تصريحات أنجلينا جولي حول معارضة حرق المصحف «كعكة ساخنة» في الإعلام الباكستاني

وجدت فيها حليفا داخل المجتمع الأميركي.. المقالات الافتتاحية أثنت على ضبط النفس في المجتمعات المسلمة

الممثلة العالمية أنجلينا جولي خلال زيارتها إلى باكستان بصحبة مسؤولي الإغاثة تتفقد ضحايا الفيضانات («الشرق الأوسط»)
TT

في 8 سبتمبر (أيلول) 2010، سأل مراسل إحدى الصحف الباكستانية البارزة نجمة هوليوود أنجلينا حولي خلال مؤتمر صحافي في إسلام آباد، حول ما إذا كانت تؤيد خطة القس الأميركي المخبول لحرق نسخ من المصحف. وأجابت النجمة بثقة: «بالطبع لا»، معلنة بقوة أمام حشد يضم قرابة 20 صحافيا باكستانيا أنه من المتعذر عليها مجرد تخيل أن تقوم في يوم من الأيام بتأييد مثل هذا التصرف.

كانت جولي في زيارة لباكستان على صلة بجهود الإغاثة ضد الفيضانات التي ضربت أجزاء من البلاد، ورغبت في إطلاع الإعلام الباكستاني على تجربتها خلال زيارة المناطق المنكوبة. ورغم ذلك أولت معظم كبريات الصحف الباكستانية اهتماما أكبر بتصريحها بخصوص موقفها من حرق نسخ من المصحف، بينما احتل حديث جولي عن ضحايا الفيضانات في شمال غربي البلاد مكانة متأخرة في الأخبار الصحافية التي تناولت زيارتها للبلاد.

وركزت العناوين الرئيسة للصحف على نبأ أن «أنجلينا جولي تعارض حرق المصحف»، حسبما أوردت صحيفة «ذي نيوز». وفي اليوم ذاته نشرت صحف باكستانية بارزة صورة لرئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني وهو يقدم نسخة من المصحف الكريم إلى أنجلينا جولي.

ورغم أن الأمر يبدو غير متعمد، فإن وسائل الإعلام الباكستانية ربما وجدت في جولي حليفا لها داخل المجتمع الأميركي الذي ندد بالإجماع بالسلوك غير الأخلاقي للقس الأميركي.

ويساور البعض شكوك حول إمكانية إثارة تصرفات القس الأميركي أعمال عنف داخل المجتمعات شديدة التدين، مثل المجتمع الباكستاني. وعليه عملت تصريحات جولي التي أفردت لها الصحف البارزة مكانا كبيرا على تأكيد أن هذا القس المتطرف لا يمثل بأي حال من الأحوال المجتمع الأميركي في مجمله.

ومن غير المثير للدهشة أن نجد أن بعض الصحف الباكستانية عارضت بصراحة وقوة شديدة تصرفات القس الأميركي، محذرة من العواقب الوخيمة التي قد تترتب عليه. على سبيل المثال، أشار المقال الافتتاحي لصحيفة «ناوا الوقت»، ثاني أكبر الصحف الباكستانية الناطقة بالأردية والمرتبطة بصورة وثيقة بقوى دينية بالبلاد، إلى أنه «ينبغي أن تكبح إدارة أوباما جماح هذا القس المجنون بنفسها، لأن المسلمين بشتى أرجاء العالم لن يقبلوا هذا الأمر. ونحن نحذر من أن مثل هذا التصرف سيطلق العنان لقوى ستنزل الدمار في أميركا وستجعلهم ينسون ما حدث في 11 سبتمبر مقارنة بما سيواجهونه». الملاحظ أن جميع المؤسسات الإعلامية الباكستانية حرصت على التنديد بخطة حرق نسخ من المصحف في ذكرى هجمات 11 سبتمبر. مثلا، وصفت صحيفة «ديلي تايمز» الباكستانية البارزة الموالية لواشنطن، القس المخبول بأنه «طالبان من دين آخر».

وذكر المقال الافتتاحي للصحيفة أنه «باسم حرية التعبير، تخرج الأفكار التي تؤجج الكراهية عن دائرة السيطرة سريعا. ربما لو اتخذت إجراءات صارمة وقت نشر الصور الكارتونية الدنماركية المسيئة للإسلام عام 2005 ضد مثل هذه التصرفات التي تتخفى تحت رداء حرية التعبير، ربما لم يكن هذا القس النكرة المتعطش للشهرة ليملك القدرة اليوم على أسر اهتمام العالم».

ويرى الكثير من الخبراء الإعلاميين أن الحملات الإخبارية اليومية والتغطية الإعلامية المكثفة لحملة الاعتراضات ضد خطط القس الأميركي المخبول، حققت نجاحا باهرا في السيطرة على مشاعر غضب الجماهير الباكستانية.

