رسامة غوانتانامو لـ «الشرق الأوسط»: خالد شيخ محمد «وجه السعد»

جانيت هاملين: عشرات اللوحات وأغلفة الكتب ورسومات ترويجية لـ«هاري بوتر».. ولم يلتفت لي أحد

جانيت هاملين خلال زيارتها لمعسكر غوانتنامو
TT

الرسامة الأميركية جانيت هاملين باتت بصمة مسجلة في تاريخ المحاكمات العسكرية بقاعدة غوانتانامو البحرية بكوبا، وقد زارت المعسكر الأميركي 11 مرة خلال السنوات الأربع الماضية، وارتبط اسمها بالمتهمين الخمسة الكبار من قيادات «القاعدة»، واعتبرت في ردودها على أسئلة «الشرق الأوسط» أن خالد شيخ محمد كان وجه السعد عليها، لأن اسمها بات في جميع وسائل الإعلام عبر رسوماتها التوضيحية لخالد شيخ محمد واليمني وليد بن عطاش واليمني رمزي بن الشيبة وعلي عبد العزيز علي البلوشي والسعودي مصطفى الهوساوي.

وجانيت هاملين هي الشخص الوحيد المصرح له بالدخول إلى قاعة المحكمة وهي تحمل معها أوراق الرسم والألوان لتسجل ملامح ونبضات وجه الخمسة الكبار من قادة «القاعدة».

وكانت «الشرق الأوسط» رافقت جانيت إلى الجلسة الأولى من محاكمات الخمسة الكبار العام الماضي، وكانت تسير بخطى سريعة باتجاه المحكمة وكأنها على موعد مهم تنتظره من أيام طويلة. وفي قاعة المحكمة وخلف ألواح الزجاج المحصنة تجدها مركزة على وجه خالد شيخ محمد الذي يعرف باسم «كيه إس إم» ويدها تعمل بخفة ورشاقة على لوحات كارتونية تسجل بالألوان عمامة خالد شيخ محمد وهو يداعب لحيته الطويلة بأنامله، بينما ينظر إليها رمزي بن الشيبة عبر الزجاج السميك الذي يفصلها عن قاعة المحكمة ويحاول أن يثير اهتمامها بابتساماته وإشاراته، حتى ترسمه وتقدمه للإعلام في أحسن صورة.

وردت هاملين على أسئلة «الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني، وتحدثت عن مسيرتها منذ تخرجها من مركز الفنون بكلية التصميم في باسادينا، بولاية كاليفورنيا، وكان تخصصها هو الرسوم التوضيحية، وقد شاركت في رسم لوحات وأغلفة للكتب، ورسومات ترويجية لهاري بوتر، لكن لم يلتفت إليها أحد - على حد قولها - وفي موقعها الإلكتروني هناك رسومات توضيحية لمحمد علي كلاي ورياضيين آخرين ورسومات لأنواع من الفاكهة.

وتقول إنها عرفت طريق الشهرة مع أول رسوماتها لعمر خضر الكندي عام 2006، الذي اعتقلته القوات الأميركية في أرض المعركة بأفغانستان وهو في الخامسة عشرة من العمر، وتخاطفت وسائل الإعلام رسوماتها بعدها مع أول جلسة للمحاكمات وكانت بمثابة «فتح مبين».

وتعترف أن رسم خالد شيخ محمد ورفاقه الأربعة الكبار المتهمين بالتخطيط لهجمات سبتمبر (أيلول) التي تعتبرها الاعتداءات الأكثر دموية في التاريخ، هي الأصعب لأنها تقف على قدميها لعدة ساعات خلف حاجز من الزجاج السميك في محاولة مستمرة لتسجيل ما يدور على وجوههم وكذلك على وجوه القاضي وممثلي الدفاع والادعاء من انطباعات وغضب ويأس، وأحيانا نرفزة الأعصاب والفلتان من قبل المتهمين.

وتعتبر أن الوقت قد حان لتصدر كتابا يتضمن رسومات غوانتانامو، لأنه سيكون ذا فائدة كبيرة، حيث إن هذه الرسومات تعد بمثابة وقائع بصرية لما كان يحدث في لجان المحاكمات.

وتضع هاملين على بطاقتها الخاصة اليوم صورة خالد شيخ محمد والكندي عمر خضر ورسما من المحكمة لسالم حمدان سائق أسامة بن لادن الذي قضى مدة محكوميته وبات حرا طليقا في اليمن اليوم، فإلى نص الحوار..

