إسلام آباد: صحف تواجه خطر الانقراض بسبب الإعلام الإلكتروني

انخفاض في المبيعات والإعلانات مع وجود 40 محطة مستقلة تبث الأخبار بالأردية والإنجليزية

TT

في الوقت الذي تمكنت فيه العديد من الصحف الرائدة في باكستان من النجاة والحفاظ على وجودها بعد الهجمة التي تعرضت لها من وسائل الإعلام الإلكترونية خلال السنوات الثماني الماضية، فإن العديد من الصحف متوسطة الترتيب تواجه الآن خطر الانقراض، وذلك حسبما يرى مدير التوزيع بإحدى مؤسسات الإعلام الباكستانية الرائدة التي مقرها إسلام آباد.

وقد شهدت الصحف متوسطة الترتيب، خلال الثماني سنوات الماضية، انخفاضا كبيرا في عائداتها من الإعلانات، وهو ما دفع إداراتها إلى تسريح أعداد كبيرة من الموظفين.

وقال مدير التوزيع: «منذ مايو (أيار) 2008، والصحف في باكستان تسجل انخفاضا في توزيعها يتراوح بين 15 - 20 في المائة».

ووفقا لخبير في وسائل الإعلام، فإن حصة كبيرة من سوق الإعلانات في باكستان تذهب إلى الصحف الناطقة باللغة الأردية (اللغة الرسمية في البلاد)، «فيما تحتل الصحف الناطقة باللغة الإنجليزية جزءا صغيرا من السوق».

كما كانت الصحف متوسطة الترتيب، ذات التوزيع المنخفض، هي الأكثر تضررا من ظهور المحطات الإخبارية، حيث تقلصت إلى حد كبير حصتها من إعلانات القطاع الخاص.

وقال الخبير الإعلامي: «إن الصحف المرتبطة بدور النشر الكبيرة مثل جانغ وناوا - إي - وقت وديلي إكسبرس ما زالت هي رائدة صناعة الصحافة في البلاد، وذلك على الرغم من أنها سجلت أيضا انخفاضا في توزيعها».

وأضاف مدير التوزيع: «إن الصحف متوسطة الترتيب مثل أخبارين والأخبار وباكستان أوبزيرفر تواجه خطر الانقراض».

ويشير الخبير الإعلامي إلى أن بعض هذه الصحف قد تحول إلى دمى وفقد الكثير من قيمتها: «وتعتمد هذه الصحف فقط على الإعلانات الحكومية وشراء بعض الإدارات الحكومية لعدد معين منها للحفاظ على بقائها».

ومنذ ظهور وسائل الإعلام الإلكترونية، فإن الصحافة المطبوعة ككل تتراجع بسبب تأثير المحطات الإخبارية، التي أدى وجودها في الحياة اليومية للمجتمع الباكستاني إلى تغيير الطريقة التي ينظر بها المواطنون للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد.

وتقول رنا قيصر، رئيسة التحرير المقيمة لصحيفة «باكستان توداي»، وهي صحيفة يومية، بدأت العمل في 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2010 والتي تعتزم إحداث ثورة في صناعة الصحف: «إن التغيير الذي أحدثته المحطات الإخبارية كان هائلا بينما كانت الصحافة المطبوعة بطيئة في الاستجابة له».

ولم تشهد باكستان إطلاق أي صحيفة إخبارية في السنوات القليلة الماضية، باستثناء صحيفة «هيرالد تريبيون»، التي انطلقت منذ شهرين والتي لم تحقق نجاحا يذكر حتى الآن.

وقال مدير التوزيع بإحدى الصحف الكبرى: «إن أسباب الانخفاض في بيع الصحف كثيرة ويعتبر وجود المحطات الإخبارية أحد أبرز هذه الأسباب».

وقبل عشر سنوات كانت الصحف هي المصدر المستقل الوحيد للمعلومات بالنسبة للباكستانيين، حيث كانت الحكومة تحتكر الإعلام الإلكتروني.

ولكن هذا الواقع تغير عندما سمحت حكومة الرئيس السابق برويز مشرف للقطاع الخاص بامتلاك وتشغيل المحطات التلفزيونية الإخبارية، والآن يوجد نحو 40 محطة إخبارية مستقلة تبث الأخبار باللغتين الأردية والإنجليزية واللغات المحلية المختلفة.

وهذه المحطات الإخبارية تنقل دقيقة بدقيقة كل ما يجري في الدوائر الحكومية. وتقول رنا قيصر، محررة صحيفة «باكستان تودي»: «إن تغطية محطات الأخبار تبدأ من اجتماعات رئيس الوزراء، وأحاديث الرئيس للصحافة، وزيارة رئيس أركان الجيش للمناطق القبلية إلى أن تصل لخسارة منتخب باكستان لمباراة كريكيت في استراليا، وبعبارة أخرى فإن المحطات الإخبارية تغطي أي شيء يحدث وهذا يشكل تحديا كبيرا للصحف ويفرض عليها تغيير مضمونها. إذ لماذا سينتظر القارئ لمدة 12 ساعة لقراءة ما قاله رئيس الوزراء عن قضية معينة في الوقت الذي تقوم المحطات الإخبارية ببث حديث رئيس الوزراء خلال نشرات الأخبار التي تبث كل ساعة».

ولكن معظم الصحف لم تغير محتواها، وعلى سبيل المثال فإن تصريحات القادة السياسيين (بما في ذلك رئيس الوزراء والرئيس وغيرهم من زعماء المعارضة السياسية) لا تزال تظهر على الصفحات الأولى للصحف، على الرغم من أن هذه التصريحات بثتها المحطات الإخبارية بعد دقائق فقط من التصريح القادة السياسيين بها.

