الحياة دون صحف في كشمير الهندية

مع أسوأ نوبات العنف ومقتل 100 شخص في مظاهرات يومية

بائع هندي في أحد شوارع كشمير يعرض أعدادا قديمة من الصحف في انتظار انتهاء الإضرابات وعودة عجلة المطابع للدوران («الشرق الأوسط»)
TT

في الحقبة الحالية المتميزة بتمتع المرء بالقدرة على الاطلاع على أحدث الأنباء على نحو فوري في كل ثانية من اليوم تقريبا، يضطر الناس داخل القطاع الخاضع للإدارة الهندية من كشمير إلى متابعة حياتهم من دون الصحف لفترة تتجاوز أسبوعين في المرة الواحدة.

المعروف أن التوترات تعصف بالإقليم منذ أكثر من عقدين، وخلال الفترة الأخيرة شهدت كشمير واحدة من أسوأ نوبات العنف التي ألمت بها، مع اندلاع المظاهرات لأكثر من ثلاثة شهور ومقتل ما يزيد على 100 شخص وإصابة مظاهر الحياة الطبيعية بالشلل مع توقف المؤسسات التعليمية والتجارية عن العمل.

في سبتمبر (أيلول)، وعلى مدار أسبوعين متتاليين، منعت الصحف الكشميرية عن الصدور، ويدعي مسؤولو إدارة الصحف أنه نظرا لحظر التجول الذي فرض في أعقاب أعمال العنف المستمرة والتضييق المزعوم على مسؤولي التحرير والإدارة بالصحف، منعت الصحف من الصدور، وكانت تلك أطول فترة يمنع خلالها نشر الصحف خلال السنوات الـ15 الماضية.

جدير بالذكر في هذا الصدد أن الصحف حرمت أيضا من النشر خلال ذروة نشاط الحركات المسلحة في كشمير في مطلع تسعينات القرن الماضي، وحتى في الأوقات التي كانت تتمكن خلالها من الصدور كان يتحتم عليها نشر ما تفرضه عليها الجماعات الإرهابية.

في الوقت ذاته فرضت حكومة كشمير حظرا على تناول الأنباء والبرامج المعنية بالأوضاع الحالية من قبل قنوات الكيبل التلفزيونية ومنع بث الكثير من القنوات الأجنبية التي تنتمي غالبيتها إلى باكستان.

وجاءت تلك الإجراءات في أعقاب فرض حكومة كشمير حظرا على قناة «برس تي في» التلفزيونية الإخبارية الخاصة التي تتخذ من إيران مقرا لها، وذلك بعد نشرها تقريرا حول تدنيس مزعوم للقرآن الكريم داخل الولايات المتحدة، مما أسفر عن اندلاع مظاهرات غاضبة وعنيفة بكشمير خلفت وراءها 19 قتيلا.

من ناحيته أشار سريناغار ميراج، حاكم الإقليم، إلى أن «قرار حظر بث جميع القنوات غير المسجلة صدر عام 2008، ونحن لم نقم سوى بتنفيذه».

في المقابل ذكر ممثل عن اتحاد مشغلي الكيبل في كشمير أنهم تلقوا توجيهات من إدارة الولاية تطالبهم بوقف بث القنوات الإخبارية والأخرى الترفيهية الباكستانية.

وفي رد فعلها، هددت نقابة الصحافيين بكشمير، وهي الكيان الممثل للصحف الصادرة عن كشمير، باتخاذ «إجراء مباشر» حال فرض قيود مجددا تجعل من المتعذر نشر الصحف. وأكدت النقابة في بيان لها أنه «ليس هناك حظر رسمي على الصحف، لكن استمرار حظر التجول جعل من المستحيل نشر الصحف. وإضافة إلى ذلك، تتعرض فرق العمل المعنية بالتحرير والإدارة والإنتاج لمضايقات، لدرجة أن ضباط الشرطة لا يحترمون في بعض الأحيان جوازات المرور خلال فترات حظر التجول، وأحيانا يتجاهلونها».

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال علي محمد ساغار، مسؤول القانون في الولاية، إن الحكومة لم تفرض أي حظر على نشر الصحف. وأضاف: «قد تكون هناك حالات لم تسمح خلالها القوات للصحافيين بالتحرك. وهذه الحالات يمكن النظر فيها، لكننا لم نصدر أي أمر رسمي حول منع نشر الصحف».

في المقابل، تدعي نقابة الصحافيين أنه عندما قررت الصحف استئناف النشر بعد سبعة أيام من الحظر غير المعلن عليها، تعمدت قوات الشرطة وقوات شبه عسكرية مضايقة العاملين رغم حملهم «تصريحات مرور خلال حظر التجول» صادرة عن حاكم الإقليم. وانكشفت حقيقة «نفوذ» حكومة الولاية على أرض الواقع عندما مزقت هذه القوات «تصريحات المرور الخاصة حمراء اللون»، بل وأقدمت على الاعتداء على من يحملونها. وفرض حظر من جديد على توزيع الصحف، مما كبد المؤسسات الإعلامية خسائر تقدر بملايين الروبيات.

