الفضائيات الرياضية في مصر.. ملعب بلا حكام

تحولت إلى ساحة للتراشق والصفع الإعلامي

يرى البعض أن الفوضى جزء من طبيعة الإعلام الرياضي ومتعته وأن الصراعات والتلاسنات ملمح مهم من أدوات الجذب
TT

أكثر من أزمة تسببت فيها الفضائيات الرياضية في مصر خلال العام الحالي.. ربما كان أبرزها الدور التحريضي في فتنة مباراة مصر والجزائر، في ظل تبادل مقدميها وضيوفها التراشق مع أطراف جزائرية صحافية، أفضى في النهاية إلى شقاق ملموس بين شعبين، سبق ودونا معا كفاحا بسطور مخضبة بالدم.

اتهامات كثيرة تلاحق الفضائيات الرياضية في مصر، منها استخدام المنابر الإعلامية للترويج للمصالح الشخصية، وتصفية الخصوم، وهي التهم التي لاحقت إعلاميا مثل أحمد شوبير، واستند إليها القضاء المصري في إيقاف برامجه على محطة «الحياة»، على إثر خلاف قضائي بينه وبين رئيس نادي الزمالك الأسبق مرتضى منصور، وعندما طعن في الحكم رفضت محكمة القضاء الإداري قبول الطعن وأيدت الحكم السابق.

ما أطلق عليه منتقدو أداء الإعلام الرياضي في مصر وصف «فوضى» كانت له ملامح كثيرة، منها تبادل التراشق والشتائم بين مقدمي البرامج، مثل شوبير وخالد الغندور، أو مهاجمة شعوب أخرى، مثلما فعل مصطفى عبده وخالد الغندور وعمرو أديب في حق الجزائريين، أو ترك الضيوف يسبون خصومهم، مثلما فعل إبراهيم حسن، لاعب الزمالك السابق، في معركته مع مقدم برامج آخر هو علاء صادق، وفي حق صحافي بـ«المصري اليوم» وجه له انتقادات مهنية، فتوعده حسن بالانتقام وأعقب الوعيد بالسب. وامتدت التجاوزات إلى تليفزيون الدولة الرسمي مع حلقة مرتضى وشوبير الشهيرة، التي أعلن عنها برنامج «مصر النهاردة»، ووعد المشاهدين بأنها حلقة صلح بينهما، ثم انتهت إلى زيادة في الشقاق مع تدني لغة الحوار.

هذه التجاوزات وغيرها دفعت المسؤولين في الإعلام المصري إلى تشكيل لجنة تحقيق، وبروز دعوات لضبط الأداء الإعلامي، وطالب آخرون بضرورة التأهيل الأكاديمي للاعبين الذين يرغبون في ممارسة الإعلام، لكن في المقابل اعتبر مراقبون «الفوضى علامة صحية»، وجزءا من المتعة والأخذ بلغة السوق، في حين خاف متوجسون من إقدام الحكومة على مراقبة الأداء الإعلامي، «باعتباره مقدمة للقمع».

وأرجع وائل الإبراشي، رئيس تحرير «صوت الأمة» الأسبوعية ومقدم برنامج «الحقيقة» على فضائية «دريم»، ما يصيب البرامج الرياضية المصرية من تجاوز إلى أن أغلبية مقدميها كانوا في الأصل لاعبي كرة، ومتأثرين بسيكولوجية الملاعب، التي يشيع فيها التجاوزات ومنطق الخطف.. أو إلقاء الكلمة، ثم الجري بعيدا دون محاسبة، مضيفا: «يظن بعض هؤلاء أنهم لا يزالون في الملعب.. يتراشقون بالألفاظ للتأثير على ثبات الخصوم الانفعالي.. ولا يشعرون أنهم يؤثرون على الثبات الانفعالي لملايين تشاهدهم».

وبحسب الإبراشي فإن على مقدمي البرامج الرياضية أن يعوا الفرق بين الشاشة والمستطيل الأخضر.

وكان الإبراشي من دعاة التهدئة أثناء أحداث الفتنة الكروية بين مصر والجزائر، وأجرى حوارا مع المدرب الجزائري رابح سعدان، كما حذر أكثر من مرة من أن مباراة عمرها 90 دقيقة من الممكن أن «تخلق شقاقا تتجاوز فترة علاجه 90 عاما»، وتعرض خلال الفتنة لانتقادات من شخصيات محسوبة على الإعلام الرياضي في مصر، فوصفه الناقد الكروي محمود معروف بأنه «يدافع عمن قتلوا المصريين»، في حين رد هو بأنه لا يوجد قتلى كما زعم الإعلام في البلدين، وأنه (الناقد) ليس أكثر وطنية من أحد، وتطور النقاش حتى هدد الصحافي بالخروج من البرنامج.

