مسلسل تلفزيوني أميركي يحرك «مجلس تلفزيون الآباء» لاتخاذ خطوات صارمة

المنظمة تجد نفسها محطمة بعد الدعاوى القضائية حول تمويلاتها المتناقصة ومشكلاتها الداخلية

اعتراضات «مجلس تلفزيون الآباء» على مشاهد وألفاظ خارجة في مسلسل «My Dad Says» («نيويورك تايمز»)
TT

قضى «مجلس تلفزيون الآباء»، أغلب العقد الماضي كنجم محافظ فوق العادة في الحروب الثقافية. وعبر الضغط على لجنة الاتصالات الفيدرالية لاتخاذ إجراءات عقابية ضد البرامج التي تعرض برامج خادشة للحياء، وكان المجلس مسؤولا عن الغرامات الطائلة التي تعرضت لها شبكات عملاقة مثل «سي بي إس» و«نيوز كوربورشن».

لكن المنظمة تجد نفسها الآن محطمة، وقد تقوضت قواها بعد عدد من الدعاوى القضائية، إلى موقف لجنة الاتصالات الفيدرالية المتشدد، لتمويلاتها المتناقصة ومشكلاتها الداخلية التي أسفرت عن اتهامها موظفا بارزا سابقا بها بالاغتصاب. تندفع صناعة الترفيه، التي كانت في السابق تخشى غضب المجلس حتى أن شبكة «فوكس» كانت تخفي الظهور العارية في الشخصيات الكرتونية، باتجاه حدود من الذوق ذات كثافة متجددة. وبغض النظر عن العري في أفلام الكارتون، أحد مسلسلات السيت كوم، الذي يذاع خريف العام الحالي على شبكة «سي بي إس» بعنوان «My Dad Says». وأغنية تحمل عنوانا سوقيا للغاية، لمغنية «وارنر ميوزيك غروب»، سي لو غرين أثارت الغضب على الإنترنت، وكذا نجمة ديزني مايلي سايروس (17 عاما) التي تتقلب على سرير في ملابس داخلية سوداء في الفيديو الموسيقي الذي قدمته مؤخرا.

وقد حاول المجلس إثارة سخط الجمهور إزاء هذه النوعية من البرامج، لكن جهوده باءت بالفشل.

وقال المجلس في بيان له في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) حول الفيديو الذي ظهرت فيه سايروس، والذي وصف فيه مشاركتها في هذه النوعية من الأغنيات الجنسية «يعتبر معتدلا وفق معايير المجلس»، ولم يذكر أن والدها بيلي راي سايروس واحد من أعضاء المجلس الاستشاري للمجلس.

من جهة أخرى، أبدى المجلس استياءه بسبب مسلسل «My Dad Says»، حيث أعلن المجلس في 17 سبتمبر (أيلول) أنه لن يهنأ حتى تغير الشبكة من العنوان أو أن يلغى العرض كلية. ربما كان ذلك لفترة من الزمن، فالضغوط على المعلنين كانت واحدة من أقسى السهام في مسعى المجلس، لكن المسلسل الذي يلعب بطولته ويليام شانتر، يحظى بقائمة كبيرة من المعلنين، بحسب شبكة «سي بي إس»، أحد هؤلاء المعلنين هو بيرغر كنغ.

وقد لقي المسلسل الجديد إقبالا كبيرا من المشاهدين. وحطت مجلة «جي كيو» من قدر المجلس، والتي نشرت صورا إباحية لفريق عمل مسلسل «غلي» في عدد نوفمبر (تشرين الثاني). وعلى عكس مايلي سايروس كانت نجمات المسلسل بالغات، لكن الإشارة إلى أن المسلسل يتناول المدرسة الثانوية، أصدر المجلس بيانا شجب فيه الصورة التي نشرتها مجلة «جي كيو».

ويرى جون راش، الذي يدرس وسائل الإعلام الجمعي والسياسة في جامعة مينيشوتا، والمدير التنفيذي السابق في «كامبل ميثون»، وكالة شراء الإنتاج الإعلامي في مينوبوليس، أن المعلنين لا يزالون يخشون من غضب المجلس، لكن ليس بالقدر ذاته الذي كانوا عليه في السابق، فمن الصعب على المجلس إثارة السخط العام بشأن القضايا الثقافية في وقت الأزمة الاقتصادية.

