شركات الهاتف تغزو عقول الباكستانيين عبر الإعلانات التلفزيونية

رغم الاحتجاجات المتكررة والنقد ما زال الكثير منها مصدر ترفيه للعامة

TT

دخلت فتاه جذابة صغيرة السن مبني الكلية وسألت بعض الطلاب عن مكان مكتب المدير. بدلا من ذلك، بدأ فتيان عابثان معاكستها وعرضا عليها أشياء كثيرة بدءا من وجبة غداء مجانية كل يوم وصولا إلى مساعدتها في أداء الواجب الدراسي. ولم تبد الفتاه جذابة وحسب، بل كانت مغرورة أيضا. واستمرت في تجاهل الفتية العابثين. وقدم أحدهما عرضا يبدو غير عادي: «سوف أتحدث معك طوال الليل على الهاتف الجوال». فجأة، تلاشي غرور الفتاة وأصبحت تتعامل بود مع الفتى الذي قدم هذا العرض.

هذا ليس مشهدا من فيلم رومانسي. بل هو إعلان مشهور لإحدى شركات خدمات التليفون الجوال يُعرض بانتظام على شاشات أكثر من 40 قناة خاصة خلال ساعات الذروة في باكستان. ونظرا لحرب الأسعار المستمرة بين شركات خدمات التليفون الجوال، فإن الهدف الذي تريده (شركات الهاتف الجوال) من مثل هذه الإعلانات هو تعريف الناس أنه يمكن لأي شخص التحدث مع معارفه طوال الليل دون الحاجة إلى دفع فواتير كبيرة بعد التحدث لساعات.

وتعد العلاقة بين الأزواج الشباب سمة دائمة في الحملات الإعلانية للتليفون الجوال التي تميز شاشات التلفزيون في باكستان. ويمنع الآباء أبناءهم المخطوبين حديثا من المقابلة قبل الزواج، مما يدفعهم إلى التوجه لاستخدام التليفون الجوال ليبقوا على اتصال أثناء فترات النهار والليل من خلال الرسائل القصيرة والمكالمات الهاتفية. ويصبح الفتى لدية المئات من الفتيات المعجبات لأنه يستطيع إرسال آلاف من الرسائل القصيرة يوميا باستخدام حزمة رخيصة تقدمها شركة معينة لخدمات التليفون الجوال. لذا، اضطر إلى وقف بث مثل هذا الإعلان بعد احتجاج الجمهور لأنه أظهر معاكسة صراحة وعرض موديل على الشاشة.

لماذا تنفق شركات الهاتف الجوال الملايين على إعلانات تجذب خيال جيل الشباب داخل المجتمع الباكستاني؟ يقول خبير إعلامي: «هناك سببان: أولا، أكثر من نصف سكان باكستان تحت سن الـ25. ثانيا، وسائل الاتصال التي تقدمها شركات خدمات التليفون الجوال تحظى بشعبية كبيرة بين جيل الشباب في باكستان».

ويقول خبراء في الإعلام إن هناك إعلانات تحاول جذب خيال البالغين من المجتمع الباكستاني ولكنهم ليس لهم وجود دائم على شاشات التلفزيون الباكستاني. وكتب محمد بلال في إحدى المدونات المشهورة داخل باكستان: «فقط انظر إلى إعلاناتهم وستحسب أن الشباب الباكستاني لا يفعلون شيئا في الحياة سوى الدردشة يوميا عبر الإنترنت مع الفتيات. يبدو كأن الفتيات في باكستان تخرجن كي يتجمع الشباب حولهن».

وعلى الرغم من الاحتجاجات المتكررة والنقد، فإن الكثير من تلك الإعلانات الشيقة والمثيرة للجدل الاجتماعي تعد مصدر ترفيه للعامة وتميز شاشة التلفزيونات داخل باكستان. ويقول خبراء في الإعلام إن السبب وراء التجاهل المستمر من قنوات التلفزيون الباكستاني والسلطات الحكومية الأخرى لأصوات الاحتجاج المتكررة - يرجع إلى وجود «المال الضخم» المستخدم في هذه الحملات الإعلانية. وعلي سبيل المثال، وفقا لتقديرات العام الماضي كانت ميزانية الإعلانات لإحدى شركات التليفون الجوال البارزة أكثر من 400 مليون روبية.

ويقول خبير إعلامي: «السبب الثاني والأهم وراء استمرار عرض تلك الإعلانات المثيرة للجدل اجتماعيا على شاشات التلفزيون هو أنها أثارت اهتماما كبيرا بين المواطنين». ومنذ سنوات قليلة حاول زعماء الجماعة الإسلامية إطلاق حملة ضد إعلانات الهاتف الجوال بوصفها «غير أخلاقية وتنتهك المعايير الاجتماعية في المجتمع». وقال محمد حسين مهنتي، زعيم الجماعة الإسلامية في كراتشي: «يتزايد الاضطراب بين وسائل الإعلام عبر هذا الطوفان من الابتذال الذي تسمح به السلطات دون رادع». ومع ذلك، لم تتوقف الحملة وفشلت في جذب انتباه الجمهور.