* هل من الممكن أن تتحدثي إلى القراء العرب عن نفسك؛ عن تعليمك، وكيف أصبحت متخصصة في الرسوم التوضيحية، وكيف استطعت رسم المعتقلين في غوانتانامو؟

- لقد تخرجت في مركز الفن في كلية التصميم في باسادينا، بولاية كاليفورنيا، وكان تخصصي هو الرسوم التوضيحية. وبعد التخرج، انتقلت إلى نيويورك وبدأت مسيرتي العملية كرسامة. وكانت وكالة أنباء «أسوشييتد برس» أحد العملاء الذين تعاملت معهم، وبدأ المخرج الفني في ذلك الوقت، سكوت جونسون، إرسالي إلى المحاكم لكي أرسم وقائع المحاكمات. وبدأت هذا الجانب في مسيرتي العملية برسم محاكمة مايكل شاكل في مدينة نورووك، بولاية كونيكتيكت. وعندما ظهرت الحاجة إلى رسام محاكمات في غوانتانامو لرسم عمر خضر في عام 2006، تم إرسالي إلى هناك. ومنذ ذلك الحين، واصلت تغطية الجلسات عن طريق الرسومات، وأرسلتني إلى هناك الكثير من وسائل الإعلام بصفتي رسامة مستقلة.

* بعيدا عن الرسومات التوضيحية في غوانتانامو، هل من الممكن أن تتحدثي إلينا حول الرسومات الأخرى التي تقومين بها، مثل رسومات الكتب والشخصيات الرياضية، وغيرها؟

- لقد عملت بكافة أنواع المشروعات مع عملاء مثل «وول ستريت جورنال»، و«وارنر براوذرز»، و«يونيفرسال ستوديوز»، و«سيمون آند شوستر»، وغيرها. وكانت هذه المشروعات تشمل لوحات وأغلفة للكتب، والرسومات الترويجية لهاري بوتر، إلى جانب رسومات توضيحية في مجالات الطب والمجلات والصحف والموسيقى والرياضة. ولحسن حظي أنني أستمتع بمهنة إبداعية ومتنوعة.

* هل فكرت من قبل في تأليف كتاب حول الأشخاص الذين قمت برسمهم في غوانتانامو؟

- نعم، أعتقد أن نشر كتاب حول الرسومات التي رسمتها في غوانتانامو سيكون ذا فائدة كبيرة، حيث إن هذه الرسومات تعد بمثابة وقائع بصرية لما كان يحدث في لجان المحاكمات.

* كم عدد زياراتك إلى غوانتانامو حتى الآن؟

- أكثر من 11 زيارة حتى الآن خلال السنوات الأربع الأخيرة.

* ما أغلى لوحة رسمتها، ولمن كانت؟

- أعتقد أنها كانت المحاكمة التي رسمتها في ولاية كونيكتيكت، وكانت للحاكم رولاند المستقيل حاليا. واستخدمت الكثير من وسائل الإعلام هذه اللوحة، وتم شراء النسخة الأصلية.

* هل من الممكن أن تقدمي الرسومات التوضيحية وانطباعات الحياة الحقيقية، مثل ما يحدث في الغالب في المحاكم البريطانية؟

- أرسم كل ما أستطيع رسمه أثناء وجودي في قاعة المحكمة. أريد أن تبدو المشاهد صادقة وحقيقية قدر الإمكان. المرة الوحيدة التي يكون هناك فيها انطباع، تكون عندما يتم عرض الأدلة على شاشة مرئية لثوان معدودة. يجب علي في هذه الحالة دراسة الدليل سريعا، ثم رسمه، لأنه يختفي من على الشاشة. وأنتهي من كل لوحة قبل أن أغادر المحكمة، وأوافق عليها قبل نشرها.

* ما الشروط التي يجب على الرسام أن يلتزم بها أثناء عمله في قاعة المحكمة؟ هل هناك قوانين خاصة عليك أخذها في الاعتبار أثناء رسم المعتقلين؟

- ليس مسموحا لي رسم سمات معينة في الأفراد. يجب علي تغيير بعض السمات إذا كانت غير مفضلة، مثل أنف خالد شيخ محمد. أحاول أن أكون محايدة، وأرسم أهم الأشياء مع التفاصيل التي تساعد على إخبار القصة.

* كم عدد الصور التي تنجزينها كل شهر؟

- يعتمد الأمر على التكليفات الواردة. إذا كنت أعمل في أحد الكتب، فقد يكون العدد 20 لوحة. وفي المحاكم، أرسم من لوحتين إلى 6 لوحات في اليوم. وفي الشهر الماضي، رسمت 26 لوحة في 8 أيام في محاكمة عمر خضر.

* هل تعتبرين وظيفتك وظيفة جيدة، وهل توفر لك عائدا جيدا؟ وهل هناك فرصة أمامك لكي تكوني رسامة لكبار الشخصيات، مثل رسم صور لشخصيات في الأسرة الملكية؟

- أعتبر نفسي محظوظة للغاية لرسم أشياء تحدث مباشرة. لم أكن أتخيل أنني سأذهب إلى غوانتانامو كرسامة. هناك الكثير من الموهوبين في العالم، لذا فإنني أقدر قيمة هذا الشيء.

* هل تحتاجين إلى تصريح أمني خاص للعمل في المحاكم؟

- نعم، أحتاج إلى تصريح أمني، وتفهم للأمور التي يجب أن أتعامل معها بحساسية، مثل عدم رسم أشخاص محددين على سبيل المثال.