من جانبه أكد تيموثي وينتر، رئيس المجلس أنه رغم ضعف تأثير المجلس نتيجة للركود الاقتصادي، فإنه لا يزال يقف مدافعا عن القيم كعادته دائما. فعلى سبيل المثال أعلن المجلس هذا الشهر أنه أقنع عددا من شركات الدواء المشاركة في مبادرة لتنبيه الآباء حول العروض التلفزيونية التي تحتوي على إعلانات للفياغرا، والأدوية المنشطة. كما شهد المجلس أيضا تقدما في فرض تشريع أكبر على ألعاب الفيديو العنيفة. وقال وينتر: «الكساد الاقتصادي كان له أثر كبير، لكنني أشعر بأننا تعرضنا للتغييب، فلم نجتز المرحلة الحرجة بعد، لكننا دائما ما يقال لنا طوال الوقت إننا لم نغب عن الساحة وإن العائلات تعتمد علينا بقوة».

وقال وينتر إنه على ثقة من أن الحملة ضد شبكة «سي بي إس» ستثمر، وقال: «نتمنى أن يدرك المعلنون في النهاية أنهم لا ينبغي أن يتعاقدوا مع هذا النوع من الأفلام الرديئة».

المشكلات التي يعانيها «مجلس تلفزيون الآباء» الذي تأسس عام 1995 من قبل الناشط المحافظ برنت بوزل، يبدو وكأنها قد بدأت قبل عامين. ففي الوقت الذي نذرت فيه المنظمة الأميركية نفسها لتنقية الأجواء في الأميركية، فإن عملياتها الداخلية شهدت حالة من الفوضى، بحسب ما أظهرته مراجعة الوثائق الداخلية، ووثائق الشأن الداخلي.

وقد تزامن تزايد النفقات مع تراجع المنتج، مما نتج عنه خسارة ما يقرب من مليون دولار. وفي عام 2009، ومع ازدياد حجم الكساد عادت جهود جمع الأموال مرة أخرى، حيث جمع المجلس ما يقرب من 2.9 مليون دولار، بانخفاض بلغت نسبته 26 في المائة عن العام السابق. ولخفض النفقات خفضت المنظمة 38 في المائة من موظفيها خلال العامين الماضيين. تزايد التقارير المطولة أعاق المنظمة بشدة عن جمع الأنصار وجهود التمويل. ففي عام 2008 على سبيل المثال، نشر المجلس أربعة تقارير رئيسة، ونشر واحدا في عام 2009 ولم ينشر واحدا إلى الآن (ويشير وينتر إلى أنه قرر نشر ثلاثة تقارير خلال الشهرين المقبلين).

خلال هذه الفترة واجه المجلس صعوبات مع نظام جمع التبرعات عبر البريد المباشر. وعلى غرار الكثير من المنظمات غير الربحية يجمع المجلس الأموال عبر البريد، التي تتمثل في «وقع هذا الطلب وأعده - الصورة الفضلى مع التبرعات - ونحن سنرسله إلى مجلس الاتصالات الفيدرالي». لكن الوثائق الداخلية تظهر أن المجلس عمد في بعض الأشهر إلى فتح عشرات الآلاف من الخطابات للبحث عن المال دون اتباع باقي الخطوات.

فأكد باتريك سالازار، الذي شغل منصب نائب رئيس المجلس للتطوير، والذي تحول إلى صفوف معارضيه والذي اتهم من قبل المنظمة بمحاولة اختلاس الأموال في رسالة عبر البريد الإلكتروني التي بعث بها إلى وينتر مارس (آذار) من عام 2009 «إن ما يقرب من 195 ألف رسالة من متبرعين وأعضاء لم ترسل إلى المتلقين المفترضين، وإن أغلب هذه الرسائل كانت وثائق صالحة في حينها، لكنها لم تعد مهمة في الوقت الحالي». وفي شهر سبتمبر من ذلك العام أرسل سالازار رسالة أخرى إلى وينتر أبلغه فيها بشأن الانتهاء من رسائل طلبات البريد المباشر.

ورد وينتر بالقول: «دودي، لقد أخبرتك من قبل بأنني أعمل على الانتهاء منها، وكل شيء تحت السيطرة».

وقال وينتر إنه بذل قصارى جهده لفحص الأعمال غير المنجزة، لكنه أقر بأن المجلس قرر أن هذه الطلبات باتت قديمة للغاية دون أي قيمة في الوقت الحالي.

ويشير دانيل بوروكوف، رئيس معهد المنظمات الخيرية، التي منحت المجلس تصنيف «سي بلاس» على كفاءة التمويل القائم على استمارات خدمة الدخل الداخلي، إلا أن البريد المباشر غير المنجز ينبغي أن يدق أجراس الخطر لدى المتبرعين المحتملين، لأن ذلك من شأنه أن يلوث مصداقية هذه المؤسسة».

