تلفزيون الواقع يسعى لاجتذاب الشباب المسلم في ماليزيا

يهدف إلى إيجاد قائد وإمام يتماشي مع توجيهات المسؤولين عن المحطة

10 شبان ماليزيين خلال مشاركتهم في تلفزيون الواقع (أ. ب)
TT

قام الشباب العشرة بتغسيل موتى وفقا للطقوس الإسلامية، وذرفوا الدموع وهم يقدمون النصح والمشورة لنساء حملن خارج إطار الزواج، وشاركوا في حملة أمنية على متسابقي دراجات بخارية من المراهقين.. جميع ذلك أمام عدد من الحكام على التلفزيون الوطني.

لقد حقق قيام إحدى المحطات الكابلية الماليزية بإعطاء براجمها الإسلامية طابع برامج تلفزيون الواقع نجاحا داخل هذه الدولة الإسلامية المعتدلة.

ومضت خمسة أسابيع على انطلاق برنامج أطلق علية اسم «الإمام الشاب»، والذي يمزج بين المبادئ والعمل الدرامي، الأمر الذي يناسب ماليزيا، حيث تسعى تلك الدولة إلى التمسك بتقاليدها الإسلامية وفي الوقت نفسه الترحيب بالتكنولوجيا والثقافة الغربيين. لقد استطاع هذا البرنامج تحقيق النجاح من خلال الحفاظ على هذه الخيوط المتوازية في المجتمع الماليزي.

ويؤكد منتجو البرنامج أنهم يهدفون إلى إيجاد قائد وإمام يتماشي مع الوقت الحالي، يكون مسلما تقيا وتقدميا يستطيع أن يثبت للشباب الماليزي أن الالتزام بتعاليم الدين ما زال مناسبا على الرغم من تأثير ثقافة البوب الغربية. وقد عكست الجوائز، والتي تتضمن رحلة حج مجانية وسيارة، هذا المزيج.

ويقول رئيس لجنة التحكيم بالبرنامج، حسن محمود الحافظ، الإمام السابق بمسجد ماليزيا الوطني: «هذا البرنامج لا يشبه البرامج الأخرى التي لا تقدم أية قيم دينية. ليس لدينا جمهور يصرخ أو يقفز. بل نقدم غذاء للروح. نحن لا نبحث عن مغن أو عارض أزياء».

وتؤتي هذه الصيغة نتائج طيبة في ماليزيا القرن الواحد والعشرين. ويؤكد المنتجون على أن هذا البرنامج أصبح أكثر برامج القناة الدينية مشاهدة.

وتقول فوزينا إسماعيل، وهي ممرضة عمرها خمسة وعشرون عاما، وتشاهد البرنامج كل أسبوع مع زوجها وولدي زوجها: «نحاول ألا نضيع أيا من حلقات هذا البرنامج لأننا تعلمنا منه الكثير عن أمور ديننا».

تم اختبار أكثر من 1000 شاب لاختيار من سيشاركون في هذا البرنامج. وطلب منهم تلاوة بعض آيات القرآن والإجابة عن أسئلة تتعلق بالإسلام والشؤون العامة مثل أسماء زعماء دول العالم. وتم البحث في خلفيات المتقدمين للتأكد من أنه ليس لأحدهم ماض غير مشرف.

واستطاع عشرة فقط من هؤلاء المتقدمين اجتياز كل الاختبارات، من بينهم موظف بنك، ومزارع، وعالم دين، وبعض الطلاب الجامعيين.

وكان غالبية المتسابقين شبابا أعمارهم تتراوح بين 18 - 27 عاما مؤهلين لأن يكونوا عارضين.

وفي بعض الحلقات، يرتدي المتسابقون سترات غربية أنيقة ورابطة العنق ومع ذلك يضعون على رؤوسهم القبعات الإسلامية. وفي حلقات أخرى، يرتدون الملابس التقليدية الواسعة أو بناطيل أنيقة وقمصان.

