«إذاعة الشرق» تعيش فصولا من الشد والجذب بعد تسريح عدد من الصحافيين

فؤاد نعيم لـ«الشرق الأوسط»: مشكلتنا مالية.. ولا صحة لوجود فساد إداري

شهدت الساحة الفرنسية خلال الأعوام الماضية العديد من المظاهرات المتعلقة بالشأن الإعلامي آخرها كانت حول تقليص عدد العاملين في إذاعة «الشرق»
TT

يبدو أن المشكلة التي تعيش فصولها إذاعة «الشرق» في باريس مرشحة للتصعيد أكثر مما وصلت إليه، لغاية الآن؛ فبعد أن تفجرت الأزمة منذ نحو شهر، حيث وصلت إلى الوسط الإعلامي العربي في فرنسا، وأصبحت حديث الشارع الإعلامي برمته، سال الكثير من الحبر، خاصة في بعض الصحف اللبنانية، التي تناولت كل واحدة منها الموضوع بحسب نياتها تجاه ملاك الإذاعة، أي «عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري». الأمر الذي اعتبر استغلالا سياسيا لبنانيا على المستوى المحلي، دون النظر جديا وفعليا إلى المشكلة الحقيقية التي تعيشها هذه الوسيلة الإعلامية المميزة في أوروبا، التي تأخذ أهميتها من كونها وسيلة تواصل العرب والمسلمين بالعالم العربي. كما أنها تمثل صوت الإسلام المعتدل في الغرب.

والحق أن المشكلة التي تعاني منها هذه الإذاعة، شبيهة بمشكلات غيرها من الوسائل الإعلامية في فرنسا والعالم. وبحسب المدير العام للإذاعة، فؤاد نعيم، فإن الإذاعة أصبحت «مجبرة على تقليص ميزانيتها بسبب خفض هائل في مدخولها»، حيث إنها تستمد تمويلها من مصدرين؛ الأول 20 في المائة من الإعلانات و80 في المائة من شركة لبنانية كانت تشتري برامج الإذاعة لتوزيعها في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط والعالم، وهي شركة «ويف هولدينغ»، لكن هذه الشركة قررت فجأة التوقف عن شراء البرامج، وبالتالي أدخلت الإذاعة في عجز إنتاجي لفترة محدودة، وبعد ذلك وجدت الإذاعة شركة لبنانية أخرى هي «ميديا تايز» مستعدة لشراء البرامج، لكنها دفعت نصف السعر الذي كانت تدفعه «ويف هولدينغ».

هذا الأمر كما يقول نعيم: «وضعنا أمام معضلة حقيقية، بحيث وجدنا أنفسنا أمام خيارين لا ثالث لهما. الأول هو أن نستمر مع نصف المدخول الذي بقينا عليه منذ نحو عقد ونصف العقد من الزمن، أو إيجاد صيغة أخرى تتمثل في إعادة هيكلة الإذاعة، وذلك بتخلينا عن نحو نصف الموظفين، من خلال صيغة تسمح لهم بالتخلي الطوعي (rupture conventionelle) على أن يبدأ العمل بعد هذه الخطوة بإعادة هيكلة الإذاعة من داخلها في الفترة المقبلة، وذلك كما يضيف نعيم: «دون أن نغلق هذه الإذاعة، نظرا لأهميتها».

من جانب آخر فإن عددا من الموظفين شنوا حملة عنيفة على الإدارة الممثلة في نعيم باتهامه بشكل شخصي بوصول الأمور إلى ما وصلت إليه من عجز. ويروي أحدهم (طلب عدم الكشف عن اسمه) أن خطة العمل التي انتهجها السيد نعيم، هي التي أوقعت الإذاعة في العجز الحالي، لافتا إلى الفوارق الهائلة في الرواتب، حيث توجد مجموعة قليلة من الإداريين، تكلف الإذاعة ما مقداره خمسون ألف يورو شهريا، وهو ما يعني رواتب نحو ثلاثين صحافيا عاملا.

وهذا من وجهة نظر هذا الصحافي، أمر غير عادل، خاصة أنه في حين تتم التضحية بهؤلاء الصحافيين فإن أصحاب الرواتب الكبيرة باقون في أماكنهم. مما يعني أن خطة الصرف ممنهجة، وتطال عددا من الأشخاص الذين لا يعجبون الإدارة. وأن البيانات التي نشرت في الصحف باسم «جزء كبير من الصحافيين والعاملين»، والمعلومات التي سربت كانت تهدف إلى أن يكون الموضوع واضحا لدى أصحاب المؤسسات. ولوضع الإصبع تماما على الجرح الحقيقي الذي أوصل الإذاعة إلى هذا النزيف الحاد. من جهة ثانية، يتبين أن الذين رفعوا الصوت عاليا، كانوا يقصدون في الأساس رفع قيمة التعويضات، ليس أكثر. الأمر الذي يبدو واضحا وجليا من مسار المفاوضات مع الإدارة. فهم من جهة، يتهمون الإدارة بالفساد من أجل إضعافها، ومن جهة ثانية، يطالب بعضهم بتعويضات خرافية على سنوات عمله في الإذاعة.

