جيفري غولدبرغ.. من خدمة الجيش الإسرائيلي إلى قلب الصحافة الأميركية

قال لـ «الشرق الأوسط»: إذا لم يدفع القراء مقابل الاطلاع ستختفي الأعمال الصحافية رفيعة المستوى

الصحافي جيفري غولدبرغ («الشرق الأوسط»)
TT

جيفري غولدبرغ صحافي أميركي - إسرائيلي، يكتب حاليا في مجلة «أتلانتيك»، وسبق له العمل في «نيويوركر»، و«واشنطن بوست»، و«نيويورك تايمز».

ولد في بروكلين بنيويورك، في أسرة تهيمن عليها الأفكار الاشتراكية. وقد ارتاد جامعة بنسلفانيا، حيث عمل رئيسا لتحرير «ديلي بنسلفانيا»، ثم ذهب إلى إسرائيل وخدم في جيشها، وهناك شارك في حراسة معسكر «أنصار 3» للأسرى الفلسطينيين، حيث تفتحت عيونه على كثير من الأمور، وتغيرت قناعاته في الجيش الإسرائيلي خلال الانتفاضة الأولى، وبات عدد من هؤلاء الأسرى بعد ذلك من أعز أصدقائه، ألّف كتابا عن تلك التجربة بعنوان «سجناء: قصة الصداقة والرعب»، وفيه يروي تفاصيل تجاربه داخل السجن، بما في ذلك علاقته بفلسطيني يدعى رفيق. عاد إلى واشنطن وعمل في أهم مطبوعاتها، وفاز عدد من تحقيقاته بجائزتي «ناشيونال مغازين أورد» و«أوفرسيز برس كلب». فإلى نص الحوار:

* كيف بدأت حياتك المهنية كصحافي؟ وهل واجهت لحظة فاصلة شعرت خلالها أنك اخترت المسار الصحيح؟

- بدأت حياتي المهنية كصحافي عندما كنت مراهقا في نيويورك، حيث بدأت أعمل رئيسا لتحرير صحيفة المدرسة الثانوية التي كنت أرتادها والتي للأسف الشديد كانت تحمل اسم «ذي ميول» (البغل). وكنت حينها على ثقة من أنني اخترت المهنة الصائبة عندما أدركت أن موقعي كرئيس تحرير لصحيفة المدرسة منحني الفرصة لإلقاء أسئلة جريئة ومثيرة للحرج على مدير المدرسة، وهذا تحديدا ما أستمتع به في مهنة الصحافة، تمتع الصحافي برخصة تخول له تجاوز الحدود البيروقراطية والإجراءات التقليدية المتبعة وما إلى غير ذلك، والسعي بجد وراء المعلومة التي يرغب في الحصول عليها.

* هلا أطلعت القراء العرب على مزيد من المعلومات عن نفسك؟

- لا أعتقد أن هناك شيئا مثيرا على وجه الخصوص يمكن أن أقوله عن نفسي، فأنا صحافي في أواسط العمر، أبلغ من العمر 44 عاما، أسكن في منزل لطيف في واشنطن العاصمة مع أسرتي. ونظرا لازدحام الوقت في حياتي، أحاول تركيز اهتمامي على أمرين فحسب: أسرتي وعملي. أحاول أن أكون مواطنا صالحا، لكنني لا أشارك في العمل التطوعي بالدرجة الواجبة. وأحاول أن أكون عضوا صالحا في المعبد اليهودي الذي أتبعه، لكنني لا أخصص له الوقت الكافي.

* كم عدد سنوات خدمتك في الجيش الإسرائيلي؟ وأي رتبة تقلدت؟ وكيف تحولت إلى العمل الإعلامي؟ وهل كانت السنوات التي قضيتها بالجيش مصدر عون لك في حياتك المهنية لاحقا؟

