إبراهيم نافع رئيس تحرير «الأهرام» الأسبق: منافسة الصحافة الخاصة أقالت الصحف القومية من عثرتها

رئيس اتحاد الصحافيين العرب لـ «الشرق الأوسط» : قفزت بميزانية الصحيفة من 22 مليون دولار إلى 250 مليون دولار

إبراهيم نافع
TT

خرج الكاتب الصحافي إبراهيم نافع رئيس اتحاد الصحافيين العرب، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة «الأهرام» اليومية المصرية الأسبق عن صمته ليتحدث لـ«الشرق الأوسط» من واقع خبرة 60 عاما في عالم الصحافة عن مستقبل الصحف القومية في مصر، معتبرا أن عثرتها لم تطل بفضل المنافسة التي أوجدتها الصحف الخاصة، لافتا إلى أن الأزمة جاءت نتيجة اعتقاد قيادات مؤسسات صحافية كبرى بأن كسب ثقة القارئ لا يأتي إلا حينما تتم الإساءة إلى الرموز التي سبقتها، متجاهلة بذلك ذكاء القارئ.

وأشار نافع خلال حواره مع «الشرق الأوسط»، بمكتبه بصحيفة «الأهرام» في القاهرة إلى أبرز لقاءاته الصحافية مع القادة العرب، لافتا إلى عدم تفاؤله بما وصلت إليه القضية الفلسطينية وما آلت إليه جامعة الدول العربية.

وتطرق إلى تجربته في عالم الصحافة منذ التحق بمؤسسة «الأهرام» عام 1962، حتى أصبح على رأس تلك المؤسسة العريقة، قائلا إنه قفز «بميزانية مؤسسة («الأهرام») من 126 مليون جنيه (نحو 22 مليون دولار) إلى نحو 1500 مليون جنيه (نحو 250 مليون دولار)»، وإن في عهده أصبحت «الأهرام» واحدة من بين أكبر عشر صحف في العالم، مشيرا إلى سنوات الصمت التي مر بها خلال أزمته بعد خروجه من «الأهرام».

وأبدى نافع إعجابه بالخطوات التي يتخذها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز نحو المشروعات التنموية، وأخذه بمقتضيات العصر من علوم تكنولوجية، ودوره في مواجهة الإرهاب وضرب قواعد تنظيم القاعدة.. وإلى نص الحوار:

* من واقع تجربتك الصحافية التي امتدت لأكثر من 60 عاما، كيف ترى الحال الصحافي في مصر الآن؟

- الصحافة القومية في مصر تمر بمرحلة انتقالية بعد أن تعثرت بعض الوقت، لكنها سرعان ما استردت وعيها بسبب منافسة الصحافة الخاصة. وعثرة الصحافة القومية حدثت عندما تخيل بعض قياداتها أن كسب ثقة القارئ لا تأتي إلا حينما تتم الإساءة إلى الرموز التي سبقتها، متجاهلة بذلك ذكاء القارئ الذي يستطيع المقارنة؛ ليس فقط بين الأشخاص، لكن بين سياسات النشر. ولا أجامل إن قلت إن القيادات الجديدة في «الأهرام» أو غيرها من الصحف القومية جعلت الرؤية الآن تفوق لغة العصر، فنحن نتحدث اليوم عن عودة المكاتب الخارجية لـ«الأهرام» مرة أخرى، والتوسع الإلكتروني، وإعادة تدريب الصحافيين وتوفير الإمكانيات لرفع مستوى معيشتهم، وهو الأمر الذي يجب أن ينطبق على باقي المؤسسات الصحافية في مصر حتى تنهض بالمستوى والعمل الصحافي ككل، لأننا كلنا كيان واحد وفي قارب واحد.

