محامي القراء

TT

لم أستغرب حينما توقفت زاوية المراقب الصحافي في صحيفة «الشرق الأوسط» عن الصدور، لسبب بسيط وهو أنني توقعت أن القائمين على الصحيفة قد ضاقوا ذرعا بجرعاتها الأسبوعية اللاذعة التي كان يقدمها المراقب الصحافي، إلا أنني فوجئت بأن سبب توقفها لم يكن كذلك، بل كان بسبب وفاة كاتبها الدكتور أحمد الربعي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

وها هي «الشرق الأوسط» تعود مجددا كأول صحيفة عربية تقدم بشجاعة نادرة هذه الخدمة، التي يطلق الغربيون على كاتبها مسمى «محامي القراء» أو «محرر العامة» (Public Editor)، لأنه يعبر عما يجول في خاطرهم، إذ يحرص على جودة أخبارها، وقيام محرريها بدورهم المهني المطلوب في نقل الأخبار بتجرد، وعلى نحو يليق بسمعة هذه الصحيفة العريقة وقارئها المميز.

والآن لننطلق برحلتنا في رحاب بساتين صحيفتنا الخضراء. ماذا حدث فيها خلال الأسبوع المنصرم؟ أفضل ما يمكن أن نطلقه على الأسبوع الفائت هو اسم «أسبوع الحوارات المتألقة»، حيث أكد لنا المحررون أنهم كانوا في عين الأحداث العربية، فلم يكتفوا «بالخبر»، بل قدموا لقراء الصحيفة مادة «الحوار»، وهو لون من ألوان العمل الصحافي المهم. إذ شهدت الصحيفة حوارات فعالة مع كل من: الرئيس العراقي جلال طالباني، ورئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، ووزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، والرئيس المؤقت للبرلمان العراقي د.فؤاد معصوم، وحوار المستشار الأعلى لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وكلها لقاءات جاءت في وقتها المناسب وكشفت بعضا من الجوانب الخافية عن المراقبين.

كما لم ينس المحررون الحوارات الأخرى المنوعة، مثل الحوار الخاص مع نجمة الشاشة الرمضانية الحسناء هند صبري، والفنان يحيى الفخراني. وكانت المفاجأة، التي لا شك أنها نالت إعجاب القارئات قبل القراء، هي الحوار الخاص الذي أجرته صحيفة «الشرق الأوسط» مع النجم الأميركي الشهير جورج كلوني. هذه الحوارات تعد اختراقا عربيا لمعقل نجوم السينما في هوليوود، وهي كسب كبير للصحيفة وقرائها لأنها تساعد على التقرب من النجوم ومعرفة كيف يفكرون.

وقد قامت الجريدة بتغطية شاملة لحدث خليجي لافت، وهو المواجهات الحادة التي اندلعت بدولة الكويت بين قوات الشرطة ومجموعات كبيرة من أفراد الشعب المتذمرين على خلفية منع الدولة إقامة الندوات، لتهدئة أجواء الفتنة الطائفية المشحونة عقب إساءة ناشط شيعي إلى مقام السيدة عائشة رضي الله عنها، حيث انتهت بقرار سحب جنسيته الكويتية، بعد سجالات برلمانية وإعلامية عنيفة، في قرار يعتبر نادر الحدوث في الكويت.

ملحق الكتب كان لافتا من جهة عرض كتب كثيرة وبإخراج لافت، لكن بنصوص مقتضبة، وإن كان ينقص الملحق عرض لأحدث الكتب العالمية والعربية. ولو أسهم كل محرر من محرري الصحيفة المنتشرين في شتى دول العالم في تقديم عرض لكتاب واحد بالشهر (صدر حديثا) لتحول الملحق إلى قِبلةٍ لمحبي القراءة في العالم العربي. وكان لافتا للقارئ عرض كتاب مثير للاهتمام بعنوان «ألمانيا ستتحول إلى دولة إسلامية خلال 100 سنة»! كما نشر الملحق تقريرا جميلا سلط الضوء على أسباب تصميم أغلفة الكتب العربية بصورة باهتة لا تضاهي ما تقدمه الكتب الغربية الإبداعية. وجاء أيضا تقرير صغير لكنه لافت وشائق بعنوان «ثورة في شعر الهجاء يشعلها الجزائريون على موقع (فيس بوك)»، وهو تقرير غير تقليدي بفكرة إبداعية.

التقارير الخاصة أو الـFeatures كانت كثيرة ومنوعة، وهي التي تعطي لهذه الجريدة رونقها، ومنها ما قرأناه في ملحق مذاقات بعنوان «دينا سرحان مهندسة تفتتح أول مدرسة لتعليم الطهي في مصر»، وكانت الصورة معبرة عن هذا التقرير الخاص. وكان تقرير «عمارة الكاديلاك.. تروي تاريخ الأرستقراطية في مصر» مميزا من جهة الموضوع وفكرته، وفردت له الصورة بطريقة مناسبة على مساحة ثمانية أعمدة. وقد ذكرنا هذا التقرير بملامح الرواية الجديدة المنتظرة التي يعتزم الأديب د.علاء الأسواني إطلاقها عن حياة المصريين بمختلف طبقاتهم في حقبة الأربعينات «بوسط البلد» والتي نرجو أن يتحفنا محررونا بسبق صحافي عنها قبل أن تتناولها باقي الصحف الأخرى.

أما فيما يتعلق بالصور، فقد عادت زاوية «أخبار في صور» (ص 2) مرة أخرى إلى «التنوع» في اختيار الصور الجميلة واللافتة، وقد ابتعدت عن الصورة التقليدية أو الرسمية. ولحسن الحظ فإن زاوية «أخبار في صور» قد انتقلت فيما يبدو إلى صحف عربية أخرى زميلة بنفس طريقة العرض العمودية، وهذا في حد ذاته مكسب للصحافة العربية، التي صارت تدرك المثل الصيني الشهير «رب صورة خير من ألف كلمة». أما الصور الأخرى الجميلة التي لم تأخذ حقها من البروز فكانت على رأسها صورة لطيفة لزوجة الرئيس الأميركي أوباما وهي تخطب في حديقة بيتها الأبيض أمام حشد من الطهاة الجالسين باهتمام واضح، على مقاعدهم، وكأن على رؤوسهم الطير! ويلاحظ أن الصحيفة ما زالت مصرة وبنجاح على عرض زاوية «الموجز»، وهي عبارة عن أخبار أجنبية ليست ذات صلة مباشرة بالدول العربية لكنها تكتب بإيجاز لزيادة أفق الاطلاع لدى القراء الأعزاء.

نحن نعلم أن هناك من يردد أن زاوية المراقب الصحافي هي هدية مجانية نقدمها لمنافسينا، لكننا في هذه الصحيفة لا نفكر بهذه الطريقة، فكل ما سوف تقرأونه في الأسابيع المقبلة، في هذا العمود، إن شاء الله، سوف يصب في مصلحة الرقي بالإعلام العربي، وأدواته، وفي مقدمته هذه الصحيفة الخضراء المميزة.. والأكثر تأثيرا!