- عملت في الجيش الإسرائيلي لمدة عام تقريبا، عندما كنت في أوائل العشرينات من عمري. وبعد ذلك العام، صعدت سلم الرتب حتى وصلت إلى جندي. وقد ألفت كتابا حول هذه التجربة بعنوان «سجناء: قصة الصداقة والرعب». وقد أرسلني الجيش رغما عني (بطبيعة الحال هذا ما تفعله الجيوش دوما) إلى سجن يدعى «كيتزيوت» (ويعرف بين الفلسطينيين باسم «أنصار 3») في صحراء النقب، حيث عملت «مستشارا لشؤون السجناء»، وهو لقب رأيته غريبا. وكان المقصود من هذا التوصيف أنني كنت من بين المسؤولين عن ضمان حصول السجناء على طعام وملبس وملاذ، وأن احتياجاتهم الصحية والدينية تجرى تلبيتها. كانت هذه المهنة تجربة سيئة للغاية بالنسبة لي. لقد نشأت وأنا أناصر إسرائيل وأؤمن بها، لكنني لم أرغب في التورط في سجن أي شخص، كما أنني كنت مناصرا لحل الدولتين حتى في ذلك الوقت.. ويعكس الكتاب الذي وضعته عدم رضائي عن الاحتلال، وكذلك اعتقادي بأن اليهود جديرون بالحصول على وطن على أرض أجدادهم. وكان من شأن الفترة التي قضيتها في الجيش ترسيخ إيماني بأن إقامة دولة فلسطينية - دولة حقيقية لها سيادة كاملة وعاصمة في القدس الشرقية وما إلى غير ذلك - يشكل عنصرا حيويا يخدم مصلحة إسرائيل على النحو الأفضل، وكذلك الفلسطينيين.

إلا أن الخدمة في الجيش قدمت لي فائدة واحدة هي تعريفي بفلسطينيين، فقبل هذه التجربة لم أكن قد التقيت فلسطينيين قط. وقد أصبح بعض الفلسطينيين الذين التقيتهم - وهم ينتمون بصورة أساسية إلى فتح، لكن هناك أيضا اثنين من حماس - أصدقائي بعد خروجهم من السجن. عندما التحقت بالجيش، كنت قد بدأت بالفعل عملي كصحافي (في الكلية بصورة أساسية، لكن أيضا في «جيروزاليم بوست»). وعليه، كان عملي في الجيش بمثابة انحراف عن مساري الأصلي. إلا أن المهارات الصحافية التي كنت قد قمت بتنميتها داخلي كانت على مستوى جيد بالفعل لأنها سمحت لي بـ«تغطية» السجن خلسة أثناء عملي داخله.

* هل يمكنك إطلاع القراء العرب على معلومات عن مجلة «أتلانتيك»؟

- «أتلانتيك» مجلة شهرية تعنى بالقضايا السياسية والثقافية وعرض الآراء، وتملك موقعا على شبكة الإنترنت يتميز بقدر كبير من النشاط والإبهار. من وجهة نظري المتواضعة، تعد هذه المجلة الأعلى شأنا في أميركا. وقد أنشئت المجلة قبيل الحرب الأهلية لإثارة الرأي العام ضد العبودية. وتتميز المجلة بماض نبيل ومستقبل مثير. ونظرا لأنه لا يتوافر حاليا - على ما يبدو - كثير من الإصدارات التي تحاول سبر أغوار القضايا الكبرى المطروحة على الساحة (فمعظم الكتابات الحالية أشبه بالقيل والقال)، تمثل «أتلانتيك» نمطا نادرا من المجلات.

* في رأيك، ما أكثر الموضوعات التي كتبتها نجاحا حتى اليوم؟

- هذا سؤال صعب.. أعتقد أنه ربما يكون تحقيقا نشرته منذ عشر سنوات في «مجلة نيويورك تايمز» حول الحياة داخل مدرسة دينية في باكستان. نشر التحقيق قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ولم يكن من المعروف على نطاق واسع حينها جهود نشر الفكر الأصولي داخل الإقليم الحدودي شمال غربي باكستان، على عكس ما عليه الحال الآن. هناك الكثير من اللحظات التي أتذكرها فيما يخص هذا التحقيق، لكن أبرزها عندما كنت داخل أحد الفصول الدراسية وطلب مني المعلم الحديث إلى الطلاب.

وأثناء الحديث، جاء ذكر أسامة بن لادن (الذي لم يكن ذائع الصيت حينها)، وسألت الطلاب حول ما إذا كانوا يرغبون في أن يحصل بن لادن على قنبلة نووية، وأجابوا جميعا بحماس: «نعم».