* خلال تاريخك الصحافي، ماذا قدمت لإثراء العملية الصحافية والإعلامية؟

- أزعم أنني التقيت بجميع زعماء العالم في أوروبا وأميركا وآسيا وأفريقيا وزعماء الدول العربية، وخرجت مع بعثات صحافية ضمت الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة صحيفة «الأهرام» وخبراء من مركز الدراسات الاستراتيجية لإثراء اسم «الأهرام»، وتحولت بعدها لسنة حسنة تعلم منها الجميع. علمنا الجميع كيف يمكن إجراء حوارات مع زعماء العالم، وكيف يتم إجراء مسح شامل سياسي واقتصادي واجتماعي لكل الدول التي نزورها.. إلى جانب الإصدارات المختلفة التي صدرت عن «الأهرام» وعددها 17 إصدارا، بالإضافة إلى صروح الطباعة والاستثمارات في مختلف النواحي، التي قفزت عندما تركتها بميزانية مؤسسة «الأهرام» من 126 مليون جنيه (نحو 22 مليون دولار) إلى نحو 1500 مليون جنيه (نحو 250 مليون دولار).

* حواراتك السياسية مع زعماء العالم كونت لك علاقات كثيرة، ماذا تبقى من هذه العلاقات الآن؟

- الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى كتب ولا تكفيها فقرة أو فقرتان، ولكن قدر الإمكان أستطيع أن أسجل للتاريخ أن لي مع الرئيس المصري محمد أنور السادات مواقف متميزة لا تنسى، وكنت بالقرب من الرئيس حسني مبارك منذ 31 عاما، وكنت أسافر معه، وعلى اتصال شبه يومي بسيادته بحكم منصبي كرئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير أكبر مؤسسة صحافية. أما الزعماء العرب فتحولت علاقتي مع بعضهم إلى صداقة مثل صداقتي مع العاهل الأردني الملك حسين، وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات، ورئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، والرئيس السوري حافظ الأسد، والسلطان قابوس، والرئيس على عبد الله صالح، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي يخطو خطوات عظيمة جدا بالمملكة، وأنا معجب به من حيث الاهتمام بالمشروعات التنموية الكبيرة والقوة العسكرية، وأخذه بآخر ما انتهى إليه العلم والتكنولوجيا الحديثة، فضلا عن دور المملكة المتميز في مواجهة الإرهاب بصفة عامة، وفي ضرب قواعد «القاعدة» بصفة خاصة.

* أرجع بك إلى 4 سنوات استمر خلالها التحقيق بشأن اتهامات نسبت إليك، حدثنا عن هذه الفترة؟

- تذكرني بكابوس قديم استمر 4 سنوات، وأحاول أن أنساه. فقبل تركي «الأهرام» التي بدأت العمل فيها منذ فبراير عام 1962، ترقيت من مندوب صحافي، إلى محرر، ثم رئيس قسم، ثم مساعد رئيس تحرير، ثم رئيس تحرير، ثم رئيس مجلس إدارة، وكنت أعلم بقدوم قيادة جديدة لأنها سنة الحياة، فاخترت أن أكون خارج القاهرة حتى أترك لزملائي فرصة الاحتفال بالقيادة الجديدة من دون إحراج، وحينما عدت من السفر ذهبت إلى «الأهرام» لتهنئة القيادة الجديدة، واستقبلوني استقبالا حافلا، ولكن سرعان ما انقلب الموقف، وبدأ البعض في تصيد بعض السلبيات والأخطاء، ولم أكن أتصور أن تتحول هذه السلبيات إلى مسرحية كاذبة وبلاغات، بمعنى أخذ نصف قرار ووصفه بأنه خاطئ على مذهب «ولا تقربوا الصلاة». وكان يجب أن يؤخذ الموضوع برمته وتتضح الصورة وتزول الافتراءات، كما أنني لم أصدق كل هذا الحقد وتلك الكراهية من الزملاء الذين عشت معهم أبا وأخا وزميلا. ولذلك فضلت الصمت لأنني كنت على يقين من أن الله سوف يقف بجانبي، واستعنت بصبر من الله على هذه الأزمة.

* البعض أكد أن مؤسسة «الأهرام» أوصدت كل الأبواب في وجهك لإثبات براءتك من الاتهامات التي وجهة إليك، ماذا كان رد فعلك؟

- ما حدث أثر في نفسيا أكثر من التهم التي وجهت إلي، وكانت عملية قاسية، فاللجان التي شكلها قاضي التحقيقات أكدت صدق التقارير التي قدمتها، والحمد لله كان تقرير لجنة التحقيق نفسه ينسف الاتهامات التي قدمت لقاضي التحقيقات.

