تنافس بين أجهزة الإعلام الآسيوية على سوق الإعلان الإسلامي

الشركات العالمية تبذل جهودا لجذب المستهلك المسلم.. والحملة تزداد نشاطا في رمضان

TT

تتناثر موجات كثيفة من الشعر فوق كتف امرأة. إنها تعطي حركات جميلة لخصلات الشعر وتخبر المشاهدين أنهم يمكنهم أيضا الحصول على مثل هذا الشعر الجميل، إذا ما اشتروا الشامبو التي تحمله بيدها أمام الكاميرا. هذا هو سيناريو الإعلان التجاري العادي الخاص بالشامبو. أنتقل إلى الفقرة الإعلانية للإعلان عن شامبو «صنسيلك لايفلي كلين آند فريش». نجمة هذا الإعلان هي شابة باسمة وصغيرة في السن، لكن لا توجد أي خصلات شعر واضحة في الإعلان، حيث إن خصلات الشعر مغطاة تماما بالـ«تودونغ»، وهو غطاء للرأس أشبه بالبرقع، ترتديه كثير من المسلمات في ماليزيا.

يساعد «لايفلي كلين آند فريش» على إزالة الدهون الزائدة من فروة الرأس والشعر، وهي المشكلة الشائعة التي تواجه مرتديات «التودونغ»، وفقا لما ذكرته الشركة المصنعة «يونيليفر». وتقول الشركة إن هذا المنتج هو النوع الأول من الشامبو الذي يتحدث مباشرة عن «نمط حياة المحجبات».

وعلى مدار عقود، أخفقت كثير من الشركات الغربية في تقدير الحاجات الفريدة للمستهلكين المسلمين، حسبما يقول خبراء التسويق. والأسوأ من ذلك هو أن بعض الشركات أساءت إلى بعض المستهلكين المحتملين بعدم تفهمها للحساسيات الدينية. لكن في الوقت الذي زاد فيه السكان المسلمين عددا وثراء، حيث إنه يوجد الآن 1.57 مليار مسلم حول العالم، تسعى مزيد من الشركات الدولية إلى الدخول إلى هذه السوق.

وبدلا من استيراد المنتجات والإعلان من الغرب، تطلق الشركات بصورة متزايدة حملات تسويقية مع تواجد المسلمين بقوة في الصورة. ويقول بعض الخبراء إن «التسويق الإسلامي» هو الموجة التالية في العلامات التجارية، ويزداد النشاط الآن مع بدء شهر رمضان المبارك.

وقال بول تيمبورال، الباحث المشارك في مدرسة الأعمال بجامعة أكسفورد: «على مدار السنوات القليلة الماضية، كانت هذه الموجة هي الصين والهند. والسوق الكبيرة التالية هي السوق الإسلامية. هناك مجموعة ضخمة من الناس لم يتطرق إليهم أحد نسبيا، من حيث ما يريدونه وما يحتاجون إليه، ويمثلون فرصة هائلة».

وكان جون غولدمان، المدير الإقليمي بشركة «أوجيلفي آند ماذر» في جنوب وجنوب شرقي آسيا، أكثر صراحة، حيث قال: «إن الأمر يشبه أن تكون في تسعينات القرن الماضي، وتخبر الناس أن الصين ليست مهمة. كان من الممكن أن تقول ذلك قبل عشرين عاما، لكن إذا قلته الآن فإنك إذن أحمق».

ومع انتشار الدول التي يوجد بها أغلبية مسلمة من جنوب شرقي آسيا إلى أفريقيا، ومع تحدث المسلمين الكثير من اللغات وتمسكهم بالمعايير المتباينة للزي وغيره من العادات، فإن الاقتراب من هذه المجموعة باعتبارهم مستهلكين من الممكن أن يكون معقدا. لكن مع جميع ممارسات التسويق، فالقاعدة الأولى هي تجنب الإساءة.

وارتكبت شركة «نايكي» خطأ شنيعا عندما أطلقت أحذية رياضية عام 1996، مع وجود شعار على النعل اعتقد بعض المسلمين أنه يشبه هجاء لفظ الجلالة (الله). وقال غودمان، الذي اعتنق الإسلام عام 1999، إنه بالنظر إلى أن المسلمين يعتبرون أن القدم غير نظيفة، فإن «إنتاج أحذية مع وجود لفظ الجلالة على نعالها لا يعد فكرة جيدة. وسحبت الشركة 800 ألف زوج من هذه الأحذية على مستوى العالم». وقال غودمان، الذي وصف حادثة «نايكي» بأنها «دعوة للاستيقاظ» للشركات، إن هذه الحادثة كانت بمثابة نقطة تحول لجماعات التأييد المسلمة، التي أدركت أنه «إذا ما فعلت ضجيجا، فإن الشركات ستنصت وستتغير، إذا كان لديهم تأثير اقتصادي واجتماعي».

