المشهد السمعي في تونس: كثير من الموسيقى والأغاني.. وقليل من الكلام

«موزاييك» و«جوهرة» برامجهما موسيقية واجتماعية.. و«الزيتونة» ذات طابع ديني

TT

منذ أن انطلق البث الإذاعي في تونس سنة 1938، لم تصمت تلك الذبذبات ولو للحظة خلال أكثر من 70 سنة من الحديث المتواصل مع المستمعين، وللإذاعة عشاقها ومريدوها الذين لم يستطيعوا تغييرها في عصر الفضائيات المتلونة الآتية من كل حدب وصوب.. ولئن انطلقت أول محطة إذاعية تونسية في العمل بصفة رسمية في 15 أكتوبر (تشرين الأول) من سنة 1938، فإن التاريخ يذكر أن سنة 2003 ستكون مهمة في تاريخ المشهد السمعي التونسي بدخول أول إذاعة خاصة مجال البث الإذاعي بعد عقود طويلة من سيطرة القطاع العام على كامل المشهد.

وخلال سنة 1961 خرج البث الإذاعي من مركزية العاصمة التونسية وتوجه نحو الجهات ليتم بعث الإذاعة الجهوية بصفاقس وهي أول إذاعة جهوية يتم بعثها خارج العاصمة التونسية وهي تبث برامجها باللغة العربيّة خلال 20 ساعة يوميّا وتغطي مناطق الساحل والوسط والجنوب الشرقي.. ثم جاءت سنة 1977 لنرى الإذاعة الجهوية بالمنستير وهي إذاعة بعثت في مسقط رأس الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي السابق وتبث برامجها باللغة العربية وذلك خلال 21 ساعة، وتغطي مناطق الساحل والوسط والوطن القبلي ليصبح المشهد الإعلام السمعي في تونس أكثر ثراء بعد تغيير سنة 1987 حيث بعثت مجموعة من الإذاعات الجهوية العاملة على ذبذبات «إف أم» من بينها إذاعة «قفصة» (650 كلم جنوب العاصمة) تبث برامجها باللغة العربية وتغطي مناطق الجنوب الغربي.. أما إذاعة «الكاف» (160 كلم شمال غرب العاصمة)، فهي تغطي مناطق الشمال الغربي وكلتا الإذاعتين بدأتا البث سنة 1993.

ثم جاء الدور على إذاعة «تطاوين» (600 كلم جنوب شرقي العاصمة) سنة 1993 وهي تغطي مناطق الجنوب الشرقي. وفي سنة 1995 تم بعث إذاعة «الشباب» وهي تغطّي كامل تراب البلاد، وكل هذه الإذاعات راجعة بالنظر للحكومة التونسية.

وسننتظر سنة 2003 للإعلان عن بعث أول إذاعة خاصة تحمل اسم إذاعة «موزاييك» وذلك بعد أن ظل الإعلام السمعي البصري منذ استقلال البلاد أي طوال 47 سنة امتدت من سنة 1956 إلى سنة 2003، رسميا وفي يد الدولة. الإعلامي نور الدين بوطار مدير أول إذاعة خاصة في تونس، قال عند انطلاق بث الإذاعة إنها «مفتوحة على كل المبادرات، وتعمل من أجل أن يكون فضاء يكرس حرية التعبير، ويعكس حقيقة المجتمع التونسي بلا رتوش ولا مساحيق». وأصبحت تلك المحطة الإذاعية تخصص 70% من البث اليومي للموسيقى والأغاني، وأصبحت «موزاييك» الإذاعة الأكثر استماعا لأصحاب سيارات الأجرة والتاكسي، إلا أنها تعرضت لانتقادات عديدة باعتبارها تشجع اللغة العامية وتهاجم اللغة العربية في عقر دارها.

وتم بعث إذاعة «جوهرة إف إم» الخاصة كإذاعة ثانية سنة 2005... وخلال سنة 2006 تم بعث إذاعة تونس الثقافية وهي على ملك الحكومة وبدأت في بث برامجها في 29 مايو(أيار) من سنة 2006... وخلال سنة 2007 تم بعث أول إذاعة دينية في تونس تحمل اسم «إذاعة الزيتونة للقران الكريم» وهي تبث برامجها على امتداد 24 ساعة يوميّا. ومنذ يوم الاثنين 27 سبتمبر(أيلول) الجاري أصبح المشهد السمعي في تونس مكونا من 13 محطة إذاعية تسع منها مملوكة من قبل الحكومة التونسية و4 فقط هي إذاعات خاصة.

حول انفتاح المشهد السمعي في تونس، قال زياد الهاني عضو هيئة النقابة التونسية للإذاعات الحرة، إن النقابة ترحب بكل انفتاح في المشهد الإعلامي وبعث الإذاعات والتلفازات الجديدة من قبل الخواص، لكنها تطالب في نفس الوقت بأن يتم ذلك في إطار الشفافية والمساواة بين جميع التونسيين لا أن تحتكر هذا الانفتاح فئة واحدة من المقربين من دوائر السلطة في إشارة إلى عدم استجابة السلطات التونسية لقرابة 10 مطالب لبعث إذاعات خاصة البعض من تلك المطالب يعود إلى سنة 1996.

ويضمن الدستور التونسي في فصله الثامن حرية الفكر والتعبير والصحافة والنشر، ويشرف على القطاع السمعي البصري في تونس المجلس الأعلى للاتصال الذي من مهامه النظر في المطالب المتعلقة بإنشاء محطات إذاعية وتلفزيونية خاصة.. وتم في السنوات الأخيرة تنقيح قانون الصحافة في اتجاه تحريرها، ففي سنة 2001 ألغيت تهمة «ثلب النظام العام»، وفي يناير (كانون الثاني) من سنة 2006 ألغي إجراء الإيداع القانوني والعقوبات المترتبة عنه للمنشورات المحلية. وعلى الرغم من تطور عدد المحطات الإذاعية، فإن أغلب وسائل الإعلام التونسية تتبنى بصفة عامة وجهات نظر الحكومة وتتجنب عادة الخوض في المواضيع السياسية والاقتصادية. ويتعرض وضع الإعلام التونسي لانتقادات من بعض المنظمات المحلية والدولية...

وعلى الرغم من ارتفاع نسبة المستمعين للإذاعات الخاصة بالمقارنة مع الإذاعات الحكومية التي سيطرت على أذن المستمع لعقود متتالية، فإن إذاعتي «موزاييك» و«جوهرة» على سبيل المثال، لا تبثان برامج سياسية ومعظم البرامج رياضية وموسيقية واجتماعية، في حين أن إذاعة الزيتونة لا تبث غير البرامج الدينية. وكان المسؤولون على إدارة إذاعة «شمس إف إم» قد أكدوا خلال ندوة صحافية عقدت نهاية الأسبوع الماضي، على أن الإذاعة الخاصة الجديدة لن تشذ عن القاعدة وستعتمد بدورها أسلوب الترفيه والمسابقات والبرامج الإذاعية الخفيفة الموجهة للفئات الشابة لتبقى البلاد في حاجة ماسة لمحطة إذاعية تقترح حوارات حول الملفات السياسية وتطرحها للمناقشة.