الصحافيون المخضرمون وتجربة الانتقال إلى الصحافة الإلكترونية

تحولت بعض المنابر الإعلامية إلى علامات تجارية لأفراد

TT

إذا كنت ستختار يوما بؤرة محورية تظهر وسائل الإعلام السائدة، لربما نظرت إلى هوارد كيرتز من صحيفة «واشنطن بوست» على أنه مكان لا بأس به. فمن خلال بطاقة النتائج عن الصحافيين داخل «واشنطن دي سي» ومقابلاته مع آخرين في برنامجه «مصادر موثوقة» على «سي إن إن»، وسحره المستمر مع شبكة الأخبار، جسد كيرتز أسلوب الصحافة التقليدية.

وكان ذلك حتى الأسبوع الماضي، حين أعلن أنه سيترك كرسيه المميز ليصبح مسؤول مكتب واشنطن بالموقع الإخباري «دالي بيست»، وهو موقع صحافي رقمي أسسته قبل عامين تينا براون وتمتلكه «آي إيه سي»، التي يديرها باري ديلر. وقد كان هذا التغيير في مشوار كيرتز المهني مفاجئا، وكان أشبه بما قام به ديلان في مهرجان «نيوبورت فولك» عام 1965.

وفي أعقاب قرارات من جانب هوارد فينيمان من «نيوزويك» وبيتر غودمان من «نيويورك تايمز» بالذهاب إلى «هافينغتون بوست»، يبدو ذلك الواقع يتغير بصورة غير متوقعة.

تسبب رحيل بعض المخضرمين في استهجان على شبكة الإنترنت، علاوة على إشارات إلى أن المهاجرين من وسائل الإعلام الشعبية شقوا طريقهم على ظهر أشخاص اعتنقوا هذا الاتجاه في أوله. وفي الواقع، لا أشعر بذلك. وعلى الرغم من أنه سيعمل في صحيفة، فإن كيرتز اتجه إلى شبكة الإنترنت مبكرا وغالبا داخل «واشنطن بوست»، وأرسل قصصا كافية للنسخة المطبوعة وعلى شبكة الإنترنت وللإذاعة. يحظى كيرتز بشهرة كبيرة، كما أنه مثمر بشكل استثنائي، وهو مزيج نادر داخل أي منبر. (وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني، وصف كيرتز عمله المقبل بـ«خطوة تطورية وليست ثورية، حيث إنني قمت بالكثير من الأعمال من خلال المدونات»).

وقد تحولت المزيد والمزيد من المنابر الإعلامية إلى اتحاد لعلامات تجارية لأفراد مثل كيرتز. وباتت الصحافة أشبه بالرياضة، حيث تقوم مجموعة بدور اللاعبين يعملون كداعمين للصحافيين ذوي الأجور المرتفعة. ومن ينتقلون بعد سنوات من العمل في الصحافة، سيجربون نشر سحر بعض المقالات في موقع مثل «وورد برس» وإرسالها إلى العالم لتناضل من أجل ذاتها.

إنها تجربة مريرة، ففي الأشهر الختامية لسباق الحملة الرئاسية عام 2000 كنت أعمل في موقع «Inside.com»، وهو موقع أخبار رقمي يعود إلى بداية ظهور هذه المواقع. ثم تركت العمل في التحرير في صحيفة أسبوعية في واشنطن وانتقلت إلى مدينة نيويورك للانضمام إلى «dot - com» الفكاهي. وفي حفل الوداع أدوا جميعا محاكاة ساخرة لأغنية «قطار منتصف الليل إلى جورجيا»، ليبدلوها إلى «قطار منتصف الليل إلى أي مكان».

لقد كانوا جميعا على حق، فبعد عام لم أصل إلى شيء. فقد كان التوفيق غير مصاحب لموقع «دوت كوم»، الذي كان يفتقر إلى نموذج عمل واضح، وكل من عمل هناك كان يضطر إلى مغادرة المكان. لكن زملائي في الصحف الورقية كانوا كذلك أيضا، مخطئين للغاية. فالشبكة كما اكتشفت ذلك سريعا آلة صحافية واسعة التأثير.

وبينما كانت الحملة الرئاسية لعام 2000 في طريقها إلى الانتهاء، تحدثت إلى واحد من المجموعة الصحافية على طائرة الحملة، وكشفوا لي عن أن استطلاعا للرأي أجري على الطائرة وجد ميلا كبيرا إلى آل غور. ومن غرفة مليئة بأجهزة الكومبيوتر كتبت بضع مئات من الكلمات وضغطت الزر «دخول».

خلال عشر دقائق تهافتت المؤسسات الإخبارية على مقالتي وتبع ذلك بعض الاضطراب الخفيف حول موضوعية الصحافة. لقد كانت تلك لحظة الانتصار بالنسبة لي، وإطلالة على المستقبل عندما تظهر الأخبار مهما كان مصدرها أو الشخص الذي كتبها.

