تلفزيونات الأفغان.. بين دعم الحلفاء وكسب الشباب

إقبال على برامج الموضة و«ستار أكاديمي» والمسلسلات الإيرانية والهندية

عجوز أفغاني يطل من بلكونة فندق بوسط العاصمة كابل وقد ازدحمت واجهة المبنى بأطباق استقبال فضائية («الشرق الأوسط»)
TT

في معظم دول العالم لا يعتبر مشهد عارضة أزياء تتهادى على الممشى تحولا ثوريا، ولكن برنامجا للتلفزيون الأفغاني مأخوذ عن البرنامج الأميركي «عارضة الأزياء الأولى القادمة في أميركا» يتخطى الحواجز ويظهر الجمال تحت البرقع.

فبعد نحو 9 سنوات من الإطاحة بحكومة طالبان الإسلامية المتشددة في أفغانستان، وهي دولة محافظة بشدة، فإن معظم النساء لا يظهرن في الأماكن العامة إلا بشكل خاطف خلف برقع أزرق اللون قليلا ما يكشف أعينهم السوداء.

لكن في مدينة مزار الشريف الليبرالية - نسبيا - بدأت محطة تلفزيون محلية عرض برنامج محدود الميزانية يقدم صورة مختلفة للمرأة الأفغانية محاكيا برنامج «تلفزيون الواقع الأميركي» الناجح، حيث يختار محكمون عارضات المستقبل من بين مجموعة من المتنافسات على مدار عدة أسابيع.

وقد تمكنت محطات التلفزيون من تثبيت أقدامها في الساحة السياسية، ليس عن طريق إذاعة تحقيقات إخبارية فحسب، ولكن أيضا باتخاذ جانب في الجدل العرقي واللغوي، الذي يعكس الانقسامات في أفغانستان.

وبعد انتهاء الانتخابات البرلمانية، منتصف الشهر الحالي، فإن بعض مالكي المحطات والصحافيين يؤكدون أن الحظر على البرامج التلفزيونية جزء من صراع سياسي للهيمنة على الموجات الهوائية، وقد فتح زعماء الأحزاب السياسية محطاتهم التلفزيونية التي تتحدى في الوقت الحالي حكومة كرزاي. وأشار الرئيس حميد كرزاي إلى أنه يقف إلى جانب المحافظين في الخلاف بشأن المسلسلات، وعلى الرغم من أنه قال إنه سيضمن حرية الإعلام أثناء وجوده في السلطة، فقد قال مرات عدة إنه يتعين عدم السماح ببث البرامج التي تقف ضد الثقافة الأفغانية.

وفي جانب المنوعات التلفزيونية تتمتع قناة «تولو» أو (طلوع) التي تعنى باللغة الأفغانية بشعبية كبيرة في أفغانستان، وهي تحتل الريادة وسط منافسة من محطة «أريانا». وتستحوذ قناة «تولو» على نحو 90 في المائة من سوق الإعلانات التلفزيونية الأفغانية. وتسعى إلى زيادة حدود مساحة الحركة التي تتعامل من خلالها، بما في ذلك الترويج للثقافة الشبابية وتناول الكثير من القضايا التي تعتبرها الثقافة التقليدية في أفغانستان من المحرمات.

و«تولو» تبث برامجها في الغالب بالداري أو الفارسي، في حين أن «لامار» تبث باللغتين الرئيسيتين اللتين يتحدث بهما الأفغان، بالإضافة إلى محطة إذاعة أفغانية على الـ«إف إم» انطلقت عام 2003، أي قبل «تولو» بعام واحد، ثم قناة انطلقت «لامار» هي الأخرى عام 2005.

جدير بالذكر أن السيطرة على التلفزيون ومحتوى البرامج ظل مثار جدل في أفغانستان على مدة عقود من الزمن.

وكانت حركة طالبان قد حظرت البث التلفزيوني، كما أن حكومة المجاهدين التي سبقت حكومة طالبان كانت قد حظرت ظهور النساء كمغنيات أو مقدمات برامج، إلا أنه في ظل قيادة الرئيس حميد كرزاي الذي يحظى بدعم من الغرب، ازدهر التلفزيون، مع ظهور 17 محطة خاصة في السنوات الست الماضية، 11 منها مقرها كابل. كما تقدم الكثير من شركات التلفزيون الكابلي مزيجا من الأخبار والبرامج الموسيقية الشعبية والمسلسلات المستوردة والمسلسلات الشعبية، وهي تحظى بشعبية كبيرة وتجذب الآلاف إلى المقاهي ومحلات بيع الآيس كريم، كما أن البرامج التلفزيونية التي تتطلب اتصال المشاهدين تحظى بشعبية كبيرة أيضا.

