الـ«غارديان» طلبت من «ويكيليكس» إعطاءها وثائق العراق.. وصحافيوها انكبوا عليها منذ أشهر

محرر التحقيقات لـ«الشرق الأوسط»: اختارونا لأننا الصحيفة البريطانية الوحيدة التي تتمتع بالجرأة في النشر

الملحق الذي أصدرته صحيفة «الغارديان» البريطانية بالتعاون مع موقع «ويكيليكس» («الشرق الأوسط»)
TT

علاقته بالصحافة علاقة «حب وكراهية». على الرغم من معرفته بأنه بحاجة إليهم، لا يمكن لجوليان أسانغ، صاحب موقع «ويكيليس»، ناشر الوثائق التي باتت شهيرة عن حرب العراق، إلا أن يذل الصحافيين الذين يهاجمونه ويشككون في نواياه، ويتهمهم بأنهم فاسدون أو يفضلون الاصطفاف مع القوي على الضعيف.

ولكنه يعلم أيضا أنه من دون الإعلام المرئي والمكتوب، قليلا ما سيستفيد من نشر 400 ألف وثيقة على موقعه الإلكتروني «ويكيليكس». ولذلك، قرر قبل بضعة أشهر أن يسرب تلك الوثائق، التي بدورها سربت إليه، إلى عدد من وسائل الإعلام المؤثرة في العالم. فاختار صحيفة الـ«غارديان» البريطانية، والـ«نيويورك تايمز» الأميركية، ومجلة «دير شبيغل» الألمانية. ومن بين محطات التلفزيون، اختار أسانغ أن يسرب الوثائق إلى القناة الرابعة في بريطانيا، وتلفزيون «الجزيرة».

قال إنه اختار هذه المجموعة من وسائل الإعلام لأنه أراد أن يقارن بين تغطيتها. وعندما كان يتحدث في نادي «فرونتلاين» في وسط لندن قبل أيام، رفض أن يحدد متى بالضبط تسلم الوثائق ولماذا قرر نشرها في الوقت الذي نشرها. واكتفى بالإشارة إلى أنها بحوزته منذ «بضعة أشهر»، وقال: «لقد وزعتها على وسائل الإعلام قبل بضعة أشهر لينقضوا على دراستها واستنتاج الأهم منها، ولكن سياستنا تقضي بألا نكشف متى تسلمنا وثائق، لأنه إذا فعلنا، فإن ذلك يسهل تعقب الشخص الذي سربها».

وكان أسانغ فعل الأمر نفسه قبل أشهر، عندما سربت إليه وثائق حول الحرب في أفغانستان، واختار المجموعة نفسها من الصحف، من دون محطات التلفزة، ليسرب إليهم الوثائق. وقال إنه أراد هذه المرة أن يكرر التجربة لكي يقارن بين تغطيتهم لوثائق العراق، لأن تغطيتهم لوثائق أفغانستان بدأت بشكل مشابه، وانتهت بطريقة مختلفة. إلا أنه هذه المرة قرر أن يضيف محطتي تلفزة «لكي يعطي القصة التأثير العاطفي» الذي ينتجه التلفزيون. وقال: «صحيفة الـ(غارديان) نشرت ملحقا من 14 صفحة عن الوثائق، ولكن من يقرأ كل هذه الصفحات؟ أنا نفسي وصلت إلى الصفحة الثالثة منها وتوقفت...». إلا أنه كشف أن القناة الرابعة البريطانية «لم تكن سعيدة جدا» بتسريب الوثائق إليها، لأنها «لم تشأ أن ينظر إليها على أنها مقربة جدا منا».

وروى أن ما لفته في تغطية الصحف لوثائق العراق، كان تجاهل الـ«نيويورك تايمز» لقصة كانت رئيسية في الـ«غارديان» و«دير شبيغل»، حول «فراغو 242»، وهو أمر أعطي للقوات الأميركية إلا تفتح تحقيقا إذا رأت حالات تعذيب يمارسها جنود من خارج قوات التحالف التي غزت العراق. وقد تسبب هذا الأمر في استمرار تعذيب المساجين على أيدي الجنود العراقيين، كما كان في ظل حكم صدام حسين. وقد كشفت الوثائق الأميركية أنه على الرغم من أن الجنود الأميركيين كانوا شهودا على عدد كبير من عمليات التعذيب تلك، فإنهم لم يتمكنوا إلا من البلاغ عنها، من دون فتح تحقيق، مما جعل عمليات التعذيب تستمر.