* ما أغرب موقف تعرضت له أثناء رسم أحد المعتقلين؟

- هناك موقفان: الأول هو القصة المعروفة الآن التي تتمثل في أنه كان علي تغيير أنف خالد شيخ محمد، والثاني عندما كان علي الجلوس في قاعة المحكمة لأن أحد الشهود لا يريدني أن أرسمه.لا أستطيع رسم أي شخص من دون الموافقة، لذا فلا يوجد هناك أي خطر.

* في المحكمة، هل من الممكن أن يكون هناك أكثر من رسام، وهل هناك سقف لهذا الأمر؟

- في غوانتانامو، لا يوجد سوى رسام واحد فقط حيث إن المقاعد محدودة، لكن في المحاكم العادية، ترى في الغالب أن هناك عدة رسامين إذا كانت المحاكمة تحظى باهتمام شعبي كبير.

* هل يحق للمعتقلين انتقاد الرسومات التي ظهروا فيها، وهل واجهت مثل هذا الأمر من قبل، مثلما حدث في قضية خالد شيخ محمد؟

- نعم، لقد حدث ذلك، على الرغم من أنه لم يكن لأي معتقل رد فعل سلبي تجاه الرسومات التي أرسمها، على حد علمي.

* ما انطباعك عن خالد شيخ محمد، وهل تعتقدين أن الرسومات الخاصة به هي التي جعلتك أكثر شهرة؟

- انطباعي عن خالد شيخ محمد أنه إنسان ذكي للغاية، ومتمسك بمعتقداته. وبصفتي رسامة، فأنا أعمل وراء الكواليس، لكن اللوحة الخاصة بخالد شيخ محمد سلطت الأضواء علي، وهو الأمر الذي لم يكن متوقعا على الإطلاق.

* أي من الشخصيات الخمس الرئيسية تجدينه أسهل في رسمه؟

- الموقع في قاعة المحكمة صعب للغاية. نكون في آخر مكان في القاعة، خلف الزجاج في غرفة تبتعد قليلا عنهم. إنهم يجلسون على جانب القاعة، لذا يجب علي في الغالب النظر إلى شاشات التلفزيون لكي أحصل على أفضل رؤية للتفاصيل. ولا يوجد أحد أسهل من الآخر.

* في الأيام الطبيعية في المحكمة، كم من الوقت تستغرقين في الرسم؟

- من 6 إلى 8 ساعات، على الرغم من أن الأمر تطلب 10 ساعات في بعض المرات، مع فترات استراحة قليلة.

* هل تعتقدين أن ابنتك ستتبع خطاك وتصبح رسامة أيضا؟

- لست متأكدة من هذا الأمر، فلديها اهتمامات كثيرة للغاية.

* هل تعتقدين أن المعتقلين يتابعون الرسومات التي ترسمينها في الصحف الدولية؟

- حسنا، فيما عدا صور الصليب الأحمر الدولي، فإن الصور الوحيدة التي تذهب إلى جميع وسائل الإعلام في العالم هي الصورة التي أرسمها، لذا أعتقد أنهم يشاهدون ذلك، حيث إن الصحف والقنوات التلفزيونية وغيرها من وسائل الإعلام متوافرة في معسكرات الاعتقال.

* جانيت هاملين في سطور

* جانيت حاصلة على بكالوريوس فنون من جامعة باسادينا عام 1987، وابنتها نانسي 8 سنوات تجد فيها أيضا موهبة في الرسم والمحاكاة. وهي تعيش اليوم في نيويورك وتشتغل أحيانا في الرسوم التوضيحية للكتب والمجلات الفنية وعمل الاسكتشات لنجوم الرياضة والتنس، ولها موقع خاص على الإنترنت، به صور واسكتشات بقلم الرصاص وأخرى ملونة. وتنشغل حاليا في كتابة مؤلف عن «الخمسة الكبار» من واقع رسوماتها في محكمة غوانتانامو العسكرية ومن خلال انطباعاتها الخاصة عن كل منهم. وما زالت تتذكر اليوم الذي وقعت فيه الهجمات يوم 11  سبتمبر 2001  وكانت تعيش في بروكلين بنيويورك وغمر التراب منزلها، وتقول كانت صدمة بالغة لم تفق منها إلا بعد أيام طويلة، وعن خالد شيخ محمد تقول إنه يتمتع بكاريزما خاصة بين زملائه، الذين يستمعون إليه أو يستجيبون له حتى عبر الإشارات من دون كلام متبادل بينهم، يحظى باحترام خاص بين الجميع حتى بين الحراس ومن القاضي والادعاء.

والكاميرات ممنوعة في قاعة المحكمة التي تخضع لإجراءات أمن مشددة ولذلك استخدمت مؤسسات صحافية كبرى هاملين لرسم المتهمين بالإرهاب. ويقوم مراقبون عسكريون بفحص رسوم محكمة غوانتانامو قبل أن يتسنى نشرها لضمان أنها لا تظهر أي أسرار قومية.

لكن جلسات غوانتانامو كانت المرة الأولى التي يمنح فيها المتهمون حق إبداء آرائهم في مدى شبه الرسم بهم.