هيلين توماس.. رمز فقد بريقه

أنهت مسيرتها مع العمل الصحافي في البيت الأبيض بتصريحات ضد إسرائيل

TT

أنهت هيلين توماس يوم الاثنين الماضي مسيرتها الشهيرة مع العمل الصحافي في البيت الأبيض، التي بدأتها في عصر الرئيس الراحل كيندي، بعد أيام من التصريحات التي أدلت بها بشأن إسرائيل إلى حاخام يحمل كاميرا فيديو.

«بكل صراحة، لقد شعرت بالصدمة»، هكذا قال الحاخام ديفيد نيزينوف، الذي كان موجودا في البيت الأبيض لحضور احتفالية بالتراث اليهودي في 27 مايو (أيار)، وبكل بساطة سأل الكاتبة بصحف مؤسسة «هيرست»: «هل من تعليقات لديك بشأن إسرائيل؟»، وأثار جوابها (بأنه ينبغي لليهود الإسرائيليين «الخروج سريعا من فلسطين» و«العودة إلى أوطانهم» ألمانيا وبولندا وأميركا) موجة من الشجب لم يكن اعتذار مقتضب كافيا لإخمادها.

وقال نيزينوف، الذي كان بصحبته نجله الذي يبلغ من العمر 17 عاما وصديق له «كان ذلك نموذجا حقيرا من حديث الكراهية. لقد شعرَت بارتياح لقولها ذلك أمام اثنين من الصبية يرتديان الطاقية (اليهودية)».

وفي حين تشتهر توماس، التي تبلغ من العمر 89 عاما، بأنها صحافية رائدة وجهت أسئلة قوية لـ10 رؤساء، بمن فيهم الرئيس الحالي باراك أوباما الذي ضغطت عليه الشهر الماضي بشأن أفغانستان، فإن عداوتها تجاه إسرائيل لم تكن أمرا خفيا في واشنطن. وعلى الرغم من أنها تخلت عن وظيفتها كمراسلة قبل عقد من الزمان، فإنها حافظت على مقعدها في الصف الأمامي في غرفة الأخبار، في الوقت الذي أعلن فيه الزملاء في بعض الأوقات عن مفاجأتهم من تحيزها الواضح.

وقال مراسل «سي بي إس» مارك نولر «لقد سألت أسئلة لا يقدر أي صحافي من صحافيي الأخبار المهمة على توجيهها، حيث إنها تنطوي على أجندة خاصة وتعكس وجهة نظرها الشخصية، وكان هناك بعض الصحافيين الذين شعروا بأن ذلك كان غير مناسب. وبصفتها كاتبة، شعرت بأنها ليست مقيدة تماما بالسياسات الطبيعية للموضوعية التي يشعر أي صحافي آخر في غرفة تحرير الأخبار بأنه مجبر على الالتزام بها، وكانت الأسئلة التي توجهها في بعض الأحيان محرجة لصحافيين آخرين».

لكن عددا قليلا من الأفراد طالبوا بفصلها من العمل بشأن هذه السلوك، حتى نشر نيزينوف، الذي يرأس معبد لونغ آيلاند اليهودي، مقطع الفيديو على الموقع الخاص به «RabbiLIVE.com». وسرعان ما هاجم معلقون من اليمين واليسار توماس.

وقال الكاتب جونا غولدبيرغ بـ«ناشيونال ريفيو أون لاين»: «يقال عنها دوما إنها حمقاء. وأحد الأسباب في أنها تحصل على مساحة للحديث هو أن هناك نظاما راسخا من مراعاة الأقدمية في المؤسسات الصحافية في البيت الأبيض.. وهذا الاشمئزاز والاستياء المكتشف حديثا الذي يعرب عنه الناس بشأن هيلين توماس أبعد من أن يكون متأخرا ومن دون استعداد».

وقال جيفري غولدبيرغ، الصحافي بصحيفة «أتلانتيك» والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط «لا أرى إلا أن هيلين توماس قدمت الموقف الرسمي لحركة حماس. هناك مستوى من انعدام الحساسية يعد تقريبا مضحكا فيما قالت، لأنها أخبرت اليهود بأن يعودوا إلى ألمانيا، حيث سارت الأمور بصورة غير جيدة بالنسبة إليهم».

وصرحت توماس إلى أحد صحافيي «واشنطن بوست» ليلة الجمعة الماضية بأنها «آسفة للغاية»، وأنها «أخطأت»، لكنها لم تتطرق إلى مضمون تصريحاتها. وفي صباح يوم الاثنين (بعدما أوقفها موكلها، وأعربت مؤسسة «هيرست» عن أسفها العميق بشأن تصريحاتها التي وصفها المتحدث الإعلامي باسم البيت الأبيض بأنها «مسيئة وتستحق الشجب») قررت توماس أن تتوقف عن العمل. وقالت توماس، وهي ابنة لزوجين من المهاجرين اللبنانيين، في بيان إن تصريحاتها «لا تعكس إيماني العميق بأن السلام سيحل في الشرق الأوسط فقط عندما يدرك جميع الأطراف الحاجة إلى الاحترام المتبادل والتسامح».

