«ندا» شهيدة الانتخابات الإيرانية تحصد جائزة رابطة المراسلين الأجانب البريطانية

عمدة لندن الضيف الرئيسي جاء إلى مقر الحفل مستقلا دراجته.. وتحدث عن البيئة وتطوير خطط المواصلات

المخرج البريطاني أنتوني توماس والمصور الإيراني سعيد كمال الفائزان بالجائز الكبرى لرابطة المراسلين الأجانب في بريطانيا عن فيلم «من أجل ندا» («الشرق الأوسط»)
TT

حصد فيلم «من أجل ندا» الوثائقي عن شهيدة الانتخابات الرئاسية الإيرانية الجائزة الكبرى لرابطة المراسلين الأجانب في بريطانيا أول من أمس، وفاز بالجائزة المخرج البريطاني الشهير أنتوني توماس والمصور الإيراني سعيد كمال، والفيلم من إنتاج محطة «إتش بي أو». وشارك في الحفل الذي أقيم بفندق «شيراتون بارك لين» أول من أمس أكثر من 400 مشارك من كبار رجال الإعلام العاملين في الصحافة المكتوبة والتلفزيون والإذاعة والمواقع الإلكترونية. ورعى جوائز الحفل 15 هيئة ومؤسسة كبرى أبرزها مملكة البحرين، وجريدة العرب الدولية «الشرق الأوسط» التي كانت من أبرز الداعمين لرابطة المراسلين الأجانب منذ أن بدأ الاحتفال بالجوائز قبل 11 عاما. وكان عمدة لندن بوريس جونسون الضيف الرئيسي لحفل رابطة المراسلين الأجانب في لندن أول من أمس، وتحدث جونسون الذي جاء إلى مقر الحفل في فندق «شيراتون بارك لين» بوسط لندن وهو يستقل دراجته الهوائية كنوع من تشجيع البريطانيين على المحافظة على البيئة وتقليل استخدام السيارات، عن مشاريع تطوير وسائل المواصلات لإبراز وجه لندن الحضاري، والمعروف أن عمدة لندن يواظب على ركوب دراجته من وإلى مقر عمله.

وبطريقته الساخرة، قال إن العيش في لندن بالنسبة للصحافيين والمراسلين الأجانب أفضل من العيش في باريس وروما. وتطرق أيضا إلى المبادرة التي نفذها بتوفير دراجات لنقل المواطنين بين أحياء العاصمة البريطانية، مشيرا إلى أن المشروع حقق نجاحا كبيرا في إقبال البريطانيين على ركوب الدراجات وتخفيف الزحام المروري في شوارع العاصمة البريطانية، مشيرا إلى أن أربع دراجات فقط سرقت حتى الآن، وكان جونسون ساخرا بطريقته المعهودة، وأبدى اهتماما كبيرا بجوائز رابطة المراسلين الأجانب. إلى ذلك، تميزت جوائز هذا العام بغزارتها، وكان هناك 190 مشاركا مرشحين لجوائز الرابطة السنوية، بأصنافها المختلفة لأفضل التقارير المكتوبة، وكذلك أفضل الأعمال التلفزيونية مثل الأفلام الوثائقية، وجائزة خاصة لأفضل تقارير الأحداث الجارية، وكذلك جائزة عن الموضوعات الاقتصادية سواء تلفزيونيا أو تحريريا، وكانت هناك جائزة خاصة للعام الثاني على التوالي لأفضل عمل صحافي في مجال السفر والسياحة، وكانت هناك جائزة خاصة لأفضل عمل صحافي قدمه مراسل أجنبي في بريطانيا، وقد قدم عمدة لندن بنفسه الجائزة للفائزة كاثرين مديرة مكتب مجلة «تايم» في لندن، ولأول مرة كانت هناك جائزة خاصة لتطوير المواقع الإلكترونية والأعمال الصحافية الموجودة على الإنترنت، وفازت بها «بي بي سي» عن تغطية الانتخابات البرلمانية البريطانية. وألقى حسني الإمام رئيس رابطة المراسلين الأجانب كلمة في بداية الحفل رحب فيها بعمدة لندن وبالحضور وشكر الداعمين للجوائز السنوية للمراسلين الأجانب. كما ألقى الشيخ خليفة بن علي آل خليفة بالنيابة عن وزير الإعلام البحريني الشيخ فواز بن محمد خليفة كلمة باعتبار أن البحرين الداعم الرئيسي للمسابقة. وقام الزميل سلمان الدوسري مساعد رئيس تحرير جريدة العرب الدولية بتسليم جائزة «الشرق الأوسط» إلى دان ماكجويل مراسل مجلة «لايف» و«ميل» و «صنداي» عن تحقيقاته الصحافية حول «عودة الماس الدموي» في جنوب أفريقيا.

