مسؤول مكافحة الإرهاب في أكاديمية ويست بوينت العسكرية: المؤسسات الخيرية ستدعم الصحف في المستقبل لمواجهة الإنترنت

الأكاديمي الأميركي برايان فيشمان لـ «الشرق الأوسط»: وثائق سنجار عن مقاتلي «القاعدة» الأجانب كانت فتحا مبينا

الأكاديمي الأميركي برايان فيشمان في محاضرة بمؤسسة نيواميركان («الشرق الاوسط»)
TT

برايان فيشمان أكاديمي وصحافي وخبير حقيقي في مكافحة الإرهاب ومتخصص في شؤون «القاعدة»، زميل في مؤسسة «أميركا الجديدة» معهد السياسة العامة، وأستاذ في أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية، من أبرز خبطاته الصحافية التي كشف عنها عبر التحليل المنهجي «وثائق سنجار» التي نشرتها «الشرق الأوسط» العام الماضي، يقول برايان فيشمان إن دراسته لهذه الوثائق، التي أفرجت عنها وزارة الدفاع الأميركية، توفر فهما لعملية صنع القرار داخل تنظيم القاعدة، وتفسر الأسباب التي جعلت قطاعات واسعة من السنة تتخلى عن دعم «القاعدة» بالعراق، ويكشف في حواره مع «الشرق الأوسط» عن أن الوثائق تلقي الضوء على طبيعة عمل المقاتلين الأجانب في العراق، ووجهتهم القادمة في ساحات الجهاد المفتوحة في باكستان والصومال واليمن.

وعمل فيشمان في السابق مديرا لقسم الأبحاث في مركز مكافحة الإرهاب وكان أستاذا في قسم العلوم الاجتماعية في «ويست بوينت». وكان فيشمان أيضا أحد المساهمين المنتظمين في تقارير مشروع «هارموني» في مركز مكافحة الإرهاب؛ وأعد «الاختلال والانهيار: دروس مستفادة من داخل تنظيم القاعدة في العراق»، وشارك في إعداد «المقاتلين الأجانب في تنظيم القاعدة في العراق: نظرة أولى على وثائق سنجار». فجاء معه الحوار على النحو التالي...

* كيف بدأت مسيرتك المهنية كصحافي؟ وهل كانت هناك لحظة حاسمة تأكدت عندها أنك اخترت المهنة الصحيحة المناسبة لك؟

- في الواقع أعتبر نفسي أقرب إلى الأكاديمي أو الباحث من الصحافي. فعندما كنت صغيرا، كنت دوما أريد أن أصبح صحافيا، حيث إن أخبار القصص أمر رائع ومهم، لكنني الآن أجد نفسي أفضل في تحليل المعلومات وحل المشكلات.

وأعتقد أن اللحظة الحاسمة بالنسبة إلي كانت عندما نشرنا «وثائق سنجار» في حين أنني كنت أدرّس في «ويست بوينت». وقد أتاحت لنا هذه الوثائق تحليل أنماط المقاتلين الأجانب الذين ينضمون إلى «القاعدة» في العراق. وكان تحليلنا مهما للولايات المتحدة، لكنه أيضا أظهر كيف كانت هذه القضية حقيقية. وكانت فتحا مبينا في مكافحة الإرهاب، لأن تقريرنا كان يحظى بالكثير من المصداقية في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم؛ وأظهر أن التحليل الصادق للبيانات الجيدة يستطيع القضاء على بعض نقاط سوء الفهم بين الدول والشعوب.

* هل من الممكن أن تحدث القراء العرب عن نفسك، مثل تعليمك وخبراتك في العمل وأي شيء آخر قد ترى أنه مناسب للموضوع ومثير للاهتمام؟

- بكل سرور، لقد ولدت بالأساس في كاليفورنيا، ودرست في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، وجامعة كولومبيا في نيويورك. ثم انتقلت إلى واشنطن العاصمة في 10 سبتمبر (أيلول) عام 2001، أي قبل يوم واحد من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولقد تغيرت حياتي منذ ذلك الحين. وكنت أريد في البداية دراسة الصين - حيث إنني أتحدث اللغة الصينية إلى حد ما - لكنني أعمل في قضايا الإرهاب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

* ما هي الاستجابة التي حصلت عليها بعد نشر وثائق سنجار؟ وكم عدد الأسابيع التي استغرقتها في العمل على هذه الوثائق؟

