الإعلام الباكستاني يكشف فساد النخب السياسية في كارثة الفيضانات

نواب البرلمان والمجالس المحلية فروا من المناطق المنكوبة التي غمرتها المياه

الصحف والتلفزيونات الباكستانية كشفت سقطة الساسة
TT

حملت صحيفة «ذا دون» (الفجر) أوسع الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية انتشارا، خبرا في صفحاتها الداخلية نقلا عن سياسيين باكستانيين اتهموا فيه وسائل الإعلام بإدارة حملة ممنهجة تهدف إلى تشويه القيادة السياسية في البلاد خاصة نواب البرلمان، الذين اتهمتهم الصحافة المحلية بالتخلي عن أدوارهم في جهود الإغاثة في مواجهة الفيضانات التي أصابت البلاد.

وشكا قادة الأحزاب السياسية من التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام الأسبوعين الماضيين عن احتجاجات ومظاهرات منكوبي الفيضانات لتخلي نواب البرلمان الباكستاني المنتخبين عن مساعدتهم، وتوزيع السياسيين مواد الإغاثة على ذويهم والمقربين إليهم.

إلى هذا الحد يمكن أن تكون شكاوى السياسيين الباكستانيين ضد وسائل الإعلام صحيحة، لكن الصحف الباكستانية والقنوات الإخبارية أذاعت برامج وتقارير خاصة تظهر لا مبالاة النواب والسياسيين البارزين تجاه كارثة الفيضانات.

فعرضت قناة «اليوم» الإخبارية تقريرا على مدى ساعة خلال الأسبوع الثاني من الفيضانات حول الضحايا، تحدث فيه مراسل القناة الذي وقف وسط مياه الفيضانات في مدينة مظفرغاره عن فرار المسؤولين من المناطق المنكوبة التي أوصلتهم إلى البرلمان والتي تغمرها الفيضانات التي تسببت في العديد من المشكلات للسكان.

ذكر المراسل وخلال التقرير كل أعضاء البرلمان الباكستاني والمجالس المحلية في مظفرغاره واتهمهم بالتخلي عن دوائرهم الانتخابية في أوقات الأزمة حيث يفترض أن يكونوا. مثل هذا البرنامج والانتقادات التي توجه إلى السياسيين والنواب المنتخبين أضحت عرفا في وسائل الإعلام التي تنقل أنباء الفيضانات في باكستان.

من المفارقة أن وسائل الإعلام كانت حادة في انتقادها تجاهل السياسيين لمناطق الكوارث، مع المراحل الأولى للفيضانات التي بدأت الأسبوع الأخير من يوليو (تموز). فعندما بدأت أنباء الفيضانات تتصدر عناوين الصحف الباكستانية والقنوات الإلكترونية، تعرض الرئيس آصف علي زرداري إلى انتقادات حادة من المعارضة الباكستانية على قيامه بـ «جولة ترفيهية» في وقت غمرت فيه مياه الفيضانات جزءا من البلاد.

وطالب زعماء المعارضة السياسية في البلاد الرئيس زرداري بقطع إجازته القصيرة والعودة إلى البلاد للتعامل مع أسوأ فيضانات تشهدها باكستان خلال 100 عام من تاريخ المنطقة، والتي راح ضحيتها 1.500 شخص وتم تشريد أكثر من مليون آخرين في إقليم خيبر بوخنتخاوا (إقليم الحدود الشمالية الغربية سابقا) خلال الأسبوع الأول من الفيضانات. وانضمت وسائل الإعلام إلى المعارضة السياسية فيما بعد، ففي اليوم الأول لزيارة الرئيس زرداري لباريس أذاعت قناة «جيو تليفيشن» برنامجا خاصا حول كيفية إصابة باكستانية بصورة متزامنة بعدد من الأزمات والسبب وراء ذلك هو قيام الرئيس بجولة إلى العواصم الأوروبية في مثل هذه الأوضاع الحرجة. وخلال البرنامج الذي عرضته القناة على مدار ساعة واصلت عرض صور الرئيس آصف على زرداري وهو يصافح مبتسما الرئيس الفرنسي وصور عويل وبكاء ضحايا الفيضانات في شمال غرب البلاد.

ويرى صحافي ومحلل باكستاني بارز في إسلام آباد أن الحملة الإعلامية حققت أثرا إيجابيا على الرئيس، فيقول الصحافي الذي اشترط عدم ذكر اسمه: «بعد العودة من جولته الأوروبية قضى الرئيس أغلب وقته بين منكوبي الفيضانات أو في ترؤس الاجتماعات العليا لتخطيط وتنسيق جهود الإغاثة».

بيد أن الصحف الباكستانية لم تتوقف عن هذا الحد، فقد نشرت الصحف الباكستانية سلسلة من التحقيقات الحصرية لمراسليها عن زيارة رئيس الوزراء يوسف رضا غيلاني لمعسكر إغاثة وهمي في المناطق التي ضربتها الفيضانات. وقالت التقارير الصحافية إنه في كلا الزيارتين اللتين قام بهما غيلاني تمت إقامة المعسكرات قبل ساعات من الزيارة لمنحه الفرصة لالتقاط الصور مع العائلات المنكوبة الذين أحضرتهم الحكومة المحلية إلى مكان معسكر الإغاثة الوهمي.