ونتيجة لذلك، فإن الأحزاب الدينية السياسية التي تتحدث كثيرا في مثل هذه القضايا، تصمت حاليا عن هذه السمة الدائمة التي تميز الحياة العامة في باكستان.

هذا ومن الصعب عدم ملاحظة الحملات الإعلانية لشركات التليفون الجوال داخل باكستان. وتُعرض إعلانات وخدمات التليفون الجوال في وسائل الإعلام وعلى لوحات الإعلانات، وفي كل مكان آخر يمكن تخيله. وتوجه المنافسة بين شركات التليفون الجوال الحملات الإعلانية المكثفة. كما يحاول قسم التسويق في جميع شركات التليفون الجوال الرئيسية بذل قصارى جهده من أجل جذب اهتمام الناس من خلال عبارات جذابة وأغانٍ شعبية، وكذلك عارضات جذابات أثناء عرض منتجاتها وخدماتها. وتشير نوعية وعدوانية الحملات الإعلانية إلى مستوى الجهد المبذول لكسب حصص داخل السوق. وقال مسؤول بشركة تليفون جوال إنه وفقا للدراسات «يزداد عدد المشتركين بمقدار 2 مليون مشارك كل شهر».

وقد وظفت شركة «يوفون»، وهي تعد أحد أسرع مشغلي خدمات الهاتف الجوال في باكستان، فريقا من أفضل الفنانين الكوميديين في الدولة لعمل مقاطع مسرحية كوميدية جديدة كل شهرين والتي ستقدم بعد ذلك كإعلانات لشركة التليفون الجوال. وتختلف الأفكار التي تقدم في هذه الإعلانات اختلافا جذريا عن المعايير الاجتماعية القائمة في مجتمع شديد التحفظ مثل باكستان.

ويشير النمو الهائل في صناعة الاتصالات والتليفون الجوال داخل باكستان خلال العشر سنوات الماضية بوضوح إلى أن شركات التليفون الجوال يمكنها الاستمرار في تمويل هذه الحملة الإعلانية الضخمة في السنوات المقبلة. وقد أفاد تقرير الحكومة بشأن الاستثمار الخارجي: «جذبت الصناعة نحو 500 مليون دولار أميركي في صورة استثمار أجنبي مباشر خلال الثلاث سنوات الماضية».

وبدأ كل ذلك في الفترة التي كان فيها الجنرال مشرف داخل السلطة. وفي الواقع، لم تلتمس الجماعات الدينية في المجتمع الباكستاني العذر للحاكم العسكري لسماحه بمثل هذه المساحة الواسعة لشركات التليفون الجوال بعرض هذه الحملات الإعلانية «المتحررة» على شاشات التلفزيون داخل باكستان.

كما أنها لم يكن من قبيل الصدفة أن بدأت شركات الهاتف الجوال تخصيص ميزانيات كبيرة للحملات الإعلانية في الوقت الذي سمحت فيه حكومة الرئيس السابق برويز مشرف بعمل القنوات الإخبارية الخاصة في باكستان. وقال صحافي كبير، شريطة عدم ذكر اسمه: «أستطيع أن أقول لكم بسلطة كاملة إن مؤسسات الإعلام البارزة أطلقت قنواتها الإخبارية بالتزامن مع بدء شركات الهاتف الجوال تخصيص ميزانيات كبيرة لحملاتها الإعلانية». أو معني آخر، تمول الميزانيات المخصصة لإعلانات شركات التليفون الجوال بشكل متواصل تشغيل القنوات الإخبارية الجديدة التي تم إطلاقها.

وقال مسؤولون حكوميون بارزون بوزارة الإعلام الباكستانية، لديهم خبرة كبيرة في التعامل مع وسائل الإعلام، لـ«الشرق الأوسط»، إن القنوات الإخبارية في باكستان والميزانية الكبيرة التي تخصصها شركات التليفون الجوال تعتبر «توأمين لا يمكن فصلهما بعضهما عن بعض» يدعمان ويساهمان في النمو معا.

ومن الدلائل الواضحة لهذا التحالف هو حقيقة أن الأسلوب العدواني للإعلام الباكستاني يتوقف عند المشكلات اليومية التي يواجهها عملاء شركات التليفون الجوال. ويشتكي العملاء بصورة عامة من ضعف القدرة على استقبال المكالمات الصوتية ووعود زائفة تطلقها شركات التليفون الجوال. ولكن، لم تتناول أي من وسائل الإعلام الباكستانية، سواء المطبوعة أم الإلكترونية، هذا الموضوع.