- كانت الاستجابة هائلة. ينبهر الناس في الغالب بنجاح «القاعدة» في الجانب التنظيمي، لذا فوجئ الكثيرون بأن تنظيم القاعدة كان يحتفظ بوثائق دقيقة حول الأعضاء. وكانت هناك مفاجآت أخرى أيضا، مثل الرقم الكبير لليبيين في هذه العينة الخاصة، على سبيل المثال. لا أتذكر بالضبط كم استغرقنا من الوقت في العمل في هذه الوثائق، لكن استغرق الأمر عدة أسابيع. لقد أردنا تقديم شيء بصورة سريعة لأننا كنا نعرف أن الناس سيُذهلون بهذا الأمر، لكننا كنا نريد أيضا أن نكون على دقة عالية على قدر الإمكان. وكان تحليلنا لوثائق سنجار يحتوي على الكثير من التحليل الكمي، واستغرق الأمر وقتا طويلا لترشيح البيانات بحيث نستطيع تحليلها بصورة صحيحة.

* ما هي أحدث مشاريعك؟ هل من الممكن أن تتحدث إلينا حول آخر مشروع لك؟

- أعمل الآن على مشروعين لصالح «نيو أميركا»، يركزان في المقام الأول على عمليات «القاعدة» في باكستان، وتحليل حول نشاط «القاعدة» في العراق في هذه الأيام. لكنني أيضا أنهي كتابا مع أحد زملائي في العمل من «ويست بوينت» يبحث الانقسامات داخل الحركة الجهادية. ومن بين نقاط الضعف في التحليل الغربي للجماعات الجهادية هي أنها تتحد بعضها مع بعض في حين أنها في الحقيقة تتبنى أفكارا استراتيجية ومفاهيم آيديولوجية مختلفة للغاية. ولتتبنى سياسة أكثر فاعلية لمكافحة الإرهاب وتكوين علاقات أفضل مع العالم العربي والإسلامي، تحتاج الولايات المتحدة إلى فهم هذه الانقسامات. وأتمنى أن يكون كتابنا مفيدا في هذا الصدد.

* ما هي أكبر قصة صحافية من حيث التكلفة ووقت المعالجة قمت بنشرها حتى الآن؟

- لست متأكدا، لكنني أعتقد أنها إما دراسة كتبتها حول «القاعدة» في العراق وحربها ضد غيرها من المتمردين العراقيين أو دراسة حول النفوذ الإيراني في العراق.

* باعتبارك تعمل في الصحافة الاستقصائية، تستغرق الكثير من مقالاتك أسابيع أو شهورا من البحث. هل بإمكانك أن تخبر القارئ العربي عن آلية العمل بصفة عامة في هذه الأنواع من التحقيقات، ونوع النفقات التي تتطلبها؟

- أعتقد أن الجزء الأكبر بالنسبة إلي هو معالجة قضية من دون تحيز، وترك البيانات كي تخبرك القصة. لقد كنت قادرا على النفاذ إلى الكثير من الوثائق التي أنتجتها «القاعدة» وأعتقد أن ذلك ذو قيمة عالية للغاية، وفي بعض الأحيان تتعدى قيمة إجراء مقابلة. ونظرا لأن هذه البيانات ليست هي البيانات التي يريد تنظيم القاعدة أن يفكر العالم بشأنها، فإنها تكشف إلى أي مدى هم منظمون وتكشف عن وجهة نظرهم بشأن أنفسهم. يمكنك أن تعرف الكثير ببساطة عن طريق قراءة ما يقدمه الجهاديون عن أنفسهم.

* في رأيك، ما هي العناصر التي تدفع جيل الشباب المسلم في أوروبا وأميركا إلى أعمال العنف؟

- أعتقد أنه من المهم الاعتراف بأن الغالبية العظمى من المسلمين في الغرب ليسوا مندفعين تجاه أعمال العنف، فبكل بساطة معظمهم يعيش حياتهم، يذهبون إلى المدارس ويعثرون على وظائف ويتزوجون وينجبون الأطفال. وهذه هي الأمور التي يريدها الناس في كل مكان، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود، وسواء كانوا عربا أو أميركيين أو غيرهم.

* هل تعتقد أن هناك فرصة لحل تنظيم القاعدة بالكامل؟ وإذا كانت هناك فرصة لذلك، ففي اعتقادك ما هو الوقت المحتمل أن يحدث ذلك فيه؟

- أعتقد أنه لا يزال هناك وقت طويل قبل أن ينحل تنظيم القاعدة بالكامل. لكنني أعتقد أن «القاعدة» أكثر ضعفا الآن مما كانت عليه قبل فترة طويلة. وخلاصة القول هي أن «القاعدة» قتلت الكثير والكثير من الأفراد، والكثير للغاية من المسلمين على وجه الخصوص. ومع ذلك، أعتقد أن تنظيم القاعدة قادر على استخدام حضور القوى الأجنبية في العراق وأفغانستان لتجنيد الأفراد.

