كاندي كرولي.. مراسلة «سي إن إن» المخضرمة تخوض مغامرة صباح الأحد

شخصية قيادية بروح مرحة وذكاء حاد ونبرة صوتها لا تعلو على صوت الضيف

كاندي كرولي مراسلة «سي إن إن» المخضرمة تخوض مغامرة جديدة في برامج الأحد الأكثر مشاهدة (نيويورك تايمز)
TT

لم يعد يخفى على أحد طبيعة البرامج التي تحقق نجاحا على قنوات الكيبل هذه الأيام، فكثيرا ما تظهر على الشاشة رسوم غرافيك لافتة للأنظار وتتعالى الأصوات في محاولة لجذب انتباهنا. ويعمد مذيعو الربط إلى رفع أصواتهم والتحلي بمظهر أنيق والحديث على نحو بليغ. ويعد هذا النمط من المذيعين في زمرة المشاهير، وهم عبارة عن شخصيات يجري رسم صورتها بدقة على الهواء، وهي صورة قد لا تحمل أدنى صلة بشخصيتهم الحقيقية خلف الكاميرات. ورغم مقدرتهم المؤكدة على تقديم الأخبار، فإنهم يرون أن مهمتهم الرئيسية هي الإثارة، بناء على اعتقادهم بأن إلهاب مشاعر المشاهدين لا يقل أهمية عن مهمة إمدادهم بالأخبار. أما الضيوف، فإنهم إما يتعرضون للتعظيم وإما الهجوم، بناء على ميولهم الحزبية والجدول الزمني للبرنامج.

ولا يسمح لأي فقرة بالاستمرار لأكثر من بضع دقائق، سعيا إلى رفع ضغط الدم لدى الجميع.

اللافت أن محطة «سي إن إن» اختارت كاندي كرولي - التي لا تجسد مطلقا أيا من الصفات سالفة الذكر - للعمل كمذيعة في البرنامج الحواري الذي تعرضه القناة صباح الأحد.

تبلغ كرولي من العمر 61 عاما، وهي ليست ممن يحظون بجمال باهر، لكن الملاحظ أنها تدخل في نقاشات معقدة بنبرة تخلو بصورة واضحة من أي تحيز شخصي. ولا تعلو نبرة صوتها الباهت قط على نبرة صوت الضيف. ولا تعد كرولي من الشخصيات الشهيرة التي قد يقبل الناس عليها في الأماكن العامة لنيل توقيعها. وقد اتبعت كرولي نظاما غذائيا نباتيا طيلة 15 عاما وتمارس التأمل مرتين يوميا. وفي خضم عالم إعلامي يقدم المذيعون خلاله على مقاطعة المتحدثين باستمرار، تبدو كرولي كمذيعة تعمد إلى التقليل من حجم مكانتها وتحرص على عدم مقاطعة المتحدثين.

وتتمتع كرولي بحب زملائها داخل أروقة «سي إن إن»، وباحترام الدوائر الرسمية في واشنطن باعتبارها مراسلة سياسية مخضرمة تعمل بجد وتعرف طبيعة المعاونين لها جيدا. ويصفها أصدقاؤها وزملاؤها بأنها ذكية ومرحة. ومع ذلك، من المؤكد أن المحطة تقدم على مخاطرة بإسنادها برنامج «حالة الاتحاد» (ستيت أوف ذي يونيون) إلى كرولي.

ويراهن مسؤولو المحطة التنفيذيون على أن كرولي بمقدورها الاضطلاع بهذه المهمة.

المعروف أن كرولي شكلت جزءا من شاشات تلفزيوناتنا لأكثر من ربع قرن حتى الآن، في البداية كمراسلة لدى قناة «إن بي سي»، وكمراسلة لدى «سي إن إن» منذ عام 1987. حتى هذا العام، كانت بين صفوف الطاقم المعاون.

ولم يتوقف أي منا نحن المشاهدين قط لحساب عشرات الحملات الانتخابية الرئاسية والفضائح التي لا حصر لها والخطابات والمؤتمرات الصحافية المرتبطة بالكونغرس التي تولت تغطيتها. ولو كنا فعلنا ذلك، ربما كنا سنخمن أنها ليست قارئة للنشرة الإخبارية فحسب.

