المراقب الصحفي

TT

الصورة أبلغ من العبارة. ولذا، صارت تتجه أعرق الصحف العالمية إلى إبراز اللقطات المعبرة لتقلل من حشو الكلام المسهب الذي يستهلك أطنانا من الأوراق المكلفة سنويا. كما أن الصورة أكثر تأثيرا من النصوص، فمعاناة المجاعات حول العالم لن تؤثر فيها الكلمات المنمَّقة بقدر تأثير الصورة. وحتى تكون الصحيفة مؤثرة، يجدر بها الانفراد بصور خاصة مؤثرة تَعلق بذاكرة القراء.

وقد نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» في الفترة ما بين 2 - 4 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي نحو 85 صورة من وكالات الأنباء العالمية، و36 صورة خاصة بالصحيفة نفسها، ولم تشر إلى مصدر الصورة في نحو 71 صورة تقريبا، علما أننا استثنينا بعض الصور الشخصية (بورتريه). وإذا كانت نسبة الصور الخاصة بالصحيفة قليلة مقارنة بوكالات الأنباء، فإن الأسباب ربما تكون مادية مفهومة، ولكن تبقى أهمية أن تحرك الصحيفة عدسات مصوريها المحترفين نحو قلب الأحداث الساخنة، لتظفر بلقطات «يومية» تكون حديث الناس، على غرار لقطات كثيرة نشرتها، مثل: صورة الكعبة المشرفة التي التقطها مصور «الشرق الأوسط» من أعلى بقعة في مكة وربما في السعودية (برج الساعة)، ولقي نشرها على صدر الصفحة الأولى في العشر الأواخر من رمضان ردود فعل ملحوظة شاهدتها بنفسي. وصورة الممثلة العالمية أنجلينا جولي وهي ترتدي الحجاب في زيارتها لباكستان لتتفقد ضحايا الفيضانات، وبدت قسمات وجهها الجميل وكأنها فتاة خليجية حسناء. كانت صورة لافتة يألفها متابعوها.

ولا بد من أسلوب محفز تقوم به الصحيفة لبث الهمة في نفوس المصورين الذين يكابدون عناء الفوز بلقطة جميلة، مثل نشر الصورة الخاصة بالصفحة الأولى وهو - بحد ذاته - مكافأة كبيرة للمصور.

وهناك أفكار كثيرة يمكن أن تفيد القارئ، منها إعداد «تقارير مصورة» لأماكن تاريخية نادرة. ولحسن الحظ، فإننا نعيش في رقعة جغرافية تضم أهم الآثار العالمية، ولذا نجد الشرق والغرب يقصدنا للسياحة. فليت القائمين على الصحيفة يرسلون عددا من المصورين المحترفين إلى قلب أهرام الجيزة، يقودهم زميلنا عالم الآثار العالمي زاهي حواس للخروج بقصة خاصة ولقطات غير مسبوقة عن أسرار الأهرام المصرية. وإنه ليحُز في نفسي أن أجد في مكتبات الولايات المتحدة وبريطانيا معلومات عظيمة وصورا خلابة لا نراها في صحفنا العربية لتكون مادة تثقيفية ومسلية للعامة. خذ مثلا مدائن صالح (البيوت المنحوتة بالجبال)، وآثار الصحابة ومنازلهم، وغار حراء، ومواقع المعارك الإسلامية وغيرها. ولماذا نسافر إلى تركيا لرؤية مقتنيات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهي بين ظهرانينا؟ ألا يستحق قارئ الصحيفة أن نعد له تقارير أسبوعية مصورة (منوعة) على غرار مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» العريقة، التي قامت على أكتاف القصص الشائقة والتصوير الاحترافي؟ ولا أظن صحيفة «الشرق الأوسط» تقل مهنية وعزيمة عنها.

وهناك فكرة أخرى، لِمَ لا يقوم فريق من المصورين «المحترفين» بإعداد تقرير مصور عن سوق عكاظ العريق، الذي بث فيه الروح الأمير خالد الفيصل (أمير مكة المكرمة)، من خلال الاحتفاليات الوطنية والثقافية الدورية. هذا السوق معلم مهم من معالمنا، حيث كان ملتقى كبار شعراء العرب وخطبائهم وأدبائهم، وكان مكانا يضم في كنفه حكماء القبائل العربية. وربما أسهم تقرير مصور، مع معلومات موثقة بصحبة عالم آثار سعودي أو عربي، في تقديم مادة شائقة للأجيال الحالية التي لم يعاصر أحد منها هذا السوق! لا نقترح أن يكون «التقرير المصور» محصورا في الآثار، ولكن يمكن تنويعه وتشكيل فريق من الصحافيين والمصورين لوضع جدول سنوي لكل المواضيع المراد طرحها.

وما دمنا في إطار الصورة، فأود التعليق على الرسوم التوضيحية (Graphics) التي تشرح الأخبار برسوم معبرة مبسطة، فليت الصحيفة تكثر من هذه الرسوم؛ فالقارئ مهما كان نهما بالقراءة لم يعد لديه الوقت الكافي لقراءة كل شيء، وتبقى هذه الرسوم مادة تستحق الوقوف عندها لفهم مجريات الأحداث. وقد لاحظنا في الأسبوع الماضي رسمة توضيحية معبرة «خاصة» بـ«الشرق الأوسط» عن البن المستخدم حول العالم والكميات المستهلكة، فقد أغنت الرسمة الصغيرة الملونة عن مئات الكلمات، وكذلك الحال مع رسمة قصة أزمة العملة الصينية. ونرجو أن تزيد الصحيفة من هذه الرسومات، وخصوصا تلك الخاصة بالصحيفة لأنها أقرب إلى فهم القارئ مقارنة بالرسوم الجاهزة من الوكالات العالمية.

وبشكل عام، أذكّر بأن إشارتنا إلى أهمية إبراز الصورة والرسوم الخاصة لا يعني تجاهل ما تبثه وكالات الأنباء، فهناك لقطات مهمة للقارئ العربي، مثل الصورة التي لم تنل حظها من البروز وهي لمسؤول أمني في حماس يعرض كاميرا فيديو على شكل علبة أوراق ناعمة (مناشف) يستخدمها عملاء إسرائيل في غزة. يا لها من لقطة مثيرة وربما مريبة! ولا أشك في أن من القراء ما إن يرى علبة مناشف في فندق أو مطعم أو غيره تتبادر إلى ذهنه هذه الصورة. وهناك صورة أخرى مهمة بثتها إحدى الوكالات ونشرتها «الشرق الأوسط» بطريقة ذكية ومتناقضة مع العنوان، ربما لتثير فضول القارئ، حيث ظهر جنديان يمنيان وهما يمسكان بمسدس رشاش في أثناء تمشيطهما لأحد الأحياء السكنية، وكان يعلو الصورة عنوان: «صنعاء: (خليجي 20) ستقام في أجواء آمنة»!