البروفسور جيم الخليلي: لدى بعض العلماء اعتقاد أن الصحافي ربما يدمر حياتهم العلمية

قال لـ «الشرق الأوسط» إن الجمهور البريطاني استقبل برنامج «العلم والإسلام» بشغف واهتمام كبيرين

البروفسور جيم الخليلي
TT

مهرجان العلوم البريطاني يعد واحدا من أهم وأبرز المهرجانات العلمية العالمية التي تهدف إلى إبراز أهم اتجاهات العلوم العالمية الحديثة وكذلك التعرف على الأساليب والبرامج الكثيرة غير التقليدية والمثيرة لجذب الطلاب والعامة للاهتمام بالعلوم، وقد عقد المهرجان مؤخرا في جامعة آستون بمدينة برمنغهام بوسط إنجلترا، وكان من بين أبرز المشاركين فيه البروفسور البريطاني العراقي الأصل جيم الخليلي، أستاذ الفيزياء النظرية ودمج العامة بالعلوم بجامعة سري البريطانية، ونائب رئيس رابطة العلوم البريطانية، والشهير بمؤلفاته العلمية وتبسيطه للعلوم في وسائل الإعلام البريطانية وإبرازه للإسهامات العلمية الرائدة للحضارة الإسلامية وللعلماء العرب والمسلمين من خلال برامجه التلفزيونية الشهيرة المميزة، والتي من أهمها وأبرزها تقديمه لسلسلة البرامج التلفزيونية الوثائقية العلمية لقناة التلفزيون البريطانية «بي بي سي»، التي من بينها وأهمها برنامج «الذرة» في ثلاثة أجزاء وبرنامج «العلم والإسلام» في ثلاثة أجزاء، حيث سافر في رحلة علمية شائقة عبر إيران وسورية ومصر وتونس لاكتشاف التقدم الهائل الذي وصل إليه العرب والمسلمون في مختلف العلوم، وإسهاماتهم الرائدة في إنشاء علوم جديدة أصبحت أساس العلوم الحديثة الآن وأنهم أصحاب الفضل في بناء علوم وحضارة الغرب.

وقد اختير الخليلي عام 2004 واحدا ضمن 21 عالما من وجوه العلوم الشهيرة في بريطانيا، وقد حصل عام 2007 على جائزة عالم الكيمياء والفيزياء الإنجليزي مايكل فاراداي، في تبسيط وتوصيل العلوم، التي تقدمها الجمعية الملكية البريطانية للتميز في توصيل العلوم للعامة، وقد صدر له خلال الشهر الحالي عن دار «بنجوين» للنشر كتاب «العصر الذهبي للعلوم العربية». وعلى هامش فعاليات هذا المهرجان، التقت «الشرق الأوسط» البروفسور الخليلي، فكان معه هذا الحوار:

* هل لك أن تحدثنا عن أهمية إقامة مهرجانات للعلوم؟

- مهرجانات العلوم هي إحدي الوسائل المهمة للتفاعل مع عامة الجمهور وإشراكهم في مجالات العلوم والتكنولوجيا، فهي فرصة عظيمة للعلماء في مختلف مجالات العلوم لتوضيح وشرح ما يقومون به لعامة الناس بشكل مبسط وشائق وبعيد عن التعقيدات، فكثيرا ما ندعى لإلقاء محاضرات عامة في المدارس والجامعات، ولكن مهرجانات العلوم تجذب أعدادا غفيرة من مختلف شرائح المجتمع ومن جميع الأعمار والخلفيات العلمية والثقافية لزيارة مكان واحد للاستمتاع بالعلم والتعرف على كل ما هو جديد في جميع المجالات، حقا إنها وسيلة ممتازة ومهمة لأن يشرح العلماء ما يقومون بعمله ولماذا.

