«قتل بالمسدسات» في رئاسات شبكات التلفزيون الأميركية

مع زيادة منافسة الإنترنت

جيف زوكر المدير التنفيذي الأسبق لمحطة «إن بي سي» التلفزيونية (نيويورك تايمز)
TT

مع زيادة دور الإنترنت، ليس فقط في مجال الرسائل والتقارير والصور والفيديو، ولكن، أيضا، في مجال نقل المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية ونشرات الأخبار التلفزيونية من حول العالم، كان لا بد أن تعاني وسائل الإعلام التقليدية. على الأقل في مجالين:

أولا: تعاني الصحف المكتوبة، وفي الولايات المتحدة تعاني صحف كبيرة مثل «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز».

ثانيا: تعاني قنوات التلفزيون التقليدية التي قل الإقبال عليها كثيرا. وصارت شركات تباع وتشترى.

وسط هذا التغيير الكبير في تاريخ الإعلام الأميركي، لم تهتز فقط مؤسسات وشركات، ولكن ناس: مديرين وموظفين. وتزيد المناورات والإشاعات والشتائم.

ففي الأسبوع الماضي، قال واحد من هؤلاء المديرين، بعد أن فصل: «ليس صعبا العثور على أشخاص قتلوا بالرصاص في مجال عملنا هذا؟ أنا دليل على ذلك. أنا قتلت بالرصاص».

في الأسبوع الماضي، أعلن جيف زوكر أنه سيتنحى عن منصبه كرئيس لشركة تلفزيون «إن بي سي» العالمية. ولم يكن هذا غريبا بعد أن اشترتها شركة «كومكاست» من شركة «جنرال إلكتريك» العملاقة التي تعمل، أساسا، في مجالات الأجهزة الكهربائية والمنزلية.

أعلن زوكر استقالته بعد ساعات من فصل جون كلاين من رئاسة شبكة تلفزيون «سي إن إن». وأيضا، لم يكن هذا غريبا بعد أن هبط عدد مشاهدي الشبكة بنسبة كبيرة جدا. رغم أن كلاين حاول، مؤخرا، زيادة العدد بتقديم برامج جديدة و«غريبة»: استضاف صحافيا بريطانيا تحول إلى قاض تلفزيوني. واستضاف حاكم ولاية نيويورك السابق إليوت سبيتزر، المشهور بفضيحة علاقات جنسية مثلية. واستضاف آخرين من شبكات تلفزيونية منافسة.

وقال زوكر إنه لم يفاجأ: «في تسعة وتسعين في المائة من الحالات، عندما تنفق شركة مليارات الدولارات لشراء شركة أخرى، هذا هو ما يحدث. أصبح واضحا بشكل متزايد بالنسبة لي خلال الشهور القليلة الماضية أن هذا هو ما سيكون».

لكنه أضاف: «كيف أشعر عاطفيا؟ سأكون كاذبا لو لم أقل أنه إحساس حلو ومر. لا يمكنك قضاء كل حياتك في مكان واحد، ولا تحس بحزن. يعمل هنا 15000 موظف. وأنا أعرف معظمهم، وأعرف كل سر في هذا المكان. لهذا، المغادرة صعبة للغاية». توضح استقالة زوكر وفصل كلاين (قبلهما استقال ديفيد ويستن، من رئاسة قسم الأخبار في تلفزيون «إيه بي سي») أن أكبر شركات تلفزيونية في العالم تواجه مرحلة صعبة لأكثر من سبب:

أولا: زيادة المنافسة بين القنوات بهدف كسب مزيد من المشاهدين. ولجوء بعضها إلى تقديم برامج وصفها بعض الناس بأنها إما «سخيفة» أو «جنسية» أو «لا معنى لها».

ثانيا: زيادة المنافسة من الإنترنت، الذي تحول، خلال العشرين سنة الماضية من إرسال رسائل إلى نشر تقارير إلى نشر صور إلى نشر فيديو إلى نشر أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية.

ثالثا: زيادة المنافسة بين شركات الاتصالات والتلفونات التي تنقل الإنترنت: شركات هواتف عادية، وشركات تلفونات فضائية وشركات كيبلات تحت الأرض. وكان طبيعيا أن تحاول بعض هذه الشركات دخول مجال الإنترنت نفسه.

لكن، مع كل شراء وبيع ودمج، تسقط رؤوس، وتحاك مؤامرات، وتظهر سكاكين وخناجر وعصي، ويكثر القيل والقال، مثل الإطاحة بزوكر الذي كان أكد في لقاء قبل أسبوعين من الإطاحة به أنه يقدر على التعاون مع شركة «كومكاست» بعد نهاية إجراءات البيع والشراء. وقال عنه رئيس قسم أخبار «إن بي سي»، ستيف كابوس: «جيف ثبت فينا روح العمل الجماعي العظيم. كان أكبر مشجع هنا للزملاء الجدد، وللذين نشأوا هنا».