* ما أكثر التحقيقات الصحافية تكلفة وأطولها حجما التي نشرت في «أتلانتيك»؟

- لا أعلم على وجه اليقين، لكن ربما يكون التحقيق الذي وضعه وليام لونغفيش في ثلاثة أجزاء ووصل عدد كلماته إلى 60 ألف كلمة حول «رفع أنقاض» مركز التجارة العالمي في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وقد قضى لونغفيش شهورا عدة في مراقبة الجهود الهائلة لرفع حطام المبنى بعد الهجوم. وقد تطلب القيام بهذا التحقيق صبرا كبيرا وخرج في صورة رائعة.

* هل يمكن أن تخبر القراء العرب المزيد عن كتابك «سجناء: قصة الصداقة والرعب»؟

- يعد الكتاب بمثابة مذكرات شخصية إلى حد ما، وكذلك يضم سردا لتاريخ الصراع في الشرق الأوسط من منظور شخصي. ومن خلال الكتاب، أحاول أن أشرح للقراء كيف انتقل شاب يهودي صغير، وهو أنا، إلى إسرائيل وكيف انتهى الحال به في الجيش، وكيف بدأ في النظر إلى الصراع في المنطقة كصراع بالغ التعقيد ومبهم من المنظور الأخلاقي. وأحاول أن أدفع القراء لوضع أنفسهم محل الكثير من الشخصيات، من الصهاينة المتحمسين إلى أعتى أعضاء حماس. ووجهة نظري الخاصة - التي أنقلها في كتاباتي الصحافية - أنه كلما عرفت المزيد عن الصراع في الشرق الأوسط، اتضح لك أنه يستعصى على الأنماط اليسيرة من الحلول والتحليل.

* ما أبرز اللقاءات الصحافية التي أجريتها خلال مسيرتك متنقلا بين عدد من الصحف والمجلات الأميركية؟

- أجريت أحاديث مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والإسرائيلي أرئيل شارون، وعدد من قيادات حزب الله وحماس والحرس الثورى الإيراني، وعدد من القيادات السياسية في مصر والعراق، ليس بينهم صدام حسين، وكتبت «بروفايل» ممتعا عن ملك الأردن.

* هل تتحدث العربية أم تلجأ إلى المترجمين؟

- أتحدث قليلا من العربية، ولكنني في العادة أستعين بمترجمين، حتى أكون دقيقا في المعلومات والعبارات المستخدمة.

* كصحافي، تقوم الكثير من المقالات التي وضعتها على بحث يستغرق أسابيع وأحيانا شهورا. هل يمكنك شرح كيف تتمكن من إقناع مصادرك بإمدادك بالمعلومات القيمة التي تحتاج إليها والتي غالبا ما يعجز آخرون عن الوصول إليها؟

- الأمر الرائع بالنسبة للكاتب العامل في مجلة هو عنصر الوقت. البعض يظن أن الميزة الكبرى التي تمنحها المجلات للكتاب هي المساحة، لكن الحقيقة أن هذه الميزة هي الوقت. ويعني عنصر الوقت أن بمقدورك عقد مقابلة مع شخص ما، وطرح جميع التساؤلات التي تبغيها، ثم بعد أسبوعين تعاود مقابلة الشخص ذاته مجددا، وسعيا لتوضيح ما سبق، وتعاود طرح نفس الأسئلة على ما قاله من جديد. الأمر المهم الآخر الذي يتعين على الصحافي إدراكه - وهو قول ينطبق حتى عندما تغطي قصة تتضمن إرهابيين أو مجرمين أو متشددين دينيين - أن الجميع يرغبون في سرد قصتهم، وأن كل شخص يرى نفسه على صواب، من حيث وجهة نظره الأساسية، وصواب من حيث المسار الذي اختاره لحياته. وعندما تدرك أن الجميع من حولك يسيرون وبداخل كل منهم قصة مسجونة في انتظار من يطلق سراحها، سيصبح العمل الصحافي أيسر بالنسبة لك.

* تتطلب التحقيقات الصحافية طويلة الأمد، خصوصا تلك التي يجري تنفيذها في دول أخرى، مصاريف ضخمة، فمن يتحمل تكاليف إجراء مثل هذه التحقيقات؟ وهل سبق رفض أي من الأفكار الصحافية المطروحة في «أتلانتيك» لأسباب تتعلق بالتكاليف؟

- تتحمل المجلة جميع التكاليف، وحتى الآن على الأقل لم أواجه أي مشكلة على هذا الصعيد. ينبغي أن يتحلى الصحافي بالحرص بشأن المصاريف، لكن رؤساء التحرير الأكفاء يدركون أن التحقيقات الصحافية تستلزم مالا ووقتا. وآمل أن لا يتبدل هذا الوضع قط!

