جاكلين كنيدي.. المحررة التي أصبحت موضوعا

شغفها بالكتابة يكشف الفكر الذي يختفي وراء المرأة التي تتابع الموضة والعقل التحليلي

جاكلين كنيدي أوناسيس (نيويورك تايمز)
TT

لا يهم إذا ما كان مطعم «سيرنديبيتي» الذي يقع في شارع إيست سيكستيث بحي مانهاتن قدم بالفعل شطائر هوت دوغ طولها قدم عام 1975 أو الشوكولاته الساخنة المجمدة، ذلك أن أيا من نان تاليس أو جاكلين كنيدي أوناسيس لم تكن لتطلبهما على أي حال.

تقول نان تاليس، التي عملت كمحررة لفترة طويلة وذهبت إلى المطعم بعد فترة طويلة من هذا اللقاء: «لا أعتقد أنني لاحظت ما طلبناه، فقد كنا هناك للتحدث عن الكتب».

تم ترتيب موعد الغداء بفضل صديق مشترك هو المخرج بيتر ديفيس لأن جاكلين، التي كانت في الـ46 وقتها، كانت في بداية عملها في مجال النشر وأعتقد بيتر أنه يمكن لنان، التي كانت محررة بدار نشر «سيمون أند شوستر» آنذاك، أن تسدي لها بعض النصائح. وتقول نان التي بلغت الـ76 من العمر: «لقد تحدثنا عن أطفالنا وحياتنا المشحونة في نيويورك».

نشب نزاع الآن، كما يحدث عادة بين الأطفال، لكنه في هذه الحالة بين مؤلفي كتابين متنافسين عن الفترة التي قضتها جاكلين في مجال النشر. الكتاب الأول هو «قراءة جاكي: سيرتها الذاتية كما جاءت في الكتب» لويليام كوهن، كاتب سير ذاتية ومؤرخ وستنشره دار نشر «دابلداي» في 7 ديسمبر (كانون الأول) بعد فترة من الامتناع عن نشر أي شيء عن جاكلين التي كانت تعمل لديها في السابق. الكتاب الثاني هو «جاكي كمحررة: الحياة الأدبية لجاكلين كنيدي أوناسيس» لغريغ لورانس، الذي ألف بالاشتراك مع غيلسي كيركلاند، زوجته السابقة وراقصة الباليه، المذكرات الصريحة «الرقص فوق قبري» عن جاكلين عام 1986. وسيصدر هذا الكتاب عن دار نشر «توماس دون بوكس» / «سانت مارتينز بريس».

وكان من المقرر أن تصدر دار نشر «دابلداي» الكتاب في بداية عام 2011، لكنها قامت بتأجيل النشر عندما علمت أنه من المقرر نشر كتاب لورانس في 4 يناير (كانون الثاني) على حد قول نان التي كانت مصدرا مهما للمعلومات بالنسبة إلى كوهن وكذلك إلى ناشره. وسارعت دار نشر «سانت مارتينز» باتخاذ قرار إصدار كتاب «جاكي كمحررة» في منتصف ديسمبر كما أكدت لورين جاغرز، أحد مسؤولي الدعاية لدى الشركة، معولة دعائيا على المقتطف الذي سينشر منه في عدد يناير من مجلة «فانيتي فير».

لم يبال لورانس، الذي يعيش في حي «أبار ويست سايد»، بهذه المنافسة، حيث يقول في مكالمة هاتفية: «لم تكن نان الناشرة المفضلة لجاكي، فقد كانت العلاقة شخصية. وما كانت جاكلين لتستعين بهذا الكاتب الآخر لنشر سيرتها». رد كوهن من جامعة كمبريدج بولاية ماساتشوستس قائلا «عندما أجريت مقابلة مع زملاء جاكي في دار نشر دابلداي أخبروني أن الانطباع الذي خلفه غريغ لورانس لديهم أثناء عملها معه هو أنه كان رجلا صعب المراس».

