آخر معارك الصحف في كاليفورنيا

خبطات إعلانية وضرب تحت الحزام.. والإنترنت وجه صفعة للجميع

TT

كان مكتب صحيفة «ذا باي غارديان»، في تل بورتيرو بسان فرانسيسكو - مسرح واحدة من آخر حروب الصحف الكبرى - هادئا بشكل غريب صباح الخميس الماضي، وكان صوت أجراس على المكتب الأمامي يتردد في جنبات المكان.

نزل بروس بي بروغمان، المحرر والناشر ومالك هذه الصحيفة الأسبوعية اليسارية، ودعاني إلى مكتبه في الطابق العلوي، وهو عبارة عن متحف لأمجاد العمل الفني المطبوع. وكانت هناك كتب، معظمها يتناول أوجه القصور المستمرة في النظام الرأسمالي، مرتّبة على شكل أبراج منوعة، فيما وضعت مختلف أنواع الصحف منظمة بطريقه لا يفهمها إلا هو.

وقال بروغمان: «أحب المطبوعات. نقوم بالكثير مع الإنترنت، لكن أنا رجل محب للمطبوعات». وحتى لا أنسى ذلك، أهداني قبعة مصنوعة من أوراق صحيفته «ذا باي غارديان».

وفي مكان ما داخل مكتبه، كانت هناك نسخة من قرار محكمة استئناف بولاية كاليفورنيا اتخذ بالإجماع بتأييد الحكم الصادر ضد صحيفة «سان فرانسيسكو ويكلي»، وهي صحيفة منافسة مملوكة لشركة «فليدغ فويس ميديا»، والذي يلزمها بدفع 22 مليون دولار. فبعد محاكمة استمرت لستة أسابيع عام 2008، قررت هيئة محلفين أن صحيفة «سان فرانسيسكو ويكلي» ومالكها قد باعا إعلانات بأقل من سعر التكلفة في محاولة لإخراج «ذا باي غارديان» من السوق.

وقد دخلت هذه القضية الآن عامها السادس، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن شركة «فليدغ فويس ميديا» تعتقد أنها لم تفعل شيئا أكثر من إطلاق صحيفة منافسة. وتم خوض هذه المعركة على صفحات الصحف وفي قاعات المحاكم وفي مكتب بروغمان.

ولكن، لقد شهد العالم الخارجي تغييرا في هذه الفترة، فقد تعرضت الصحف بشكل عام للأزمات، ووجه الإنترنت صفعة قوية إلى الصحف الأسبوعية، والتي كانت تنشر قوائم فعاليات وإعلانات مبوبة وإعلانات مثيرة ومحتوى تحريريا دسما. وحتى الآن، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن لـ«ذا باي غارديان» أن تظهره للقضاة هو الكثير من الأوراق القانونية وعربتا توزيع من «سان فرانسيسكو ويكلي» تمكنت من استرجاعهما. لكن بروغمان، اليساري المخضرم، يرى أن حكم المحكمة، الذي أيد اللائحة الأساسية المعمول بها في ولاية كاليفورنيا منذ زمن طويل والتي تحظر التسعير الذي يهدف إلى الإضرار بالمنافسين، انتصار له.

وتعد «فليدغ فويس ميديا» سلسلة من الدوريات الأسبوعية تشكلت من اتحاد دوريات «فليدغ فويس» و«نيو تايمز» الأسبوعية في عام 2005، وتمتلك ثلاث عشرة دورية أسبوعية تصدر في مدن دنفر ونيويورك ودالاس ومينابوليس ومدن أميركية أخرى. وقد اشترت «نيو تايمز» «سان فرانسيسكو ويكلي» في 1995، وجاء أحد مؤسسي «نيو تايمز» إلى المدينة وقال للموظفين إنهم في طريقهم «لدفن ذا باي غارديان» وتناول نسخة من الصحيفة الأسبوعية المنافسة والتي كانت موضوعة على أحد المكاتب ووطئها بقدمه ليؤكد ما ينوي القيام به. وعندما كان شابا في ولاية آيوا، شاهد بروغمان سلسلة صيدليات تقضي على عمل والده المستقل، ومن وجهة نظره، فإن هذا ليس بعيدا عن الوقت الحالي وهذه الصحيفة التي تعمل زوجته جاين ديبلي بها كمساعد ناشر وابنه الوحيد كنائب رئيس.

ويقول بروغمان: «إننا كنا نكافح ضد الاحتكار طوال هذه السنوات، ولأن لدينا هذه السلسلة من الصحف الأسبوعية التي تحاول استخدام المال الكثير لإزاحتنا من على سوق العمل. لكني كنت عضوا في الفرقة 60 مشاة، ولن أسمح بإقصاء «ذا باي غارديان» لأن لدينا منافسا يحاول القضاء علينا باستخدام أساليب غير شرعية».