من جهته، ينفي المدير العام، فؤاد نعيم، نفيا قاطعا موضوع الفساد، ويقول إن «الحديث عن تصفية حسابات مع البعض ما هي إلا أوهام تحركهم»، أما موضوع التخلي، فهو لن يطال الجسم الصحافي في المؤسسة، بل إن معظم الجسم الإداري سيكون مشمولا بهذا الأمر، وكذلك الجسم التقني. كما أن الخطة المقبلة ستكون على شكل عملية دمج بين أقسام الإذاعة من أجل التعايش مع الميزانية الجديدة، وليس العكس.

ومن جانب آخر، فإن نعيم يدافع عن إدارته للمؤسسة منذ عشر سنوات بالقول: «الميزانية التي عملنا بها طيلة السنوات الماضية لم تتعرض لأي زيادة، لكن الإذاعة تطورت كثيرا عما كانت عليه في السابق، فقد زاد عدد العاملين من 60 شخصا إلى 70 شخصا، وأصبح لدينا 15 نشرة أخبار بالفرنسية و15 نشرة بالعربية بدلا من أربع نشرات سابقا، كما زاد عدد المستمعين في باريس فقط إلى نحو المليون مستمع أسبوعيا، وقمنا بتوسيع البث من 6 محطات إلى 18 محطة. وعلى مستوى فرنسا بكاملها زاد عدد المستمعين من 0.6 إلى 1.4 في المائة من مجمل المستمعين في فرنسا. هذا كله حصل، ولو كان هناك أي هدر من أي نوع لما كان أصحاب المؤسسة سكتوا كل هذه المدة، ولكانوا استبدلوا بي آخر جديرا بإدارة المؤسسة، أو على أقل تقدير بتخليصها من الهدر إن وجد».

أما عملية التعويضات، فيقول نعيم إنها تتم بحسب القانون الفرنسي، يضاف إليها بطلب خاص من أصحاب المؤسسة، تعويضات إضافية تعتبر جيدة إلى جانب ذوي الحالات الخاصة، بحيث إن المؤسسة ستساعد الأشخاص الذي يحتاجون إلى مساعدة، مثل منحهم بعض المساعدات المادية من أجل الاستمرار، وكذلك إعطاء من يريدون التمرين من أجل اندماجهم في وظائف أخرى، مضيفا أن «اثنين لا يختلفان على أن قيمة التعويضات الإجمالية جيدة جدا، وهي زيادة عن القانون، وليست أقل أبدا».

والحق أن كوزيت إبراهيم، وهي واحدة من أبرز صحافيي الإذاعة، والوحيدة التي سمحت بذكر اسمها، قالت: «إن البيانات التي أرسلت إلى الصحف والمؤسسات الإعلامية، وكانت تدعي أنها تتكلم باسم الصحافيين في الإذاعة، شاملة كل العاملين، لم يوقع عليها أحد، وهي كانت تدعي تمثيل الجميع دون أن تسألهم».

وتضيف: «كما أن أسلوب البعض في التعامل مع الإدارة كان أسلوبا مرفوضا من حيث الشكل والمضمون»، لكن كوزيت إبراهيم تقول إن ثمة أمورا غير مفهومة على الأقل (بالنسبة لي)، بحيث إنه إذا تم الاستغناء عن هذا العدد الكبير، من الصحافيين والعاملين التقنيين والإداريين، فهذا يعني أن مستوى الإذاعة سيتأثر، ولا أعتقد أن هناك شخصا عمل في هذا الإذاعة، يمكن له أن يقبل بذلك».

وتضيف: «أنا أعتبر أن الإذاعة مهمة، لقد عملنا فيها بظروف صعبة جدا وقاسية وشديدة التعقيد على المستوى السياسي، لكننا عملنا بمهنية عالية، وكنا أثناء ذلك على تواصل كامل مع كل الأطراف، دون أن ننجر في ذلك الوقت وفي غيره إلى التفاصيل، أو نكون طرفا. لقد كنا في هذه الإذاعة، دائما، صوت العرب والمسلمين المعتدلين في فرنسا، وإلى الآن لا زلت مصرة على أن هذا القرار يضر بالإذاعة قبل أي شيء آخر، كما أني لا أعتقد، ولست من الذين ينادون، بأن هناك سوءا في الإدارة على الإطلاق، ولا أوافق على هذا الطرح».

بيد أن إبراهيم تفترض أنه «إذا كانت الإذاعة تمر بظروف مالية؛ لماذا لا تطرح فكرة البيع؟»، وهو الأمر الذي أجاب عليه المدير العام فؤاد نعيم بالقول: إن «التقليص معناه العمل بإمكاناتنا دون أن تُطرح فكرة إقفال الإذاعة أو بيعها»، مؤكدا أن سوء التفاهم في هذا الموضوع سينتهي «من الآن ولغاية نهاية العام».

والحق أنه، وبسبب الخلاف بين الإدارة وجزء من الموظفين الرافضين للقرار ولقيمة التعويضات، الذين يأملون في التوصل إلى زيادة في قيمة التعويضات، قام الموظفون بتكليف محقق مالي فرنسي لهذا الغرض، وهو بالفعل قد بدأ عمله الذي ينتهي بعد نحو أسبوعين من الآن. وإلى أن يحين هذا الوقت، فإن الحديث عن إذاعة «الشرق» في باريس سيبقى، على الأرجح، حديث الوسط الإعلامي العربي في فرنسا.