وتقول قيصر: «ولا تزال تبرز الصحف اجتماع مجلس الوزراء الفدرالي، ولا تأخذ في الاعتبار حقيقة أنه في الوقت الذي تظهر أنباء هذا الاجتماع فيها، فإن القارئ يكون قد سمع بالفعل هذا الخبر ما لا يقل عن ثماني مرات في النشرات التي تذاع كل ساعة على المحطات الإخبارية».

ولكن هذا البيان لا يوضح تماما مدى تعقيد المشهد الإعلامي في باكستان في الوقت الحاضر، ويقول مدير التوزيع: «لا يزال يهتم عدد كبير من القراء بالتفاصيل، والصحف هي الوحيدة القادرة على إمدادهم بها».

لكن الرغبة في التغيير بالفعل تسيطر على عقول رواد صناعة الصحف. وقد صرح رئيس تحرير إحدى كبريات الصحف في باكستان لـ«الشرق الأوسط»، شريطة عدم الإفصاح عن هويته، بأن الرغبة في القيام بتغيير أصبحت محسوسة في جميع الصحف، «الجميع يتفق على أنه يجب القيام بتغيير ومعظمنا يتفق أيضا على محتوى هذا التغيير ولكن المشكلة الوحيدة هي كيفية القيام بهذا التغيير».

وقال رئيس التحرير إن الصحف في باكستان سوف تضطر إلى تغيير الطريقة التي تتعامل بها مع البيانات السياسية والبيانات الصادرة عن الوزارات والدوائر الحكومية.

وأضاف قائلا: «ولهذا نحن بحاجة إلى المزيد من الأموال والمزيد من الوقت، وكلاهما غير متوفر لصناعة الصحف لأن معظم عائدات الإعلانات أصبحت تذهب إلى المحطات الإلكترونية».

وقد وصفت قيصر المشكلات التي تعاني منها صناعة الصحف باقتدار: «عندما بدأت المحطات الإخبارية عملها في باكستان عينت صحافيين مدربين من الصحف مقابل رواتب عالية، والآن تعمل هذه الصحف من دون أولئك الصحافيين المدربين، والجيل الجديد المتخرج من الجامعات ليس لديه اتصالات وغير ماهر باللغات، لذلك علينا أن نبدأ من الصفر».

وقال رئيس تحرير إحدى الصحف الرائدة في باكستان لـ«الشرق الأوسط» إنه إذا بدأ في إدخال تغييرات في صحيفته، فإن الأمر سيستغرق ما لا يقل عن سنتين لكي تحقق هذه التغيرات نجاحا، «التغيير سوف يعني إقناع الصحافي بالتوقف عن كتابة القصص الروتينية والبحث عن القصص الحصرية خاصة غير السياسية والقصص الإنسانية».

في ظل هذا السيناريو القاتم لصناعة الصحف، فإن عددا قليلا من الصحف في باكستان يقوم بقيادة باقي المؤسسات الإخبارية. فصحيفة «ذا نيوز» الناطقة باللغة الإنجليزية كانت أكبر صحيفة من حيث التوزيع في باكستان حتى قبل ظهور المحطات الإخبارية، لكن الصحيفة لا تزال تسجل زيادة في مبيعاتها بسبب سياستها المناهضة للحكومة.

ولا يكاد يمر يوم من دون أن تقوم «ذا نيوز» بنشر فضيحة تتعلق بحكومة حزب الشعب الباكستاني أو أي من وزرائها. وتعلق قيصر على ذلك قائلة: «أنا أوافق على أن أي صحيفة في باكستان لا تستطيع الهروب تماما من الاتجاه الذي تقدمه ذا نيوز. أنا اعتقد أن الصحف الأخرى قد لا تتفق تماما مع هذا النمط لكنها قد تتمكن من تنقيح الفكرة».

ويقول باعة الصحف إن الصحف الناطقة باللغة الأردية تنشر تقريبا بالضبط نفس المضمون الذي تبثه المحطات الإخبارية في اليوم السابق، وبالتالي فهي الأكثر تضررا من الركود الحالي في صناعة الصحف في باكستان.

وقال الخبير الإعلامي: «في حالة الصحف الأردية من المؤكد أنها تقدم نفس المضمون الذي تبثه المحطات الإخبارية خلال النهار».

وقد بدأت بعض الصحف الناطقة باللغة الإنجليزية في تغيير محتوى صفحتها الأولى، على سبيل المثال، فإن معظم الصحف الناطقة باللغة الإنجليزية، تنشر أخبار مباريات الكريكيت الباكستانية في الصفحة الأولى. كما أصبحت الصحف أكثر حرصا على نشر الصور الفوتوغرافية للفنانين وغيرهم من المشاهير على الصفحة الأولى بدلا عن السياسيين البارزين.

وقال خبير الإعلام لـ«الشرق الأوسط» إن صناعة الصحف التي كانت تعاني بالفعل تحت تأثير المحطات الإخبارية ارتكبت خطأ استراتيجيا في 1 مايو 2008 عندما قررت زيادة سعرها من 15 روبية إلى 22 روبية: «وأدى هذا إلى انخفاض كبير في مبيعاتها».

وقد واجهت وسائل الإعلام الإلكترونية أزمة مالية، خلال العامين الماضيين، في أعقاب قرار كبرى شركات القطاع الخاص خفض ميزانيتها للإعلان. وقد اضطر هذا المحطات الإخبارية الكبيرة لتسريح عدد كبير من موظفيها. وكثير من العاملين في صناعة الصحف يعتبرون أن الأزمة التي تتعرض لها المحطات الإخبارية تمثل فرصة لهم.