وأذاعت معظم القنوات الإخبارية المرئية والمسموعة برامج خاصة تتناول قضايا تتعلق بخطط القس المخبول لحرق نسخ من المصحف. وفي معظم هذه البرامج جرى تخصيص مساحة واسعة للبيانات المتدفقة من مختلف دول العالم تدين هذا الفعل. وندد قادة من مختلف أرجاء العالم، من مسلمين وغير مسلمين، بخطط القس المتطرف. وقد أولت وسائل الإعلام الباكستانية تغطية واسعة لهذه التنديدات. على سبيل المثال، خرج برنامج حواري شهير باللغة الإنجليزية تعرضه قناة تلفزيونية على صلة بـ«ديلي تايمز»، بعنوان يقول: «موجة الغضب ضد حرق المصحف تتصاعد عبر العالم».

في تلك الأثناء كانت مظاهرات ومسيرات الاعتراض تتصاعد داخل باكستان ضد خطة حرق نسخ من المصحف، وصبت معظم هذه المظاهرات جام غضبها على الإدارة الأميركية. وطالبت مجموعات سياسية ومنظمات دينية الحكومة الأميركية بمنع القس المخبول من المضي قدما في خطته.

واحتلت أنباء هذه المظاهرات العناوين الرئيسية للصفحات الأولى من غالبية الصحف الباكستانية. وعرضت معظم القنوات التلفزيونية تغطية لها في نشراتها الإخبارية الرئيسية. وعندما ألغى القس المتطرف خطته بعد توصله إلى اتفاق مع قيادات مسلمة أميركية (حسبما ادعى في بيان له لاحقا)، تعاملت غالبية الصحف الباكستانية مع هذا النبأ كحدث رئيسي.

كما اهتمت الصحف الباكستانية بمقابلة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع «بي بي سي»، التي حذر خلالها من أن خطة القس المتطرف ستؤدي إلى تدفق المجندين على تنظيم القاعدة. وأشارت الصحف إلى قوله: «كما تعرفون، هذا العمل قد يسفر عن وقوع أعمال عنف خطيرة بمناطق مثل باكستان وأفغانستان».

وأثنت بعض الصحف في مقالاتها الافتتاحية على ضبط النفس الذي أبدته المجتمعات المسلمة بمختلف أرجاء العالم بعد علمها بالخطة الحقيرة للقس المتطرف. مثلا، أشارت أكبر الصحف الباكستانية الصادرة بالإنجليزية توزيعا، «ذي نيوز»، في مقالها الافتتاحي إلى أن ضبط النفس الذي أبداه المسلمون جدير بالثناء. واستطرد المقال بأن القس المخبول متعطش للشهرة، واختتم المقال بالقول: «نحن في انتظار التطورات». أما المقال الافتتاحي لصحيفة «ذي نيشن»، وهي صحيفة باكستانية صغيرة تصدر بالإنجليزية لكنها تتمتع بنفوذ كبير، فانتقد موقف القس المتطرف. وأوضحت الصحيفة أن جهل القس تجلى في الانتقادات التي وجهها إلى المسلمين، حيث كان من بين اتهاماته لهم بأنهم «أحرقوا الإنجيل». وشرحت الصحيفة أن المسلمين ربما كانوا مدانين بأفعال كثيرة شريرة، لكن قطعا ليس منها الإساءة إلى السيد المسيح أو حرق الإنجيل. ورأت الصحيفة أن هذا القس المخبول يكشف كيف أن أميركا تضم أيضا نماذج خاصة بها من رجال الدين من المتطرفين الأميين الذين تسارع واشنطن لانتقاد نظرائهم في الدول المسلمة.

ولحسن الحظ، خلال الأسابيع التي أعقبت إعلان القس المتطرف عن خططه، لم تقع حوادث عنف كبرى في أي أجزاء من باكستان. إلا أن الجماعات السياسية والمنظمات الدينية عمدت لتنظيم مظاهرات ومسيرات تدين هذه الخطط في جميع المدن الباكستانية الكبرى.

وقد ظل الغضب العارم بسبب هذه القضية يغلي تحت السطح، حسبما كشفت استطلاعات رأي أجرتها بعض الصحف. مثلا، توصل استطلاع رأي أجرته صحيفة «خابرين» الأردية البارزة إلى أن «80% من سكان المدن الباكستانية الكبرى يؤيدون مطالبة الحكومة الباكستانية لإدارة بوش بمنع القس المتطرف من تنفيذ تهديده». وحثت صحف أخرى الحكومة على إثارة هذه القضية في محادثاتها مع إدارة أوباما.