من جهتها، قالت ألكسندرا بيلوسي، التي تولت تغطية سباقين رئاسيين بجانب كرولي: «إنها أشبه بمرشد للمراسلين الآخرين. إنهم يتحدثون عن أمور لا يقرأها أحد - فما من أحد يقرأ مشاريع القوانين. لكن كاندي تفعل ذلك. إنها تقرأ كل هذه الأشياء، بل إنها تقرأ كل شيء. في الحافلة، يتوجه إليها الجميع ويسألونها: كاندي، ما الذي يتناوله هذا القانون؟».

ومع ذلك، لم تكن كرولي نجمة إعلامية، وطيلة عقود بدا وكأن أحدا لا يهتم برفع مكانتها لتصبح في مصاف النجوم. لذا، انتابها فزع عندما وجدت نفسها على رأس برنامج حواري صباح الأحد، لتصل بذلك إلى ذروة حياتها المهنية خلال العقد السابع من عمرها.

منذ عام مضى فحسب، لم تكن كرولي لتجرؤ على مجرد تخيل هذا الأمر. ولا ننسى أن هذه السيدة تعلق لافتة على مكتبها تحمل عبارة تختلف تماما عن العبارات التقليدية، حيث تقول: «الاختلاف الوحيد بين هذا المكان وسفينة (تايتانيك) أن الأخيرة كان بها فرقة موسيقية»، وبذلك يتضح أن التفاؤل ليس له مكان يذكر في حياة كرولي.

عندما تناولت المدونات الإعلامية التكهنات حول أن منصب مقدم برنامج «حالة الاتحاد» سيكون من نصيب كرولي بعدما أعلن جون كينغ رحيله عن البرنامج لتولي تقديم برنامج آخر في وقت الذروة في يناير (كانون الثاني)، كان التساؤل الذي دار في ذهن كرولي: «من اختلق هذا الخبر؟» وعندما كان يسألها البعض حول صحة الخبر، كانت توضح لهم أنه سبق أن جاءت لحظة على الجميع اعتقدوا أن هيلاري كلينتون ستخوض الانتخابات مع باراك أوباما على منصب نائب الرئيس، واستطردت كرولي قائلة: «ثم اتضح أنهم حتى لم يدرسوا هذه الاحتمالية! رغبت في تذكيرهم بهذا الموقف».

على مدار العامين الماضيين، عكفت كرولي بجدية على دراسة استراتيجية الخروج، وليس نيل وظيفة مذيعة ربط. وعن ذلك قالت: «لقد دارت حياتي برمتها حول ركوب الحافلة والخروج من الحافلة، وركوب الطائرة والخروج من الطائرة، ودخول الفندق والخروج من الفندق. في نهاية الأمر، تملكني شعور بأنني لا أرغب في الاستمرار على هذا النحو. وتساءلت حول ما سأفعله لاحقا».

إلا أنه كان يتعين على كرولي عدم الإفراط في التفكير في هذا الأمر، وخاصة أن هذه هي النصيحة التي تقدمها للشباب، حيث كثيرا ما تنصحهم بقولها: «لا تفرطوا في التخطيط، لأن أمرا أفضل بكثير ربما يكون في انتظاركم».

وبالفعل، لم تخطط كرولي لأي من المحطات التي شهدتها حياتها المهنية، لكن ذلك لا يعني أنه لم تكن لديها خطة. في الواقع، كانت لديها بالفعل خطة، حيث تتذكر أنه حينما تخرجت في راندولف ماكون ويمنز كوليدج عام 1970: «كنت في حالة حب شديدة لشاب. واعتقدت أنني سأتزوجه وأنتقل إلى كاليفورنيا وأنجب منه خمسة أبناء وأتولى كي قمصانه».

وتحدثت كرولي عن هذه الذكريات من داخل منزلها الذي يعج بتحف تخص أسرتها وقطع من الفن الآسيوي وتذكارات جمعتها خلال رحلاتها الصحافية.

في عملها، تتميز كرولي بشخصية دافئة وعذبة الحديث وتخلو من التكلف، فكثيرا ما تضحك من قلبها على المزحات التي تلقيها. وفي كل المواقف، تبدو مضطلعة بدور القيادة بروحها المرحة وذكائها الحاد.