* هل تعتبر المقال الذي وضعته بعنوان «الإرهاب الأكبر»، أو الدراسة التي نشرت على صفحتين حول جماعة حزب الله (http://en.wikipedia.org/wiki/Hezbollah) من أفضل مقالاتك؟

- نعم.. أعتبر هذين الموضوعين جيدين، وذلك لأن التحقيق الخاص بكردستان سلط الضوء على جرائم حرب كان قد طواها النسيان إلى حد ما آنذاك. أما بالنسبة للتحقيق الخاص بحزب الله، فلأنني أعتقد أنه أثبت أن هذه المنظمة فشلت في إضفاء الطابع المعتدل على نفسها.

* إلى أي مدى ترى الشرق الأوسط مهما في جهودك بمجال التغطية الإخبارية؟

- إنه بالغ الأهمية، وإن كنت أرى أنه أصبح مثيرا للسأم بعد فترة. اعتدت لبعض الوقت تغطية شؤون أفريقيا، وأود معاودة ذلك. لقد اعتدت العمل في قضايا ومناطق متنوعة، وأحب العودة إلى هذا.

* هل تعتقد أنه من المهم توجيه صحافيين متخصصين أمثالك لتغطية قضايا بعينها لما يحملونه من معرفة متخصصة بقضايا محددة، مثل «القاعدة» أو العراق أو أفغانستان أو لبنان؟

- في الواقع، لا أؤمن بفكرة التخصص. في بعض الأحيان تكشف العيون الجديدة عن منظور جديد للقضايا. وعلى الجانب الآخر، تساعد الخبرة في معرفة كنه العناصر الفاعلة في قضية ما. على سبيل المثال، من الأفضل قطعا إرسال مراسلي حروب إلى مناطق الحروب، بدلا من إرسال شخص لم ير عنفا من قبل قط أو يواجه خطرا.

* سبق لك العمل من قبل في «نيويوركر» و«واشنطن بوست» و«جيروزاليم بوست»، فما أوجه الاختلاف بينها؟

- هناك اختلافات كبرى بينها. في «جيروزاليم بوست»، كنت أكتب عمودا صحافيا، بينما في «واشنطن بوست» كنت مراسلا للشؤون اليومية (أغطي الجرائم). أما في «نيويوركر»، فأتولى كتابة تحقيقات. وتعد كتابة التحقيقات أكثر أنماط العمل إرضاء لي.

* هل شعرت مرة أنك تخضع لمراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي أو أي أجهزة أمنية أخرى؟

- لم أشعر قط أنني أخضع للمراقبة داخل أميركا، لكن راودني هذا الشعور في الكثير من دول الشرق الأوسط وآسيا، إلا أن هذا الأمر لم يقف عقبة في طريق ما كنت أفعله.

* مع انتشار استخدام شبكة الإنترنت، هل تعتقد أن هذا يشكل تهديدا للنسخ الورقية من الصحف؟ وما رأيك في مقترحات فرض رسوم على القراء مقابل الاطلاع على محتويات الصحف عبر شبكة الإنترنت بدلا من إتاحتها مجانا، مثلما الحال الآن؟

- إذا لم يدفع القراء مالا مقابل الاطلاع على الصحف عبر الإنترنت، ستختفي الأعمال الصحافية رفيعة المستوى في غضون سنوات قلائل. لقد سبق وأن سألت عن تكاليف التحقيقات التي تنشرها المجلة. في الواقع، التحقيقات الصحافية تحمل تكاليف ضخمة، وينبغي أن يتحمل طرف ما هذه التكاليف. قبل عصر الإنترنت، كان من الجنون أن يطرح أي شخص سلعة جيدة بلا مقابل.

