تحالف «ويكيليكس» مع «نيويورك تايمز» يغضب «واشنطن بوست»

الإعلام الأميركي يتأرجح بين داعم ورافض لوثائق حرب العراق

TT

في الصيف، عندما خص موقع «ويكيليكس» صحيفة «نيويورك تايمز» بقرابة مائة ألف وثيقة عسكرية أميركية عن حرب أفغانستان، اضطرت منافستها صحيفة «واشنطن بوست» لنشر بعض محتويات الوثائق اعتمادا على «نيويورك تايمز». وفي الأسبوع الماضي، كرر «ويكيليكس» الشيء نفسه عندما نشر قرابة نصف المليون وثيقة عسكرية أميركية عن حرب العراق.

ولم يعد سرا أن «ويكيليكس» يفضل الأولى على الثانية.

لماذا؟

قبل يومين، قال مصدر في «ويكيليكس» إجابة عن هذا السؤال من صحافي: «نحن في انتظار اعتذار (واشنطن بوست)». في إشارة إلى أن «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» أيدتا، في كلمة العدد في كل واحدة منهما، غزو العراق في سنة 2003. غير أن الأولى، بعد سنة، اعتذرت في كلمة العدد. لكن، حتى اليوم، لم تعتذر الثانية.

ويبدو أن «ويكيليكس»، الذي يعارض غزو العراق وغزو أفغانستان، لا يزال غاضبا من «واشنطن بوست».

ويبدو أن كتاب كلمة العدد في «واشنطن بوست» يعرفون ذلك. ربما لهذا كتبوا افتتاحية يوم الثلاثاء الماضي عنوانها: «الحقيقة في رأي (ويكيليكس)». كتبوا أن جوليان أسانغ، مدير «ويكيليكس»، «ادعى» أن الهدف من نشر الوثائق هو «الدفاع عن الحقيقة».

وتعمدت الافتتاحية الإشارة إلى أن «ويكيليكس» خص «نيويورك تايمز» بالوثائق. وقالت: «لكن، ليس هناك جديد في هذه الوثائق».

واستثنت ثلاثة مواضيع «جديدة»:

أولا: الرقم الحقيقي للضحايا المدنيين في العراق، الذي جاء أعلى من أرقام نشرها «البنتاغون».

ثانيا: إثبات تدخل إيران في العراق، خاصة عن طريق قوات الميليشيا الشعبية.

ثالثا: سكوت القوات الأميركية عن تعذيب الشرطة العراقية للمعتقلين العراقيين.

لكن، كان واضحا أن «واشنطن بوست» تركز في الهجوم على «ويكيليكس»، خاصة مديره أسانغ. وفي حالات كثيرة كان الهجوم شبه شخصي. مثل: «يعتقد السيد أسانغ أنه يريد تقليد تسريب أوراق (البنتاغون) عن حرب فيتنام (1965 - 1975). لكن، لا يوجد تاريخ سري لحرب العراق أو حرب أفغانستان لأن (البنتاغون)، تلقائيا، أو بسبب ضغوط، ظل ينشر كثيرا من (أسرار) الحربين».

وانتقدت الصحيفة أسانغ لأنه «عرّض حياة الأفغان الشجعان للخطر» عندما نشر في الصيف وثائق أفغانستان، وفيها أسماء جواسيس أفغان يعملون لصالح القوات الأميركية. وقالت الصحيفة في آخر جملة في كلمة العدد: «نحن جميعا من أجل الكشف عن المعلومات الحكومية المهمة. لكن، نهج السيد أسانغ متهور، وله دوافع سياسية».

تمكن مقارنة هذا الرأي بثلاثة آراء:

الرأي الأول من صحيفة «الغارديان» البريطانية المستقلة التي، أيضا، خصها «ويكيليكس» بالوثائق. جاء فيه: «مرة قال ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية: (عندما تنتصر في الحرب، كل ما تفعله يكون صحيحا وحكيما)». وشن الرأي هجوما عنيفا على الرئيس الأميركي بوش الابن، ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير، وحملهما مسؤولية «غزو دولة ذات سيادة من دون مبرر».

وكأن «الغارديان» كانت تعرف أن «واشنطن بوست» ستنشر يوم الثلاثاء الماضي ما نشرته، لأنها نشرت في اليوم نفسه كلمة العدد، وفيها دفاع قوى عن «ويكيليكس». جاء في الكلمة: «ليس انحيازا أو عملا سياسيا أن ينشر صحافيون أخبارا تحظرها الحكومة. لقد نشر (ويكيليكس) معلومات جديدة عن تورط القوات الأميركية في تعذيب العراقيين».

الرأي الثاني من تلفزيون «فوكس» الأميركي اليميني. وهو عكس رأي «الغارديان»، وربما قريب من رأي «واشنطن بوست»، على الرغم من أن الأخيرة صحيفة ليبرالية. لكن، كما قلنا، أيد كتاب كلمة العدد فيها غزو العراق، ولم يعتذروا حتى اليوم. في تلفزيون «فوكس» اليميني، طالب المعلق كريستيان ووتون اليميني، الذي كان مستشارا لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، في عهد الرئيس السابق بوش الابن، بمحاكمة «ويكيليكس», وإعلان أنه «عدو مقاتل»، وكأنه من مقاتلي طالبان أو «القاعدة».

الرأي الثالث والأخير هو رأي «نيويورك تايمز» التي خصها «ويكيليكس» بالوثائق. ولم تدافع عن «ويكيليكس» مثلما دافعت صحيفة «الغارديان» البريطانية. واكتفت بعرض مهني للوثائق، مع ما يمكن وصفه بانحياز نحو «الوطنية الأميركية». بالإضافة إلى عدم نشر الأسماء الواردة في الوثائق، كما فعلت الصحيفة البريطانية، استشارت «البنتاغون» قبل نشر الوثائق.

وعن هذا قالت: «عرضنا على (البنتاغون) الوثائق التي سننشرها، والأسماء والأشياء التي حذفناها. وقلنا لهم إننا حريصون على الأمن الأميركي وعلى أرواح الأميركيين. وقال لنا (البنتاغون) إنهم يفضلون لو أننا لم ننشر أي وثيقة».

وفي يوم نشر الوثائق نفسه، نشرت «نيويورك تايمز» تصريحات من «البنتاغون» تدين «ويكيليكس».

وهكذا، يمكن القول إنه، عكس الإعلام البريطاني، فيما يخص هذه الوثائق، يتأرجح الإعلام الأميركي بين رافض لها ومتحفظ نحوها.