جدل حول امتلاك «واشنطن بوست» كليات جامعية ومحطات كيبل تلفزيونية

الصحف الكبرى تلتزم بالشفافية ولديها سياسات في صالة التحرير ترمي للحيلولة دون تنازع المصالح

المطالبة بالشفافية في مرحلة يسود فيها الشك حول نزاهة وسائل الإعلام (أ.ف.ب)
TT

عندما بدأت تظهر مقالات وقصص إخبارية حول تحقيق حكومي أماط اللثام عن حالات احتيال في 15 من الكليات الهادفة للربح، في وقت مبكر من هذا الشهر، قام القارئ بوب فيسكو بالبحث على موقع «واشنطن بوست» وعندما لم يجد شيئا عن الموضوع، أرسل رسالة غاضبة فورا عبر البريد الإلكتروني إلى الصحيفة.

وكتب فيسكو في رسالته: كان يجب أن تكون «واشنطن بوست» في «مقدمة من تناول هذه القصص والمقالات»، وذلك لأن إحدى الكليات التي وردت في التحقيق هي جامعة كابلان، التي تعود ملكيتها لشركة «واشنطن بوست» الأم.

وقد كان فيسكو، وهو مستشار بمجال التسويق من منطقة ريتشموند وأحد عملائه منافس لجامعة كابلان، على خطأ، فقد التزمت «واشنطن بوست» بمبادئ المنافسة وكشفت باستمرار عن صلتها بجامعة كابلان.

ولكن رد فعل فيسكو العفوي كان مفهوما – ومتكررا - في هذه الحقبة من الزمن التي يسودها الشك حول نزاهة وسائل الإعلام، فكثيرا ما أسمع من القراء عن تشككهم في إخفاء «واشنطن بوست» لمصالحها الخاصة. وإذا نشرت قصة على محطات الكيبل ولم تتضمن الإشارة إلى أن شركة «واشنطن بوست» الأم تمتلك قسما خاصا بصناعة محطات الكيبل، يشرع القراء على الفور في الكتابة عن ذلك، وإذا كتب كاتب عمود مقالا عن المحطات التابعة لشبكة التلفزيون ولم يذكر أن شركة «واشنطن بوست» تمتلك عددا قليلا من المحطات، يقومون بالاتصال للتنبيه إلى ذلك.

ولكن «واشنطن بوست» لديها سياسات في صالة التحرير ترمي للحيلولة دون تنازع المصالح التي يمكن أن تلحق الضرر بثقة قرائها بها. على سبيل المثال، يجب على كل العاملين الذين يكتبون عن الأعمال التجارية والمالية أن يكشفوا بشكل دوري عن ممتلكاتهم واستثماراتهم حتى يتمكن المحررون من تجنب تنازع المصالح عند قيام كتاب الصحيفة بمهام التغطية. وفي بحث عشوائي على 6 من هؤلاء الصحافيين والمحررين، أكدوا جميعا أنهم يطلب منهم وبشكل منتظم الكشف عن هذه المعلومات.

وأضاف الموقع الداخلي لصالة التحرير بـ«واشنطن بوست» قائمة بالشركات التابعة للشركة الأم، جنبا إلى جنب مع أسماء وانتماءات الأعمال الرئيسية لمديريها. وكانت التعليمات واضحة: «عندما نكتب عن شيء يمكن أن يؤثر، سلبا أو إيجابا، على واحدة من تلك المصالح، ينبغي أن نلتزم بالشفافية إلى أقصى حد ممكن، وخاصة فيما يتعلق بالكشف عن تلك الصلات».

وورد مثال على ذلك في القصة الرئيسية لعدد الصحيفة الصادر الخميس التي تناولت خططا لعرض أسهم على الجمهور من قبل شركة «جنرال موتورز»، فقد أشار المقال إلى أن إدارة الرئيس أوباما قد أجبرت الرئيس التنفيذي لـ«جنرال موتورز» جي ريتشارد واغونر على الاستقالة» وهو الآن عضو مجلس إدارة شركة «واشنطن بوست».

