«الإيكونوميست».. مع تطبيق استراتيجية جديدة لم تتأثر بالركود الاقتصادي

مجلة يقرأها المصرفيون في مقاعد الدرجة الأولى

بول روسي من مديري «الإيكونوميست» يؤكد أن قراء مجلته يحملون طموحات بالعالمية (نيويورك تايمز)
TT

يطل شعارها الأحمر القاني من حقائب اليد العصرية والجيوب الخلفية لسراويل الجينز. يقرأها المصرفيون في مقاعد الدرجة الأولى ويقرأها الأشخاص المتأنقون في مترو الأنفاق في طريقهم إلى العمل. إنها مجلة «الإيكونوميست».

هذا الإصدار الأسبوعي، الأشبه ما يكون بدستور تلك النوعية من الأفراد الذين يحملون طموحات بالعالمية، لم ينل تلك المكانة بين عشية وضحاها، لكن ذلك استغرق 25 عاما من الإعلان الجيد، الذي لعب على مخاوف وطموحات القراء الساعين إلى الحصول على مكانة جيدة للوصول إلى هذه المكانة.

صمود المجلة بين منافسيها الأقل نجاحا في عالم المجلات الإخبارية المتقلص، أو ربما الذكاء الحقيقي لـ«الإيكونوميست»، ربما يعود في جزء كبير منه إلى لغتها التهكمية والدقيقة حول موضوعات تتسم بالغرابة مثل الاستفتاء على الدستور في كينيا، وتاريخ منصب نائب رئيس الجمهورية في البرازيل.

وربما يكون بيع مطبوعة تحوي عنوانا يتضمن ذكريات مؤلمة عن متطلبات العلوم الاجتماعية في الجامعة. لكن المديرون التنفيذيون في «الإيكونوميست» و«شركة بي بي دو للتسويق» ابتكروا استراتيجية تسويق تجعل الأفراد يعتقدون أن قراءة المجلة ستجعلهم أكثر ذكاء وأكثر تطورا.

أحد الإعلانات التي نشرتها المجلة للترويج لقراءتها في عام 2004 كتب أسفله «ذات مرة كان هناك شاب طموح لم يقرأ الإيكونوميست. النهاية»، وقال إعلان آخر من عام 1988 «أنا لم أقرأ الإيكونوميست على الإطلاق - متدرب في الإدارة، عمري 48، مدرب عام»، وآخر من عام 2001 «تطلع إلى دورة إعادة الاتحاد».

آخر الحملات الإعلانية التي قامت بها المجلة في الولايات المتحدة والتي شملت 11 مدينة مركزة نشاطها في أوساط الأثرياء والمثقفين كانت تتضمن شريحتين تتناولان موضوع التقدم الاجتماعي. كانت إحداهما تحمل صورة لنعامة تدفن رأسها في الرمال والثانية لنعامة أخرى ورأسها مرفوع لأعلى وكتب أسفله «كن صاحب نظرة عالمية واقرأ الإيكونوميست».

يقول جوزيف بلومر، أستاذ التسويق في كلية كولومبيا لإدارة الأعمال، والمدير التنفيذي السابق في مجموعة «ماكان وورلد غروب»: «كانوا دائما يقولون إنك إذا قرأت الإيكونوميست فستكون أكثر حكمة وذكاء من الشخص العادي. الناس يرغبون في التطور على الدوام. وأعتقد في حالة الإيكونوميست أن ما يقومون به هو إضافة المزيد من الابتكار عبر اللعب على عاطفة أخرى هي التنافسية».

يبدو أن الأميركيين يستجيبون لذلك، فمنذ أن بدأت المجلة في إصدار طبعة أميركا الشمالية في عام 1981 زاد توزيعها بمعدل عشرة أضعاف (تنشر في بريطانيا، حيث يوجد مقر المجلة الذي يعود إلى عام 1843). عندما بدأت «الإيكونوميست» في الإبلاغ عن أرقام التوزيع إلى مكتب إحصاء التوزيع منذ عام 1982 كانت قد قامت بطباعة 80,000 نسخة كانت تبيع في أكشاك الصحف 8,300 نسخة أسبوعيا. وأظهر آخر إحصاء أجرته المجلة خلال النصف الأول من عام 2010 أن المجلة تبيع ما يقرب من 25,000 نسخة في أكشاك البيع كل أسبوع ويبلغ إجمالي توزيعها الأسبوعي نحو 823,000. بيد أن مبيعات أكشاك بيع الصحف انخفضت بنسبة 9 في المائة من أكثر من 57,200 في الشهور الستة الأخيرة من عام 2009 وارتفاع عدد الاشتراكات قصيرة المدى.

خلال الأعوام القليلة فقدت المجلات الإخبارية الأسبوعية مثل «نيوزويك» و«تايم» أعدادا كبيرة من قرائها فيما شهدت بعض المجلات مثل «يو إس نيوز» و«ورلد ريبورن» انخفاض أعداد توزيعها، بينما كانت أخرى أسوأ حظا مثل مجلة «لايف» التي توقفت عن الصدور.