ومثل الإطاحة بكلاين الذي عمل في منصبه لست سنوات، وكانت النهاية اجتماعا قصيرا مع رئيس شبكة «سي إن إن»، جيم والتون. وفي مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست»، وصف كلاين الإطاحة به بأنها وضعته في قائمة العاطلين، وإنها كانت «مفاجئة للغاية». وأضاف: «ليس صعبا العثور على أشخاص قتلوا رميا بالرصاص في مجال عملنا. أنا دليل على ذلك. أنا قتلت بالرصاص».

وقال اندرو هيوارد، الرئيس السابق لقسم الأخبار في شبكة «سي بي إس»، إن زوكر وكلاين ينتميان إلى «مجموعة الرجال المتعلمين الذين يتحركون في ثقة، وإن هذه الثقة تمكنهم من الاستمرار، رغم المحن والنكسات. كانا على استعداد لتحمل المخاطر، وتلذذا بالمنافسة في النشاطات التجارية».

ودخل على الخط جيفري ايملت، رئيس شركة «جنرال إلكتريك». وكرر مسرحية تحدث كلما ذهب مسؤول، استقالة أو إقالة: الثناء على المسؤول، وكأنه أحسن مسؤول على سطح الأرض. قال ايملت: «أحب جيف. وأنا متأكد بأنه يقدر على أن يتعاقد مع من يريد في وقت قريب». وطبعا، رفض ايملت أن يتحدث عن أي ضغوط أو إنذارات أو خناجر أو سكاكين أو مسدسات.

ثم دخل على الخط لام روبرتس، رئيس شركة «كومكاست» التي اشترت «إن بي سي». وفي ييان (خوفا من أن يغير صحافيون كلامه) أيضا اثنى على زوكر. وقال، في خليط من الدهاء والعداء: «عمل المستر زوكر في حياد وثقة. ويضعنا نجاح (إن بي سي العالمية) في موقف رائع. ونحن سعداء للدخول في شراكة مع شركة (جنرال الكتريك)».

طبعا، لم يقل روبرتس إن زوكر لا بد أن يكون وراء بعض هذا «النجاح». ولم يقل إنه هو الذي اشترط إبعاد زوكر. ولم يقل إن زوكر كان يمكن أن يستمر، ويواصل هذا «النجاح». في الجانب الآخر، لم يكن زوكر ملاكا. وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه لم يكن ناجحا عندما كان يشرف على قسم الترفية في تلفزيون «إن بي سي». وأنه دخل في سلسلة تحالفات ومناورات، وكان يميل نحو شركات الإنتاج الموجودة في نيويورك على التي في هوليوود. وزوكر نفسه اعترف بأخطاء ارتكبها. مثلا: عن فشله في حل «المشكلات المزمنة» في قسم الترفية. وقال: «هل كنت أرغب في المزيد من النجاح في قسم الترفيه في (إن بي سي)؟ نعم، بالطبع». واعترف بخطأ واحد مؤخرا على الاقل، وهو تحويل برنامج الفكاهي جاي لينو من وقت متأخر من الليل إلى «برايم تايم» (وقت الذروة). وقال إنها كانت «مخاطرة» و«ببساطة لم انجح في مسعاي».

وقال زوكر، ردا على سؤال لتحديد الخطأ الأكبر في وظيفته: «الشيء الذي يؤسفني أكثر هو أنني لم أتحرك بسرعة كافية لإصلاح قسم الترفية في الشركة».

لكن، في كل الحالات، نجح تلفزيون «إن بي سي العالمية» ماليا. وفي العام الماضي، ربح نحو 2.3 مليار دولار، منها 80 في المائة من قنوات الكيبل الفرعية (غير القناة الرئيسية التي تقدم أخبارا ومسلسلات وأفلاما). مثل قناة «سي إن بي سي» الاقتصادية. ومثل قناة «إم إس إن بي سي» السياسية.

وأيضا، نجحت المجموعة الأم «إن بي سي» التي تعمل في مجالات أخرى مثل أفلام «يونيفرسال». ونجحت محطات محلية وإقليمية تابعة للشركة الأم.

ربما لهذا تريد شركة «كومكاست» شراء شركة «إن بي سي»، قسما بعد قسم. دائما، توجد سمكة أكبر تريد أن تأكل سمكة اصغر. من يدري، ربما ستؤكل «إن بي سي» التلفزيونية، ولا يبقى لشركة «جنرال إلكتريك» غير الأجهزة المنزلية. غير الأفران والثلاجات والغسالات والمجففات.

لمواجهة الإنترنت، يزيد أكل أسماك لأسماك، ويزيد الضحايا، سواء شركات أو ناس.