أكبر صحف أميركا تخسر.. وتتأرجح بين النزاهة الصحافية والإعلانات

رئيس تحرير«يو إس إيه توداي»: يجب أن يذهب الصحافيون إلى حيث القراء.. وعلينا نقل «المحتوى» إلى «آي باد» و«آي فون»

تواجه صحيفة «يو إس إيه توداي» الأميركية مشكلات اقتصادية مع استمرار قلة الاقبال من قبل الأميركيين على الصحافة الورقية
TT

مع استمرار قلة الإقبال على الصحف المطبوعة في الولايات المتحدة بسبب زيادة استعمال الإنترنت والأجهزة الإلكترونية المتطورة، تواجه صحف أميركية رئيسية مشكلات اقتصادية تجعلها تتأرجح بين النزاهة الصحافية والعائد الاقتصادي من الإعلانات. وفي الأسبوع الماضي، واجهت صحيفة «يو إس إيه توداي» هذه المشكلة. واضطر رئيس تحريرها إلى أن يكرر أن إغراء الإعلانات لن يكون على حساب النزاهة الصحافية.

بعد قرابة 30 سنة كظاهرة جديدة في الصحافة الأميركية، ظاهرة الصحيفة اليومية التي تطبع كل صباح بالأقمار الفضائية، في عشرات المدن الأميركية، وتوزع في نفس اليوم في منازل وفنادق ومطارات وأسواق، أعلنت «يو إس إيه توداي» دخول مرحلة جديدة، وهي التركيز على الإنترنت والهاتف الجوال أكثر من الصحيفة المطبوعة.

عندما صدرت أول مرة، كانت أول صحيفة يومية ملونة، وبحجم أصغر، وبأجزاء متعددة، وبأخبار قصيرة.

لكن، في الأسبوع الماضي، دفع 130 صحافيا وعاملا (نسبة 10 في المائة من جملة الصحافيين والعاملين) ثمن هذا التحول بأن فقدوا وظائفهم حسب بيان وزعته مجموعة شركات «غانيت» التي تملك الصحيفة.

وقال ديفيد هانكي، ناشر الصحيفة: «يجب أن أقول إن هذا تحول جذري في تاريخ صحيفتنا. وكان يجب الاستعداد لربع القرن المقبل».

وفي تقرير عن هذه التغييرات نشرته الصحيفة نفسها، قالت إن تخفيض عدد الصحافيين والعاملين لم يكن أول مرة، وإن الصحيفة ليست أول صحيفة تفعل ذلك.

وأشار التقرير إلى أن كثيرا من الصحف الأميركية الرئيسية، مثل «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» خفضت، خلال السنوات القليلة الماضية، «نسبا غير قليلة من الصحافيين والعاملين فيها».

حسب التغييرات الجديدة، ستخفض أقسام الصحيفة إلى 4 أقسام منفصلة: أخبار، ورياضة، ومال، وحياة يومية. وستلغى وظائف «رئيس تحرير» لكل قسم. وسيشرف على كل الأقسام رئيس التحرير مباشرة بالتعاون مع رئيس كل قسم. في الماضي، كان كل قسم وكأنه صحيفة قائمة بذاتها. وكان كل قسم يشرف على طباعة الجزء الخاص به إشرافا مباشرا.

وحسب التغييرات، بعد أن كانت هيئة التحرير منقسمة إلى هذه الأقسام، ستكون هناك قاعة واحدة واسعة لكل الصحافيين، ويعمل كل صحافي تحت رئيس قسمه الذي سيسمى «كونتنت» (محتوى)، إشارة إلى أن التركيز سيكون على المواضيع، لا على أقسام الصحيفة. سبب هذه التسمية الجديدة هو أن المواضيع ستذهب، أيضا، إلى الإنترنت والهواتف الجوالة ووسائل إلكترونية أخرى مثل «آي باد» و«آي بود».

وقال التقرير إن جون هيلكيرك، رئيس تحرير الصحيفة، سيظل في منصبه، غير أنه سيشرف «مباشرة» على كل الأقسام، بعد أن كان يعتمد على «رئيس تحرير» لكل قسم. في نفس الوقت، عينت سوزان وايز، التي كانت «رئيسة تحرير» قسم الحياة اليومية في وظيفة «منسقة» بين رئيس التحرير ورؤساء الأقسام.

وشرح التقرير وصف «كونتنت» (محتوى)، وقال إنه يعني «التركيز أقل على الصحيفة المطبوعة، وأكثر على المحتوى. سيكون المحتوى هو هدفنا، وليس نشر خبر معين في صفحة معينة. سيكون جمع الأخبار وتوزيعها هو الأهم، مهما كانت وسائل التوزيع».