وأضاف كوهن أنه عندما حصلت دار نشر «دابلداي» على حق نشر كتابه عام 2008 من ديفيد كوهن، الوكيل الأدبي والمحرر السابق بمجلة «فانيتي فير»: «اتصل غريغ لورانس بمساعد نان وأخبره أن لديه وثائق مثيرة للغاية يريد أن يطلعني عليها، ومن ثم أخبرته أنني بصدد عمل عن عمل جاكي كمحررة فقال لي إنه سأؤلف كتاب عن ذلك بنفسي ووضع سماعة الهاتف».

بغض النظر عن التنازع، أكد الكتابان أن شغف جاكلين بالكتابة طوال حياتها وقضاءها عقدين من الزمن في مجال النشر يكشفان الكثير من جوانب شخصيتها مثل الفكر الذي يختفي وراء المرأة التي تتابع الموضة والعقل التحليلي وراء الوجه الشهير. حيث يتحدث كوهن عن الفتاة الصغيرة التي كانت تتسلل لتأخذ كتبا من مكتبة والدتها التي لم تكن تسمح لنانسي توكرمان، رفيقتها في الغرفة في مدرسة «ميس بورتر»، أن تعطلها عن القراءة والتي كبرت لتعمل كمحررة لسنوات كثيرة قبل أن تصبح سيدة أولى وزوجة أحد عمالقة الشحن اليونانيين.

عندما تناولت جاكلين الغداء مع نان كانت وقتها محررة استشارية بدار نشر «فايكينغ» وكان تتقاضى 200 دولار أسبوعيا. ويروي الكتابان كيف انتقلت للعمل في دار نشر «دابلداي» التي عملت بها نان بعد ذلك ببضع سنوات، بعد خلاف مع توماس غوينزبيرغ، مدير دار نشر «فايكينغ» على خلفية نشر كتاب «هل نخبر الرئيس» البوليسي عن مخطط الاغتيال لجيفري أرشار، الذي صور به إدوارد كنيدي رئيسا لأميركا. كان مكتب نان في «دابلداي» مجاورا لمكتب ستيف روبين الذي كان الناشر وقتها. تقول نان: «كان الجميع يصطفون أمام مكتبي في انتظار أن يروه وكانت جاكي من ضمنهم».

يتذكر زملاء جاكلين، بحسب رواية كلا الكتابين، مكتب جاكلين الصغير ونظارتها الضخمة وشعرها الذي تفوح منه رائحة السجائر. كان من بين أنواع الكتب التي تختارها جاكلين، المرأة التي حافظت على أسطورة زوجها في كاميلوت، تلك التي تشمل التاريخ الثقافي لحياة الحاشية الملكية وقوة وآليات الأسطورة وسير النساء غير العاديات وبطلات الحقوق المدنية والكتب التي تترك على المناضد لتسلية الناس أثناء فترة الانتظار، والتي تحتفي بالعصور الذهبية الماضية وكتب عن الرقص. وقد استطاعت كارلي سيمون، جارة مارثا في حي فاين يارد، أن تؤلف كتبا للأطفال ووقعت على عقد نشر كتاب «مون واك» لمايكل جاكسون الذي أثار صخبا وحقق أعلى المبيعات.

لاحظت نان، التي تزوجت عام 1959 من غاي تاليس، أن الملكات الفكرية لجاكلين ظهرت مبكرا كشخصية عامة. وتقول نان: «أتذكر كيف جعلت جنازة كنيدي مشابهة لجنازة لينكولن مما أوضح إدراكها لتاريخ أميركا والمعنى الرمزي الذي تمثله أميركا للعالم وكم كان هذا مناسبا. لقد نشأنا خلال حقبة لم تكن النساء ينظر إليهن بجدية ولا يمكن للمرء أن يتغلب على ذلك. أعتقد أنه لهذا السبب قبلت بوظيفة تستطيع من خلالها استخدام ملكاتها الفكرية».

اختارت نان صورة فوتوغرافية لجاكلين بعدسة ألفريد أيزنستادت وتجلس جاكلين في الصورة على مكتب حيث اعتادت أن تتناول غداء من الجزر والكرفس، حيث كانت تتبع حمية غذائية قاسية، بينما ترتدي سترة معقودة حول عنقها. تقول نان: «ذهبت في يوم من الأيام إلى العمل وأنا ألف السترة حول عنقي بهذه الطريقة فقالت لي إنها نسيت تماما هذا الأمر، لك مطلق الحرية في أن تقومي بذلك أو لا تقومي. لكننا رغبنا جميعا في ذلك».

