عراقيون يلجأون لبرنامج تلفزيوني لعرض معاناتهم في فقدان أبنائهم

رياض البرزنجي: أحد أشقائي وشهداء القناة وراء فكرة البرنامج > سهير العزاوي: تعرضت للتهديد من جهات مجهولة

عراقية تعرض صورة أحد أقاربها المفقودين عبر برنامج «نصير المظلومين» (نيويورك تايمز)
TT

كانت لحكاية شقيق رياض البرزنجي، صاحب فكرة برنامج «نصير المظلومين»، الذي تعرضه قناة «بغداد» الفضائية، الفضل الأول لأن يظهر على شاشات التلفزيون ويكون منبرا للكثير من العوائل العراقية في محافظات العراق، شمالها وجنوبها، ممن فقدوا أحباءهم جراء أعمال العنف، أو ممن تم اعتقالهم في أماكن ما زالوا يجهلونها أو يجهلون القضايا التي اتهموا بها، فشقيق رياض، وبحسب البرزنجي فقد عام 2006 ولم يتم العثور عليه لحد الآن، وحاله حال الكثير من العراقيين ممن واجهوا نفس المصير أثناء فترة العنف الطائفي لعامي 2006 و2007.

الفكرة انطلقت من الألم الخاص إضافة إلى الألم الذي يشعر به العاملون في قناة «بغداد» الفضائية بعد أن خسروا أكثر من 14 منتسبا بسبب اعتقالهم ومثلهم قتلوا أو فقدوا أيضا فهم يواجهون التحديات بشكل يومي، وبعضهم يخفي أنه يعمل في قناة فضائية خوفا من استهدافه ومن يظهر على شاشات القناة يحاول بقدر ما استطاع من إمكانيات بسيطة أن يحمي نفسه بعدم الوجود في الأماكن العامة.

ويشير البرزنجي إلى أن أربعة أعوام مضت لم ير فيها هذا البرنامج النور، وقد تم بثه بداية هذا العام، وما إن ظهرت المذيعة الشابة على شاشات التلفزيون وهي تدعو العوائل للاتصال لطرح حكايتها مباشرة أمام الرأي العام حتى بدأت مئات المكالمات تتواصل في محاولة من تلك العوائل لإيجاد طريق جديد للبحث عن مفقودين أو معتقلين لم يعرف طريقهم بعد.

وتؤكد أم شهاب، إحدى الأمهات اللاتي اعتقلت أولادهن عام 2007، أنها تتواصل مع هذا البرنامج وتتصل كل يوم سبت بهم لعلها تجد من يسمع صوتها ويبحث معها عن ولدها المعتقل، لكن البرزنجي يؤكد أن مئات العوائل من نساء ورجال يحاولون أن يطرحوا مشكلاتهم عبر البرنامج وقد علق في ذاكرته صوت امرأة انتحبت لفقدان ابنها وأخرى حاولت أن تنشر صورته عبر البرنامج لعل أحدهم التقى به في أحد السجون.

وتؤكد مصادر من داخل القناة لـ«الشرق الأوسط» أن منظمات عراقية اتصلت بالبرنامج وأبلغتهم أن الكثير من الأسماء التي عرضت من خلال العوائل هي أسماء موجودة لديها لكنها لا تستطيع البوح بالأمر لوجود منافذ رسمية أخرى عليها التحرك في هذا الشأن، وتشير المصادر إلى أن رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي السابق حارث العبيدي، الذي تم اغتياله قبل أكثر من عامين كان أحد أهم أسباب الدعوة لمثل هذه البرامج للكشف عن الحقائق وراء عمليات الاعتقال العشوائي وفقدان الكثير من أبناء العراق دون أن تعرف الجهة التي كانت وراء اختفائهم.

وتقول «أم أحمد» إنها اعتادت أن تجلس كل يوم سبت ولمدة 50 دقيقة، وهي المدة التي يتم فيها عرض البرنامج، من أجل أن تركز على الصورة التي تظهر خلف مقدمة البرنامج، لأن أحد الأشخاص خلف القضبان يشبه ابنها وتريد أن تتأكد من الأمر قبل أن تعرف في أي سجن أخذت له الصورة فهي لا تزال تجهل مصير ابنها الذي اعتقل عام 2008.

أما سهير العزاوي، وهي مقدمة البرنامج الذي رفضت تقديمه في بداية الأمر لارتباطه بالسياسة التي لا تحبذها إلا أنها ارتأت أن تعيد النظر بقرارها بعد أن شاهدت المئات من العوائل وهم يتصلون بعد الحلقة الأولى من البرنامج الذي أعدته بعد طرح الفكرة من قبل البرزنجي لوجود الطابع الإنساني فيه، وتؤكد العزاوي أنها تعرضت للتهديد من جهات مجهولة وتمت سرقة سيارتها بعد أربع حلقات من تقديم البرنامج، وهي ما زالت تتعرض للتهديد وتجهل الجهات التي تقوم بهذا الأمر.

وتؤكد العزاوي وهي أم لأربعة أبناء وفي نهاية الثلاثينات من عمرها أن نتائج عروضها لقضايا المعتقلين والمفقودين لم تلمسها بعد وتأمل أن يتصل بها أحدهم ويقول إنه تم الإفراج عنه أو إنه وجد بسبب البرنامج، لكن الأمر لم يحدث لحد الآن، حسب العزاوي.

ويشير أبو فاضل، وهو من أهالي البصرة، إلى أنه اتصل بالبرنامج بعد أن طرق كل الأبواب ليصل إلى ابنه الذي اعتقل أثناء إحدى العمليات العسكرية في جنوب العراق، لكن أبو فاضل ما زال يحاول الاتصال كل أسبوع بالبرنامج لعل أحدهم يسمع صوته ويقول له أين يجد ولده الذي فارقه منذ ثلاث سنوات.

وتهتم قناة «بغداد» الفضائية بالشأن العراقي، حالها حال قنوات أخرى غير رسمية، وتنظر بعين الاعتبار للحالة العراقية، وما مر بها من أحداث أفرزت مزيجا من الآلام والمعاناة، فأخذت على عاتقها هموم الشعب العراقي وجوانبه الإنسانية، وبدأت تسلط الضوء على تلك الجوانب، وذلك من خلال سلسلة من تقارير وتحقيقات تلفزيونية، كما يشير برنامج «إيد الخير» وبرنامج «في بيوت الناس» الذي كان يفتش على الفقراء والمساكين والمتعففين بين أزقة وخرابات بيوت مناطق الموصل.

ولم تكن قناة «بغداد» بعيدة عن الشأن السياسي العراقي كما يقول مدير القناة رياض البرزنجي وهو صاحب فكرة برنامج «نصير المظلومين» فقد كانت تغطيتها واسعة لهذا الشأن.

وقدمت القناة 13 من منتسبيها إضافة لجرحى وقتلى آخرين في استهداف القناة بسيارة مفخخة عام 2007 وتمتلك قناة «بغداد» التي تأسست عام 2004 شبكة من المراسلين في جميع محافظات العراق معلنين عن ملفات هموم وقضايا المجتمع العراقي بأسره، ومن تلك الملفات «ملف المعتقلين»، و«الدفاع عن حرية الصحافة والرأي» و«ملف عودة الجيش العراقي» و«عودة المهجرين والمهاجرين إلى أوطانهم» و«الدفاع عن اللحمة الوطنية ووحدة العراق أرضا وشعبا وضد كل محاولة للتجزئة».