ولاحظ خبراء إعلام في واشنطن أن التغييرات الجديدة مالت أكثر نحو الجانب الاقتصادي بهدف تحقيق أرباح، ليس فقط في الصحيفة المطبوعة، ولكن، أيضا، في وسائل النشر الإلكترونية الأخرى. وأن من علامات ذلك تأسيس وظيفة جديدة في مجموعة شركات «غانيت» التي تطبع الصحيفة هي وظيفة «نائب الرئيس للتطوير الاقتصادي» واختير لها رود ديفز، مؤسس شركة «بي إن كيو تي» الإلكترونية التي تعمل في المجال الرياضي، ونجحت في كسب إعلانات إلكترونية كثيرة.

قبل ثلاث سنوات، اشترت مجموعة «غانيت» شركة «بي إن كيو تي»، واحتفظ ديفز بوظيفته مسؤولا عنها.

ويتوقع أن يركز ديفز في وظيفته الجديدة على الاستفادة من «محتوى» (جملة الأخبار) التي يجمعها صحافيو الصحيفة. وعلى توزيعها على وسائل إلكترونية متعددة. وعلى جمع إعلانات لترافقها.

وحسب تقرير صحيفة «يو إس إيه توداي»: «نحن ندخل عصرا جديدا يعتمد على التوفيق بين (المحتوى) والبيع. جمع الأخبار في المحتوى، ثم بيعها عبر وسائل متعددة».

وفي مقابلة أجرتها وكالة «أسوشييتد برس» مع جون هيلكيرك، رئيس تحرير الصحيفة، نفى أن تكون التغييرات الجديدة تقلل من حجم العمل الصحافي المهني. وأيضا، نفى أن تهمل الجانب الصحافي على حساب الجانب الاقتصادي. وأيضا، نفى أنها ستكون «على حساب التعديل الأول في الدستور الأميركي». هذه إشارة إلى تأثير المصالح الاقتصادية على الحرية الصحافية. وخاصة في مجال التحقيقات الصحافية التي ربما ستحرج شركة أو مؤسسة تربطها مصالح اقتصادية مع مجموعة شركات «غانيت».

وقال رئيس التحرير: «لن نتنازل أبدا عن نزاهتنا. لكن لا مانع من وضع استراتيجيات للتعاون مع شركات الإعلانات».

وأضاف «أقول بصراحة: إذا نجحنا في هذه الاستراتيجية الإعلانية، سيكون المستقبل زاهرا، وسنقدر على الاستمرار في العمل الصحافي».

وأضاف «يجب أن يذهب الصحافيون إلى حيث القراء. وإذا صار القراء يعتمدون أكثر على (آي باد) أو (آي فون)، يجب أن نكون داخل مثل هذه الأجهزة الإلكترونية الجديدة. يجب أن ننقل المحتوى إلى حيث هم، وبالوسيلة التي يفضلونها، وفي الوقت الذي يناسبهم».

وقالت وكالة «أسوشييتد برس»: «رغم أن الصحيفة المطبوعة تحقق أرباحا، تريد الشركة أن تبيع (المحتوى) إلى المشتركين والمعلنين في وسائل إعلامية أخرى».

وأشار مراقبون في واشنطن إلى أرقام نشرت مؤخرا، أوضحت أن مبيعات الصحيفة انخفضت خلال الثلاث سنوات الماضية من مليونين ونصف المليون نسخة إلى أقل من مليوني نسخة في اليوم.

قبل ثلاث سنوات، كانت الصحيفة هي الأولى في التوزيع وسط الصحف الأميركية. لكن، في الوقت الحالي، صارت صحيفة «وول ستريت جورنال» هي الأولى، بتوزيع يومي يزيد قليلا على مليوني نسخة.

وحسب هذه الأرقام، أيضا انخفضت عائدات الإعلان في صحيفة «يو إس إيه توداي». قبل ثلاث سنوات، باعت أكثر من ألف صفحة إعلانات خلال فترة 3 أشهر. لكن، خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، باعت 600 صفحة فقط.

وأيضا، انعكست قلة الإقبال على أسهم مجموعة «غانيت» في «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك). قبل 3 سنوات كان سعر السهم 55 دولارا. وفي الأسبوع الماضي كان 12 دولارا فقط.

لهذا، تعتبر مجموعة «غانيت» صحيفة «يو إس إيه توداي»، أكبر صحفها، مخرجها الرئيسي من هذه الضائقة الاقتصادية (تملك المجموعة أكثر من 80 صحيفة يومية، تواجه أيضا انخفاضات كبيرة في التوزيع).