كما أبدى سالازار انزعاجه من مزاعم العضوية، فعلى سبيل المثال قدر قادة المجلس العضوية بأكثر من 1.3 مليون عضو، لكن العدد يشمل أشخاصا وقعوا طلبا وتبرعوا منذ الإنشاء، بحسب المجلس. حقيقة الأمر أن 12 ألف شخص على الأكثر يستجيبون لطلبات جمع المال سنويا، بحسب تأكيدات سالازار.

وقال وينتر إنه لا يوجد ما يضلل بشأن عضوية المجلس، مؤكدا أن الكثير من المنظمات غير الربحية تحصي العضوية بصورة مشابهة. وبالنسبة للاستجابة الضئيلة لطلبات جمع التمويل، قال وينتر إن هذا انعكاس جزئي لعدد الطلبات المرسلة، وقال: «لا يمكننا تحمل تكلفة التواصل مع كل فرد على لائحة قائمتنا في كل مرة».

غادر سالازار المجلس في نوفمبر، مشير إلى أنه استقال، لكن المنظمة تقول إنه أقيل، لكنها لم تذكر الأسباب وراء الإقالة. لكن سالازار سعى فيما بعد إلى الحصول على عشرات الآلاف من الدولارات في صورة مكافأة نهاية الخدمة، مهددا باللجوء إلى الصحافة، ومن بينها صحيفة «نيويورك تايمز»، بشأن عمليات التلاعب الداخلي التي كان شاهدا عليها، فأشار سالازار إلى قائمة أخرى من الجرائم التي ارتكبها المجلس بالإضافة إلى مأزق البريد المباشر وإحصاء العضوية. وقال المجلس في بيان له إن سالازار، «طالب المجلس بدفع مبلغ كبير من النقود له أو إنه سيجري اتصالات مع أعضاء المجلس ووسائل الإعلام ليطلعهم على بعض الادعاءات. ونحن نهيب بالجميع بأن ادعاءاته زائفة وتنطوي على تشويه للحقائق. وأن المجلس رفض التفاوض على دفع مبلغ مالي أو أي شروط أخرى».

طلب المجلس من دائرة شرطة لوس أنجليس التحقيق مع سالازار بتهم الابتزاز. وقال المتحدث باسم الشرطة إن التحقيق انتهى وقدم إلى المدعي العام في المدينة الذي رفضه لأن ما قام به سالازار يرقي إلى اعتباره جريمة.

وأكد سالازار الذي يجمع التبرعات لجامعة بيرسي في وودلاند هيلز بولاية كاليفورنيا، في مقابلة معه أنه رغب من المجلس أن يدفع له مستحقاته، لكنه رفض طلبه ووصفه بأنه ابتزاز.

وبينما كان المجلس يحاول التعامل سالازار، واجه مشكلة أخرى، ففي يوليو (حزيران)، قضت محكمة استئناف فيدرالية بإلغاء واحد من أبرز إنجازات المجلس، حيث ألغت قرار لجنة الاتصالات الفيدرالية بعدم استخدام «السباب الدارجة» في التلفزيون.

جاء القرار من الدعوى القضائية التي رفعتها شبكات «فوكس» و«سي بي إس» والشبكات الإعلامية الأخرى على قرار مجلس الاتصالات الفيدرالي في عام 2004 الذي فرض معيارا أكثر صرامة على نوعية اللغة المتداولة في التلفزيون المجاني.

وقد قضت المحكمة بالإجماع إلغاء القرار الذي فرض حالة من الخوف على أصحاب الشبكات التلفزيونية دون دليل لما يمكن أن تجده اللجنة سيئا. لكن اللجنة طعنت على قرار المحكمة، مشيرة إلى أن المحكمة تجاوزت اختصاصها، وأن الطلب لم يبت فيه بعد.

ووصف وينتر القرار بأنه «صفعة على الوجه، وكنا نتوقعه صراحة»، مشيرا إلى أنه كان على ثقة من أن الاستئناف سينجح.

المهمة التي تواجه «مجلس تلفزيون الآباء» في الوقت الحالي تتمثل في استعادة المسؤولية والاحترام إلى صناعة الترفيه. وعلى الرغم من عدم تبعية المنظمة لحزب بعينه، فإنها تتقاسم المفر مع منظمة غير ربحية أخرى أسسها بوزل، هي مركز أبحاث الإعلام، التي تحارب ما تراه انحرافا ليبراليا في وسائل الإعلام الإخبارية. ويتلقى بوزل راتبه من كلتا المنظمتين وهو الإجراء الذي لقي انتقادات كبيرة من بعض المراقبين ومن بينهم بروكوف من معهد المنظمات الخيرية الأميركية.

* خدمة «نيويورك تايمز»