وفي هذا السياق، يقول نائب رئيس تحرير الأخبار الاقتصادية آلان سيبريس: «لقد اضطررنا للخروج عن السياق قليلا لكي نذكر اسمه في القصة حتى نتمكن من الكشف عن أنه في مجلس إدارة الشركة».

وقائمة شركات ومصالح «واشنطن بوست» كبيرة للغاية، وعلاقاتها معقدة. وإذا تحدث خبر عن الاستثمارات العملاقة لشركة «بيركشاير هاثاواي» أو رئيسها التنفيذي وارن إي. بافت، فلا بد أن تتم الإشارة إلى أنه عضو في مجلس إدارة شركة «واشنطن بوست». وبالمثل، فالقصص التي تنشر عن الفيس بوك يجب أن تشير إلى أن مجلس إدارتها يضم رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «واشنطن بوست»، دونالد إي غراهام. وأي قصة تنشر عن «ليفنغ سوشيل»، والشبكة الاجتماعية الموجهة نحو المستهلكين التي يديرها تيم أوشوغانيسي، يجب الإشارة إلى أنه شقيق زوجة غراهام.

وبالإضافة إلى البحث والتحقيق، قمت بمراجعة المقالات التي نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» على مدار السنتين الماضيتين والتي ذكرت بوضوح أيا من المديرين الـ11 للشركة الأم، وقد وجدت أن الصحيفة، مع استثناءات قليلة، كانت تكشف عن الصلة بين المدير والصحيفة.

وبالمثل، فقد صدرت تعليمات لصالة التحرير أن تشير إلى ارتباط الملكية في مقالات عن مجلة «سليت» ومجموعة متنوعة من المواقع الأخرى التي تديرها شركة «واشنطن بوست» على الإنترنت. والشيء نفسه ينطبق على منشورات «واشنطن بوست» التي تملكها مثل مجلة «فورين بولسي»، صحيفة «ديلي إكسبريس» وجريدة «إل تيمبو لاتيني» التي تصدر باللغة الإسبانية وعدد من الصحف المحلية التي تغطي منطقة واشنطن.

ولكن الكشف عن ملكية شركة «واشنطن بوست» لجامعة كابلان أمر بالغ الحساسية لما للجامعة من أهمية كبرى، لأن جامعة كابلان، التي تقدم التعليم العالي، والإعداد للاختبارات وخدمات التدريب المهني، أسهمت بـ62% من إجمالي إيرادات شركة «واشنطن بوست» في الربع الثاني من العام. ومن المتوقع أن تصبح وحدة التعليم العالي بالجامعة محل تدقيق من جانب الحكومة حاليا وموضوع إجراءات مقترحة في عناوين الأخبار لعدة أشهر مقبلة.

ويقول إميليو غارسيا لرويز، المسؤول عن الأخبار المحلية التي تعد التقارير الخاصة بالتعليم: «سوف نعطي كابلان نفس المستوى من التمحيص الذي نعطيه لباقي صناعة التعليم».

وكان كاتب العمود الاقتصادي ستيفن بيرلشتاين ملتزما بالشفافية على نحو مثير للإعجاب عندما كتب مؤخرا عن أهمية كابلان في «واشنطن بوست». وأشار إلى أن أرباح كابلان ساعدت في تعويض الخسائر التشغيلية للصحيفة، وأنه على الرغم من «أننا في صالة التحرير لا علاقة لنا بكابلان، فإننا جميعا استفدنا من نجاحها المالي». وقطعا، يقدر القراء هذا النوع من الصراحة.

لقد انتقدت «واشنطن بوست» في كثير من الأحيان بسبب عدم تحقيق الشفافية بدرجة كافية في كل شيء من الإعلان عن مصادر الأخبار إلى رفضها مشاركة القراء سياساتها الأخلاقية، لكن فيما يتعلق بالتزامها بالكشف عن مصالحها الذاتية وتنازع المصالح فإنها تستحق الثناء.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»