* تركت حالة التراجع الاقتصادي تداعيات حادة على الكثير من الصناعات. كيف تقيم أداء الصحف والمجلات (وبخاصة «أتلانتيك» العريقة) في ظل هذه الظروف العصيبة؟

- حتى الآن، بقي المشتركون في مجلات مثل «أتلانتيك» على ولائهم. وأعتقد أن الناس يدركون جيدا أنهم سيفتقدون هذه المجلات حال توقفها عن الصدور. وعليه، يعملون على الإبقاء عليها على قيد الحياة.

* اتضح مؤخرا أن واحدا فقط يعمل من بين كل 10 خريجين في الجامعة يعجزون عن العثور على عمل داخل المملكة المتحدة، رغم حصولهم على درجات علمية رفيعة المستوى. ما نمط الدرجة العلمية اللازم للعمل في مجلة بارزة مثل «أتلانتيك»؟ وما مدى أهمية امتلاك مثل هذه المؤهلات؟

- لا أعتقد أن هناك درجة علمية معينة لازمة للعمل في مجلة مثل «أتلانتيك». ما ينبغي توافره لدى الصحافي هو درجة عالية من الفضول واللقطة السريعة، والقدرة على التعلم بسرعة والتواصل الجيد. وأعتقد أن هذه المواهب يولد الناس بها في الغالب. ورغم أنه يمكن تعزيزها – خصوصا أن أحد أعظم الأمور بالنسبة للعمل الصحافي أن بإمكانك دوما التحسن والتقدم، أعتقد أن بعض الأفراد ولدوا ليعملوا في الحقل الصحافي، في حين أن آخرين لا ينطبق عليهم هذا القول.

* ما نمط الكتابة الصحافية الذي تفضله من جانبك؟

- أحب الموضوعات الصحافية الطويلة غير الأدبية، وإن كنت أحب قراءة الموضوعات ذات الطابع الأدبي.

* هل يمكنك وصف يوم عمل تقليدي داخل «أتلانتيك»؟ على سبيل المثال، كيف يجري التوصل إلى أفكار التحقيقات الصحافية وحضور اجتماعات المحررين وعملية الوصول إلى نشر المقال؟

- بوجه عام، تفتقر حياة الصحافي داخل «أتلانتيك» إلى هيكل محدد المعالم، ذلك أنني أضيف إلى مدونتي يوميا، الأمر الذي أحيانا يستغرق مني فترة الصباح بأكملها. لكن بعد ذلك، يتوافر أمامي الوقت اللازم لإنجاز التحقيقات الصحافية الأكبر حجما. ولا يتعين علي حضور عدد كبير من الاجتماعات، الحمد لله، فأنا لا أحب حضورها.

* جيفري غولدبرغ في سطور

* جيفري مارك غولدبرغ: ولد في سبتمبر (أيلول) 1965، وهو صحافي أميركي - إسرائيلي، ويكتب حاليا في مجلة «أتلانتيك»، وسبق له العمل في «نيويوركر». يتناول غولدبرغ بصورة أساسية الشؤون الخارجية، مع التركيز على قضايا الشرق الأوسط وأفريقيا.

ولد غولدبرغ في بروكلين بنيويورك، وترعرع في مالفيرن بنيويورك داخل أسرة تهيمن عليها الأفكار الاشتراكية. وقد ارتاد جامعة بنسلفانيا، حيث عمل رئيس تحرير «ديلي بنسلفانيا». وأثناء وجوده في الجامعة، عمل في المطعم الذي يخدم طلابها. بعد ذلك، ترك الجامعة ليسافر إلى إسرائيل، حيث خدم في جيش الدفاع الإسرائيلي كحارس في أحد السجون خلال الانتفاضة الأولى. في وقت لاحق، عاد إلى الولايات المتحدة لمعاودة عمله الصحافي. ويعيش حاليا في العاصمة، واشنطن، مع زوجته وأطفاله الثلاثة.

بدأ غولدبرغ حياته المهنية في «واشنطن بوست»، حيث عمل مراسلا للشؤون الشرطية. وأثناء الفترة التي قضاها في إسرائيل، كان يكتب عمودا صحافيا في «جيروزاليم بوست». ولدى عودته إلى الولايات المتحدة عمل رئيسا لمكتب «فورورد» في نيويورك، وعمل محررا لدى مجلة «نيويورك»، وكاتبا لدى «مجلة نيويورك تايمز».

في أكتوبر (تشرين الأول) 2000، انضم غولدبرغ إلى «نيويوركر». وفاز عن مقالين من المقالات التي كتبها في «نيويوركر» بجوائز.