كان من الواضح حينها أن الشبكة بتكلفتها البسيطة كانت الطريقة الأبرز للنشر، لكن بعد عشر سنوات من التحرير مقابل أجر على الشبكة لا يزال الأمر مثبطا للهمة. والسبب في أن كل الصحف تبيع نسخها الورقية في الشارع هو أننا نحصل على الكثير من المال في المقابل. وفي المقابل فعلى الرغم من كل الصور التي يمكن وضعها على الموقع فإننا لا نزال نتلقى القليل جدا في المقابل.

وعلى الرغم من أن العمل الإخباري الرقمي لا يزال لغزا - ستخبرك غالبية الموقع أنها ستربح العام المقبل، على غرار ما اعتدنا قوله في موقع «Inside.com» - فإن السوق كان لها رأي مغاير. فمجلة «نيوزويك»، التي بنت شهرتها ونمت على مدار عقود بيعت مقابل دولار واحد هذا الصيف، على الرغم من أن موقعا مثل «تيك كرانش»، وهو موقع إخباري أنشئ قبل خمس سنوات أبلغ عن أرباح بقيمة 25 مليون دولار عندما بيع لشركة «إيه أو إل».

السرعة التي يمكن للمنابر الإعلامية أن تتوسع بها - مثل موقع «هافينغتون بوست» المثال الأكثر وضوحا - يعني أن الحواجز لدخول ذلك اختفت أمام الجميع.

وعلى مستوى صحافي، نجد هذا الملعب الجديد ممهدا بدرجة أكبر. ويتابع الكثير من الناس الأخبار مجمعة على شبكة الإنترنت، وعندما يلاحظون رابطا يثير اهتمامهم، ينقرون عليه من دون التفكير في المؤسسة الإخبارية التي تقف وراءه. وقد أصبح مصدر المعلومة شيئا ثانويا.

وبصورة متزايدة، يصبح الفارق بين وسائل الإعلام الشعبية ووسائل الإعلام الرقمية غير حقيقي. وتتلاشى خطوط كانت واضحة من قبل. ويمكن لمن شاء النظر إلى مواقع «غاوكر» و«سي إن إن» و«إن بي آر» و«وول ستريت جورنال» من خلال جهاز «آي باد»، وليقل من دون النظر إلى الاسم أيها موقع مدونة أو شبكة تلفزيونية أو شبكة إذاعية أو صحيفة. تحتوي جميع المواقع على نص وروابط ومقاطع فيديو وصور. ويغير الإطار الجديد حول المحتوى الطريقة التي ينظر بها الناس ويتفاعلون بها مع الصورة الموجودة في المنتصف.

كما أن التقارير الصحافية ليست حكرا على شباب الصحف القدماء من أمثالي. وقد قامت مواقع إخبارية إلكترونية مثل «ياهو» و«هافينغتون بوست» و«غاوكر» و« بيزنس إنسايدر» و«إيه أو إل» بالتحرك بقوة خلال الأسابيع القليلة الماضية من أجل الحصول على مواهب صحافية إضافية، لاعتقادها أنه على الرغم من أهمية التجميع فإنه لا يكفي.

وعليه، إذا كان الخبر في أي المكان يجده المواطنون، فما هي قيمة عمل منتج مطبوع معقد به عمالة كثيرة؟ فكرت في ذلك كثيرا الأسبوع الماضي عندما أرسلت قصة عملت عليها لأشهر - عن قيادة «تريبيون كومباني» - إلى المطبعة، وهو مصطلح ليس استعارة، ولكنه ممارسة يومية هنا داخل «نيويورك تايمز». كانت هناك صور كثيرة للمقال، ومقدار كبير من التغذية العكسية من هنا وهناك وعملية تأكد من المعلومات والتأكد من الكتابة، وكل ذلك جزء من جهود تهدف إلى نشر شيء دقيق في مساحة محددة ووقت بعينه.

وفي نهاية الليلة، طفقت أفكر في المعجزة الفنية التي تسمى صحيفة يومية. وكانت القصة على وشك الانتقال إلى الإنترنت وإلى الصفحة الأولى من صحيفة قومية كبرى.

وكانت هناك مختلف أنواع الردود، واشتعل موقع «تويتر» وجاءت المئات من التعليقات تحت المقال. ولا يقف هذا الأمر على صحيفة «نيويورك تايمز»، ففي مختلف الأنحاء، تتمكن صحف إقليمية يومية من تحديد أجندة الأعمال المدنية.

وفي الواقع، فإنه حتى خلال 2010، عندما ينظر إلى منتج مطبوع كقطعة أثرية غريبة قديمة، يوجد شيء آخر بشأن هذه العملية، عن كل هذه الأيدي، وحول استمرار المطبوع، يجعل القصة لها صدى بصورة لا يمكن قياسها بمقاييس رقمية. أحب الأخبار الساخنة على شبكة الإنترنت مثل أي شخص آخر، ولكن في بعض الأحيان، لا توجد مدرسة مثل المدرسة القديمة بالنسبة لبعض القصص.

* خدمة «نيويورك تايمز»