فائق بطي يؤرخ للصحافة الكردية في العراق

قسم الموسوعة إلى فصول تبدأ بتوثيق بداية الصحافة وتنتهي بتحليل للمطبوعات الصادرة

فائق بطي
TT

يعكف عميد الصحافة العراقية، الدكتور فائق بطي، على كتابة موسوعة خاصة بالصحافة الكردية، تتناول مسيرة الحركة الصحافية الكردية عبر تاريخها، والتي شهدت طفرة نوعية في السنوات الأخيرة بشهادته، وهي طفرة يعتقد بطي أنها مذهلة، ستجعل من الصحافة الكردية تتفوق على الصحافة العراقية على الرغم من الفوارق الكبيرة في الإمكانيات المادية والتقنية، مرحبا بظهور الصحافة الأهلية التي بدأت تغزو الساحة الكردستانية، والتي تتمتع بكامل الحرية الإعلامية، التي تصل إلى حد الضرب على رؤوس الحكومة المحلية، معتبرا هذا الفضاء الواسع للحرية ظاهرة إيجابية تؤسس لوطن حر ولمجتمع متمدن ومزدهر.

ففي منزل قديم تظهر تصميماته أنه يعود إلى ستينات القرن الماضي - وحتى الأثاث الموجود بداخله يوحي بتلك الفترة الذهبية من تاريخ العراق الذي كان في عزه ومجده قبل أن يخرب البلد على يد سلطة البعث التي قضت على كل الأشياء الجميلة في العراق بما فيها الصحافة الحرة - تحدث بطي عن مشروعه الرائد، وهو بالمناسبة مشروع ثان بعد توثيقه لتاريخ الصحافة العراقية بإصداره موسوعة الصحافة العراقية التي تولت دار «المدى» نشرها.

وأشار في البداية إلى الفكرة التي اختمرت في ذهنه حول إصدار هذه الموسوعة الصحافية بقوله «عند انهماكي بكتابة تاريخ الصحافة العراقية، وجدت كما هائلا من الصحف الكردية التي يتداخل تاريخها مع تاريخ الصحافة العراقية، منها صحف أصدرتها الأحزاب الكردية، وفيها صحف ومجلات سياسية وثقافية وفكرية ومهنية متعددة، إلى جانب بعض الصحف الأهلية، ووجدت أنه من غير المعقول وأنا أؤرخ للصحافة العراقية أن أتجاهل هذا التاريخ المشرق للصحافة الكردية، وهو بالطبع جزء من تاريخ الصحافة العراقية ككل، ومن خلال إقامتي الحالية في كردستان وجدت أن هناك نهضة صحافية كبيرة تتمثل في صدور عدد كبير من الصحف والمطبوعات الكردية في أربيل والسليمانية ودهوك وحتى في بغداد نفسها، إلى جانب صدور مطبوعات في الخارج من أميركا وألمانيا وبريطانيا والنرويج والسويد وغيرها من البلدان الأوروبية، فصار عندي شغف واهتمام بهذا الجانب، وولدت عندي فكرة توثيق هذا التاريخ الغني، وطرحت الفكرة على بعض الإخوة المسؤولين هنا، فتلقيت منهم اهتماما بالغا بهذا الجانب، وقد أمدوني بكل مساعدة ممكنة للخروج بهذا المجهود الذي يؤرخ للصحافة الكردية منذ بدايات ظهورها وحتى وقتنا الحاضر، بما فيه تسليط الضوء على الصحافة الحزبية التي كانت تصدر في جبال كردستان أثناء الثورة الكردية والتي تغطي جانبا مهما من تاريخ نضال الشعب الكردي».

وعن بدايات شروعه في الإعداد للموسوعة قال بطي «في البداية طرحت الفكرة على وزارة الثقافة التي تحمس القائمون عليها وأبدوا كامل استعدادهم لدعم المشروع، وقد وفروا لي الكثير والكثير من المصادر والمعلومات، وعينوا لي مساعدا لتسهيل لقاءاتي وبحثي عن المصادر، فتوافرت عندي مادة غنية جدا عن تاريخ الصحافة الكردية، ومن خلال متابعاتي لكل ذلك توصلت إلى قناعة بأن الصحافة الكردية كانت أفضل بكثير عن الصحافة العراقية على الرغم من الفوارق الكبيرة من ناحية الإمكانيات، ففيما كانت الدولة العراقية تكرس إمكانيات هائلة للإعلام والصحافة الحكومية، كانت هناك إمكانيات متواضعة جدا أمام الصحافة الكردية، ناهيك عن الاضطهاد والقمع والضرب والقتل منذ العهد الملكي، وصولا إلى نهاية النظام السابق، لكن مع ذلك ظلت الصحافة الكردية تستمر في مسيرتها وبكل ثبات، وتفرض حضورها على مستوى كردستان، وأصبحت بحق صحافة محل تقدير كبير، وأظن أنها تفوقت على الصحافة العراقية من خلال نهضتها الحالية من حيث الإمكانيات الطباعية والتحريرية».