كانت مجلة «نيوزويك»، التي بيعت الأسبوع الماضي إلى أحد أقطاب صناعة الأجهزة السمعية بمبلغ زهيد بعد أن صرحت شركة «واشنطن بوست» أنها لن تتمكن من إنفاق المزيد من المال على المجلة، قد انخفض توزيعها من 3.1 مليون نسخة عام 2000 إلى 1.6 مليون نسخة، فيما انخفض توزيع «تايم» من 4.1 مليون نسخة عام 2000 إلى 3.3 مليون نسخة في الوقت الحالي.

لكن «الإيكونوميست» كانت على الدوام نوعا مختلفا من المجلات الإخبارية الأسبوعية، لسبب وحيد، هو أنها أغلى ثمنا من غالبية المجلات الأسبوعية، أضف إلى ذلك المكانة الرمزية التي تتمتع بها. فالاشتراك السنوي في المجلة لا يقل على الأغلب عن 100 دولار، مقابل 39 لـ«نيوزويك» و20 لمجلة «تايم». ناهيك عن أن عملية التحرير تتم في بريطانيا وهو يعطيها عادة النكهة الأجنبية التي يقول خبراء التسويق إن العديد من القراء يجدونها جذابة.

ويقول لارس بيرنر، أستاذ التسويق المساعد بجامعة كاليفورنيا الجنوبية والذي تحدث عن استخدام المجلة الإنجليزية البريطانية - مثل برنامج بتضعيف حرف الإم والعولمة باستبدال حرف زد بحرف إس - «هذا شيء كتب خارج الولايات المتحدة وهو ما يضيف نوعا من الرقي الذي يجده القراء جذابا». وعلى الرغم من نجاح المجلة في الوصول إلى القارئ الأميركي فإن المديرين التنفيذيين يرون فيها القدرة على الوصول إلى المزيد من القراء. وقبل نحو أربع سنوات بدأت المجلة في التركيز على المناطق الحضرية الكبيرة مثل أوستن وسياتل وسان فرانسيسكو وواشنطن وأماكن معروفه برقي الأوساط فيها التي يتوقع أن تجد في «الإيكونوميست» جاذبية عالمية.

بدأ مديرو التسويق في المجلة اختيار نوعية المتاجر التي تبيع المجلة بعناية، فقد كان هناك تدقيق كبير في نوعية المحال التجارية أو متاجر البضائع، وقد اختاروا متجرين هما «هول فودز» الراقي، سلسلة متاجر الطعام العضوي غالي الثمن، وسلسلة متاجر «كوستكو» للسلع الراقية.

ويقول بول روسي، المدير الإداري في «الإيكونوميست» ونائب الرئيس التنفيذي للمجلة في الأميركتين: «اختيار هول فودز كان من أجل العامل النفسي لا الديموغرافي، حيث يقول الأشخاص أنتم تقتفون أثر الأغنياء، لكننا نحدد عملاءنا ديموغرافيا ونحدد عملاءنا بحسب معتقداتهم».

وأشار إلى أن أهم ما يميز تسويق المجلة هو محاولتها إثارة الفضول العقلي للقارئ، لكنه اعترف بأن البعض سينظر إلى «الإيكونوميست» في النهاية كرمز لمكانتها. وقال مشيرا إلى أن المجلة لا تهدف للظهور هذه الصورة: «البعض قد يعتبرها شعارا مميزا، لكنها ليست كذلك بالنسبة للبعض الآخر. وإذا ما بدأنا تسويق أنفسنا كي نبدو رائعين فسوف نفشل».

ربما تكون «الإيكونوميست» واحدة من أكبر قصص النجاح بين المجلات الإخبارية في الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، لكن مسارها كان قد تباطأ كثيرا. وقد شهدت أكشاك البيع، المؤشر الهام في نجاح أي مجلة، تراجعا خلال السنوات الأخيرة، بلغت نسبته 27 في المائة من أكثر من 71,000 في عام 2008. وتشكل الاشتراكات النصف سنوية أو الأقل معدل 45 في المائة من إجمالي الاشتراكات بحسب أخر إحصائيات الدوريات.

بيد أنها من بين «الإيكونوميست» الوحيدة بين منافسيها في أكشاك الصحف التي قلما تفقد منافسين، فمعدلات مبيعات مجلة مثل «ذا ويك» انخفضت من 3,800 في 2009 إلى ما دون الألفين لعدة أسابيع خلال العام الحالي، بحسب أحدث الإحصاءات المتاحة. وربما يعود السبب في ذلك إلى طابعها العالمي، فيقول جون ميكلثويت رئيس تحرير المجلة: «من السهل بيع مجلة عالمية كمجلتنا في عصر يمكن أن تتغير حياتك وأنت تعيش في ديترويت بما يحدث في دلهي».

* خدمة «نيويورك تايمز»