وعندما يمتلك سماسرة السلطة في أفغانستان الشبكات التلفزيونية، فإنهم يتحكمون فيما يبث عليها، والنتيجة.. فيلم وثائقي عن عبد الرشيد دوستم وهو يطارد مقاتلي طالبان في شمال أفغانستان ممتطيا جواده.

وعندما كان برنامج «أفغان أستار»، وهو برنامج لاكتشاف المواهب، شبيه بالبرنامج الأميركي الشهير «أميركان أيدول»، يذاع على شاشات التلفزيون، كانت شوارع كابل هادئة بشكل ملحوظ. حتى في بلد يمزقه صراع، حيث يعتبر نصيب الفرد من الطاقة أقل منه في أي بلد آخر، لا تزال نحو 65 محطة تلفزيونية محلية قادرة على بث برامج تجذب المشاهدين في المدن الكبرى في أفغانستان. وفي كابل، على سبيل المثال، فإن 8 من بين كل 10 أشخاص لديهم أجهزة تلفزيون، وتوجد أكثر من 20 محطة تلفزيونية. لكن ليس لدى كل أسرة تلفزيون خاص بها، بل إن مشاهدة التلفزيون غالبا ما تكون في تجمعات، كما تجلس مجموعات صغيرة من الأفغان في صالونات الحلاقة والمخابز وخارج محلات بيع الأجهزة الإلكترونية لمشاهدة ما يبث على شاشات التلفزيون.

وتحظى الأفلام الكوميدية والمسلسلات الدرامية الأجنبية بشعبية كبيرة بين الأفغان. وبالإضافة إلى برنامج «أفغان أستار»، تعرض بعض محطات التلفزيونية الأفلام والمسلسلات الإيرانية والهندية. وحتى وقت قريب كانت محطة «امروز» (اليوم) الأفغانية، تعرض برامج متحررة تستهدف الشباب الأفغان، ومن بين هذه البرامج برنامج «تعال وشاهد»، الذي يسخر من المتطرفين والعرافين، وبرنامج الموضة «أفغان موديل»، الذي يقدم عروضا للأزياء ومسابقة للجمال يتبارى فيها الرجال والنساء على منصة العرض، وهم يرتدون ملابس محافظة حيث ترتدي النساء أغطية للرأس. (وقد أثار هذا البرنامج غضب مجلس وزراء أفغانستان الذي أصدر بدوره قرار أواخر يوليو (تموز) الماضي بإغلاق المحطة مؤقتا بتهمة «إثارة الاختلافات الدينية والإضرار بالوحدة الوطنية»).

ومعظم عروض الترفيه التي تبث على شاشة التلفزيون الأفغاني، إن لم تكن منتجة خارج أفغانستان مثل المسلسلات الهندية، فإنها محاكاة لنماذج أجنبية مثل برنامج «أفغان ستار». لكن أفغانستان لديها نموذج فريد من تلفزيونات الترفيه، الذي ربما لا يرغب أحد في العالم في محاكاته وهو تلفزيون أمراء الحرب.

وقال أحد المراقبين الأفغان: «لا يمكن أن تكون زعيم حرب في هذه الأيام وليس لديك محطة تلفزيونية خاصة بك. ولأن من الواضح أن الإعلانات لا تأتي بالكثير من المال في أفغانستان، فإن تمويل الكثير من المحطات التلفزيونية يأتي من الحكومة والجهات الأجنبية المانحة، وأصحاب الأعمال الخاصة، لذلك ليس من المستغرب أن يقوم الكثير من السياسيين البارزين بتمويل محطات تلفزيونية خاصة، بما في ذلك بعض السماسرة السلطة في البلاد».

وعلى سبيل المثال، فإن الرئيس السابق، برهان الدين رباني، الذي يشغل الآن منصب رئيس الجمعية الإسلامية في أفغانستان وزعيم تحالف المعارضة، الذي يسمى الجبهة الوطنية لأفغانستان، يمتلك محطة «النور» التي تبث برنامجا حواريا في المساء يسمى «نهاية الطريق»، الذي غالبا ما يستضيف ضيوفا يركزون على انتقاد منافسه السياسي الرئيس حميد كرزاي.

وفي الوقت الذي تساعد فيه محطة «النور» صاحبها رباني في توجيه النقد لخصمه السياسي، فإن محطة «آينا» أو (المرآة) التي يمتلكها عبد القادر دوستم، تساعده على إبقاء شقيقه عبد الرشيد دوستم في دائرة الضوء. وهذا الأخير هو الزعيم الأوزبكي الذي قاتل إلى جانب السوفيات خلال ثمانينات القرن الماضي قبل أن ينضم إلى المجاهدين، وقد كان لواء في الجيش الأفغاني قبل أن تتم إقالته من منصبه بعد تورطه في فضيحة كشفت عام 2008، لكن الرئيس كرزاي أعاده إلى منصبه عام 2009.