وتقول شركة «يونيليفر» إن شامبو «صنسيلك لايفلي كلين آند فريش»، الذي يباع في ماليزيا وسنغافورة، جرى تصنيعه للأفراد الذين يعانون من فروة الرأس الدهنية بعد ارتداء غطاء الرأس، سواء كان ذلك قبعة البيسبول أو الحجاب. وبعدما أظهر قسم الأبحاث بالشركة أن كثيرا من السيدات اللاتي يرتدين التودونغ أو الحجاب اشتكوا من فروة الرأس الدهنية، قدمت الإعلان التجاري التلفزيوني الموجه إليهم.

يبدأ الإعلان بشابة تقول إنها الآن تستطيع القيام بما تريد، لأنها لم تعد تشعر بالقلق بشأن الحكة، قبل أن تذهب لتركل الكرة في مباراة كرة قدم مختلطة. وتتخذ شركات أخرى خطوات لطمأنة المستهلكين بأن جميع منتجاتها، ليس فقط الأغذية، حلال، أي مسموح بها في ظل الشريعة الإسلامية، عن طريق الحصول على الاعتماد الرسمي لها.

وتدعي شركة «كولغيت - بالموليف»، على سبيل المثال، بأنها الشركة الدولية الأولى التي حصلت على شهادة «حلال» في ماليزيا لمنتج معجون الأسنان، ومنتجات غسول الفم التي تقدمها. وقد تحتوي بعض منتجات غسول الفم على الكحول، الذي يعد محرما في ظل شروط المنتجات الحلال.

وتحمل منتجات شركة «كولغيت» الآن شعار «حلال»، الذي يظهر في الإعلانات التلفزيونية للشركة. كما بدأت صناعة الهاتف الجوال هي الأخرى التركيز على المستهلكين المسلمين، مع تقديم عدد من التطبيقات، بما فيها التقويمات الدينية والقرآن.

وبذلت شركة «نوكيا» جهدا متضافرا لجذب المسلمين بداية من عام 2007، عندما قدمت هاتفا لأسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحتوي على عدد من التطبيقات، بما فيها المنظم الإسلامي مع منبهات للصلوات الخمس، واثنان من الكتب الإسلامية الإلكترونية، وتطبيق البطاقات الإلكترونية التي تتيح للأفراد إرسال بطاقات التهنئة بشهر رمضان عبر الرسائل القصيرة. وبداية من العام الحالي، تتيح الشركة للمستهلكين اختيار التطبيقات التي يريدونها، بدلا من تحميلها جميعا على الهاتف.

وقال غولدمان، الذي أتمت شركته في الآونة الأخيرة دراسة حول المستهلكين المسلمين في ماليزيا ومصر وباكستان والمملكة العربية السعودية، وأصدرت مؤشرا رئيسيا حول جاذبية علامات تجارية معينة بالنسبة إلى المسلمين، إن شركة «نوكيا» تعد شركة مفضلة لدى المسلمين. وقال أحد المستجيبين للدراسة من مصر إن «نوكيا» لديها «قيم إسلامية»، وتقدم منتجات تناسب المستهلك المصري.

وقال غولدمان: «ينظر إلى نوكيا على أنها مواطن جيد للغاية، وحساسة للغاية للسوق المحلية». وأصبح المستهلكون المسلمون على نحو متزايد في بؤرة تركيز الأبحاث بالنسبة إلى صناعة التسويق والأكاديميين. واجتذب مؤتمر دولي عقد في أكسفورد في شهر يوليو (تموز) الماضي حول العلامة التجارية والتسويق الإسلامي، قال عنه المنظمون إنه الأول من نوعه، نحو 200 فرد من الدول الغربية والدول الإسلامية، فضلا عن الأكاديميين.

ويقود تيمبورال مشروعا بحثيا رئيسيا حول هذا الموضوع في مدرسة الأبحاث، التي بدأت عرض دورات للشركات التي تريد التوسع في هذه السوق. وأنشأت شركة «أوجيلفي آند ماذر» في الآونة الأخيرة شركة جديدة، وهي «أوجيلفي نور»، التي تصفها الشركة بأنها «أول ممارسة مفصلة للعلامة التجارية الإسلامية في العالم». ويقود «أوجيلفي نور» موظفون في أسواق إسلامية في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وشمال أفريقيا.