إنها أشهر سيدة على الإطلاق في تغطية أخبار البيت الأبيض، وعملت كأول رئيسة لرابطة مراسلي البيت الأبيض، التي وصفت تصريحاتها يوم الاثنين الماضي بأنها «لا يمكن تبريرها». وكتبت توماس عدة كتب حول البيت الأبيض وقامت بتمثيل شخصيتها في أفلام «ديف» (1993) و«ذا أميركان بريزيدنت» (1995).

وفي عام 2000، عندما استقالت توماس من وكالة «يونايتد برس إنترناشيونال»، بعدما تم بيع الوكالة إلى شركة «نيوز وورلد كوميونيكيشنز»، وهي شركة يسيطر عليها مسؤولو كنيسة التوحيد، وصفها دان رازر بأنها «بطلة الصحافة».

وأثناء إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، أصبحت توماس شخصية بارزة بالنسبة إلى بعض الليبراليين الذين أشادوا بمعارضتها الصريحة لغزو العراق ووصفوها بأنها أكثر صرامة من الصحافيين الذين أخفقوا في التشكيك في الحرب. وقاد آري فليشر، الذي كان المتحدث الإعلامي باسم البيت الأبيض أثناء إدارة بوش، حملة الإطاحة بها في نهاية الأسبوع، وأرسل رسائل إلكترونية إلى الصحافيين الذين قد تكون تصريحاتها غابت عنهم.

وقال فليشر يوم الاثنين «إنها لنهاية مأساوية، لكنها فعلت الصواب بإعلانها استقالتها». وانضم إليه في هذه الحملة لاني ديفيس، المستشار بالبيت الأبيض أثناء إدارة الرئيس الأسبق كلينتون.

وفي عام 2002، سألت توماس فليشر «هل يفكر الرئيس في أن الفلسطينيين لديهم الحق في مقاومة 35 عاما من الاحتلال العسكري الوحشي والقمع؟».

وبعد ذلك بأربعة أعوام، أخبرت توماس خليفة فليشر، توني سنو، بأن الولايات المتحدة «كان من الممكن أن توقف قصف لبنان» من جانب إسرائيل، لكنها بدلا من ذلك «أيدت العقاب الجماعي ضد الجميع في لبنان وفلسطين». وشكرها سنو بصورة لاذعة على «وجهة نظر حزب الله».

وقال مارك رابين، المصور الحر السابق بشبكة «سي إن إن»، إن توماس قالت في محادثة عام 2002 بالبيت الأبيض «أشكر الله لقيام حزب الله بطرد إسرائيل من لبنان»، مضيفة أن «إسرائيل هي السبب في 99 في المائة من كل هذا الإرهاب».

وأشار الموقع الإلكتروني «ديلي كولر» إلى أنه أثناء خطاب عام 2004 لقناة «الحوار»، وهي قناة فضائية عربية مقرها واشنطن، شبهت توماس المتظاهرين الفلسطينيين الذين يقاومون «الاحتلال المستبد» الذي تمارسه إسرائيل «بأولئك الذين قاوموا الاحتلال النازي».

وقد شكك عدد من الصحافيين في دورها على مدار الأعوام. وفي مجلة «نيو ريبابليك» عام 2006، اتهم جوناثان تشايت توماس بالتلفظ بـ«كلام لا معنى له»، مشيرا إلى أنها طرحت تساؤلات مثل «لماذا يُقتل أناس داخل العراق؟ الرجال والنساء والأطفال يقتلون هناك.. إنه أمر شائن».

وانهالت رسائل عبر البريد الإلكتروني وطلبات إجراء مقابلات مع الحاخام الذي أثار هذا الجدل. وبعد أن قيل له يوم الاثنين إن توماس تقاعدت، دعاها نيزينوف إلى الدخول في نقاش أوسع عن منطقة الشرق الأوسط. وقال «لا يمكنها أن تتقاعد من العرق الإنساني». «ربما تعيش لأعوام عديدة، وتستخدم ذلك الوقت لتجعل هذه اللحظة لحظة مهمة»، (وأوضح الحاخام سبب تأخره عن نشر مقطع الفيديو على هذا النحو «كان أمام ابني امتحانات نهاية العام، وهو من يعرفني استخدام الإنترنت»).