وعن فيلمه الفائز بأفضل جائزة في رابطة المراسلين الأجانب، يقول المصور الإيراني سعيد كمال: «قتلت ندا سلطاني في أعقاب الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتنازع عليها التي أقيمت في يونيو (حزيران)، وقد انتشر فيديو مصرعها في العالم أجمع في غضون دقائق معدودة».

يلقي الفيلم الذي يحمل عنوان «من أجل ندا» الضوء على حياتها وموتها، من خلال سلسلة من المقابلات التي تجرى للمرة الأولى مع عائلتها إلى جانب بعض من مقاطع الفيديو التي تتناول حياتها قبل وبعد مصرعها. وتحولت ندا إلى رمز للاحتجاج الشعبي والقمع الذي تلاه إثر إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا لإيران في 12 يونيو 2009.

قام بإخراج الفيلم، الذي كان فكرة شركة «منتورن ميديا» وقناة «إتش بي أو»، المخرج البريطاني الشهير أنتوني توماس. ويضيف: «تعود أولى تجاربي مع قصة ندا إلى الفترة التي عملت فيها مراسلا مقيما لصحيفة (الغارديان) في طهران. وقد طلب مني في تلك الفترة أن أجري مقابلة مع عائلة سلطاني. لم تتوافر معلومات عن ندا سوى اسمها الأول، وكانت هناك بعض التكهنات بشأن سنها ومهنتها. بيد أنني تمكنت من التوصل إلى اسم عائلتها بفضل مكالمة من صديق لي يعرف شخصا في حيها، وكتب مقالا لصحيفة (الغارديان) باسم مستعار. وعندما عدت إلى إيران، هذه المرة من أجل الفيلم، لم أكن أدري أين سيمكنني العثور على طاقم للعمل معي في مهمة سرية في طهران، أو حتى ما إذا كانت العائلة ستوافق على المقابلة أم لا. كانت العائلة وهواتفها تخضع للرقابة، لذا لم أتمكن من الاتصال بهم بصورة مباشرة في بداية الأمر. لكن بعد بضعة أيام من وصولي إلى طهران تلقيت رسالة بموافقتهم على إجراء المقابلة معي.

كانت المشكلة التي واجهتني بعد ذلك تتمثل في العثور على مصور للعمل معي، فكوني مصورا صحافيا طوال حياتي، لم تتوافر لي الخبرة في العمل مع كاميرات الفيديو، لكني قمت في النهاية باصطحاب كاميرا فيديو لتسجيل المقابلات، وهو ما أنقذ المشروع.

حقيقة الأمر، أعتقد أن ذلك كان أفضل من الحصول على مصور محترف معي، لأن ذلك أعطى المقابلات كثيرا من المصداقية، وقد ساعدني ذلك كثيرا في الدخول والخروج من المنزل بسهولة دون لفت الأنظار.

لن أنسى اليوم الأول الذي توجهت فيه إلى منزل ندا. عندما قرعت الجرس شعرت باضطراب في معدتي خشية أن يلقي أحدهم القبض على في أية لحظة.

قبل وصولي إلى منزل العائلة، اعتبرت ندا رمزا للحرية، لكني اكتشفت لاحقا أنها كشخص شعرت أنني أعرفها لسنوات. كانت فتاة كملايين غيرها في إيران، رغبت في قدر ولو ضئيل من الحرية الشخصية. فتاة لم تنخرط يوما في العمل السياسي، بل إنها حتى لم تشارك في التصويت، لكن روحها الحرة أبت السكوت في مواجهة قتل الحكومة الإيرانية لأبناء بلدها.

كانت الحكومة قد نسجت كثيرا من الروايات الكاذبة في أعقاب مقتل ندا، بدأت بالزعم بأنها لا تزال حية وتعيش في سعادة في اليونان، ثم زعموا أنها قتلت على يد مراسل (بي بي سي) في طهران، ثم عادوا بعد ذلك ليتهموا الحركة الخضراء بقتلها، ثم في مرحلة تالية وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية».

يقول سعيد كمال: «بعد قضاء شهر في طهران أجريت مقابلات مع كل أفراد العائلة، كان علي العثور على طريق لخروج الأشرطة من البلاد. لم أتمكن من العثور على شخص قادر على المساعدة، لذا وضعت الشرائط الخمسة عشرة في حقيبة أمتعتي وغادرت طهران إلى لندن. ولا أزال أتذكر كم التوتر والقلق الذي عانيته عندما تأجل ميعاد الرحلة ثلاث ساعات. قضيت الساعات الثلاث وأنا معتقد أن السلطات الإيرانية في طريقها إليّ.