* هل تعتقد أن أسامة بن لادن لا يزال حيا؟ وما هي فرص إلقاء القبض عليه؟

- أعتقد بكل تأكيد أن بن لادن لا يزال حيا. ولا أعتقد أن «القاعدة» ستحافظ على سرية ذلك. هناك أهمية كبيرة للغاية في تصويره على أنه شهيد. إذا غادر بن لادن المناطق القبلية في باكستان، أعتقد أن فرص اكتشافه ستكون جيدة للغاية. وإذا ظل هناك، فإن هذه الفرص تكون منخفضة بكثير.

* هل لا يزال تنظيم القاعدة في المناطق القبلية في باكستان أكثر خطورة بالمقارنة بغيره من خلايا «القاعدة» أو المنظمات الإرهابية؟

- نعم، أعتقد ذلك. أظهر تنظيم القاعدة في العراق نفسه على أنه مجموعة من السفاحين القتلة. وتنظيم القاعدة في المغرب ضعيف. وتتنامى عمليات «القاعدة» في اليمن وتصبح مثيرة للقلق، لكن التنظيم في باكستان أكثر خطورة. إنه أكثر ذكاء في باكستان، وبدلا من محاولة السيطرة على الجماعات المسلحة الأخرى، فإن تنظيم القاعدة مستعد للعمل وراء الكواليس لتنفيذ ما يريد. والأسوأ من ذلك، لا أعتقد أن باكستان تتفهم التهديد الذي يواجهها على المدى الطويل إذا سمحت لـ«القاعدة» بالتأثير على آيديولوجية الجماعات الإسلامية الأخرى.

* هل تعتقد أن أنور العولقي الأميركي من أصل يمني من الممكن في الفترة الراهنة أن يُنظر إليه على أنه منافس لأسامة بن لادن؟ ما هي احتمالية أن يكون له مجموعة من الأنصار على مستوى العالم (مثل بن لادن)؟

- أعتقد أنه من الممكن أن تكون له مجموعة كبيرة من الأنصار من بين المسلمين في الغرب، لا سيما الذين لا يتحدثون اللغة العربية أو الأردية وغيرها. بيد أن العولقي ليس لديه التاريخ أو الموارد المالية التي كانت لدى بن لادن، والتي جعلته بهذا القدر من التأثير؛ حيث إن العولقي لم يحارب السوفيات، ولا يوجد في إحدى المناطق الأساسية للحروب في هذه الأيام، مثل العراق وأفغانستان. إنه رجل خطير، لكنني لا أعتقد أنه بنفس أهمية بن لادن.

* ما هي مدى أهمية منطقة الشرق الأوسط في تغطيتك الإخبارية؟ هل تعتقد أن تغطية شؤون الشرق الأوسط أصبحت مشبعة للغاية، وأن القراء لم يعودوا متأثرين بالمواضيع؟

- لا، لا أعتقد ذلك. أعتقد أن الولايات المتحدة تحتاج إلى مزيد من الأخبار من منطقة الشرق الأوسط (وغيرها من المناطق في العالم). لكن الكثير من الأميركيين في الفترة الحالية يركزون على الاقتصاد. وأصبح العثور على الوظائف ومصادر دخل للأسرة الشاغل الأول للجميع، كما هو الحال في أي مكان آخر.

* هل تعتقد أن هناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهود في الحرب العالمية ضد الإرهاب؟

- أعتقد أننا نحتاج إلى مزيد من التركيز وتدريب أفضل على جميع المستويات. لكننا لا نحتاج إلى إنفاق مزيد من الأموال. ونحتاج إلى إنفاق الأموال بطرق أكثر ذكاء.

* هل تعتقد أنه من المهم بصورة خاصة أن يكون هناك صحافيون متخصصون لتغطية قصص صحافية معينة؛ على سبيل المثال يكون لديهم معرفة متخصصة عن تنظيم القاعدة. وهل هذه المعرفة المتخصصة تقود إلى تغطية إعلامية أفضل؟

- نعم، بكل تأكيد. يستطيع الكثير من المراسلين الخروج والحصول على المعلومات، وهم أشخاص ذو قيمة عالية للغاية.. لكن من المهم أن يكون هناك أفراد مثلك، ومثل بيتر بيرغن وستيف كول الذين لا يقدمون فقط الأخبار بصورة جيدة، لكن يفسرون أيضا ما تعني هذه الأخبار للقراء الذين ليست لديهم نفس الخبرة. وكما ذكرت آنفا، أن مجموعة المهارات التي لدي مختلفة إلى حد ما، أستطيع أن أقدم مزيدا من النص حول الآيديولوجية والتاريخ والبيئة السياسية التي تعمل الجماعات الإرهابية فيها. ولفهم مشكلة مثل «القاعدة»، تحتاج إلى أن يكون هناك أفراد لديهم مهارات مختلفة في تقصي المشكلة.