* هناك من يتهمك بسوء الإدارة خلال فترة توليك رئاسة «الأهرام»، ما تعليقك؟

- ميزانية «الأهرام» التي ذكرتها من قبل أكبر دليل على الارتقاء بها، بالإضافة إلى أن مؤسسة «الأهرام» كانت صحيفة واحدة ومجلة شهرية وأخرى كل 3 أشهر، وعندما تركتها كان فيها 17 مجلة أسبوعية، وصحيفتان يوميتان، إضافة إلى أن «الأهرام» أصبحت لها مكاتب تقريبا تغطى كل العالم، وتحولت «الأهرام» من صحيفة محلية إلى إقليمية، إلى دولية، لتصبح من أهم 10 صحف عالمية، لتتحول «الأهرام» إلى مدرسة كبيرة خلقت كوادر بشرية موجودة اليوم في الصحف القومية والخاصة، ووسائل الإعلام، وأصبح منها خبراء متخصصون في أوروبا وأميركا.

* وما تعليقك حول واقعة إهدار المال في مكتب «الأهرام» بجدة؟

- هذه الواقعة إن دلت على شيء فإنها تدل على نية سيئة مبيتة عند شخص للأسف الشديد لا أقول عنه إلا أنه مريض، فمكتب جدة كان وما زال من أعظم المكاتب الموجودة لـ«الأهرام»، ونجح نجاحا كبيرا، وما زال حتى الآن، وتم إنقاذه من الغلق مثله مثل بعض مكاتب العواصم العالمية في باريس ولندن، التي لم تغلق فقط، ولكن تم بيع أصولها، فمكتب جدة عمق العلاقات أكثر بين مصر والسعودية، كان ينقل كل شيء بمصداقية بين البلدين، ولم يكن هناك إهدار للمال على الإطلاق، بل على العكس، كانت موارد هذا المكتب بالذات تحول إلى مقر المؤسسة في القاهرة، وكان يساعد في تمويل بعض المكاتب الأخرى. كما أن نتائج التحقيقات أكدت أن البلاغات التي قدمت كانت مجرد كلام مرسل، ولا تستند إلى أدلة.

* وما موقفك من الذين قادوا حملة الهجوم ضدك؟

- لم أعف عنهم حتى الآن، ويجول في فكري من وقت لآخر اللجوء إلى القضاء مرة أخرى عن طريق القضاء المدني، ليس فقط للتعويضات، ولكن حتى يشعروا بمدى الظلم الذي ألحقوه بي، ومدى الجريمة التي ارتكبوها في حقي، وفى حق آخرين، لأنه الشعور بالظلم يترك أثرا ليس من السهل نزعه من القلب، ولكن حتى الآن لم أتخذ قرارا بشأنهم، ولكن استثنيت من هذا شخصا واحدا هو أحمد النجار الذي قررت أن أقيم دعوى قضائية ضده، بعدما شكك في نزاهة القضاء عقب براءتي، وعاد لنشر الأكاذيب، وذلك لأني رأيت أنه لم يشكك في شرفي أو ذمتي، بل شكك في نزاهة القضاء، وبالفعل صدر الحكم بإدانته وتغريمه 20 ألف جنيه (نحو 3 آلاف دولار) وإلى الآن لم أسع لتنفيذ هذا الحكم.