* برأيك، ما الذي يميز مهرجان الرابطة البريطانية للعلوم عن غيره من المهرجانات الكثيرة؟

- إذا نظرنا في بريطانيا الآن، نجد أن هناك الكثير من المهرجانات وأن كل مدينة ترغب في أن يكون لها مهرجانها الخاص بها، وهذا طبعا شيء رائع، ولكن مهرجان الرابطة البريطانية للعلوم يعتبر أقدم المهرجانات العلمية وأكبرها على الإطلاق، فلقد تأسست الرابطة عام 1831، والمهرجان أصبح تقليدا سنويا تقوم به الرابطة، فضلا عن أنه يتم استضافته من قبل مدينة مختلفة كل عام.

* باعتبارك إعلاميا علميا متميزا تقوم بتقديم برامج علمية عبر هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية، كما تكتب للصحف والمجلات العلمية المرموقة - ما أهمية الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام المختلفة لتوصيل العلم والتكنولوجيا والقضايا المرتبطة بهما لعامة الناس؟

- غالبا ما أذهب لإلقاء حديث أو محاضرة لعامة الجمهور، وربما يكون عدد الحاضرين مائة أو مائتين أو أكثر، ولكن إذا كان لدي قصة علمية عن موضوع أو قضية علمية مهمة ثم أقدمها لصحافي لينشرها في صحيفة، فهذا يعني أن القصة ستصل إلى جمهور كبير حول العالم، وإذا قدمت عبر التلفزيون أو الإنترنت فإنها ستصل إلى الملايين من الناس، وهذا في تقديري دور مهم وعظيم لوسائل الإعلام المختلفة، ولكن البعض من العلماء دائما ما يتوجسون خيفة من الإعلام، حيث يعتقدون أن الصحافي ربما يدمر حياتهم العلمية، فعليهم معرفة أن كل ما يريده الصحافي هو قصة علمية حول موضوع مهم يخص العلم وقضاياه، ولذا يجب علينا كعلماء أن نقدم له الموضوعات العلمية المثيرة والشائقة.

* باعتبارك عالما متخصصا بمجال الفيزياء وتشغل كرسيا في مجال دمج وإشراك العامة في شؤون العلم وقضاياه. هل لك أن تحدثنا عن المؤهلات والمقومات التي يجب أن تتوافر لدى العالم لكي يستطيع القيام بتوصيل رسالته للعامة بشكل مبسط وجذاب؟

- أعتقد أن هذا الحال تغير عما كان عليه منذ عشر سنوات، فأنا عندما بدأت العمل في مجال تبسيط العلوم وجعلها في متناول عامة الجمهور، لم يكن هناك سوى عدد قليل جدا من العلماء الذين يرغبون في العمل في هذا المجال، فضلا عن أن الكثير من زملائي حذروني وأوصوني بأن أركز على البحث والتدريس وعمل البحوث العلمية وعدم التحدث لوسائل الإعلام، ولكن الآن أصبح هذا المجال يحظى باحترام كبير ومكانة مرموقة في الأوساط العلمية، فليس كل العلماء قادرين على القيام بمهمة تبسيط العلوم وجعلها شعبية في متناول عامة الجماهير، فقد يرجع هذا إلى شخصية العالم نفسه، فكثير من العلماء يفضلون التفكير في عملهم داخل المعمل وبأن ليس لديهم وقت للتواصل مع العامة، وربما في الماضي لم يقدر العلماء أهمية التواصل مع العامة وإشراكهم في بحوثهم وأعمالهم العلمية، ولكن الآن نجد أن الحكومات نفسها والجامعات والأفراد تهتم بقضية تبسيط العلوم للعامة وإدماجهم في العلم وقضاياه، وتقدم الدعم المالي المطلوب، ويجب توافر الشجاعة لدى العلماء للقيام بهذا الدور، وكذلك القدرة على استخدام لغة سهلة وبسيطة، فمهما كانت صعوبة العلم، دائما من الممكن استخلاص الرسالة المرجوة منه، على العلماء تقدير وإدراك أن الجمهور ذكي وأن كل ما يفتقده هو فقط اللغة الفنية، لذا يجب على العالم أن يترجم هذه المفاهيم العلمية الفنية إلى لغة سهلة الفهم، فقد يكون المفهوم والمصطلح صعبا ولكن اللغة يجب أن تكون صحيحة، وهذا ما يتعلمه الآن الكثير من العلماء، وطبعا هذا شيء رائع.