واتهم أسانغ صحيفة «نيويورك تايمز» بالتغطية على الجنود الأميركيين من خلال عدم نشر هذه المعلومة. وقال إنه يعلم أن «الصحافي أريك شميدت كتب القصة حول (فراغو242) إلا أن الصحيفة قررت عدم نشرها».

إلا أن صحيفة الـ«غاريان» ركزت تغطيتها بشكل موسع على قصة «فراغو 242» ولقصص أخرى متعلقة أساسا بانتهاكات حقوق الإنسان، بينما اختارت «شبيغل» أن تركز على قصص متعلقة بحكم القانون. وقال ديفيد لي، رئيس التحرير التنفيذي لقسم التحقيقات في صحيفة الـ«غارديان»، لـ«الشرق الأوسط»، إن صحيفته اختارت التركيز على القصص الإنسانية «لأنها أهم وأكثر إثارة للاهتمام».

ونفى لي أن تكون الصحف التي تلقت الوثائق قد نسقت مع بعضها حول طريقة معالجتها، وقال: «كلنا صحف مستقلة، وكل منا اتخذ قراراته المنفردة حول طريقة مقاربة القصص». وأضاف: «حصلنا على المادة الخام، ونسقنا بين بعضنا متى سننشر كي لا يحقق أي منا سبقا صحافيا على حساب الآخر، ولكن لم نتشاور في أي قصص سنكتب».

وفي وقت كشف أسانغ أن «نيويورك تايمز» أوقفت قصة أريك شميدت حول «فراغو 242»، نفى لي أن تكون الـ«غارديان» قد أوقفت أي قصة كتبها أي من الصحافيين الذين انكبوا على دراسة الوثائق منذ شهور. وأكد أن الصحافيين يعملون على هذه الوثائق «منذ بضعة أشهر».

ولكن، لماذا اختار أسانغ الـ«غارديان» اليسارية دون سواها من الصحف البريطانية؟

«ليس هناك من علاقة مميزة تجمعنا بـ(ويكيليكس)»، هذا ما أكده الصحافي لي لـ«الشرق الأوسط». ولكنه قال إن السبب الأول الذي دفع «ويكيليكس» لاختيار الـ«غارديان»، بسيط: «كانت فكرتنا، نحن ذهبنا إليهم واقترحنا أن يعطونا المواد». ولكن هذا ليس السبب الوحيد، حسب ما قال لي: «هناك سبب ثان، وهو أن (ويكيليكس) تعرف أن الـ(غادريان) هي الصحيفة البريطانية الوحيدة التي سيكون لديها الشجاعة لنشر المواد، لأنه عندما نشرناها لم نكن نعلم ما إذا كانت ستتسبب في مشكلات قانونية أو سياسية كبيرة لنا. لم نكن نعرف ما نوع الضغط الذي سنتعرض له، وأعتقد أننا كنا سنكون الصحيفة البريطانية الوحيدة التي كنا سنأخذ المواد وننشرها».

وقد تسببت وثائق العراق في استياء كبير لدى الإدارة الأميركية والبنتاغون الذي لمح بأنه قد يحاكم أسانغ بتهمة الجاسوسية، وحتى إنه هدد نوعا ما الصحف التي تنشر المواد بأنه قد تتم محاكمتها أيضا. وقال لي تعليقا على ذلك: «نحن لدينا تاريخ بأننا لا نخاف من نشر معلومات مثيرة للجدل. البنتاغون أوضح أنه لن يعتمد الطريقة القانونية لمحاكمة وسائل الإعلام أو يحاول أن يستحصل على أوامر لإسكات الإعلام». وأضاف: «يبدو أنهم استنتجوا أنه من المستحيل أن يفعلوا ذلك، وهذا أمر يريحنا للغاية، ولكن لم نكن نعلم ما سيكون رد فعل البنتاغون عندما اتخذنا قرار النشر».

هذه المرة، اختار أسانغ صحفا ومحطات تلفزة للمقارنة بين تغطيتها، ولكنه في المرة المقبلة، سيوسع التسريبات إلى المنظمات الإنسانية أيضا وليس فقط وسائل الإعلام، كما كشف قبل أيام في لقائه في نادي «فرونتلاين».