* ادعى البعض أن هذا الحكم ببراءتك كان نتاج تسوية أوراق، فما تعليقك؟

- أولا، لو كان تسوية أوراق لما احتاج الأمر إلى أربع سنوات، ويكفي أن أذكر أن قاضي التحقيق شكل لجانا من الخبراء من الجهاز المركزي للمحاسبات، والبنك المركزي، والرقابة على البنوك، والكسب غير المشروع، وجميع التحقيقات وتقارير اللجان موجود لدى جهة التحقيق ومن يريد العودة إلى أي ملف من هذه الملفات يستطيع، وكان من حقهم الطعن في أي ورقة، ولا أذيع سرا أنني كنت متخيلا في بعض البلاغات أن ينهيها القاضي بمجرد النظر في الأوراق فقط أو بمجرد بحثها من الواقع، ولكنه كان يدقق في كل شيء، ويأخذ آراء خبراء مدنيين ومكاتب استشارية مدنية، وخبراء من البنك المركزي للتقييم، وقد حدث ذلك على سبيل المثال في بلاغ متعلق بشراء قطعة أرض على النيل من أحد المعلنين تسديدا لمديونيته لدى مؤسسة «الأهرام» بمبلغ خمسة ملايين جنيه (نحو 877 ألف دولار) أي يقدر سعر متر الأرض بـ3 جنيهات، وادّعوا في البلاغ أنها لا تساوى أكثر من نصف مليون أو مليون جنيه، وكنت متخيلا وقتها أن يرفضه القاضي بمجرد النظر، ولكنه شكل كل اللجان السابق ذكرها وأكدوا أن قطعة الأرض تساوي أكثر من هذا المبلغ لوقوعها على النيل.

* لماذا لم تطلب تدخل الرئيس المصري حسني مبارك في محنتك؟

- على الرغم من ما يربطني بالرئيس مبارك من علاقة أكثر من حميمة، حينما كان نائبا للرئيس السادات، فإنني لم أطلب منه التدخل، لأنني أعرف موقفه جيدا، وهو أنه ما دامت هناك قضية أمام القضاء، فإنه لا يتدخل فيها، ولذلك تقبلت هذا الوضع تقبلا حسنا، على الرغم من أنني من الناحية النفسية حزنت، ولكني تأكدت في النهاية أن موقفه هذا كان في صالح التحقيق وليس ضده.

* من وجهة نظرك ككاتب صحافي، هل يمكن أن يتحقق سلام عادل وشامل في المنطقة العربية؟

- لا أثق في السياسة الإسرائيلية، خاصة مع المجموعة اليمينية بقيادة نتنياهو، وكل ما يجري على الساحة الآن هو شراء للوقت لصالح الإسرائيليين ومضيعة لوقت العرب، ولن يحدث شيء في المستقبل القريب. كما أن جميع الخطوات التي تتم حاليا من ناحية الاستيطان واعتبار القدس من الأولويات القريبة للأمن القومي الإسرائيلي.. كلها تتجه نحو شيء واحد هو فرض الأمر الواقع في النهاية أو ترك قضية الدولة الفلسطينية واعتبارها مجرد وهم، وأنها مجرد كانتونات متفرقة لا تربطها أرض موحدة ولا سماء مستقلة. فهكذا تبدو الصورة أمامي، وهكذا تراها الدول العربية. كما أن العالم الخارجي يرى أننا ليست لنا إرادة سياسية قوية لحل القضية، والفلسطينيون يرون ذلك أيضا، ويلمسون جميع الخطوات التي تتخذها إسرائيل ضدهم، ومع ذلك يعمقون الخلافات بينهم.. وتعنيهم السلطة السياسية أكثر مما تعنيهم معاناة الشعب الفلسطيني.

* ومتى تتخذ الدول العربية موقفا واحدا تجاه ما يحدث؟

- أقول للدول العربية اذهبوا إلى مجلس الأمن أو المحافل الدولية الأخرى، وإذا أردتم الاعتراف بالدولتين الفلسطينية والإسرائيلية؛ فافعلوا، ولم أقل أعلنوا الحرب. المهم أن يفعلوا شيئا واحدا، ولكن ما نراه هو الاهتمام بتغيير اسم الجامعة العربية، التي أصبحت من وجهة نظري مجرد كيان إداري. ولذلك أرى أنه عندما تتفق وتتوحد الإرادات السياسية للدول العربية، نستطيع وقتها أن نطلق على الجامعة العربية ما نشاء من أسماء، لأن المسألة ليست أسماء أو أقوالا، إنما أفعال وإرادة سياسية.