ولفت الإبراشي إلى دور الحكومات العربية في إذكاء فوضى الإعلام الرياضي، للاستفادة من أزماته في تحويل الأنظار عن القضايا المجتمعية الأساسية، ولشحن الناس حول انتصارات وهمية، مثلما حدث بين مصر والجزائر، فتسابق الحزب الحاكم في مصر في شحن الناس للسودان، وبالمثل خصصت الجزائر أسطولا جويا لنقل المشجعين، بل أطلق الجزائريون على مباراة أم درمان «موقعة أم درمان»، وكأنها ساحة الانتصار.

وطالب الإبراشي بوجود لجنة مهنية تضم ممثلين عن المهنة وأصحاب المحطات الفضائية، لتقييم الأداء ومحاسبة المتجاوزين، بشرط أن ترفع الدولة يديها عنها، ولا تتحول إلى لجان حكومية، هدفها تصفية الحسابات. وبموجب تلك اللجنة يكتب ميثاق شرف إعلامي تشرف على تنفيذه، وتطبق العقوبات التأديبية على المخالفين بدلا من تكدس المحاكم بقضايا مهنية كان يمكن حلها في إطار الأسرة الإعلامية.

عل العكس من الإبراشي، رأي الدكتور هشام عطية أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة أن الفوضى جزء من طبيعة الإعلام الرياضي ومتعته، لأن طبيعة التنافس والتشاحن والشد والجذب عناصر ممتعة، والرياضة بحسب تعبيره هي الميدان الوحيد الذي يستمتع المشاهد بمشاكله وصراعاته، ولا تخصم من رصيده المعنوي ويبيت ليلته وهو خالي البال بعد كل ما يراه، بعكس أخبار السياسة والحروب مثلا تسبب اكتئابا للمشاهد.

وقال عطية، إن الإعلام المصري مع خروج الحديث من سيطرة الدولة حاول تتبع آليات المنافسة والجذب الإعلامي، ومن هنا فالصراعات والتلاسنات ملمح مهم من أدوات الجذب، لكن البعض لم يتحملها وأراد فرض وصايته، والعودة بالإعلام الحكومي إلى غياهب البيروقراطية.

وانتقد عطية الضجة التي أثيرت في مصر على إثر حلقة لبرنامج «مصر النهاردة» جمعت بين خصمين شهيرين، هما الإعلامي وحارس مصر الأسبق أحمد شوبير، ومرتضى منصور رئيس نادي الزمالك الأسبق، وهي الحلقة التي قال متابعون إنها أخلت بمواثيق الشرف الإعلامي، وشهدت تجاوزات لفظية، وتشكلت لجنة من أساتذة إعلام للتحقيق في أحداثها.

قال عطية: «الفضيحة هي ما جرى بعد إذاعة الحلقة وليس ما حدث فيها، فقد حققت هدفها الأساسي بجذب أكبر عدد من المشاهدين والمعلنين، فهي (شو) رائع حقق أهدافه، حتى لو كان القائمون على البرنامج ليس هدفهم الصلح بين متخاصمين، بل مجرد ابتكار حيلة للجذب».

وبحسب عطية فإن التسلية والإمتاع وظيفة مهمة من وظائف الإعلام بجانب الإخبار والتثقيف والإعلان، واليوم لم تعد وظيفة التسلية ثانوية، بل انعكست على كل الوظائف الأخرى، وأصبحت إطارا لها، فالإخبار والتثقيف لن يقبل عليهما الناس لو ابتعدا عن الإمتاع.

وقال عطية إن ضبط الأداء يتطلب تدريبا، وإكسابا لمهارات، لكن لا يشترط ذلك أن يكون المقدم دارسا للإعلام؛ لأن الإعلام يعتمد أساسا على الموهبة وليس على الدراسة.

ومن جانبها انتقدت الدكتورة إيناس أبو يوسف الأداء الإعلامي العربي عامة، والرياضي بشكل خاص، خلال الفترة الأخيرة، لافتة إلى ضلوعه في الاستعداء بين الشعوب، كما حدث أثناء أزمة مصر والجزائر، بشكل أذكى الشيفونية والتعصب والتناحر.

وضربت مثالا بتناول الإعلام لأخبار الخصوم، وكيف تبتعد المعالجة إلى أشياء ثانوية ومعيبة، مثل الطعن في الزوجات أو الذمم المالية أو تبادل السباب.. والأمر نفسه يتكرر بشكل مماثل في الفضائيات الرياضية، فتشهد جلسات السجال فجاجة وطعنا في الأعراض واستغلالا للمصالح الشخصية، وحشو ساعات الهواء، بما يتناقض مع الأخلاقيات.

ونادت أبو يوسف بضرورة تأهيل العاملين في البرامج الرياضية أكاديميا، ولو عبر «دبلومة» متخصصة في الإعلام، إضافة إلى تدوين ميثاق جديد للشرف، يضم بنودا تعالج التجاوزات، يقوم على إعداده متخصصون.