وباختصار، فقد كان لدوستم دائما دور في التاريخ الأفغاني، ولكن دوره لم يكن أبدا مركزيا.

والآن محطته التلفزيونية تبث موسيقى تركية وموسيقى دول وسط آسيا، بالإضافة إلى برامج سياسية مؤيدة لدوستم، بما في ذلك أفلام وثائقية تحكي المآثر العسكرية لأمراء الحرب. ويمكن للمشاهدين مشاهدة ساعات من لقطات أرشيفية لدوستم وهو يطارد مقاتلي طالبان في شمال أفغانستان وهو يمتطي جواده أو هو يلعب لعبة «بوزكاشي» (النسخة الأفغانية من لعبة «البولو»، التي تلعب بذبيحة ماعز بدلا من الكرة ومن فوق ظهور الجياد).

وخذ أيضا شبكة حاجي محمد محقق، «راه إي فاردا» أو (طريق المستقبل). ومحقق هو أحد زعماء المجاهدين السابقين وعضو في البرلمان الأفغاني الآن، وهو من أكثر المدافعين المعروفين عن حقوق عرقية الهزارة، وهي أقلية مضطهدة من الشيعة. وتعرض شبكة «راه إي فاردا» برامج رياضية ودينية سياسية مثل برنامج «المنارة» وبرنامج «المترجم السياسي» الذي تغلب عليه الحوارات السياسية. ولكن أبرز ما في المحطة، هو محقق نفسه؛ فالمحطة تعرض باستمرار مقاطع من خطاباته الأخيرة وأفلاما عن مجده ومعاركة السابقة مع مقاتلي طالبان.

وصحيح أن لقطات ومشاهد من الأعمال الجريئة، تشكل عنصرا رئيسيا في أي محطة تلفزيونية، لكن الذين يبرزون في هذه اللقطات عادة لا يكونون أصحاب المحطات، ويكفي القول، إن عمدة نيويورك، مايكل بلومبرغ، على سبيل المثال، لا يظهر بهذه الصورة على محطته الاقتصادية، «بلومبرغ تي في» بحسب مجلة «فورين بوليسي» الأميركية.

لكن الدعاية السياسية العلنية ليست المشكلة الوحيدة في المحطات التلفزيونية الأفغانية، فما هو أسوأ هو ما لا يبث على الهواء على الإطلاق. وحرية التعبير مكفولة في دستور أفغانستان الصادر عام 2004، لكن حتى هذا العام فإن مؤسسة «فريدوم هاوس» تصف وسائل الإعلام الأفغانية بأنها «غير حرة»، وتضعها في المرتبة رقم «165» من أصل «196»، وفي وقت سابق من هذا الشهر، عثر على سيد حميد نوري، نائب رئيس جمعية الصحافيين المستقلين، مقتولا بالرصاص ومصابا بعدة طعنات خارج منزله. ومنذ عام 2001، قتل 27 صحافيا (12 منهم من الأجانب) في أفغانستان، وفقا لمجموعة ناي لمراقبة الإعلام.

وهناك عدد رائع ومتزايد من الصحافيين الأفغان المحترفين، ولكن لأنهم يواجهون الترهيب من قبل المتمردين وأمراء الحرب وأباطرة المخدرات، والمسؤولين الحكوميين الذين يطلبون منهم تقديم تغطية إيجابية عن الحكومة، فإن مستوى الرقابة الذاتية عال جدا ولأسباب مفهومة فإن الصحافيين المحليين يترددون في التطرق إلى المواضيع المثيرة للجدل.

ويعتبر بعض المراقبين وجود هذا العدد الهائل من محطات التلفزيون والإذاعة في أفغانستان اليوم انتصارا. وقد أعرب المعهد الأميركي للسلام في تقريره الصادر عام 2008 عن أمله في أن «تطور وسائل الإعلام في أفغانستان في فترة ما بعد طالبان قد حقق نجاحا نسبيا.. في ترسيخ فكرة التعبير الحر والمسؤول». إن عدد محطات التلفزيون الموجودة في أفغانستان لافت للنظر حقا، بالنظر إلى فقر البنية التحية للدولة، ولكن الأرقام تبرز جزءا فقط من الصورة، وحان الوقت للبدء في الاهتمام بما يتم بثه على هذه المحطات.