وقال سام دونالدسون، مراسل «إيه بي سي» السابق لدى البيت الأبيض، إن توماس «رائدة» بالنسبة إلى المرأة «ولا يمكن لأحد أن يسلبها ذلك». وعلى الرغم من أنه لم يدافع عن تعليقاتها حول إسرائيل، فإنه قال إن هذه التعليقات ربما تعكس نظرة الكثير من الناس ذوي الأصول العربية.

ويشار إلى أن دونالدسون (76 عاما) تقاعد العام الماضي. وسأل دونالدسون هل بقيت صديقته، التي بدأت عملها عام 1960، لفترة طويلة جدا. وقال «كان عملها هو حياتها، فلم تكن لها اهتمامات أخرى. ولم تتخيل يوما أنها ستترك ذلك».

ويقول جاي نوردلينغر، من «ناشيونال ريفيو» إن آراء توماس راديكالية «ندين لها بشيء: قالت بصوت عال، وبطريقتها اللاذعة، ما يؤمن به آخرون وهو أنه يجب على إسرائيل الخروج من فلسطين (ليس إسرائيل ولكن فلسطين) وأنه يجب على اليهود العودة إلى (أوطانهم) في ألمانيا وبولندا والأماكن الأخرى التي جاءوا منها أو نزحوا منها. هل قال أحد لتوماس إنه يجب عليها العودة إلى (وطنها).. إلى لبنان؟ وأنا متأكد من أن حزب الله سيرحب بها كبطلة».. «بالنسبة لجل المعادين لإسرائيل، فإن المشكلة ليست في (الاحتلال) ولا في إضافة مجمعات داخل القدس، بل المشكل في إسرائيل نفسها، وفي حق تلك الدولة في الوجود. وأمثال هيلين توماس يقعون في (اليسار) إذا كان ذلك الموقف الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية. إنهم يتفقون مع حماس وحزب الله ومع راعيتهم إيران».

وفي «ديلي كولر» تقول أماندا كاري إن التصريحات «لا يجب أن تدهش أحدا، فتوماس تفعل ذلك منذ أعوام».. «توماس كارهة لإسرائيل، ولم يكن ذلك معروفا بهذا القدر للناس حتى وقت قريب. وكان سمها في قضية الصهيونية والدولة اليهودية يظهر على السطح بصورة متكررة تنذر بالخطر. انظروا إلى تصريحاتها في المؤتمر الصحافي داخل البيت الأبيض قبل أيام قليلة، عندما وصفت الهجوم على أسطول غزة أخيرا بأنه (مذبحة متعمدة وجريمة دولية)».

ويقول جونا غولدبيرغ السالف الذكر إن «الكثير من الناس في واشنطن في حاجة إلى ضبط سلوكهم».. «بالنسبة إلى المبتدئين، فهذه زلة كلاسيكية حيث تقول هيلين توماس الحقيقة من غير قصد. ومن الواضح أنها مخطئة في الجوهر. لكنها تعتقد بالطبع أنه يجب على الإسرائيليين الرحيل. وأشك في أنه يوجد أحد يعرف توماس يشكك للحظة في أنها غير صريحة بصورة كاملة عندما أدلت بتعليقاتها (عن العودة إلى بولندا) أو أنها تكذب حاليا عندما تقول إنها لم تقصد ذلك».. «يعرف الجميع أنها مؤذية وأنها كذلك منذ عقود.. ولنبعد التحيز الليبرالي.. إنها ليست متحيزة، فهي تسأل أوباما وكلينتون أسئلة صعبة أيضا! من اليمين المتشدد الأحمق».

وتقول جنيفر روبين من مجلة «كومينتري» إن توماس مشهورة في كل مكان. «الآن يوجد مكان واحد يرحب بها فيه بدرجة كبيرة: تثني حماس عليها. (لا شك في أن توماس هيلين ذكرت الحقيقة التي يعرفها كل شخص في العالم، ولكن كأميركية في موقع مهم للغاية، هاجمها صهاينة أصابهم الجنون من الحقيقة التي ذكرتها أمام جميع الناس)».. «وعليه، ما الذي سيقوم به البيت الأبيض: يظهر أن له إدراكا مثل مسؤولي مدارس محلية، أم يسمح لحماس وكارهي اليهود برؤية صديقتهم تعامل باحترام داخل غرفة التقارير الصحافية بالبيت الأبيض؟».

وفي «نيو ريبابليك»، قال جوناثان تشايت إن «الحل المفضّل لتوماس هو تحويل الجزء الأكبر من اليهود في العالم إلى لاجئين. أجد ذلك شيئا يثير الاشمئزاز من الناحية الأخلاقية، ولكني لا أعتقد أن العداء للصهيونية يرفع الأهلية عن شخص يمارس العمل الصحافي».

* خدمة «واشنطن بوست»..

خاص بـ«الشرق الأوسط»