وفاز مقاله «الإرهاب الأكبر» عام 2002 بجائزة «جو آند لوري داين أورد» الصادرة عن «أوفرسيز برس كلب» عن التحقيقات الصحافية الإنسانية. وفي قراره منح الجائزة، أعلن «أوفرسيز برس كلب»: «وصف جيمس وولسي، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، الموضوع بأنه (قنبلة)». إلا أن الموضوع الذي كتبه غولدبرغ تعرض لانتقادات باعتباره يعتمد على مصادر رديئة ولم يعترف بالشكوك المحيطة بنقاط وردت فيه ويحمل الموضوع برمته خطابا مثيرا للقلق على نحو مثير للسخرية. كما أشار نقاد إلى أن المقال عزز حجة إدارة بوش لغزو العراق من خلال التأكيد على استخدام صدام حسين أسلحة الدمار الشامل.

عام 2003، فاز التحقيق الذي أجراه غولدبرغ حول حزب الله بجائزة التحقيق الصحافي من «ناشيونال مغازين أورد».

عام 2007، استعان به ديفيد جي برادلي للكتابة في «أتلانتيك». وحاول برادلي إقناع غولدبرغ بالعمل لدى «أتلانتيك» على مدار عامين تقريبا.

ويصف كتاب غولدبرغ بعنوان «سجناء: مسلم ويهودي عبر الشرق الأوسط» (نيويورك: دار نوبف للنشر، 2006) تجاربه في إسرائيل أثناء عمله في سجن «كيتزيوت» العسكري، وحواره مع رفيق، أحد السجناء الذين ارتبط بهم غولدبرغ لاحقا بعلاقة صداقة في واشنطن العاصمة. ولقي الكتاب استقبالا إيجابيا من جانب النقاد الأميركيين في إصدارات متنوعة، مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، حيث اختاروه من بين أفضل كتب عام 2006.

في مقال «الإرهاب الأكبر» الذي كتبه غولدبرغ في «نيويوركر» عام 2002 خلال الفترة السابقة لحرب العراق، أعرب غولدبرغ عن اعتقاده بأن أميركا تجابه تهديدا خطيرا من قبل صدام حسين. وبدأ المقال بوصف حي لحملة الأنفال التي شنها صدام، بما في ذلك استخدام نظامه الغاز السام في قرية حلبجة. واستعرض غولدبرغ مزاعم مفصلة عن وجود صلات وثيقة بين صدام و«القاعدة»، التي ادعى الكاتب أنه «راجعها لاحقا مع خبراء في شؤون المنطقة». وقال غولدبرغ: «لو كانت هذه المزاعم صحيحة، فإنها تعني أن العلاقة بين نظام صدام و(القاعدة) أوثق بكثير مما سبق اعتقاده». واختتم غولدبرغ مقاله بسرد مزاعم حول أسلحة الدمار الشامل المزعومة لدى صدام، قائلا: «لم يقطع صدام قط أمله في تحويل العراق إلى قوة نووية.. وهناك جدال بين خبراء السيطرة على الأسلحة بشأن متى تحديدا سيحصل صدام على القدرات النووية. لكن ليس هناك خلاف حول أن العراق، إذا ترك من دون من يكبح جماحه، سيصل إلى هذه القدرات قريبا.. ويكاد يكون من المؤكد ما الذي سيقدم صدام على فعله حال امتلاكه قنبلة نووية أو بمخزونات الأسلحة البيولوجية والكيماوية لديه».

في أواخر عام 2002 وخلال جدال على صفحات «سليت»، وصف غولدبرغ صدام بأنه «شرير على نحو فريد من نوعه»، وأبدى تأييده غزو العراق انطلاقا من دوافع أخلاقية. وعن ذلك قال: «هناك إجماع الآن حول إمكانية امتلاك صدام القنبلة النووية في غضون شهور من حصوله على موارد قابلة للانشطار.. وتخطط الإدارة اليوم لشن ما يصفه الكثيرون بعمل عدواني قصير النظر وغير مبرر. إلا أنني أعتقد أنه في غضون خمس سنوات، سيجري تذكر الغزو الوشيك للعراق كعمل يحمل مغزى أخلاقيا عميقا».