ومن جانبه، قال إذيلن باسار، مصمم البرنامج ومدير المحطة :«نريد أن نثبت أن الشباب الماليزي المسلم يستطيع أن يتماشى مع هذا العصر. لقد اخترنا الشباب الأكثر ذكاءً وتدينًا لهذا البرنامج، شباب تتمنى كل مشاهدة أن يكون أحدهم زوجها أو زوج ابنتها».

بالإضافة لرحلة الحج والسيارة، تتضمن الجوائز وظيفة للعمل كإمام لأحد المساجد الكبرى في ماليزيا، ومنحة للدراسة في المملكة العربية السعودية، و20.000 رينغيت (6.400 دولار) وجهاز كمبيوتر محمول.

وضع المتسابقون في مبنى سكني تابع لأحد المساجد ومنعوا من الاتصال بالأهل والأصدقاء وسحبت منهم أجهزة التليفون المحمول. ويقضي المتسابقون معظم أوقاتهم في تلقي الدروس الدينية. وتبدأ الكاميرات في العمل عندما يخرجون لتنفيذ إحدى المهام المطلوبة منهم.

وقال المتسابق توفيق نوح خلال فترة راحة من التصوير في المسجد :«أرغب من خلال وجودي هنا في أن أؤدي واجبي تجاه ديني وبلدي».

وقد حصل نوح، البالغ من العمر 27 عاما، على إجازة من البرنامج يوم 12 يونيو (حزيران) لإتمام زواجه. وقضى ليلة واحدة مع زوجته قبل أن يعود مرة أخرى إلى المتسابقين الآخرين.

وعلّق نوح على ذلك قائلا: «لسنا سعداء بالافتراق ولكننا نرضى بقضاء الله. ولو قدر الله لي أن أكون من الفائزين سنكون سعداء جدا».

وهذا ليس برنامج الواقع الديني الأول من نوعه في ماليزيا ولكنه أثار اهتماما عاما أكثر من برامج سبقته مثل «أكاديمية القرآن» الذي كان يتسم بالهدوء ويركز على تدريب المشاركين على تلاوة القرآن.

واجتذبت صفحة برنامج «الإمام الشاب» على موقع «فيس بوك» جمهورا يصل إلى 25 ألف شخص وتعليقات تراوحت بين تحليل المتسابقين والإشادة بهم كنماذج يحتذى بها.

وفي أول مهمة كبرى، ارتدى المتسابقون قناعات للوجه وقفازات طبية ليقوموا بتغسيل اثنين من الموتى بقيا في مشرحة أحد المستشفيات لعدة أسابيع ولم يتعرف عليهما أحد. وقاما أيضا بدفنهما، وفي أثناء وجودهما في المقبرة تحدثا عن وفاتهما.

وفي حلقة أخرى، ذرف المتسابقون الدموع وهم يقدمون المشورة لعدد من النساء المقيمات بإحدى دور رعاية المرأة والأطفال اللقطاء.

يغلب على البرنامج النبرة الحزينة. ففي حلقة عن الموت، أخذ المضيف يقول: «عندما يحين الوقت، فإن أحدا لا يستطيع أن يؤخر موعد وفاته حتى ولو لثانية واحدة. العجائز يموتون، وكذلك الأطفال. فهل نحن مستعدون للموت؟».

وخلال الخمسة أسابيع الأولى من البرنامج، استبعدت لجنة التحكيم، المكونة من ثلاثة علماء دين، اثنين فقط من المتسابقين بسبب ضعف مهاراتهما الاجتماعية والمعرفية.

وبعد إعلان الاستبعاد في قاعة السباق وفى عدم وجود الجمهور، قام رئيس لجنة التحكيم بمعانقة المتسابق ودعا الله أن يباركه. وعانق الشبان الآخرون بعضهم بعضا وبكوا أمام الكاميرا وتحدثوا بحرقة عن مشاعر الأخوة التي تحلوا بها في هذا السباق.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»