* قدمتم في قناة التلفزيون البريطانية «بي بي سي» برنامجا وثائقيا متميزا في ثلاثة أجزاء بعنوان «العلم والإسلام»، لماذا هذا البرنامج بالذات ومن الذي أوحى إليك بفكرته؟

- لقد قدمت قبل هذا البرنامج عدة برامج لـ«بي بي سي»، وسألوني إذا كان لدي أفكار لعمل برامج أخرى، وكان برنامج «العلم والإسلام» على قمة القائمة بالنسبة إلي، إنها لقصة رائعة لهذا البرنامج، فالناس في الغرب لا يعلمون عنها شيئا، وأنا دائما كان لدي دافع ثقافي قوي، فأنا أعتز دائما وفخور بتراثي العربي والإسلامي، فعندما تعلمت في مدارس بغداد بالعراق درست عظماء العلماء وفلاسفة الإسلام من خلال حصص التاريخ وليس دروس العلوم، أمثال ابن سينا وابن الهيثم والخوارزمي وغيرهم، فهؤلاء العلماء على درجة كبيرة من الأهمية مثلهم مثل جاليليو ونيوتن وغيرهم من علماء الغرب، وفي أثناء دراستي تم تقديم هؤلاء العلماء لنا كمجرد أسماء دون توضيح وإبراز لدورهم وإسهاماتهم في تقدم العلوم على مر العصور. وهؤلاء العلماء لا بد من تدريسهم في حصص العلوم وليس في حصص التاريخ.

* وكيف استقبل الجمهور البريطاني برنامجكم الوثائقي «العلم والإسلام»؟

- استقبله الجمهور البريطاني بإيجابية كبيرة جدا، لقد دهشت كثيرا، واعتقدت أنه ربما سيكون هناك نقد، على أساس أنني ولدت وتربيت وتعلمت في العالم العربي الإسلامي، وطبعا أنني سوف أثني على هؤلاء العلماء. ولكن على العكس، فتقريبا جميع من تحدثت معهم قالوا: «هذا كان رائعا جدا، نحن ليست لدينا فكرة عن هؤلاء العلماء لأننا ما درسنا هذا في المدارس». الناس في الحقيقة مهتمون جدا وشغوفون بهذا الجزء من التاريخ، إنه تاريخ العلم الذي نتقاسمه جميعا.

* لقد قمت أثناء إعداد وتصوير برنامجك «العلم والإسلام» بزيارة عدد من الأقطار الإسلامية والعربية، فهل تحدثنا عن انطباعك عن حالة العلم في العالم الإسلامي والعربي؟

- الذي يمكنني قوله هو أن حالة العلم في العالم الإسلامي والعربي في تغير مستمر وسريع، ولكن ما زال الطريق طويلا. في الماضي، كانت الحكومات في العالم الإسلامي تنفق على العلم من أجل التكنولوجيا ولأن العلم يساعد الاقتصاد والدفاع، ولكن إذا أردنا أن يكون لنا شأن عظيم في العلم مثل ما فعل العالم الإسلامي منذ ألف عام، حيث اهتم الحكام والناس بالعلم وأنفقوا عليه وأغدقوا على العلماء، فكانوا لا يتوانون في السؤال عن كل شيء، ولا يقبلون أي شي من دون تفحص واستفسار، فكان «منطق الشك» ظاهرة بمثابة حركة في العالم الإسلامي، حيث كانت لديهم شكوك على بطليموس وجالينوس وغيرهم.

ولهذا، أفرز علماء وفلاسفة أجلاء أمثال جابر بن حيان الكيميائي وابن سينا الفيلسوف والطبيب والخوارزمي عالم الرياضيات وابن الهيثم عالم البصريات وغيرهم. نعم، يجب علينا أن نكون متشككين ولكن لا نهرب، كما يجب علينا ألا نتقبل كل شيء كما هو عليه، بل لا بد أن نسأل ونستفسر ونكون أكثر انفتاحا وتقبلا للأفكار الجديدة، وهذا ما نفتقد إليه اليوم في عالمنا العربي والإسلامي.

