مصريون يتسابقون افتراضيا نحو نيل لقب «المواطن الصحافي»

مدوناتهم نافست المؤسسات الإعلامية

TT

في مصر كوَّن القراء جمهوريتهم الصحافية، تعاهدوا في عقد اجتماعي افتراضي على الولاء لصحافتهم الجديدة والوليدة. يتنافسون في بث القصص المصورة على فضاء الشبكة العنكبوتية، ويحققون السبق تلو الآخر، أو يجمعهم هم واحد وقضية تشغلهم فتتدفق الأفكار والحلول والإبداعات.. ليكتشف الجميع في النهاية أن جمهوريتهم دخلت عالم الثراء، وأن الواحد منهم بات مواطنا صحافيا يتمتع بكامل حقوق المواطنة.

وائل عباس، واحد من المدونين المصريين ممن حققوا شهرة كبيرة، وتمكن عبر مدونته «الوعي المصري» من إنجاز أكثر من سبق صحافي في القضايا الحقوقية. ونال، إثر ذلك، عدة جوائز دولية، من بينها جائزة رجل العام من محطة «سي إن إن» عام 2007، ومثلها من «بي بي سي»، ثم اختياره من بين أكثر مائة شخصية عربية تأثيرا، إضافة إلى جائزة من المركز الدولي للصحافيين.

يحكي عباس لـ«الشرق الأوسط» تجربته مع المواطنين الصحافيين، فيقول: «الموضوع بدأ بمشاركة أشخاص لديهم اهتمام بالسياسة.. تمنعهم أسباب رقابية، وتمنحهم المدونات سقف حرية لا تتمتع به وسائل الإعلام التقليدية. وبعد تحقيق المدونة مصداقية ملموسة وتناولها الأحداث والقضايا بطرق تغطية غير مطروقة، شجع ذلك الناس العاديين على المشاركة، وبدأت القصص تتوالى على المدونة. والأمر لم يكن يحتاج إلا لجهاز محمول مزود بكاميرا، ثم تسجل الأحداث وترسل عبر الإنترنت وتنشر، بمرور الوقت تكونت لديَّ أعداد لا حصر لها من القصص الإخبارية».

لكن عباس مارس دورا رقابيا أيضا.. فلم تكن كل القصص صالحة للنشر، وفق سياسة تحرير مدونته التي وضعها. يقول عباس: «توالت القصص بالمئات، لكن كانت هناك قصص كثيرة غير صالحة.. بعضها فضائحي (أصفر) لا يتواءم مع سياسة المدونة، وبعضها خاص للغاية ولا علاقة له بجمهور المدونة. كنت أحذفها، فقط كنت أنشر ما يدخل في سياق مدونتي الحقوقية كالقصص حول التجاوزات الرسمية في الشارع».

أما الدكتور أحمد زكريا، مدرس التحرير الصحافي بقسم الإعلام جامعة المنصورة، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن المواطن الصحافي لا بد أن تتوافر لديه مهارات وحيثيات لنيل مواطنته، من بينها: القدرة على استخدام مفردات تكنولوجيا الاتصال، والدخول على الإنترنت، إضافة إلى المهارات الأدنى للكتابة الصحافية أو الإحساس بالخبر، ولا غنى عن توافر الوعي.. وإذا افتقد مهارة الكتابة، فيمكن تعويض هذا النقص بالقدرة على الرصد الفوتوغرافي أو عبر الفيديو»، لافتا إلى أن فكرة المواطن الصحافي حققت نجاحا كبيرا في الغرب، خاصة في أميركا؛ حيث نافس المدونون المحطات الفضائية العملاقة والصحف ذات الإمكانات الضخمة في نقل سباق الرئاسة الأميركي على سبيل المثال.

وبحسب زكريا، فإن هناك ميادين حققت فيها المدونات باعا، خاصة القصص الإنسانية في الضواحي البعيدة عن أجندة الإعلام الغربي إلى حد كبير.

وقال زكريا: إن المواطن الصحافي أحد إفرازات الـ«نيو ميديا» أو الإعلام الجديد، وهو إعلام قائم على تفتيت الكتلة الجماهيرية، بعد أن ظلت لسنوات أسيرة حشد وسائل الاتصال الجماهيرية. وفي ظل التفتيت، أراد كل فرد أن يعبر عن نفسه ويسهم في إعلامه ولم يعد يكتفي بدور المتلقي، بل أصبح مصدرا للأخبار والقصص أيضا.

وقال زكريا: إن المواطن الصحافي، بعد فترة مناسبة من تمتعه بحقوق المواطنة في جمهورية شبكة المعلومات، يجد مواطنين يشبهونه في الاهتمامات والسمات، فيتفاعل معهم، ويكونون أقاليمهم الخاصة التي تعنى بالاهتمامات الفئوية أو التمترس حول موضوع أو هم خاص. ولعل النجاح اللافت لمدونة «عايزة أتجوز» دليل على ذلك؛ فمشكلة العنوسة هاجس كثير من الفتيات، فاشتركت آلاف منهن في عرض قصصهن وتجاربهن على المدونة.. وهذا جانب مغاير للمدونات الإخبارية.