* بصفتك صحافيا ومحللا يتعامل في الغالب مع مواضيع ومعلومات حساسة، هل شعرت من قبل وكأنك تحت مراقبة من مكتب التحقيقات الفيدرالي أو أي جهة أمنية أخرى؟

- لا، لم أشعر بذلك.

* مع انتشار نطاق استخدام الإنترنت، هل تعتقد أن النسخ الورقية من الصحف تواجه تهديدا؟ وما هو رأيك في القرار المقترح بجعل النفاذ إلى جميع المحتوى الإخباري على الإنترنت مقابل رسوم يدفعها القراء؛ بدلا من نظام «مجانية المعلومات» الحالي؟

- نعم، بكل تأكيد. أعتقد أن هناك حاجة لتوافر حلول كثيرة. ففي أي دولة ديمقراطية، يعد النفاذ واسع النطاق للمعلومات أمرا مهما للغاية. يحتاج الأفراد إلى قدر كاف من المعرفة لإجراء تصويت على علم. أعتقد أننا سنرى مؤسسات خيرية كبرى تتحرك لدعم الصحف.

* تم الاكتشاف في الآونة الأخيرة أن واحدا من كل 10 خريجين من الجامعة لم يكونوا قادرين على العثور على وظائف داخل الولايات المتحدة، على الرغم من الحصول على درجات دراسية عالية مع مرتبة الشرف؛ بالإضافة إلى مئات الآلاف الذين يقبلون في الجامعات العام الحالي. ما نوع الدرجة العلمية اللازمة للعمل في صحيفة كبرى أو مؤسسة كبرى مثل «ويست بوينت» أو «نيو أميركا»، وما هي مدى أهمية الحصول على مثل هذه المؤهلات؟

- من الصعب الحصول على وظيفة في الولايات المتحدة، والتعليم مهم للغاية. أعتقد أن مهنة الصحافة هي مهنة فريدة تستطيع فيها مهاراتك أن تجعلك متقدما على منافس أفضل تعليما منك. لكن من الضروري للصحافيين أن يحصلوا على درجات علمية. فدرجات الدكتوراه مهمة في معظم الجامعات. وكما هو الحال في جميع مناحي الحياة، فإن قلة الحظ لا تضر أيضا.

* ما هو نوع الكتابة التي تفضلها شخصيا (على سبيل المثال، التحليلات الشاملة أو المقالات الاستقصائية أو التحقيقات أو الخيال)؟ هل هناك أي مجالات خاصة لا تزال تطمح الكتابة فيها؟

- أعتبر نفسي محللا؛ لذا هذا هو بؤرة تركيزي. أتمنى في المستقبل العمل في قضايا تركز على الصين أكثر من الإرهاب، لكنني أعتقد أنني سأظل أركز على العمل التحليلي.

* في رأيك، ما هي القصة الصحافية الأكثر نجاحا لك حتى الآن؟

- وثائق سنجار.

* هل من الممكن أن تصف لنا كيف تقضي أحد أيام العمل؟ على سبيل المثال، كيف يتم تصور القصص وحضور الاجتماعات والحصول على النسخة النهائية للنشر؟

- إنني محظوظ لأن لدي الكثير من الحرية. إننا نتعاون بشأن الأفكار، لكنني أقوم باختيار معظم مواضيعي. «نيو أميركا» مكان عظيم للعمل لأن هناك أفرادا أذكياء يعملون معك، لذا فهي بيئة مرحة حتى في الوقت الذي نفكر فيه بشأن القضايا الصعبة للغاية والمثيرة للمشكلات.

* أبرز مقالاته - طالبان ميدان التايمز؟

- معركة باكستان: المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية وإقليم الحدود الشمالية الغربية - لماذا تكون السيطرة على طالبان أمرا كبيرا؟

- قواعد الحرب - الأسير - معركة باكستان - اليمن على حافة الهاوية؟

- «القاعدة» في العراق ضعفت لكن لا تزال خطيرة - مطلوب: الجهاديون يتزوجون الأرامل (نيويورك تايمز) - الحاجة إلى توقعات صائبة في أفغانستان - محللون: مؤامرة ميدان التايمز قد تشير إلى تحول تكتيكي لدى الإرهابيين - التحقيق في علاقات المشتبه بهم في التفجيرات مع طالبان باكستان - دروس من أمن المساعدات في حروب الخليج في الداخل