قالت نان إنها اكتشفت تمتع زميلتها في العمل بحس الدعابة، حيث توضح قائلة: «ذات يوم عندما كانت في المصعد قال لها أحدهم يا إلهي! إنك جاكي أوناسيس فقالت له: لا لست أنا».

وأشار لورانس أثناء مكالمة هاتفية لجانب آخر، فعندما كان يكتب هو وغيلسي كيركلاند كتاب «الرقص على قبري»، «كانت جاكلين تتصل هاتفيا بغيلسي وبي وتقرأ لنا الأجزاء التي أرسلناها إليها من الكتاب بصوت مرتفع وكنا نسمع التذبذب في نبرات صوتها نتيجة انفعالها».

ويتناول لورانس شخصية جاكلين في كتابه عن سيرة حياتها كمحاربة مثابرة في مواجهة تكتل متنام من الناشرين، فقد استحوذت الشركة الألمانية «بيرتلسمان» على دار نشر «دابلداي» عام 1986 وأعقب ذلك تقليص الميزانية، لكن نان قالت: «لقد كان لنا الذوق الجمالي نفسه حيث كنا نختار الكتب الجيدة ويعني هذا أنه إذا كنت تريد هذا العمل المكلف، فعليك أن تعرف كيف تقوم بذلك. فقد وقعت على تعاقد بنشر رواية لروث براور جاهبفالا وقالت لي: أحيانا على المرء أن يقوم بشيء يمس روحه».

لكن جاكلين كانت تدرك قيمة اسمها بالنسبة للشركة، حيث توضح نان أنه خلال الفترة التي كان يرأس بها ألبرتو فيتال دار نشر «بانتام دابلداي ديل»: «لقد قالت لي ذات مرة: إنني الصياد وألعب هذا الدور عندما يرغبون ذلك». وحين فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام 1988 «وكان الجميع يسعون وراءه، طلب ألبرتو من جاكي أن تتصل به وكانت تعرف السبب وهو أنها تستطيع أن تحصل منه على رد».

وأعرب كوهن عن اعتقاده بأنه وجدها «أكثر تعجرفا، ولكنها أيضا أكثر اطلاعا عما كان يحسبه».

في دار نشر «دابلداي» حيث كانت جاكلين تتبادل أدوارها بين العمل في المكتب والعمل في منازلها، ارتفع راتبها إلى 100 ألف دولار بحسب ما جاء في كتاب «قراءة جاكي». لم يحدد بعد من الذي كان يدفع ثمن الزهور التي كانت ترسلها جاكي للمؤلفين عند صدور كتبهم أو نسخ كتبهم المغلفة بالجلد التي يحصلون عليها. وكانت جاكلين تثير ضجة بشأن شكل أو تصميم أي عمل تقوم به، حيث تقول نان: «لقد كانت في اجتماع عندما قدمت لها كتابا بعنوان (الكتاب القبعة) لرودني سميث الذي كان سيأتي حوله رباط أحمر اللون، فقالت جاكلين: لماذا الرباط؟، وكان غلاف كتاب (قراءة جاكي) بشريط أحمر عليه جزء من عنوان الكتاب ملفوف حول الكتاب. وكان هذا يبدو مثل الشريط في تلك الأيام».

وتتذكر نان أنه خلال تناولهما الغداء معا ذات مرة، علمتها جاكلين، الهاوية في مجال النشر، عن غير قصد درسا مفيدا في أدبيات المهنة، حيث توضح نان قائلة: «لم يقدموا لنا فاتورة وأدركت أنها دفعت الحساب بكارت الائتمان أو أن لديها حسابا في ذلك المطعم. وقد تعلمت من ذلك فلم يكن هناك الكثير من السيدات يعملن في مجال النشر آنذاك».

* خدمة «نيويورك تايمز»