عندما ساءت الأمور مع صديقها منذ أيام الدراسة الجامعية، انتقلت كرولي، وهي ابنة بائع أثاث في سانت لويس، إلى واشنطن برفقة صديقة لها. وأشارت إلى أنه «كلانا كان يجهل ما يمكننا فعله بدرجة ليسانس الآداب التي نحملها». في النهاية، نالت كرولي وظيفة المساعدة في كتابة نشرة صحافية في اتحاد تجاري يعمل في صناعة الكيماويات.

بدأت العمل كصحافية حرة لدى مجلة «الاتحاد الوطني للتعليم»، وفي سن الـ22 تزوجت منتجا تلفزيونيا. وانضمت كرولي للعمل لدى محطة إذاعية حيث تولت كتابة تقارير عن المرور والجريمة في فترتي الصباح والمساء.

بعد فترة عمل في محطة أخرى، انضمت إلى «إيه بي راديو نتورك» كمراسلة عامة. إلا أنها في غضون سنوات قلائل، أصبحت أما لطفلين. وعندما حصل زوجها على فرصة عمل في أيوا، تفرغت لرعاية أسرتها لمدة ست سنوات.

عندما بدأ طفلاها ارتياد الحضانة، عادت الأسرة إلى واشنطن، وأعاد «إيه بي راديو نتورك» توظيفها. وفي النهاية، أوكلت المحطة الإذاعية إلى كرولي مهمة تغطية أنباء البيت الأبيض، حيث اجتذبت انتباه مسؤولين تنفيذيين في «إن بي سي».

كان الرئيس رونالد ريغان قد فرغ من الاستعداد لنشر سفن حربية وأنهى لتوه خطابا حول وضع أميركا كدولة محبة للسلام عندما سألته كرولي: «كيف يظهر استعراضنا للقوة معارضتنا استخدامها؟» في اليوم التالي، تلقت مكالمة هاتفية تستفسر منها حول ما إذا كانت ترغب في العمل في التلفزيون.

وعن ذلك قالت: «في الواقع، لم أفكر قط في هذا الأمر. لقد كان يساورني شعور بالحسد تجاه العاملين في التلفزيون لأنهم لا يضطرون إلى حمل الكثير من الأشياء أثناء عملهم. أما أنا فكنت أحمل أعباء ثقيلة».

وبعد إجراء اختبار للكاميرا، جرى توظيفها. إلا أنه مع إقدام المحطة على إجراءات تخفيض عمالة بعد ذلك بعامين ونصف العام، مرت كرولي بفترة عصيبة. بحلول ذلك الوقت، كانت قد انفصلت عن زوجها. وتتذكر كرولي أنها في تلك الفترة كانت «مرعوبة لأنني لا أدري ما سيحل بي لاحقا. كنت في حاجة إلى المال».

وانضمت للعمل كصحافية حرة لحساب «سي إن إن»، وبعد عامين جرى تعيينها في المحطة بصورة كاملة. وداخل محطة إخبارية تعج بالحركة طيلة 24 ساعة، برز عمل كرولي لدقته وإتقانه.

وعن عملها، قال مولي بويل، صديق وزميل سابق لكرولي: «لقد تميزت بعقلية منطقية للغاية، لذا عندما كان يجري تكليفها بتغطية قضية ما، كانت قادرة على سبر أغوارها. ولأنها كاتبة رائعة، كانت أيضا قادرة على نقل جوهر القصة وشرحه على نحو ليس منطقيا فحسب، وإنما أيضا جذاب».

في مطلع تسعينات القرن الماضي، شرعت كرولي في تغطية أنباء كابيتول هيل. وبعد خمس سنوات، تمت ترقيتها إلى مراسلة سياسية وطنية.

خلال عملها، مرت عليها أيام طويلة ورحلات عبر مختلف أرجاء البلاد، في وقت كان ولداها يكبران بمفردهما بسبب انتقال والدهما إلى خارج الولايات المتحدة. وبالطبع، فإن الولدين، وبستر وجوناثان، البالغين من العمر حاليا 31 و30 عاما على الترتيب، يتذكران الآن القليل فقط من هذه الأيام، فهما يتذكران فقط خروجهما مع والدتهما لتناول العشاء وحرصها على حضور جميع مباريات كرة القدم التي كانا يشاركان فيها. وكانت كرولي تتمسك برفض البقاء بعيدا عن نجليها لأكثر من خمسة أيام متتالية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»