«فوربس» تثير تساؤلات حول طبيعة العمل الصحافي

تدرس تقديم اعتذار أو تصويب بعد مقال مليء بـ«إسقاطات» ضد الرئيس أوباما

TT

عندما نشرت مجلة «فوربس» قصة غلاف خلال الشهر الحالي للكاتب المحافظ، دينش دسوزا، أكد خلالها أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يعارض الأسواق الحرة والقيم الأميركية التقليدية لأنه ورث معتقدات والده المعادية للاستعمار، اشتعلت وسائل الإعلام، فكان هناك دعم حماسي من جانب معلقين محافظين أمثال غلين بيك ونيوت غينغريتش وراش ليمبو، وحالة هياج بين المدونين الليبراليين وكتاب الأعمدة.

ولكن، بعد اجتماع خلال الأسبوع الماضي مع المتحدث باسم البيت الأبيض، روبرت غيتس، وافقت المجلة، التي دافعت مبدئيا عن المقال، على عملية مراجعة حقائق بعد النشر لترى ما إذا كان هناك ما يبرر تقديم اعتذار أو تصويب، وذلك حسب ما ذكره بيل بورتون، وهو متحدث باسم البيت الأبيض.

وقالت موني بيغلي، وهي متحدثة باسم «فوربس»، إن رئيس مكتب المجلة في واشنطن، الذي لم يكن له دور في هذا المقال، اجتمع مع غيتس، ولكن قرار مراجعة المقال اتخذ ليس استجابة للبيت الأبيض، ولكن بسبب الضجة التي ثارت بصورة عامة في وسائل الإعلام.

ومن ناحية أخرى، يطرح هذا الحادث تحذيرا للحقبة الجديدة من وسائل الإعلام، التي تجد منابر إعلامية تقليدية، مثل «فوربس» التي تتعامل مع المتطلبات الاقتصادية في العصر الرقمي بتقليل عدد العاملين، ومع متطلبات تحريرية من خلال إشراك المزيد من الأصوات الخارجة عنها - دسوزا ليس من طاقم المجلة - وفي بعض الأحيان تقديم الرأي على العمل الصحافي الصارم.

وقد عزز من هذه الجهود الخطاب السياسي الخشن داخل الولايات المتحدة، حيث لدى الجميع منابر لعرض نظريات مدعومة بحقائق، أو غير مدعومة، كما هو الحال مع من يقولون إن الرئيس أوباما ليس مواطنا ولد داخل الولايات المتحدة.

ويوم الخميس، نشرت المجلة تصويبا صغيرا على موقعها الإلكتروني، يقول إن دسوزا «أدخل تحريفا طفيفا» على كلام اقتبسه عن أوباما من خطاب أدلى به عن حادث التسرب النفطي بـ«بريتيش بتروليوم».

وقال دسوزا أيضا إن أوباما لم يركز في الخطاب على «استراتيجيات تنظيف». وجاء في تصويب «فوربس»: «ناقش خطاب أوباما إجراءات ملموسة للتحقيق في حادث التسرب النفطي والسيطرة عليه»، وقالت المتحدثة باسم «فوربس» إن التصويب يضع النهاية لمراجعة المجلة لهذه القضية.

ويتزامن الجدل مع إعادة تصميم «فوربس» تحت مشرفها التحريري الجديد، لويس دفوركين. ويشار إلى أن «فوربس» اشترت مؤخرا موقع الصحافة الحر لدفوركين، وفي بعض النواحي يحاول دفوركين أن يطبق هذا النموذج داخل «فوربس».

واللقب الذي حصل عليه هو مسؤول المنتج الأول، ويشرف على المحتوى التحريري للموقع الإلكتروني والمجلة، ولكنه ليس رئيس التحرير، حيث إن هذا الدور على عاتق ستيف فوربس. وبالنسبة لقرار نشر مقال دسوزا، قالت بيغلي «هذه عملية داخلية، وستيف فوربس هو رئيس التحرير».