ويتحدث بطي عن مضمون موسوعته التاريخية بالقول «بعد أن حصلت على المادة الخام من الكثير من المصادر، سواء من أصدقائي مثل نقيب الصحافيين الكردستانيين فرهاد عوني أو من أصدقائي في السليمانية، وكذلك من مكتبتي أربيل والسليمانية، قسمت الموسوعة إلى عدة فصول، تبدأ بتوثيق بداية الصحافة الكردية منذ صدور أول جريدة كردية، ثم فصول متتابعة عن صحافة المنظمات والمؤسسات والدوائر والوزارات والجمعيات، ثم فصل عن الصحافة الحزبية وهو أهم وأكبر فصل بالموسوعة، ثم فصل عن الصحافة الكردية في المنفى، وفصل عن الصحف الصادرة في ظل النظام العراقي، وسيكون هناك في نهاية كل فصل تحليل للصحف والمجلات الصادرة في الفترة المحددة بكل فصل».

وحول تقييمه للفترة التي يوثقها من تاريخ الصحافة الكردية من خلال متابعاته لكتابة الموسوعة يقول الدكتور بطي «إذا عدنا لمطالعة الصحف والمطبوعات الكردية التي صدرت في الأربعينات على سبيل المثال نجد أسماء لامعة في سماء الصحافة، وكانت الصحافة الكردية في تلك الفترة لها دور وطني مميز في الانتفاضات والحركات الجماهيرية، وكان المثقفون الأكراد لا يعملون فقط لتثبيت هويتهم القومية، بل إنهم أسهموا وبإخلاص في خلق وعي وطني في العراق، ولم تكن جهودهم وكتاباتهم محصورة فقط في إطار نهضة قومية كردية، بقدر ما كانوا يسعون لتعميق الانتماء الوطني، وكانوا بذلك جزءا من تاريخ العراق، ومن وجهة نظري - وسأثبت ذلك في موسوعتي - فإن الشعب الكردي من حقه أن يتمتع حتى بحق تقرير المصير، فله كل مقومات الأمة شأنه شأن الأمة العربية، وأعتقد أن الدور الذي لعبه المثقفون الأكراد ورواد الصحافة الكردية في العقود الماضية هو الذي مهد للشعب الكردي أن يتمتع بهذه الحرية والديمقراطية التي يجنون ثمارها اليوم نتيجة ثوراتهم التحررية».

وحول رأيه في النهضة الصحافية الأخيرة التي أعقبت سقوط النظام السابق قال عميد الصحافة العراقية «الثورة الحقيقية للصحافة الكردية بدأت بعد سقوط النظام السابق، وقد صدر الكثير من الصحف والمجلات وبكم هائل، وأنا مع تعدد الأصوات، وأرى أن تعدد الصحف والمطبوعات ظاهرة صحية بشرط الالتزام بالثوابت والضوابط، وليس الفوضى والانفلات، ومن خلال متابعاتي وجدت أن مستوى الصحف والمطبوعات الكردية أصبح أرقى مما كان يصدر في ظل الأنظمة السابقة، فإذا رجعنا إلى المجلات الثقافية التي صدرت في كردستان المحررة خصوصا من قبل اتحاد الأدباء في أربيل ودهوك سنرى مستوى راقيا جدا من حيث التحرير والتصميم والطبع، ومن أسباب تقدم وتطور الصحافة الكردية باعتقادي نشوء مؤسسات ثقافية متعددة مثل (سردم) و(الشفق) و(آراس) وغيرها من المؤسسات الثقافية والصحافية، وهي تتمتع بإمكانيات ودعم كبير، أضف إلى ذلك وجود الكثير من الكوادر والمثقفين الذين عادوا من الخارج إلى كردستان وهم يمتلكون ثقافة جديدة وخبرات صحافية جيدة، ولا يمكن إغفال مسألة الحرية الإعلامية المتوافرة حاليا في كردستان، خصوصا الحريات المتاحة أمام الصحف الأهلية أو المعارضة، وهناك من يتحدث عن التضييق على الحريات الإعلامية أو عن مقتل صحافي هنا وهناك، لكن في المقابل يجب ألا نغض الطرف عن تلك المساحة الكبيرة التي تتمتع بها الصحافة والإعلام الكردي، فانظر إلى صحيفة (هاولاتي) وكيف أنها تنزل يوميا ضربا على رأس الحكومة بانتقاداتها، حتى الصحافة الحزبية مثل جريدتي (خبات) و(الاتحاد) أصبحت توفر مساحة كبيرة من الحرية أمام كتابها لانتقاد السلبيات. أنا مع الحرية، وأراها أساسا لتقدم وتطور الصحافة، وعندي فإن الصحافة هي التي لا تثير النعرات الطائفية ولا تلجأ إلى نشر الأكاذيب، وأن تكون موجهة لخدمة الشعب وبناء الوطن، وهذا التطور الذي أراه في الصحافة الكردية خلال السنوات الخمس الأخيرة أعتبره تطورا إيجابيا، لذلك أتوقع أن تتفوق الصحافة الكردية على الصحافة العراقية، خصوصا مع وجود هذه الإرادة القوية من سلطات الإقليم بتوفير أكبر قدر من مساحة الحرية أمام الصحافة الكردية».

واللافت للنظر أن بطي سيكتب موسوعته عن الصحافة الكردية باللغة العربية، وعن هذه المفارقة أجاب «ستترجم الموسوعة إلى اللغة الكردية بالطبع، وهناك الكثير من الأصدقاء يعاونونني في ترجمة بعض المصادر والوثائق الخاصة بتاريخ الصحافة الكردية، المهم عندي هو كتابة تاريخ الصحافة الكردية الذي يعتبر جزءا من تاريخ الصحافة العراقية».