبة لبعض المحطات التلفزيونية المحلية وشبكات التلفزيون، جاءت الخسائر هائلة.

رغم إجراءات التشرذم والتحول إلى شبكة الإنترنت على الصعيد الإعلامي، تبقى الصحف أدوات إعلانية قوية. وتحقق الصحف عائدات كبيرة، معظمها من الكوبونات والسبل الأخرى «السابقة للطبع»، حيث ترتبط تكاليف الجهات الإعلانية بصورة وثيقة بمعدلات توزيع النسخ. على المدى القصير، يمكن أن تحافظ معظم الصحف على تحقيقها أرباح من خلال الاعتماد على أقل قدر ممكن من رأس المال.

إلا أن الصحافة الطموحة مرتفعة التكاليف بطبيعتها، الأمر الذي يخلق تحديا كبيرا أمام «واشنطن بوست». وبمقدور الصحيفة البقاء بالفعل، لكن بالنسبة للقراء يتمثل التساؤل الأكبر في: على أي مستوى من الجودة ستبقى الصحيفة؟

من أجل البقاء بين النخبة الصحافية، يتعين على «واشنطن بوست» تقليص الانحسار في معدلات التوزيع بأقصى صورة ممكنة، مع العمل في الوقت ذاته على تعزيز العائدات عبر سبل أخرى. ومن خلال متابعة شبكة الإنترنت يتضح أن معدل الإقبال على زيارة الموقع على نحو متكرر أعلى من أي وقت مضى، لكن الصحيفة لا تزال بحاجة إلى النمو لجني مزيد من العائدات. ويجب العمل على تعزيز منتجات جديدة مثل «كابيتال بيزنس» ذات بؤرة الاهتمام المحلية. الواضح أن «واشنطن بوست» تأتي في مرتبة متأخرة من حيث محاولة استغلال خدمات توصيل الأخبار عبر الهواتف الجوالة مثل «آي باد». ويجب أيضا أن تعمل الصحيفة على تعزيز نسختها الصادرة أيام الآحاد، التي تعد أكبر مصدر للعائدات لديها.

جدير بالذكر أنه من المقرر أن تتقدم لجنة تضم أعضاء من مختلف أقسام الصحيفة قريبا بتوصيات حول سبل تعزيز المبيعات أيام الآحاد.

يمكن أن تعوض هذه الإجراءات الانحسار المحتوم في معدلات التوزيع مع رحيل قراء النسخ المطبوعة المتقدمين في العمر عن الحياة وظهور آخرين أصغر بدلا منهم معتادين على الاطلاع على الأخبار إلكترونيا وعبر أجهزة جوالة.

رغم إجراءات التقليص الرامية للحد من التكاليف والزيادات الأخيرة في الأسعار، تبقى «واشنطن بوست» صحيفة جاذبة للقراء، فلا تزال أرخص من ثمن كوب من القهوة، كما أنها تدوم لفترة أطول بكثير عنه.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»