ويأتي تكميم أفواه الصحافة في كشمير رغم تعرض هذه الحكومة لتوبيخ متكرر من جانب المفوضيات والمنظمات الإعلامية بسبب هذا الأمر. فعلى سبيل المثال، دعت المفوضية الإعلامية جنوب الآسيوية الحكومة لرفع حظرها غير المعلن على وسائل الإعلام في كشمير. وأصدر المجلس الصحافي الهندي، وهو كيان شبه قضائي، مذكرة موجهة إلى حكومة جامو وكشمير، يطلب منها تفسير سبب القيود المفروضة على نشر الصحف ومنع الصحافيين من الاضطلاع بكامل واجباتهم المهنية أثناء فترة الاضطرابات الراهنة. كما ناقش المجلس خلال جلسة عقدت بحضور كامل أعضائه شكوى تقدمت بها ثلاث مؤسسات إعلامية تصدر صحفا في كشمير، بجانب مناشدة أطلقها صحافيون يعملون في جامو وكشمير للتدخل للحفاظ على حرية الصحافة في الولاية.

في هذا الصدد قال باشر البشير، رئيس تحرير «كشمير أوبزرفر»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «وقعت حالات كثيرة عندما كانت الصحف يجري نشرها، تعرضت خلالها جهود توزيع الصحف لمنع فعلي. وتقبع آلاف النسخ من الصحف داخل مكاتب المؤسسات الصادرة عنها. وقد أسفر هذا الأمر عن خسائر فادحة، بجانب حرمان الجماهير من الاطلاع على معلومات ضرورية خلال الأزمة الراهنة».

يذكر أن غياب الصوت الإعلامي أضاف إلى مشاعر الخضوع للحصار، التي سيطرت على المواطنين العاديين في كشمير الذين حبسوا فعليا في منازلهم لأكثر من ثلاثة شهور حتى الآن، مع تخفيف حدة حظر التجول المفروض من حين إلى آخر فقط.

في هذا الصدد قال فاروق جاويد، رئيس اتحاد المصورين الصحافيين بكشمير: «لا يسمح لنا بحرية الحركة. ورغم حصول الصحافيين على تصريحات مرزر خلال حظر التجول من إدارة الإقليم، فإنها تبقى عرضة للإلغاء أو الرفض في أي وقت لدى توقفهم في نقطة شرطية. وتعرض بعض الصحافيين لتهديدات، بل وحتى الضرب من جانب قوات الأمن. إنهم يجابهون مخاطرة طوال الوقت. إننا دائما في وجه الخطر أثناء عملنا». واستطرد جاويد بأن 20 مصورا صحافيا على الأقل تعرضوا للضرب من جانب قوات الشرطة والقوات شبه العسكرية هذا الصيف.

يذكر أن سنان إيجاز، مذيع نشرة الأخبار والمسؤول التنفيذي بقناة «جيه كيه تشانيل» التلفزيونية المحلية، تعرض للضرب الأسبوع الماضي عندما كان في طريقه إلى مكتبه. وجاء ذلك رغم حمله تصريح مرور خلال فترة حظر التجوال.

الملاحظ أن مهنة الصحافة اتسمت دوما بالصعوبة داخل كشمير نظرا لما يواجهه الصحافيون من تحديات تتمثل في الإرهابيين وقوات الأمن. وتشير الأرقام إلى أنه منذ عام 1995 لقي 12 صحافيا على الأقل مصرعهم في هجمات إرهابية، نجا الكثيرون من حوادث متكررة مع تعرض الصحافيين لهجوم شديد من قبل قوات الأمن الهندية، خصوصا أثناء تغطية المظاهرات.

في تلك الأثناء، وفي ظل غياب الصحف والمصادر الأخرى للمعلومات، ازدهرت وسائل الإعلام الجديدة. وشهد ما يطلق عليه «صحافة المواطنين» رواجا كبيرا، حيث حرص الشباب المسلحون بهواتف جوالة مزودة بكاميرات على تسجيل التوترات داخل إقليم كشمير المتنازع عليه، في محاولة لمكافحة ما اعتبروه قيودا شرطية مفروضة عليهم.

وعمد الشباب إلى التقاط صور ومقاطع فيديو عبر نوافذ منازلهم ورفعها على الكثير من مواقع الشبكات الاجتماعية على الإنترنت. ومن خلال ذلك تناقل الشباب الصور من هاتف إلى آخر ورفعوها إلى شبكة الإنترنت لتصل إلى جمهور يمتد إلى ما وراء حدودهم بكثير.