بعدما وصلت الأشرطة إلى لندن عمل أنتوني توماس بدوام كامل على الفيلم حتى انتهى منه. ولحسن الحظ وافقت قناة (إتش بي أو) وشركة (منتورن ميديا) على إعداد نسختين؛ إحداهما عربية والأخرى فارسية إلى جانب النسخة الإنجليزية من الفيلم. تم نشر الفيلم بأكمله على (يوتيوب) قبل العرض الرسمي له وباللغات الثلاث ويمكن تحميله من (This is For Neda)، وعلى الرغم من فصل الحكومة الإيرانية التيار الكهربي عن بعض الأماكن في إيران عندما عرض (صوت أميركا) النسخة الفارسية للمرة الأولى قبل يومين، فإنه ينتشر الآن في كل إيران، وقد شاهده الملايين على شاشة التلفزيون، وشاهده البعض على شبكة الإنترنت وآخرون قاموا بتوزيعه مجانا.

وعبثا حاولت الحكومة الإيرانية التقليل من تأثير موت ندا. فحتى الآن، قامت الحكومة بتسجيل فيلمين وثائقيين، سيذاع أحدثهما في الذكر الأولى لمقتلها على القناة الرسمية الإيرانية. وقد أمرت السلطات عائلة ندا بعدم الحديث إلى الصحافة وضغطت عليهم للمشاركة في الفيلم الوثائقي الرسمي حول قصة ندا، لكنهم رفضوا. النظام إيراني معقد في قمعه، فهو يستخدم كل الوسائل التقنية في مساعيه لفرض روايته للحقائق، كما أنه يتخذ خطوات وقائية، فغالبا ما يتوقع الخطوة التالية للمعارضة. ولعل الأفلام الوثائقية التي أعدها النظام عن ندا أحد الأمثلة على ذلك. يجب على معارضي النظام تبني وسيلة أكثر تعقيدا، أيضا، خاصة في وقت تقمع فيه مظاهرات الشوارع. ولعل السبب في ذلك أننا بحاجة إلى أفلام مثل (من أجل ندا)».

وكانت قناة «إتش بي أو» سعت وبقوة إلى تسجيل فيلم وثائقي عن المعارضة الإيرانية ندا سلطاني، الذي شاهده كثيرون داخل إيران مع اقتراب الذكرى السنوية لمصرعها خلال المظاهرات المناوئة للحكومة.

وعرض فيلم «من أجل ندا» على شبكة الإنترنت وعبر قناة «صوت أميركا» في إيران قبل عرضه رسميا على التلفزيون الأميركي، في خطوة غير معتادة لشبكة كابلية عادة ما تقوم على حماية المواد الخاصة بها لصالح مشتركيها.

وكانت طالبة الموسيقى الإيرانية البالغة من العمر 27 عاما قد أصيبت برصاصة في القلب في 20 يونيو (حزيران) الماضي 2009، وفي أعقاب صور المظاهرات التي توثق مقتلها على الهواتف الجوالة، تحولت إلى رمز للحرية للحركة المتزايدة للاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية المشكوك فيها.

وقال أنتوني توماس، الذي كتب وأنتج الفيلم الوثائقي: «لم أكن أرغب في أن يشعر الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع وخاطروا بحياتهم بشجاعة أن العالم تجاهل ما حدث ونسيهم».

يعرض الفيلم مشاهد يصعب تحملها لندا وهي ممدة في الشارع والدماء تسيل على وجهها وقد زاغت عيناها، كما يعرض أيضا صورا وحشية للقوات الإيرانية وهي تضرب المتظاهرين.

وبمساعدة صحافي تمكن من التسلل إلى إيران، يضم فيلم «من أجل ندا» مقابلات مع أصدقائها، والأهم من ذلك مع عائلتها. وقد عرضت والدة ندا المكلومة ثوبا زاهيا لابنتها اشترته قبل مصرعها بأيام، وكانت بطاقة السعر لا تزال على الثوب.

وبدلا من أن تخشى العائلة عاقبة الظهور في الفيلم، تعتقد عائلة سلطاني أن ظهروها في الفيلم أكثر أمنا بالنسبة لها، فلا ترغب السلطات في عودة المظاهرات للشوارع إذا ما تعرضت بسوء للعائلة، على حسب قول توماس. ويرى القائمون على الفيلم أهمية عرضه في إيران كما هي الحال في خارجها. وقد تعاون صناع الفيلم مع أوستن هيب، المدير التنفيذي لمركز أبحاث الرقابة، التقني الذي ساعد في تطوير وسائل للمحتجين الإيرانيين للتواصل بعضهم مع بعض عبر الإنترنت العام الماضي على الرغم من محاولات السلطة حجب هذه الاتصالات.

وقد وضعوا خطة لعرض فيلم «من أجل ندا» على موقع شبكة الأخبار الفارسية التابع لإذاعة «صوت أميركا» بدءا من الثاني من يونيو (حزيران). ويتم تمويل «شبكة الأخبار الفارسية» من الحكومة الأميركية، وتعد واحدة من الشبكات الأجنبية الأكثر شعبية داخل إيران.

وقد تلقى موقع «شبكة الأخبار الفارسية» التابع لإذاعة «صوت أميركا» كثيرا من الرسائل من أشخاص داخل إيران شاهدوا الفيلم، على حسب قول، كيلي كينغ، المتحدث باسم «صوت أميركا».