وبمجرد وصول «نيو تايمز»، اندلعت حرب صحافية شرسة مليئة بالاتهامات والاتهامات المضادة. وتنشر «صحيفة سان فرانسيسكو ويكلي» مقالات معمقة لا تتبنى توجه سياسي معين، لكن «ذا باي غارديان» التزمت صياغتها التقدمية.

ويقول: «جاءوا إلى سان فرانسيسكو من تومبستون»، في إشارة إلى المدينة التي يقع بها مقر شركة «نيو تايمز» في ولاية أريزونا «وبدأوا بإطلاق النار على كل المكان، والآن سيتعين عليهم دفع ثمن هذه الأفعال».

ومن المؤكد أن الجمهور قد استفاد من هذه المنافسة، لكن كل الصحف الأسبوعية المتنافسة تكبدت خسائر تقدر بملايين الدولارات. وقد علقت صحيفة «ذا استرنجير» الأسبوعية التي تصدر في سياتل على ذلك قائلة، إن «من المتوقع أن يخرج الخاسر مصابا إصابة عميقة وربما قاتلة».

ويصف أندرو أوهاير، المحرر بمجلة «صالون» والذي كان رئيس تحرير صحيفة «سان فرانسيسكو ويكلي» عندما استحوذت عليها شركة «نيو تايمز»، المعركة لإيلي ساندرز الصحافي بصحيفة «استرنجير» قائلا إنها أصبحت «مثل نوع من الأسطورة اليونانية التي ظل فيها الطرفان يتقاتلان على مدينة دمرت وانتهت منذ 85 عاما أو ويزيد». ويقول بروغمان إنه لم يقم بحساب تكاليف هذه المعركة القانونية: «لا أعتقد أننا قمنا بحساب هذه التكاليف في السابق لأنه يسيطر علينا شعور سيئ عندما ننظر إليها». ولكنه أكد أن «فليدغ فويس ميديا» ستضطر، في مرحلة ما، لطلب تسوية القضية، و«ذا باي غارديان» سوف تعود إلى «قمة الصحف المطبوعة»، كما يقول شعارها.

وأكد بوضوح أنه لا يتوقع قبول الحصول على تعويض قدره 16 مليون دولار، بالإضافة إلى 6 ملايين دولار فائدة (حتى الآن، الأضرار تتراكم كل يوم). يقود «فليدغ فويس ميديا» مايكل ليسي وجيم لاركن، وهما شخصان مشاكسان معروف عنهما أنهما لا يستسلمان بسهولة ومن الواضح أنهما سيواصلان القتال.

وقال لاسي في رسالة عبر البريد الإلكتروني: «يعتقد بروس بروغمان أنه يملك سان فرانسيسكو، وأنه هو الذي ينبغي أن يحدد من يسمح له بالعمل فيها. وقد أعلن لدى وصولنا، أن مجيئنا إلى مدينته سيكون بمثابة فيتنام بالنسبة لنا.

* خدمة «نيويورك تايمز» ونحن لا نعتقد أن بروغمان أو المحاكم الجزئية تستطيع أن تقول لنا كم من الاستثمارات نضخ في مجال الصحافة، ونعتقد أن المحكمة العليا في كاليفورنيا سوف تتفق معنا في ذلك. نحن لم نحاول قط إزاحة بروغمان، إننا نحاول فقط الاستمرار والنجاة من انهيار السياحة في سان فرانسيسكو، وإفلاس شركات الإلكترونيات والانهيار الاقتصادي بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول). واستطعنا تحقيق ذلك بشكل جيد وأن نطلق في الوقت نفسه صحافة تحصد الجوائز».

وتجري رحى هذه المعركة في واحدة من أكثر المدن التي تنتشر بها شبكات الاتصالات السلكية في العالم، وحيث تعتبر شبكة المعلومات فيها مثل الهواء والناس يسيرون بجانب صناديق الصحف اليومية - مثل «ذا كرونيكل» و«ذا إجزمنير»- والصحف الأسبوعية الخفيفة أيضا.

ويقول بروغمان: «لقد كان وقتا عصيبا عندما انخرطنا في هذا النوع من المعارك ومحاولة السيطرة. ولكننا سنعود، ربما من دون ازدهار، لكن سنعود على أرض صلبة لنقوم بما كنا نقوم به في السابق».

وهذا يعني في صحيفة «ذا باي غارديان» أن المكتب، الهادئ الآن، سوف يمتلئ في وقت لاحق اليوم بمختلف المرشحين للمناصب السياسية الذين سيأتون للحصول على تأييد الصحيفة التي ساعدت في يوم من الأيام هارفي ميلك على بدء حياته السياسية.

وهذا يعني أيضا أن «ذا باي غارديان» ستواصل مهمتها التي يزيد عمرها على 40 عاما كقوة مملوكة للشعب. ويذهب بروغمان إلى نافذة منزله ويشير إلى محطة توليد الكهرباء الممتدة على الطريق السريع 280: «دخلنا في هذا عام 1939، أقصد 1969، وهذه من أكبر الفضائح في تاريخ الولايات المتحدة».