على الرغم من حصول الحملة الإعلامية ضد الحكومة على زخم شعبي كبير في الشارع الباكستاني، فإن وسائل الإعلام لقيت انتقادات من داخلها. فيرى المراسل السياسي الباكستاني البارز في صحيفة «ذا دون»، أمير وسيم، في مقابلة أجراها معه مراسل «الشرق الأوسط» أن وسائل الإعلام تعاملت بشكل غير منصف تجاه النخبة السياسية الباكستانية، وقال: «أنا أعرف الكثير من نواب البرلمان الذين لم يغادروا المناطق المنكوبة خلال الأزمة، لكني لم أر صحيفة أو قناة إخبارية تتحدث عن ذلك».

في المقابل حفلت معظم وسائل الإعلام الباكستانية بالثناء على القوات المسلحة خاصة الجيش الباكستاني على ما بذلوه من جهود والشجاعة في إنقاذ العائلات في المناطق المتضررة من الفيضانات. المثير للدهشة أن بعض المحطات التلفزيونية مثل «جيو تليفيشن» أنتجت بعض الأغنيات التي تثني على الجيش وقيادته لدوره في مساعدة المنكوبين.

ويضيف أمير: «هذا غير مفهوم على الإطلاق، كيف يمكنك مقارنة ما يقوم به الجيش بعمل السياسيين، فلا يعقل أن يتدلى سياسي من مروحية لإنقاذ متضرر من الفيضانات. من ناحية أخرى فإن رجال الجيش مدربون على هذا النوع من العمل، أما السياسيون فهم يخططون وينسقون جهود الإغاثة».

من ناحية أخرى سيطر توجه إبراز القصص الإنسانية في الصحف الباكستانية والقنوات الإخبارية طوال فترة الفيضانات. ففي الأسبوع الماضي أذاعت قناة «جيو تليفيشن» قصة زوجين شابين في إقليم السند الجنوبي غمرت مياه الفيضانات منزل العروس في كشمور، مدينة صغيرة في إقليم السند. حيث تقام حفلة العرس. وبدلا من الاحتفال بحفل زفافها مع صديقاتها أظهرت الصور العروس وهي تنقل والديها إلى الأمان على سطح منزلها.

برز تجاه آخر في وسائل الإعلام الباكستانية يظهر النواب المنتخبين والمسؤولين الحكوميين في صورة سلبية عبر محاولة الصحافيين والمعلقين البارزين في القنوات الإخبارية الوصول إلى المناطق التي لم تصل إليها الحكومة، فعرضت بعض القنوات التلفزيونية صورا لمراسليها في المناطق النائية في البلاد حيث فشلت الآلية الحكومية في تقديم مواد الإغاثة مثل الغذاء والدواء.

كان وزير الإعلام الباكستاني يقوم بمناشدات للمجتمع الدولي لإعارة بلاده مروحيات كي تتمكن من الوصول إلى المناطق النائية في البلاد لتقديم جهود الإغاثة. وقد ظهر الحرج على المذيعين في التلفزيون الحكومي مثل حميد مير ونسيم زهرا، حيث كانا يضطران إلى زيارة نفس المناطق النائية من البلاد.

ويقول أحد مذيعي الأخبار في قناة «جيو تليفيشن»: «إذا كان مذيعونا ومراسلونا قادرين على الوصول إلى المناطق النائية، لماذا لا تستطيع الحكومة الوصول إلى هذه المناطق وتقدم الأغذية والدواء للمنكوبين».

منذ بداية الفيضان في 28 يوليو (تموز) كانت كل القنوات الإخبارية تتابع مسار الفيضانات، والتي بدأت مسارها من الجبال في مناطق الشمال الغربي وخلال الأسبوعين التاليين وصلت جنوب البلاد محدثة الدمار والخراب في المناطق التي مرت بها. ويقول فسيح الرحمن مدير مكتب إسلام آباد لقناة «دنيا» الإخبارية: «قمنا بتغطية مسار الفيضان من الشمال إلى الجنوب وأعلمنا الشعب الباكستاني بالقصة كاملة».

لم تتخلف الصحف الباكستانية عن القنوات الإخبارية في نقل كل ملامح الموقف بشأن الفيضان، فقدمت تقارير مفصلة حول نقص الغذاء وحال المشردين وتهرب السياسيين من جهود الإغاثة والموقف بشأن المساعدات الدولية.

صحيح أن الصحف الباكستانية كانت أكثر اعتدالا في انتقاداتها للآلية الحكومية مقارنة بالقنوات الإخبارية، لكن الانتقادات الموجهة للنخبة السياسية والحكومية على فشلها في مواجهة الأزمة لم تغب تماما. ففي الثاني والعشرين من أغسطس (آب) حملت صحيفة «ذا دون» الباكستانية مقالا عن فساد النخبة السياسية الباكستانية في ضوء المزاعم المنتشرة بأن السدود المقامة على نهر إندوس تم تدميرها عمدا لحماية الأراضي الزراعية لبعض سياسيي الحزب الحاكم. وتعتبر صحيفة «ذا دون» أكثر الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية اعتدالا ومحافظة وكتاباتها بشأن هذه الاتهامات الخطيرة تلقى صدى واسعا.

ويعتقد معظم خبراء الإعلام أن الموقف العدائي الذي أظهرته وسائل الإعلام خلال الأيام الأخيرة مؤشر على الصورة العامة السلبية للنخبة السياسية والحكومية، وهو ما أجبر بدوره المؤسسات الإعلامية على انتقاد النخبة السياسية والحكومية بقوة، لجذب المزيد من المشاهدين.