كما قدمت الشركة مؤشر نور، الذي يصنف جاذبية العلامات التجارية بالنسبة إلى المستهلكين المسلمين. وتمت صياغة هذا المؤشر على أساس كيف صنف المستهلكون أكثر من 30 علامة تجارية مشهورة من حيث التوافق مع الشريعة الإسلامية.

واعتلى منتج شاي «ليبتون»، الذي تصنعه شركة «يونيليفر»، هذه القائمة، وجاء بعده منتجات «نستله».

وتعد شركة «نستله» واحدة من أوائل الشركات الدولية في السعي إلى الأسواق العالمية للمنتجات الحلال، التي تقدر قيمتها بنحو 2.1 مليار دولار سنويا. وقال بيتر فوغت، العضو المنتدب لشركة «نستله» في ماليزيا، إن 85 من أصل 456 مصنعا تملكها الشركة على مستوى العالم تقدم المنتجات الحلال.

والمثير للدهشة أن المستجيبين للاستطلاع الذي أعدته شركة «أوجيلفي» صنفوا شركة «طيران الإمارات»، وهي شركة للطيران الراقي مقرها دبي، وتعتبر واحدة من أكثر العلامات التجارية نجاحا في الشرق الأوسط، في مكانة متدنية، وهي المرتبة الـ27 على قائمة تتكون من 35 مركزا.

وأرجع غولدمان هذه المكانة المتدنية لشركة «طيران الإمارات» في التصنيف إلى أن الشركة حاولت وضع نفسها كعلامة تجارية عالمية وعلمانية من خلال صفات، مثل القوة العاملة متعددة الأعراق.

وقال: «إنها تقدم أيضا المشروبات الكحولية، وهو ما تفعله جميع خطوط الطيران تقريبا، لكن ذلك لا يعد موافقا للشريعة الإسلامية. إنها علامة تجارية رائعة في نواح كثيرة، لكن بالنسبة إلى المستهلكين المسلمين، لا يُنظر إليها على أنها علامة تجارية إسلامية على وجه الخصوص».

وعلى الجانب الآخر، بدأت العلامات التجارية التي تنبع من الدول الإسلامية استخدام التسويق المتقدم لتحدي الشركات الدولية الغربية. وتعد بعض هذه العلامات التجارية المحلية ذكية فيما يتعلق باستخدام الصور الدينية في الإعلانات الخاصة بها. وكانت «أولبيرز»، وهي علامة تجارية باكستانية في مجال الحليب، ظهرت عام 2006، تسعى إلى منافسة «نستله». كانت إعلاناتها التلفزيونية لشهر رمضان عامي 2008 و2009 تذكر المشروب بصورة موجزة عند البداية والنهاية فقط.

ويتم تخصيص معظم وقت الإعلان لإظهار المسلمين وهم يصلون في المساجد؛ وإظهار المسلمين في العمل في دول مثل تركيا وباكستان والمغرب؛ والمسلمين وهم يقومون بأعمال الخير مثل مساعدة المسنين.

تقول شركة «أوجيلفي» إن الإعلان التلفزيوني يهدف إلى «وضع المسلم المعاصر في سياق الأمة الإسلامية، ويذكره بترابط أكبر ويمنحه شعورا كبيرا بالانتماء», كما يؤكد هذا الإعلان على أفكار تقول إن «الجميع متساوون أمام الله» وإن «الأخوة مكون أساسي من مكونات النجاح» عن طريق المساواة، على سبيل المثال، بين عمل الحرفي في بروناي والعالم في مصر.

ويبحر إعلان عام 2009 بين الأصالة والحداثة عن طريق تقديم عاطف أسلم، المطرب الشعبي الباكستاني، وداوود وارنسبي، مؤلف الأغاني الكندي الذي اعتنق الإسلام. وكانا يغنيان: «لدينا رسالة السلام للأرض».

وتعكس هذه الخيارات الأبحاث التي أعدتها شركة «أوجيلفي»، التي تظهر أن المستهلكين المسلمين الشباب مختلفون عن نظرائهم الغربيين، في أنهم يعتقدون أنه بالتمسك بالقيم الأساسية لديانتهم، فمن المرجح أن يحققوا النجاح في العالم الحديث.

ويقول خبراء إن الشركات متعددة الجنسيات ستحتاج بصورة متزايدة إلى مثل هذه الرؤى في الوقت الذي تتوسع فيه في الدول الإسلامية. ومع النمو السريع في السوق وذكاء المستهلكين، قال تيمبورال وغيره إن الوقت هو جوهر المسألة، وقال: «إن ميزة من يتحرك أولا موجودة دائما هناك».

* خدمة «نيويورك تايمز»