وأثبتت مواقع الشبكات الاجتماعية، رغم أنه من المفترض أنها تخضع للرقابة الهندية، أنها وسيلة اتصال أكثر فاعلية بكثير عن أي وسيلة اتصال سياسي سابقة في كشمير، حسبما أوضح شودابراتا سنغوبتا، الكاتب المقيم في نيودلهي والمعني بمتابعة القضايا الإعلامية بالهند. وأشار إلى أن «النضال الدائر في الشوارع وفي جوانب الفضاء الإلكتروني يغذي بعضهما بعضا»، واستطرد موضحا أن راشقي الحجارة يستغلون «فيس بوك» في عقد مناقشات أسبوعية حول المظاهرات وسبل محاسبة قادة كشمير وتبادل معلومات محدثة يوميا، وأن بعضها مشكوك في مصداقيته.

على سبيل المثال، أثار أحد مستخدمي الموقع جدالا حول دور المثقفين الكشميريين في النضال عبر نشر صورة رمزية للناقد الأدبي الفلسطيني - الأميركي إدوارد سعيد وهو يلقي بحجر بالقرب من الحدود الإسرائيلية - اللبنانية. في كشمير لا يعلن الكثير من المثقفين بوضوح موقفهم من النضال، رغم أنهم على الصعيد غير المعلن قد يبدون تأييدهم له.

وعرض مستخدم آخر للموقع يستخدم اسم «كالي خراب»، وهي كلمة تعني «المتهور»، سبل التصدي لتأثيرات الغاز المسيل للدموع وكيفية تقديم الإسعافات الأولية لضحايا إطلاق النار. كما اكتسب مقطع فيديو لعمليات إلقاء حجارة مكثفة من جانب متظاهرين دارت في خلفيتها أغنية «حجارة في يدي» شهرة واسعة.

وعلق رايس، أحد المتظاهرين الشباب، والذي رفع مقطع فيديو إلى «فيس بوك» يوضح مجموعة من قوات شبه عسكرية وهي تلقي الحجارة وتحطم نوافذ منازل بضاحية سريناغار، بقوله: «بسبب هذه الأدلة المصورة التي لا يمكن نفيها، بدأ البعض من خارج كشمير في تصديق حقيقة الظروف التي نعيشها».

الملاحظ أن مواقع الشبكات الاجتماعية مثل «فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب» تحولت سريعا إلى أدوات للاعتراض في خضم حركة ظهرت عبر الفضاء الإلكتروني تغذيها مشاعر غضب عام متأججة. ويقدر خبراء بمجالي التسويق وتكنولوجيا المعلومات أن 40.000 مقيم في كشمير على الأقل يشاركون في «فيس بوك».

وظهرت في الفضاء الإلكتروني مجموعات عمدت إلى تسليط الضوء على التوترات التي يشهدها الإقليم، مثل «أنجومان أي حماية أي سانبزان أي كشمير» (اتحاد مُلقي الحجارة في كشمير) و«كوشور مظلوم» (الكشميريون العاجزون)، و«مواطنو كشمير» و«بليدنغ براديس» و«الاعتراض على المذابح ضد الكشميريين» والتي سجلت أكثر من 1000 «إعجاب» على موقع «فيس بوك»، في الوقت الذي نجحت مجموعات أخرى مثل «كشمير كرايز» (صرخات كشميرية) و«كشمير ويل وين» (كشمير ستفوز) في اجتذاب جمهور لا بأس به.

في تلك الأثناء تحول فيزان ساماد، 18 عاما، وهو طالب، إلى أول «متظاهر افتراضي» تلقي شرطة كشمير القبض عليه. وأعلنت الشرطة أنها لا ترغب في منع الاعتراضات عبر العالم الافتراضي، لكن لا ينبغي أن يتجاوز أحد الخط الفاصل بين «التعبير عن الرأي» و«الدعاية».

في هذا الصدد قال مفتش الشرطة العام بمنطقة كشمير، إس. إم. ساهاي: «ألقي القبض على فيزان ساماد بسبب نشره قائمة بأسماء ضباط شرطة في كشمير على (فيس بوك)». وأضاف: «ما دام الاعتراض لا يحرض على العنف فلا بأس به. وإذا كان هناك رأي يجري طرحه عبر (فيس بوك)، سنرغب في سماعه. لكن إذا تحول هذا الموقع إلى أداة دعائية للتحريض على العنف، حينئذ سنتخذ إجراء».

وقالت الشرطة إنها عثرت على عنوان فيزان على صفحة «فيس بوك» الخاصة به. وقد ألقت القبض عليه منذ بضعة أيام. وأشار أحد الضباط إلى أنه «أخبرنا أن شخصا آخر يدعى عمر، عرف نفسه على (فيس بوك) باعتباره كشميري مسلم، طلب منه نشر قائمة أسماء الضباط. ونعكف حاليا على التحقيق في القضية».

من ناحية أخرى، قال أحمد الذي رفض ذكر اسمه بالكامل خوفا من إلقاء القبض عليه: «أنا جندي مجهول لصالح حركة المقاومة في كشمير، وأستخدم (فيس بوك) و(يوتيوب) في النضال ضد الهند». وكشف أحمد بعض أعماله الأخيرة، وكان منها مقاطع مصورة لمظاهرات وصور على خلفية أغنية «لا تبكِ يا صغير» للمطرب سامي يوسف المقيم بلندن.