* وفي رأيك، ما الذي ينقصنا وما الذي نحتاج إليه؟

- يحتاج العلماء للحرية الكافية لأن يسألوا ويطرحوا ما يرغبون من أسئلة، إذ لا بد ألا يشعروا بأن هناك قيودا بالسياسة أو بالدين، وعليهم أن يكونوا أكثر انفتاحا وتقبلا للأفكار الجديدة. فليس كافيا فقط توفير أموال أو تشييد جامعات فخمة أو امتلاك الكثير من الكتب والمراجع والمعامل المزودة بأحدث الأجهزة والأدوات، وإنما أيضا علي المشتغلين بالعلم أن تتوافر لديهم ما أسميه «روح التقصي المنطقي والرشيد» the spirit of rational enquiry، كما يجب على الحكومات أن تقدم الدعم المادي والمعنوي للعلماء والباحثين، كما فعل البعض من حكام الإغريق وخلفاء المسلمين في العصور الذهبية للعلم. وعلينا التأكيد على أهمية تواصل العلماء مع عامة الجمهور لأن هذا أمر مهم، وأيضا محاولة تصحيح فكرة أن العلم شيء نستورده من الغرب العلماني لدى البعض من الناس في عالمنا الإسلامي والعربي، علينا أن نهتم بالتطوير والتحديث المستمر للمناهج الدراسية لمواكبة الجديد والحديث في مجالي العلم والتكنولوجيا، وكذلك تحفيز وتشجيع الناشئة للاهتمام بالعلم والتخصص فيه لأن هذا مفتاح الرقي، للنهوض بركب العالم المتقدم. نحن في حاجة أيضا إلى حركة ترجمة نشطة، وأعتقد أن هناك دولا الآن، مثل تركيا وإيران ومصر ودول الخليج العربي وخاصة السعودية وقطر، تنفق على التعليم وتقوم بتمويل الكثير من الأبحاث والمشاريع العلمية الواعدة.

* هل ترى أننا في وقتنا هذا بحاجة إلى «بيت الحكمة»؟

- بكل تأكيد! هناك جامعة جديدة تقع على ساحل جدة بالسعودية هي «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا» التي أسسها ويرعاها الملك عبد الله بن عبد العزيز، فهو الذي أكد بقوله: «أريد لجامعة الملك عبد الله أن تكون بيت الحكمة الجديد»، نعم هذه هي البداية الحالية، وأعتقد أنها ستكون بيت الحكمة، إذا تم استقطاب الكثير من علماء المسلمين والعرب وهم على قدر عال من الكفاءة، وخاصة الذين يعملون في الخارج.

* لماذا أحببت العلم وبرعت فيه وتخصصت بعلم الفيزياء؟

- أعتقد أنه وللسبب نفسه في جميع أرجاء المعمورة، فالفرد يصبح مغمورا بالعلم إذا كان لديه معلمون أكفاء يلهمونه، فأنا كنت محظوظا! فمدرس الفيزياء في مدرستي في بغداد بالعراق كان دائما ما يشجعني على السؤال والحوار البناء ولهذا عشقت مادة الفيزياء وبعدها ما التفت قط ورائي. لا بد أن يكون هناك إلهام المدرسين للطلاب بتشجيع ملكة الفضول لديهم وتحفيزهم على السؤال، وخاصة «لماذا وماذا لو؟ وأيضا إلهام المناهج الدراسية التي تشجع الطلاب على الاستمتاع والتشوق وحب العلم والمعرفة، وعلينا التخلص تماما من أسلوب التلقين والتحفيظ.

* وأخيرا، ما نصيحتكم لمن يرغب في العمل في مجال الإعلام العلمي؟

- أعتقد أن الإعلام العلمي من أروع المجالات وأكثرها إثارة ومتعة، فليس هناك أجمل من أن يكون الإنسان فضوليا وأن يسأل دائما ويمعن الفكر في شؤون العلم وقضاياه، فنصيحتي لمن يرغب في دخول عالم الإعلام العلمي أن يعشق عمله ويخلص فيه ويتحرى الدقة دائما.