ويعتمد المقال الذي نشر داخل «فوربس» على كتاب دسوزا «جذور غضب أوباما»، الذي ستنشره قريبا «ريغنري بابلشينغ» ويصدر في 4 أكتوبر (تشرين الأول). وقد أرسلت كاثلين سويتابل، وهي مسؤولة دعاية داخل «ريغنري»، تصريحا عبر البريد الإلكتروني نيابة عن دسوزا جاء فيه: «ثمة خطآن صغيران غير منطقيين تماما؛ ما غضب المنتقدون بشأنه ليس أخطاء في الحقائق، ولكن عدم توافق في التفسير».

وفي معرض تشويه فكرة أن أوباما أميركي، يضع مقال دسوزا، وهو مستشار سياسات سابق إبان رئاسة ريغان ومؤلف كتب حققت أعلى مبيعات، بصورة واضحة ثقلا فكريا اعتمادا على فكرة متطرفة من اليمين المتطرف، وهو أن أصول أوباما الكينية وطفولته داخل هاواي لا تجعله أميركا بصورة تامة.

وذكر دسوزا، كدليل على ذلك، تأييد أوباما للمركز الإسلامي ومشروع بناء مسجد بالقرب من غراوند زيرو (أرض مركز التجارة العالمي)، على الرغم من أنه لم يقل غير أن المسلمين لهم حق دستوري في بناء مسجد.

وشكك دسوزا أيضا في تعليقات أخيرة لرئيس «ناسا» قال فيها إن الرئيس أراد من الهيئة التواصل مع العالم الإسلامي للاعتراف بـ«مساهمة المسلمين التاريخية في العلوم والرياضيات والهندسة». ووصف دسوزا ذلك بأنه «تفويض غريب يحول هيئة فضاء إلى هيئة تواصل دولي وإسلامي».

وقد وصف غينغريتش نظرية دسوزا بأنها «ثاقبة بصورة مفاجئة»، فيما وصفها محرر داخل «كولومبيا جورناليزم ريفيو» بأنها «أسوأ نوع من التشويه للعمل الصحافي».

ومن بين أكثر النقاط إثارة للجدل في مقال دسوزا ذكره معاملة لمصرف الصادرات والواردات الأميركي لتمويل تنقيب بحري داخل البرازيل، وهي عملية يعتقد دسوزا أنها تشير إلى أن أوباما مهتم أكثر بمساعدة الدول التي تحت سيطرة قوى استعمارية بدلا من مساعدة الأميركيين أنفسهم.

وقد اتصل مسؤول عن التحقيق من البيانات داخل «فوربس» مؤخرا بالمصرف للتأكد من أن أوباما دعم عملية 2009 مع «بتروبراس»، وهي شركة نفط حكومية داخل البرازيل. وأكد دسوزا أن أوباما دعم الصفقة «ليس لينتهي النفط داخل الولايات المتحدة. ولكنه يدعم عمليات الاستكشاف داخل البرازيل حتى يبقى النفط داخل البرازيل».

وقد وجهت انتقادات لدسوزا لأنه لم يتصل بالمصرف قبل النشر، وذلك في مذكرة كتبها كيفين فارني، نائب الرئيس الأول ورئيس طاقم العمل داخل المصرف، ونشرت في قسم التعليقات داخل مدونة دسوزا، وأكدها متحدث باسم المصرف: «وصلتني مكالمة أمس من ناثان فردي، وهو مسؤول عن التأكد من الحقائق داخل (فوربس)، كان يتصل للتأكد من حقائق مرتبطة بمقالك بعد نشره.. هل هذه الطريقة التي يدار بها العمل الصحافي حاليا؟». وفي مقابلة، أوضح فارني أن العملية «بدأت عام 2008، ووافق عليها عام 2009 أعضاء مجلس عينه بوش». وعلاوة على ذلك، قال إن العملية مثل العملية البرازيلية، التي وفرت ضمانات قروض لـ«بتروبراس» لشراء أجهزة تنقيب وأمان من شركات أميركية، لم ترتق إلى مستوى الاهتمام الرئاسي. وقال فارني إن ذكر الصفقة كدليل على «آيديولوجية كينية معادية للاستعمار» من جانب أوباما «غير معقول، هذا كذب وخطأ».

* خدمة «نيويورك تايمز»