وقال زكريا: إن هناك رافدا آخر يجد فيه المواطن الصحافي ملاذا؛ فبعض المحطات الكبرى كـ«سي إن إن» سمحت للقراء بإرسال قصصهم لنشرها، ولاقت التجربة نجاحا. فمع آلاف القصص المتدفقة على الموقع، تتم عملية «فلترة» لها وينشر الصالح منها، ويستبعد غير الصالح. كما أن هناك قصصا ثالثة تحتاج إلى تحقيق وإعادة تقصٍّ، وتمد الصحافي المحترف بخيوط يتتبعها.

ويعتبر موقع «تدوينات» من المواقع العربية التي تتيح للقارئ أن يتمرد على محدودية دوره كمتلقٍّ، وتمنحه المواطنة الصحافية بلا حدود. فيقدم خدمة المدونات المجانية لمستخدميه، ويعتبر الأول من نوعه كمتخصص فقط في عالم التدوين؛ إذ تقدم المواقع العربية الأخرى مثل «جيران» و«مكتوب» خدمات أخرى كثيرة إلى جانب التدوين. ويتميز «تدوينات» الذي يعمل بنطاقي «دوت كوم tadwinat.com» و«دوت نت tadwinat.net» بتوفير خدمة التدوين الصوتي والمرئي للتسهيل على من لا يمتلكون المقدرة على صياغة ما يدور في أذهانهم بالكلمات المكتوبة، ويتم التدوين بهذه الطريقة من خلال برنامج يتم تحميله مجانا من الموقع.

وقال محمود قابيل، أحد مؤسسي الموقع والمتحدث باسمه، لوكالة «رويترز»: إن «تدوينات» يمثل تأصيلا عمليا لفكرة المواطن الصحافي. وأضاف: «كل مواطن أصبح قادرا على أن يوثق ما حوله ويسبق حتى وسائل الإعلام التقليدية بلقطات صورها بالهاتف المحمول أو بكاميرا فيديو أو فوتوغرافية، لتكون محتوى إعلاميا ينشر في مدونته على الموقع». وقال قابيل: إن «تدوينات»، الذي يرفع شعار «فضفضة بلا حدود.. إبداع بلا قيود»، أقيم «بتمويل ذاتي من مؤسسيه، ولا يهدف إلى الربحية». وبلغ عدد المدونات على الموقع حتى الآن 1800 مدونة تقريبا، ومسجل عليه نحو 1500 عضو، ويجوز للأعضاء إنشاء أكثر من مدونة. ومن مزايا «تدوينات» التدوين الصوتي Podcasting عن طريق استخدام الملفات الصوتية كوسيلة تدوين، ويتم نشر الملفات بصيغة mp3 وهي الصيغة المتعارف عليها في عالم التدوين الصوتي. ويستطيع القراء متابعة التدوينات الصوتية من خلال خدمة RSS، وهي ميزة تتيح متابعة المدونات بسهولة ويسر. ويمكن تشغيل هذه الملفات من خلال البرنامج الشهير «iTunes»، وهو برنامج يشغل ملفات الوسائط المتنوعة بطريقة سهلة ومميزة. كما يتيح «تدوينات» عرض ما يريد المشاهد من ملفات مصورة في قسم الفيديو، ويستطيع المدون التحكم فيمن لهم حق مشاهدتها، وكذلك من يستطيع نشر ملفات مصورة في مدونته.

ويقول مسؤولو الموقع: «مع موقعنا، ستتخلص من سجن (القارئ الافتراضي) الذي لا تعرف إن كان قرأ ما كتبته أم لا، لكنك ستجد قارئا متفاعلا ودائم التواصل مع كل ما تكتبه ويصلك رأيه بصورة أوضح وأسرع».

وشهدت السنوات الأخيرة انهيار الحواجز التي كانت تحجب الجمهور عن المساهمة في خلق الأخبار، ففي أبريل (نيسان) 2004 وضع روس كيرك، الأميركي الجنسية، صاحب مدونة (ثقب في الذاكرة)، الإعلام الأميركي في موقف مخزٍ بعد نشره صور الجنود الأميركيين الذين قتلوا في العراق.. لقد سبق كبريات الصحف ووكالات الأنباء وجميع وسائل الإعلام العالمية، على الرغم من أن ما فعله مجهود فردي منشور في مدونة لم يكن يعرفها الكثيرون في ذلك الوقت. والعام الحالي نشر موقع شخصي هو «ويكيليكس» آلاف الوثائق السرية الخاصة بالمخابرات الأميركية ونقلت عنه كبريات الصحف العالمية.

وقدر تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري عام 2008، تحت عنوان «المدونات المصرية.. فضاء اجتماعي جديد»، عدد المدونات العربية آنذاك بنحو 490 ألف مدونة، بينها نحو 160 ألف مدونة مصرية.